خاتمة القصة
(١) في قصر «برشا»
وما إن وصل «باسنيو» و«أنطونيو» إلى قصر «برشا» حتى احتفت (أظهرت السرور) بمقدمهما، وهنّأت «أنطونيو» على نجاته من الفخ، وخلاصه من الشرك الذي أعدّه له غريمه (دائنه) «شيلوك» الخبيث.
وكانت الليلة مقمرة، والبدر يرسل أشعته ساطعة على أزهار الحديقة. فيخيّل إليك أنها مشمسة، وترى لجمالها روعة وسحرًا. وقد ابتدرت «برشا» زوجها «باسنيو» قائلة:
«لقد ذاعت أنباء القصة حتى وصلت إلينا. ولا تسل عن فرحي بخلاص «أنطونيو» من براثن الردى (أصابع الموت). فهل تتفضل عليّ بتفاصيل أنباء هذه القصة العجيبة؟»
فظلّ يقص عليها «أنطونيو» تفاصيل القضية — وهم سائرون بين أزهار الحديقة — ثم حدثها «باسنيو» و«أنطونيو» عن إعجابهما الذي لا يوصف، ببراعة المحامي الفتى وذكائه، وكيف أنقذ «أنطونيو» من المأزق، بعد أن أيقن الناس بهلاكه.
(٢) غضب «برشا»
ثم قال «باسنيو» لصاحبته «برشا»: «ولم يشأ ذلك المحامي النابغة أن يقبل مكافأة على دفاعه غير خاتم العرس.»
فصاحت «برشا» مذعورة (خائفة): «وما أشكّ في أنك ضننت (بخلت) به عليه، كما عاهدتني من قبل!»
فقال «باسنيو»: «كلا يا سيدتي، لم أضنّ به عليه. فقد كنت أوثر (أفضل) أن أقطع إصبعي، قبل أن أضنّ (أبخل) بذلك الخاتم على من أنقذ حياة صديقي من براثن المنيّة (مخالب الموت)، ولو طلب نفسي لبذلتها فداءً له!»
فتظاهرت «برشا» بالحزن، وقالت لصاحبها «باسنيو»: «لقد نكثت بعهدك (نقضته ولم تف به)، فلا سبيل إلى الزواج بك!»
فقال لها «أنطونيو» ضارعًا (متوسلًا): «رحماك أيتها النبيلة الكريمة. ألا تساوي حياتي كلها خاتمًا، بالغًا ما بلغ من النفاسة والخطر؟»
وظل «أنطونيو» و«باسنيو» يعتذران لها ويستعطفان قلبها حتى لان. فقالت لصاحبها «باسنيو»: «أراك على حق فيما تقول. فخذ خاتمًا آخر، وحذار أن تفرط فيه كما فرّطت في الخاتم الأول.»
(٣) محامي «أنطونيو»
وما رأى «باسنيو» الخاتم حتى تملكه العجب، واشتدت به الحيرة، إذ أيقن أنه الخاتم الذي أهداه إلى محامي «أنطونيو». ولم يدر: كيف يعلل هذا الطلسم الغامض (اللغز الخفي)؟
فقال لها مضطربًا: «لست أفهم شيئًا، ولا أدري معنىً لهذا المزاح!»
(٤) مفاجأة سارة
فابتسمت «برشا» قائلة: «ليس في الأمر سر غامض. فإن المحامي الفتى الذي كان له شرف الدفاع عن «أنطونيو» هو أنا!»
فاشتد عجب «باسنيو» و«أنطونيو». وسألاها مدهوشين: «وكيف مثلت هذا الدور العجيب؟»
فقالت لهما: «لقد سافرت إلى «البندقية»، وشغلت نفسي بدرس القضية درسًا عميقًا، حتى وصلت إلى الحل الذي قلب القضية على رأس الطاغية الماكر. واخترت زي المحامين (ثوبهم وشعارهم)، حتى لا يتردد القضاء في قبول دفاعي عن «أنطونيو». وقد كلل الله سعيي بالنجاح.»
ثم قالت لصاحبها «أنطونيو»: «لقد أتم الله نعمته عليك، فنجى من الغرق ثلاثًا من سفنك. وقد رأيتها سائرة في طريقها إلى «البندقية» في أثناء عودتي إلى بيتي.»
ولا تسل عن فرح «أنطونيو» حين علم أن ثروته لم تفقد كلها.
أما «باسنيو» فقد حمد الله على ما اختاره له. وأيقن أن «برشا» كنز يرجح — في ميزان الإنصاف — كنوز الدنيا كلها، وأنها جديرة أن تفدّى بالأرواح والمهج. وقلّ لها ذلك الفداء!