(أ) مداخلات سلاي
حسبما أوضحتُ في المقدمة تنتهي مسرحية ترويض الشرسة التي كتبها
شيكسبير ونُشرت في أعماله الكاملة (طبعة الفوليو) عام ١٦٢٣م أول
مرة، من دون الإشارة إلى الإطار الميتامسرحي الاستهلالي؛ وهو الذي
أصبح يطلق عليه «المدخل» (induction) منذ
أن اختار له الشاعر ألكسندر بوب هذا الاسم بمشهديه. ولكن المسرحية
المجهولة المؤلِّف، والتي تمثل صورةً مصغرةً لنصِّ شيكسبير (إذ لا
يزيد عدد أسطرها عن ٦٠٪ من مسرحية شيكسبير)، وتنشرها الأستاذة
باربرا هودجدون في طبعة آردن مصوَّرة من طبعة الكوارتو عام ١٩٩٤م،
والتي تُعتبر صورةً لما استطاع الممثلون والملقِّنون تذكُّره من
نصِّ شيكسبير، تتضمن مشاركةً لشخصية «سلاي»، الصعلوك المخمور الذي
يقوم «ببطولة» المدخل؛ في أكثر من مشهد من مشاهد هذه المسرحية
المُملاة من الذاكرة. فالواقع أن بعض المُخرجين المحدثين يصرون على
إقامة هذا الإطار الميتامسرحي، أي الذي يجعل مسرحية شيكسيير
«مسرحية داخل مسرحية»، ومن ثَم يفترضون أن المسرحية المُملاة من
الذاكرة تمثل صورةً أولى (وأصدق) للأصل الشيكسبيري الذي فُقد ولم
يُطبع قطُّ في حياة الشاعر أو بعد مماته، ولذلك يستعينون بمداخلات
سلاي في النصِّ القصير الذي يتميز بعنوان مختلف بعض الشيء؛ إذ يشير
إلى المسرحية باسم ترويض امرأة شرسة (The Taming of a
shrew) لا بعنوان
شيكسبير وهو ترويض الشرسة (The Taming of the
shrew) ولذلك وجدتُ
لزامًا عليَّ أن أقدِّم هذه المداخلات، وإن كان المُخرجون يختلفون
في مدى انتفاعهم بها، كما يختلف النقاد والمحررون في افتراض
الأماكن التي تقع فيها في مسرحية شيكسبير. وقد عكفتُ على دراسةٍ ما
يقوله المُخرجون والمحررون عن أماكن المداخلات المحتمَلة حتى
استطعت التوصل إلى ما أراه صورةً مرجَّحة لها. وفيما يلي ترجماتٌ
لها مع مقدمات موجزة تبين سياقها المحتمل في نصِّ شيكسبير.
في الفصل الثاني من مسرحية ترويض الشرسة يطلب بابتيستا من
هورتنسو (المتنكر في دور معلم موسيقى) ومن لوسنتو (المتنكر في دور
أستاذ اللغات الكلاسيكية) أن ينطلقا لتعليم ابنتيه، ثم يطلب من
بتروشيو أن يتنزَّه معه في الحديقة. وتقابل هذه اللحظة، في السطر
٢ / ١ / ١١٢ تدخل سلاي في المسرحية مجهولة المؤلِّف مخاطبًا اللورد
الذي سبق أن ذُكر أن اسمه «سيم»؛ مطالبًا إياه بعودة المهرِّج الذي
يعادل عند شيكسبير شخصية جروميو.
سلاي
:
أين يا سيمُ المهرِّج؟ قُلْ متى يرجعْ؟
اللورد
:
يعودُ يا مولاي بعد بُرهةٍ.
سلاي
:
آتِنا بعضَ الشرابِ الآن بالله هُنا!
أين ولَّى صاحبُ الحان؟
اللورد
:
آكلُ الآن قليلًا منها.
سلاي
:
ارفع الكأس أيا سيمُ ودعني أشربُ الساعة نخبك.
اللورد
:
مولاي عادت فرقةُ التمثيلْ.
سلاي
:
انظرْ إذَن! هاتان سيدتانِ راقيتانِ.
ويتلو ذلك مشهدٌ هزلي قصير يحاول فيه فاليريا خادم أوريليوس
(الذي يقابل لوسنتو عند شيكسبير) تعليم عزف العود للآنسة كيت التي
تسبُّ وتلعن؛ وهو يتفق مع المشهد الذي يبدأ في ٢ / ١ / ١٤٩ في
مسرحية شيكسبير.
(٢) يتدخل سلاي في الحوار من جديد في لحظةٍ تقع ما بين ٤ / ٤
و٤ / ٥ في مسرحية شيكسبير، حيث نرى أوريليوس (لوسنتو) وبوليدور
(هورتنسو) وقد خرجا لتوِّهما حتى يتزوجا ابنتَي ألفونصو
(بابتيستا). وأمَّا فيراندو (بتروشيو) وكيت وساندر (جروميو)
فيوشكون أن يدخلوا لأداء مشهد «الشمس والقمر». وفيما يلي هذا
التدخل:
سلاي
:
اسمع يا سيم. ألا بُدَّ أن يتزوجوا الآن؟
اللورد
:
نعم يا مولاي.
سلاي
:
انظر يا سيم. لقد عاد المهرِّج.
(٣) يتدخل سلاي في الحوار بعد ذلك في ٥ / ١ عند فرار بيونديلو
وترانيو والتاجر بعد انكشاف أمرهم في السطر ٥ / ١ / ١٠٢ عند
شيكسبير، حين يصدر الدوق سيستوس (المقابل لفنشنتو الحقيقي) أمرًا
بالقبض عليهم وإيداعهم السجن. وفيما يلي المداخلة.
سلاي
:
لن يُرسَلَ أحدٌ للسجْنِ أقولْ.
اللورد
:
مَوْلَاي ذاك تمثيلٌ وحسب. أيْ إنه جزءٌ من
التمثيلية.
سلاي
:
هذا قولي يا سيم لنْ يُرْسَلَ أحدٌ منهم
للسِّجن. هذا أمرٌ
قاطع! عجبًا! أفلا أُدْعَى دُون كريستو
فاري؟
وإذَن آمُرُ ألا يُلْقَى أحدٌ في
السِّجْن.
اللورد
:
الفرصةُ فاتتْ يا مَولايْ. لن يُحبَسَ أحدٌ إذ فرَّ
الكُلُّ.
سلاي
:
هَل هربوا يا سِيمْ؟ لا بأسَ بهذا! كأسًا أخرى
أرجُوك،
وادعُ الفِرقةَ لاستئنافِ التَّمثيلْ.
اللورد
:
ها هُم جاءوا يا مَولاي.
(يشرب سلاي ثم يستغرق في النوم.)
(٤) بين المشهدين الأخيرين في الفصل الأخير من مسرحية شيكسبير،
يأمر اللورد بنقل سلاي إلى مكانه السابق، أي الذي رأيناه فيه في
بداية المدخل.
(سلاي نائم.)
اللورد
:
مَنْ بالدَّاخِلْ؟ أَقبِلُوا يا أيها
السادة.
ذلك اللورد هُنَا عَاد للنومِ العميقْ،
ارفعوه بهدوءٍ … أَلبسُوهُ كُلَّ ما قَدْ كانَ
يَلْبَسْ،
وضَعُوهُ حيثُ كنَّا قد وجدناهُ هناكْ،
أسفل الحائطِ أو تحتَ جدارِ الحانْ،
واحرِصُوا ألَّا يُفيقَ الآنَ من
نَومِهْ.
الخدم
:
سوف يُقضى الأمرُ يا مولانا …
أَقبِلوا حتى تعينوني على نقلِهْ.
(يحملون سلاي وينقلونه إلى مكانه
القديم.)
(٥) تتضمن المسرحية المجهولة المؤلِّف مشهدًا ختاميًّا بعد
انتهاء مسرحية شيكسبير.
وفيما يلي الترجمة الكاملة له:
(يدخل خادمان وهما يحملان سلاي بعد أن أُلبس
ملابسه القديمة مرةً أخرى، ويتركانه حيث وجداه أول الأمر
وينصرفان.)
(يدخل مدير الحان.)
المدير
:
الآنَ يَمضي الليلُ بالظُّلُماتِ،
ويلوحُ فجرُ اليومِ في أفْقِ السماءِ وقد صفَتْ
فكأنَّها بِلَّور،
وإذَن عليَّ بأن أعجِّلَ بالرحيلْ. لكن تُرى
ماذا أرى؟
هل ذاك صاحبُنا سلايْ؟ يا لَلْغرابَة!
أتُراهُ أمْضَى الليلَ حقًّا ها هنا؟
إني سأوقِظُهُ. لولا امتلاءُ حَشَاهُ بالجِعَةِ
التي تُسكِرُهُ
لَقضَى من الجوعِ الشديدْ! قُمْ يا سلاي
انْهَضْ!
عارٌ عليكَ الآنَ فاستيقِظْ.
سلاي
:
سيم آتني ببعض النبيذ! عجبًا! هل انصرف جميعُ الممثلين؟
ألست الآن
لوردًا؟
المدير
:
لورد الطاعون! هيا! ما زلت مخمورًا إلى الآن؟
سلاي
:
مَن هذا؟ مدير الحان؟ أوَّاهُ يا ربي! يا ربي! اسمع يا
غلام … رأيت في منامي
أعجب حلم تراه في حياتك.
المدير
:
فعلًا! لكن عليك أن تعود إلى المنزل، فسوف تُقَرِّعُك
زوجتك لأنك
قضيت الليل في الأحلام هنا.
سلاي
:
تُقَرِّعُنِي؟ أعرف الآن كيف أروِّض امرأةً شرسة، وكنت
أحلم بهذا
طوال الليل … حتى الآن! لقد أيقظتني من أجمل حلمٍ حلمته
في
حياتي، لكنَّني سوف أعود الآن إلى زوجتي وأروِّضها إذا
أغضبتني.
المدير
:
لا بلْ تمهَّلْ يا سلاي أريدُ أنْ آتيَ مَعَكْ
كي أَسمعَ الحُلْمَ الذي شاهدْتُهُ في ليلَتِكْ.
(يخرجان.)
النهاية