نظرية الشعر عند الفارابي١
في هذا المهرجان، الذي يُقام للشعر في دمشق الفيحاء، نودُّ أن نُزجيَ تحية عابرة لفيلسوف عاش ها هنا منذ ألف عام، فاستلهم مروج هذه الأرض الفوَّاحة بأريجها، واستوحى ماءها الذي يصطفق به بردي رحيقًا سلسلًا، هو أبو نصر الفارابي، الذي يقول عنه ابن خلكان إنه «كان مدة مقامه بدمشق، لا يكون غالبًا إلا عند مجتمع ماء أو مشتبك رياض، حيث كان يقضي وقته ويؤلف كُتبه.» فهو «فيلسوف المسلمين بالحقيقة» كما يقول القاضي صاعد الأندلسي في «طبقات الأمم»، وهو «فيلسوف المسلمين غير مدافع» كما يقول القفطي في «أخبار العلماء بأخبار الحكماء»، وهو «أكبر فلاسفة المسلمين» كما يقول ابن خلكان في «وفيات الأعيان». فإذا لم يكن هذا المهرجان القائم مناسبة مواتية لتكريمه فيلسوفًا، استحق أن يُشير إليه تاريخ الفكر باسم «المعلم الثاني» بعد أرسططاليس المعلم الأول، فلا أقل من لمحة سريعة نذكر بها مذهبًا له في الشعر مما له اتصال بهذا العيد.
- (١)
يبدأ الفارابي بقوله: «الأقاويل الشعرية هي التي تؤلف منها أشياء، شأنها أن نخيل — في الأمر الذي فيه المخاطبة — خيالًا ما، أو شيئًا أفضل أو أحسن، وذلك إما جمالًا أو قبحًا، أو جلالةً أو هوانًا، أو غير ذلك مما يشاكل هذه.»
إلى هنا ينتهي الفارابي من الخطوة الأولى، وهي أن تخيل القصيدة خيالًا ما، في الموضوع الذي يريد أن يخاطب الناس فيه، أي أن ترسم القصيدة صورة ما، لا ينعكس فيها الواقع انعكاسًا مباشرًا، ومعنى هذا أن الصورة الشعرية لا تجيء محاكاةً للحقيقة الواقعة في عالم الأشياء، بل هي صورة يختار لها الشاعر أجزاءها كما يريد له فنُّه. ولا يشترط أن تكون الصورة المرسومة محببة إلى النفس، بل قد تكون كريهة منفرة تبعًا لنوع الفكرة التي يريد الشاعر أن يوحي بها إلى القارئ، والتي ستكون بدورها أساس الوقفة السلوكية التي ينتظر للقارئ أن يقفها إزاء العالم؛ إذ قد يريد الشاعر لقارئه أن يزورَّ عن فعل معين أحيانًا كما قد يريد له أن يُقبل على فعل آخر أحيانًا أخرى.
- (٢)
ننتقل الآن إلى الجزء الثاني من عبارة الفارابي، وهو الجزء الذي يصف به المرحلة الثانية، عندما يتأمل القارئ الصورة التي قدَّمها إليه الشاعر، لا ليقف عندها وكفى، بل لتُثار في ذهنه خبرات ماضية بينها وبين الصورة الحاضرة أمام ذهنه شبه؛ ففي هذا الجزء يقول الفارابي: «ويُعرض لنا عند استعمال الأقاويل الشعرية — عند التخيل الذي يقع عنها في أنفسنا — شبيه بما يعرض لنا عند نظرنا إلى الشيء الذي يُشبه ما يعاف، فإنَّا من ساعتنا يُخيَّلُ لنا في ذلك الشيء أنه مما يُعاف، فتقوم أنفسنا منه، فتتجنبه، وإن تيقنَّا أنه ليس في الحقيقة كما يُخيَّلُ لنا.»
وهذه هي الخطوة الثانية، فبعد أن تُرسَم الصورة التي قدَّمها الشاعر في ذهن القارئ يحدث له نفس الشيء الذي يحدث حين ينظر إلى شيء ليس في ذاته كريهًا، لكنه يُشبه شيئًا آخر كريهًا؛ فيستدعي الشبيه شبيهَه إلى الذهن، فمن الحقائق النفسية المعروفة، ذلك القانون الذي يسمونه بقانون التداعي، وخلاصته أنه إذا اقترن في خبرتك شيئان لأي سبب من الأسباب، ارتبط هذان الشيئان أحدهما بالآخر، بحيث إذا عرض لك أحدهما، وثب الآخر إلى ذهنك فورًا؛ فقد تصف الشيء الواحد بصفتين، كلتاهما — من حيث الواقع — صحيحة، ومع ذلك فإحداهما تكون مدحًا، والأخرى تكون قدحًا، حسب ما تستدعيه كلٌّ منهما إلى الذهن؛ فالأمر كما يقول الشاعر:
تقول هذا مجاج الزهر تمدحهوإن ذممت تقل قيء الزنابيرلكن لماذا يعول الشاعر على أن تستثير الصورة الخيالية في أنفسنا شيئًا سواها مما يشبهها؟ إنه يفعل ذلك لأن الصورة الخيالية — بحكم كونها خيالية — لا تتصل بالواقع صلة مباشرة، وبالتالي فهي وحدها لا تصلح أداة نمسُّ بها العالم الخارجي مسًّا مباشرًا، وإذن لا بد أن أستعين بها على إخراج شيء آخر من مكنون نفسي، تتوافر فيه هذه الصلة المباشرة بعالم الأشياء الخارجية كما هي واقعة، يصلح أساسًا للوقفة السلوكية التي يُراد لي أن أقفها.
ولعله من المفيد هنا أن نسوق مثلًا نوضح به ما نريد: خذ هذه الأبيات الثلاثة:
غير مُجْدٍ في ملتي واعتقادينَوْح باكٍ ولا ترنُّم شادِوشبيهٌ صوتُ النَّعيِّ إذا قيــس بصوت البشير في كل نادأَبَكت تلكم الحمامة أم غنــت على فرع غصنها الميَّادفها هنا صور يلاحق بعضُها بعضًا ليقوِّيَ بعضُها بعضًا، حتى لكأنما هي صورة واحدة: باكٍ ينوح وإلى جواره شادٍ يترنم، نعي ينقل الخبر المشئوم وإلى جواره بشير يهتف بالبشرى، حمامة تغمغم على غصن مياد، فلا ندري أهو بكاء منها أم غناء؛ فهل يُراد لنا أن نقف إزاء هذه الصور في ذاتها، لا نجاوز حدودها؟ كلَّا، بل المراد أن نتأمل الصور لتحدث النقلة منها إلى أشباهها مما قد خبرناه في حياتنا الماضية، فقد يعود إلى خاطري — بسبب حضور هذه الصور في ذهني — أمثلة خبرتُها بنفسي وعشتها إذ كنت أذوق من الشيء الواحد حلوَه ومرَّه معًا. إنه لا جدوى من هذه الصورة التي رسمها الشاعر لحمامة تُغمغم فلا ندري أبكاء هو أم غناء، ما لم تكن هذه الصورة مثيرة في نفسي لهذا السؤال الذي ما ينفك يعاودنا إزاء مئات المواقف وألوفها: تُرى أيكون هذا الأمر خيرًا أم يكون شرًّا؟ ولكن ماذا بعد أن يُثير الشاعر من نفسي كوامنها؟ إنه بذلك يهيئ السبيل إلى المرحلة الثالثة والأخيرة، وهي أن تتبلور عندي في النهاية وجهة معينة للنظر، ففي حالة هذه الأبيات المذكورة، لا بد أن ينتهيَ بي الأمر إلى وقفة من يعلو على الحوادث، بحيث ينظر إليها فإذا هي عند العقل سواء، وإنها لنظرة من شأنها أن تشكل سلوكي في مواقف الحياة العملية، وهنا تنتقل إلى الجزء الثالث من عبارة الفارابي.
- (٣)
ففي الجزء الثالث من النص الذي نعرضه، فنعرض به مذهبًا متكاملًا، في طبيعة الشعر، يقول الفارابي: «إننا نفعل فيما تخيِّله لنا الأقاويل الشعرية كفعلنا فيها لو أن الأمر كما خيَّله لنا ذلك القول، وإن علمنا أن الأمر ليس كذلك، فإن الإنسان كثيرًا ما تتبع أفعاله تخيلاته أكثر مما تتبع ظنه أو علمه، فإنه كثيرًا ما يكون ظنُّه أو علمه مضادًّا لتخيُّله، فيكون فعله بحسب تخيله لا بحسب ظنِّه أو علمه.»
في هذا الجزء من عبارة الفارابي وصفٌ لتأثر الإنسان بما يرتسم له في ذهنه من خيال، حتى وإن علم أن واقع الأمر لا يطابق هذا الخيال المرتسم، وهو جزء مليء باللفتات النفسية النافذة، فعلى الرغم من أن قارئ الشعر حين يجد نفسه إزاء صورة لا يشك في أنها نسجٌ من وهْم الشاعر، إلا أنه — من عجب — يصدر في سلوكه عما خيَّله له الشاعر، لا عن علمه هو بالواقع علمًا قد يضاد هذا الخيال. ولا يفوت الفارابي أن يُلاحِظ هذه الملاحظة العامة عن الطبيعة الإنسانية، وهي أنه إذا ما تعارض وهمُ الإنسان مع علمه بالواقع فالأغلب جدًّا أن يميل الإنسان نحو التصرف وفق وهمِه، غاضًّا نظره عن معرفته العقلية، مما حدا بفلاسفة المنهج العلمي جميعًا ألَّا يدخروا من وسعهم للفت أنظار العلماء — ودعْ عنك عامة الناس — إلى هذه الحقيقة العجيبة من طبيعة الإنسان؛ وهي أن يتأثر بأوهامه إلى الحد الذي يعميه عن رؤية الواقع كما هو، وحتى إن رأى الواقع رؤية واضحة، ولبثت أوهامه قائمة، كان الأرجح — إذا لم يلجم طبيعته الجامحة بالشكائم — أن يلبي نداء الوهم قبل أن يُصغيَ إلى صوت الحقيقة الواقعة.
وعلى هذا الجانب من الفطرة البشرية يبني الفارابي خطوته الثالثة في مذهبه عن الفن الشعري؛ إذ يركن ركون الواثق أو يكاد، إلى أن الشعر إذا أُجيد فيه التصوير كان قمينًا أن يفتن القارئ فتنة تلهيه عن ذات نفسه، أي أنها تصرفه عن إدراكه الواعي، بحيث يواجه الصورة الخيالية فكأنما هو يواجه أمرًا واقعًا، بل ما هو أقوى أثرًا من الأمر الواقع.
والحق أن هذا موضع من مواضع السر في الفنون كلها، فمن ذا ينظر إلى المسرحية الجيدة ولا ينسى أنه إزاء عالم من خلق الفنان، فيكاد يضحك مع من يضحك على خشبة المسرح ويبكي مع من يبكي، متوهمًا أنه إزاء عالم الحوادث الجارية.
ونعود إلى عبارة الفارابي لنتتبع قوله عن أثر الشعر في استثارة قارئه إلى وقفة سلوكية؛ إذ يقول: «وإنما تُستعمل الأقاويل الشعرية في مخاطبة إنسان يُستنهض لفعل شيء ما، باستقرار إليه واستدراج نحوه:
وذلك إمَّا أن يكون الإنسان المستدرج لا رويَّة له تُرشده فينهض نحو الفعل الذي يُلتمَس منه بالتخييل، فيقوم التخييل مقام الروية، وإما أن يكون إنسان له روية في الذي يُلتمَس منه ولا يُؤمَن إذا روَّى فيه أن يمتنع، فيعاجل بالأقاويل الكاذبة، ليسبق بالتخييل رويته حتى يبادر إلى ذلك الفعل.»
وواضح من هذه الفقرة أن الناس من حيث الروية العقلية صنفان: فصنف منهما لا يصدر في أفعاله عن روية وتدبر، وإذن فالشعر أصلح ما يكون لهذه الطائفة من الناس؛ لأن الصور الخيالية التي يقدمها لهم الشاعر لن تجد في أنفسهم علمًا آخر يناقضها فيفوق فعلها، ولا غرابة إذن أن تزداد أهمية الشعر — من حيث هو حافز إلى السلوك — في أولى مراحل التاريخ، وفي الإنسان الفرد وهو في سورة شبابه، وأمَّا الصنف الثاني من الناس، وهم أولئك الذين أخذ المنطق العقلي بزمامهم، فتراهم يقلبون الأمور على وجوهها قبل أن يأخذوا في العمل، كما راح هاملت يقلب الأمر على وجهَيه: أبقاء أم فناء؟ قبل أن يهمَّ بفعل معين في موقفه الذي كان فيه، فمهمة الشاعر إزاء هؤلاء أن يقطع عليهم تفكيرهم المنطقي الهادئ، ليدسَّ في أنفسهم حافزًا يحفزهم إلى سلوك معين قبل أن يحول تفكيرهم في العواقب دون التصرف على النحو المراد لهم أن يتصرفوا به.
لهذا كلِّه كان لا بد للأقاويل الشعرية — كما يقول الفارابي في جملته الختامية — «أن تُجمَّل وتُزيَّن وتُفخَّم ويُجعَل لها رونق وبهاء.»
•••
تلك هي نظرية الفارابي في المضمون الشعري ماذا عساه أن يكون، وهي نظرية أوجزها وركَّزها في صفحة واحدة من كتاب، ولكنها جديرة منَّا بدرس وتحليل وتطبيق، يبرز منها جوانب قوتها ويظهر نواحي ضعفها. ومن النتائج القوية التي تتفرع عنها — فيما أرى — حلُّها لإشكالٍ ما ينفك قائمًا بين النقَّاد، وهو: هل يخضع الفن للأخلاق، أو أن القيمة الجمالية في الفنون مستقلة عن معايير الفضيلة؟ أو بعبارة تلوكها ألسنةُ النقَّاد اليوم: أيكون الفن هادفًا أم لا يكون؟
إنني لو كنت لأختار لنفسي جوابًا عن هذا السؤال، لما ترددت لحظة في التفرقة الفاصلة الحاسمة بين مجال الفن من ناحية، ومجال الأخلاق من ناحية أخرى، فلكلٍّ من المجالين معياره، فلا فرق عند الفن بين أن يصور الفنان فضيلة أو أن يصور رذيلة ما دام قد أجاد التصوير في كلتا الحالتين. وهذا هو ملتن يصور الله ويصور الشيطان فيجيد في الصورتين معًا، بل لعله في تصوير الشيطان أجود وأقوى، وإذن فهو فنان بهذه كما هو فنان بتلك.
لكنني أجد النظرية الفارابية تحل الإشكال حلًّا وسطًا، قد يصادف قبولَ الطائفتين المتقاتلتين جميعًا، فما دام الشعر عنده — وتستطيع أن تقول الفن كله — يستهدف في نهاية الأمر استثارة القارئ ليقف موقفًا سلوكيًّا معيَّنًا، إذن فالغاية الخلقية — ونقصد بالأخلاق هنا السلوك بوجه عام — هي مدار البناء الفني، لكن الشعر — من جهة أخرى — لا يكون شعرًا إذا هو أدى الوعظ بطريق مباشر؛ إذ لا بد من بناء الصورة الخيالية أولًا، التي لا يُراعى فيها إلا معايير الفن وحدها، ثم يُترك الأمر لما توحيه الصورة المرسومة لمن يطالعها، فإذا ما كانت صورة محببة إلى نفسه، بحيث تقمَّصها وسلك على هداها، كان الشعر بهذا قد حقَّق الغاية الخلقية دون أن يجعلها هدفًا مباشرًا، وكذلك قُل في صورة منفرة كريهة يرسمها الشاعر، فيطالعها مَن يطالعها فيعافها فيكف عن مزج نفسه بها، فها هنا أيضًا يُحقِّق الشعر ما تبتغيه معاييرُ الأخلاق باجتناب الشر، ولكن الشعر لا يحقق ما يحققه في كلتا الحالتين إلا عن طريق خدمته للفن الشعري ذاته.
•••
تحدث الفارابي عن مضمون الأقوال الشعرية في الفصل الذي عقده لعلم المنطق في كتابه إحصاء العلوم؛ لأنه أراد مقارنة العبارة الشعرية بغيرها من العبارات الدالة، فكأنما هو يردُّ الأمر لا إلى مجرد اتفاق يجيء عرضًا، بل إلى جذور ضاربة في أعماق الطبيعة البشرية، فلا ينبغي أن تكون إلا هكذا، شأنُها في ذلك شأن قوانين الفكر نفسها، فإذا قلت إن النقيضين لا يجتمعان، فأنت لا تقول بذلك شيئًا يمكن أن يقع ويمكن ألا يقع، بل تقول شيئًا لا بد من وقوعه ما دامت طبيعة الإنسان العقلية هي ما هي، وكذلك قُل في مضمون الشعر عنده، فإذا قلنا إن الشعر يرسم صورة خيالية لتستدعي صورة أخرى من خبرة القارئ، وهذه بدورها تدفع صاحبها إلى وقفة سلوكية معينة، فقد قلنا شيئًا يُشبه أن يكون قانونًا من قوانين النفس البشرية.
- فأولًا: «إحصاء الأوزان المستعملة في أشعارهم». ولنلاحظ هنا استعماله لضمير الغائب في كلمة «أشعارهم»؛ فهو دليل على أن أمر الأوزان عنده موكول إلى تراث معلوم، قد يختلف باختلاف الأمة ومن زمن إلى زمن.
- وثانيًا: «النظر في نهايات الأبيات في وزن ووزن، أيما منها عندهم على وجه واحد، وأيما منها على وجوه كثيرة، ومن هذه أيما التام وأيما الناقص، وأي النهايات يكون بحرف واحد بعينه محفوظًا في الشعر كلِّه، وأيما منها يكون بحروف أكثر من واحد محفوظًا في القصيدة.»
- وثالثًا: «البحث عما يصلح أن يُستعمل في الأشعار من الألفاظ عندهم …» ولنلاحظ مرة ثانية ومرة ثالثة استعماله لضمير الغائب، مما يؤكد أنه إن جعل مضمون الشعر موكولًا إلى الفطرة الثابتة، فهو يجعل الشكل مستندًا إلى السوابق التاريخية وحدها والمقام لا يسمح بتحليل أوفى، لنتبيَّن أين أصاب فيلسوفنا وأين أخطأ. وحسبُنا الآن هذه الكلمة الموجزة عن مجمل مذهبه، وهو الفيلسوف المنطقي الذي بلغ من دقة التفكير العقلي غاية قصوى، لكنها لم تنتقص من حاسته الذوقية التي كفلت له أن يكتب في الموسيقى رسالة هي — فيما يُقال — أول رسالة علمية شهدها التاريخ كلُّه في هذا الفن، كما كفلت له أن يجيد العزف إجادة هوَّلتها الأساطير، حتى لقد روى الرواة أنه عزف في مجلس سيف الدولة يومًا فأضحك الجالسين، ثم أبكاهم ثم أنامهم وانصرف. ومات الفارابي في دمشق في شهر ديسمبر من عام ٩٥٠ بعد الميلاد، ويُروى أنه كان عندئذٍ في صحبة أميره سيف الدولة، فارتدى الأمير ثياب المتصوفة وصلَّى عليه، وكان الفيلسوف قد قضى من عمره ثمانين عامًا.