الفصل التاسع
خلدا إلى النوم مبكرًا كالمعتاد. كانت نائمة في سكينة. راح ينظر إليها بحنان في الظلام الشفيف. لم يكُفَّ عن التقلُّب في السرير وقد ضايقته الأغطية، والحرارة الصاعدة من الفراش. تزايدت حساسيته الآن — أكثر من أيِّ وقت مضى — لأقل حفيف في الحديقة، وأيَّة طقطقة سلالم. ليس مرضه الذي يمنعه من الراحة، ولا آخر كشف أجراه طبيبه بعد منتصف الظهيرة.
منذ وقتٍ طويلٍ وهو يعلم بخداعهم له عندما عثر — منذ عام بالضبط — على كتب الطب التي أخفتها زوجته في المخزن، ثم لاحظ طريقتها في الاندفاع — بلهفةٍ — لقراءة أيِّ مقال.
أدرك أن «قُرحته» لا علاقة لها به إطلاقًا، وأن الحيوان المقزز يلتهمه بشراهة من الداخل.
تظاهر بأنه لا يعرف شيئًا، وبتصديق أكذوبتهم. أخذوا يراعونه، ويختارون طعامه، ويمنعون عنه أيَّ مجهود.
وهكذا، اختلسوا — عنوةً — عامًا من السعادة، تأجيلًا لبضع عشرات من الأسابيع. الخلاصة: الأبديَّة.
لا، إذا كان النوم لا يأتي، فالعلَّة تكمن في سببٍ آخر، في زيارة ذلك الشرطيِّ الصغير القادم من تولوز، بكل ما أعادته من ذكرياتٍ وتقززٍ وعارٍ. لم تعد تمرُّ دقيقة دون التفكير فيها، أخذت الصور تتتابع في ذاكرته، مأساويَّة وعاجزة عن استدعاء ما نفضِّله في الأوقات العادية: اللحظات الجميلة. نهض. وعلى الفور، أيقظت حركته المباغتة زوجته المنتبهة دائمًا.
– أتشعر بألم؟ أتريد شيئًا؟ أي شراب؟
طمأنها وتوجَّه نحو التليفون في المدخل، أدار رقم قسم الشرطة الذي تركه له المفتش كادان، رفع عسكري الدوام السَّماعة.
– أريد أن أتحدث مع المفتش كادان، الأمر مهمٌّ جدًّا.
– المفتش كادان ليس في تولوز، لقد سافر — على وجه السرعة — إلى باريس لأحد التحقيقات.
– أوه. غير معقول! المُغفل. كيف ألحق به؟ فندقه؟
– آسف يا أستاذ.
وضع سماعة التليفون. فكَّر لحظة، ثم ارتدى ملابسه بسرعة.
ومن علبة من الكارتون مخبأة فوق الدولاب، أزاح كرة الخرق المدهونة بالزيت وأخرج مسدسًا «بروني» موديل ١٩٣٥م؛ سلاحه المفضل. قذف المشط ليشحنه بطلقاته الثلاث عشرة، أعاد تعشيق الأجزاء بضربة مقتضبة من راحة يده.
وقفت زوجته أمامه صامتة. من العبث التفوه بكلمة.
وما إن انتهى من فحص السلاح، حتى دسَّه في جيب سُترته، وتقدَّم نحو الجراج.
استجابت المرسيدس — ذات اللون الأخضر المعدني — لأوَّل ضربة من أداة المحرك دون أن يسحبه.
وبعد أقلَّ من عشر دقائق، انطلق بيير كازاس في الطريق السريع المؤدي إلى باريس، مصابيح سيارته مضاءة، والعداد ثابت على الرقم ١٨٠.