المدرسة الإيرانية المغولية
ثم ازدهرت في التصوير الإسلامي الإيراني مدرسة أخرى في القرنين الثالث عشر والرابع عشر حين كانت أخطر مراكز صناعة التصوير تبريز وبغداد وسلطانية. أما تبريز في إقليم أذربيجان فقد كانت عاصمة الأمراء المغول في الصيف، بينما كانت بغداد مقرهم في الشتاء بعد أن فتحوها سنة ١٢٥٨، وكانت سلطانية إحدى مدن العراق العجمي التي أعجب بها كثيرون من أمراء المغول. وكانت هناك مراكز أخرى كسمرقند وبخارى، ولكن صيت هاتين المدينتين إنما ذاع في العصر التالي — عصر تيمور وخلفائه — على الخصوص.
ولا يجب أن ننسى حين ندرس أية ظاهرة من الظواهر الفنية في عصر المغول أن العلاقة كانت وثيقة في عصرهم بين إيران وبين الشرق الأقصى، إذ إن الأسرتين اللتين كانتا تحكمان في الصين وفي إيران طوال القرنين الثالث عشر والرابع عشر أسرتان مغوليتان تجمعهما روابط الجنس والقرابة. وفضلًا عن ذلك فإن المغول عندما استوطنوا إيران استصحبوا معهم عمالًا وصناعًا وتراجمة من الصينيين. ولذا فإننا نشاهد أن أساليب الشرق الأقصى واضحة في الفنون الإيرانية منذ عصر المغول، ونرى على الخصوص أن الإيرانيين حين عرفوا منتجات الصين في الرسم والتصوير استطاعوا الانصراف عن أساليب المدرسة العراقية وساروا في طريق خاص تطور تطورًّا طبيعيًّا حتى وصل إلى القمة في عصر الدولة العباسية.
وهكذا نرى أن المدرسة المغولية هي أولى المدارس الإيرانية الصحيحة في التصوير الإسلامي. ولكن عصر المغول كان قصير الأمد وكان مملوءًا بالحروب، ولذا فإن منتجات المصورين فيه لم تكن كثيرة، أو لم يصل إلينا منها على الأقل إلا شيء يسير. ولم تتميز هذه الآثار الفنية بالرقة والأناقة التي نراها في منتجات العصر التيموري أو العصر الصفوي، وإنما كان أكثرها مناظر قتال توضيحًا للكتب في التاريخ أو في القصص الحربي، أو مناظر تمثل أمراء المغول بين أفراد أسراتهم وحاشيتهم.
ومهما يكن من شيء فإن عصر المغول لم يكن أول عهد الإيرانيين بأساليب التصوير عند الصينيين، فقد كان المسلمون عامة يعجبون بمهارة الصينيين والروم في التصوير ويذكرون أن المصور الرومي أو الصيني يستطيع أن يفرق في صوره بين مراحل العمر المختلفة وبين الحالات النفسية المتنوعة، فيمكنه أن يميز ضحكة الشامت من ضحكة المسرور وما إلى ذلك. ويروى أن رودكي أول شعراء الفرس كتب ترجمة شعرية باللغة الفارسية لكتاب كليلة ودمنة قدمها للملك نصر بن أحمد الساماني (في القرن العاشر الميلادي) واستدعى نصر بعض المصورين الصينيين لتزيين مخطوطاتهم بالصور التوضيحية. ولكن هذا الحادث لم يكن له صداه ولم تقم في إيران — على ما نعلم — مدرسة إيرانية في التصوير حتى عصر المغول.
ونلاحظ أن المغول كانت لهم شهرة سيئة في تخريب المدن وسفك الدماء، ومع ذلك فقد كانوا يبقون على الفنانين ويستخدمونهم، فلا غرو أن كان عصرهم عصر ازدهار نسبي في الفنون ولا سيما في التصوير وصناعة الخزف. ولعل لذلك أوثق الصلات بثقافتهم الصينية، لأن اتصال العالم الإسلامي بالشرق الأقصى زاد في عصرهم زيادة كبيرة، وإن كان صحيحًا أن هذا الاتصال يرجع إلى فجر الإسلام. وقد كتب أحد المؤلفين الصينيين في القرن الثامن الميلادي أن كثيرًا من الصناع المسلمين في الكوفة كانوا يتعلمون من الصينيين النقش والتصوير والنسج وصناعات التحف الذهبية والفضية.
وعلى كل حال فإن أثر الفن الصيني في صور المدرسة المغولية الإيرانية يتجلى في سحنة الأشخاص، وفي صدق تمثيل الطبيعة، ورسم النبات بدقة تبعد عن الاصطلاحات الوضعية التي عرفناها في المدرسة العراقية، كما يتجلى كذلك في مراعاة النسب ودقة رسم الأعضاء في صور الحيوان. وفضلًا عن ذلك فقد استعار الفنانون الإيرانيون من فنون الشرق الأقصى بعض الموضوعات الزخرفية، ولا سيما رسوم السحب (تشي) ورسوم بعض الحيوانات الخرافية التي امتاز الفن الصيني بها.
ومما نلاحظه في صور هذه المدرسة تنوع في غطاء الرأس، فللمحاربين أكثر من خوذة، وللنساء قلنسوات مختلفة بعضها يزينه ريش طويل، وللرجال ضروب شتى من القلنسوات والعمائم. وأكثر صور هذه المدرسة موجود في مخطوطات الشاهنامة وكتاب جامع التواريخ للوزير رشيد الدين المتوفي في بداية القرن الرابع عشر والذي تروي المصادر التاريخية أنه أسس ضاحية لمدينة تبريز سماها باسمه واستخدم فيها خطاطين وفنانين لنسيج مؤلفاته وتوضيحها بالصور.