لَا تَسْأَلْنِي عَنْكَ
«لن أمَلَّ البحثَ عنِّي في عينيك»، قلتُ.
١
سألني الممتحِنُ أوَّلَ ما سأل:
ماذا تفعلينَ هُنا؟
حدَّثتُهُ عن نَوباتِ الفزع
عنِ الفزعِ الذي يحاصرُني بهِ الله
عنِ الأصلِ الذي حيَّرَ العاقلين
وهدَّأَ الممتحِنُ وحزبُهُ عقولَهم قائلين:
اللهُ أصلُ كلِّ شيء (نقطة)
وربَّما أضافوا:
كذَبَ نياندرتال.
كذَبَ نياندرتال.
حدَّثتُهُ عن فزعي الخاص
كيفَ أنه إذا بدأَ لا يتوقَّف
لا أتوقَّفُ عن الركض
أبتعدُ أقصى ما يتَّسعُ الابتعاد
ولا أترُكُ حجابًا بيني وبينَ الله
إلَّا مزَّقتُه
ركضتُ ألفَ عام
مزَّقتُ ألفَ فُقاعةِ هواء
تقوَّستْ ساقاي وفرغَ صدري
لم يهدأْ شيءٌ مني
لم يسكنْ شيءٌ مني إلى شيءٍ مني
ولم أرَ الله
٢
سألني أبي …
(من موقعِهِ داخلَ البرواز)
هل أنفَذتُكَ من قبلُ إلى بروازِ أبي؟
فيهِ يبدو أبي أصغرَ بعشرين
كتفُهُ يُلامسُ كتفَ أمي
ينظرانِ إلى …
إلى «أنا» أكبرَ مِني بعشرين
يدْعُوانِها الصغيرة
الصغيرةُ تسألُهما: لماذا؟
سألني أبي …
بل لَمْ يسألني عن شيءٍ قَط
٣
ما سأقولُهُ تاليًا
يفهمُهُ جيدًا أيُّ إنسانٍ قديم:
أنا لا أعرفُ «لماذا»
لا أملِكُ مِنَ المهارةِ إلَّا القليل
قليلٌ يكفي لاقتِفاءِ الأثَر
وللدفءِ أثَر
لا تخطِئُهُ — وإنْ كذَبَ — الحَواس
يا إنساني القديم
أنا أعرِفُ مِنَ الأملِ
انتهاءَ الكونِ في مُنتهى ناظِرَيك
لا شيءَ أبعَد
أعرِفُ مِنْ أخطائي
إخطائي الخُطْواتِ إليك
وجَهلي
جَهلي التامُّ
لا ينقُص
٤
لا يَسألَنِّي عَنِ الغائبِ أحد
«الغائبُ موجودٌ في الآتي»
هكذا يُخبرُني ذلكَ الصوتُ
بداخلي
لستُ خبيرةً في جعلِ الأشياءِ تحدُث
لا أدري كيفَ يُصنَعُ الحُبُّ
كيفَ يُصنعُ بالحُب
لا أدري ما إذا كنتُ أريدُ
ما إذا كنتُ أطيقُ
أن أصنعَ شيئًا من الأساس
٥
لا أقولُ للغائبِ:
«لن أمَلَّ البحثَ عنِّي في عينيك»
لن أقولَ
لأنَّ الفزعَ أرحَبُ مِنَ الحُب
لأنَّ أبَوَيَّ لم يُجيباني «لماذا»
لأنَّ الإنسانَ القديمَ الذي قَضَى احتراقًا
لم يكتشفِ النَّارَ بَعْد
لن أقولَ لأني … سَأَمَل.