مدرسة بخارى
وثمة مدرسة أخرى في التصوير الإسلامي يمكن أن نلحقها بالمدرسة التيمورية، ونستطيع أن نرى في آثارها الفنية ما كان لبهزاد وتلاميذه من تأثير على رجالها. تلك هي المدرسة التي ازدهرت بأقاليم بخارى في خلال القرن السادس عشر. والواقع أن الأحداث السياسية التي وقعت بخراسان وبلاد ما وراء النهر في بداية القرن السادس عشر هي التي أدت إلى قيام هذه المدرسة، فإن مدينة هراة سقطت في يد شيباني خان زعيم الأوزبك سنة ١٥٠٧، ولكن الشاه إسماعيل الصفوي انتزعها من يدهم بعد ثلاث سنوات، وتقلص حكم الشيبانيين إلى بلاد ما وراء النهر، وصاروا يحكمون من سمرقند وبخارى، وهاجر إلى هاتين المدينتين كثير من المصورين في هراة، ولا سيما لأن قيام الدولة الصفوية في هذا الإقليم كان معناه فرض المذهب الشيعي عليهم بعد أن كان سني المذهب في عصر تيمور وخلفائه، وفي عصر الشيبانيين. ثم استولى الأوزبك مرة ثانية على هراة ونهبوها سنة ١٥٣٥ فهاجر منها إلى بخارى جمهرة الباقين فيها من رجال فن. وقامت على أكتاف هؤلاء الفنانين في مهجرهم هذه المدرسة التي تنسب إلى بخارى والتي كان أشهر رجالها المصور محمود مذهب. وقد ظلت هذه المدرسة مجهولة بعض الشيء، حتى ظهر من آثارها الفنية في معرض الفن الإيراني بلندن سنة ١٩٣١ ما لفت الأنظار إليها.
ومن أبدع منتجات هذه المدرسة صورة في مخطوط من منظومة الشاعر نظامي المسماة «مخزن الأسرار». وهذا المخطوط محفوظ الآن في المكتبة الأهلية بباريس وقد كتب في بخارى سنة ٩٤٤ﻫ/١٥٣٧م بقلم الخطاط المعروف مير علي وفيه صورة من عمل محمود مذهب. وهي مؤرخة من ٩٥٤ﻫ/١٥٤٦م وتوضح أسطورة في عدل السلطان سنجر السلجوقي فتمثله ومعه حاشيته وقد استوقفتهم عجوز تطلب إلى السلطان النظر في مظلمة لها. وقد صور بعض المصورين الإيرانيين هذه الأسطورة تصويرًا غاية في الدقة والإتقان.
ومما نلاحظه في الصور المنسوبة إلى مدرسة بخارى أن غطاء الرأس مكون من قلنسوة مرتفعة ومضلعة وتحيط العمامة بجزئها الأسفل.
ومما يؤكد تأثر مدرسة بخارى بهزاد وتلاميذه مخطوط من كتاب «بستان» لسعدي كتب في بخارى سنة ٩٦٤ﻫ/١٥٥٥م ومحفوظ في المكتبة الأهلية بباريس ومحلى بصور كثيرة الشبه بالصور التي رسمها بهزاد في المخطوط المحفوظ بدار الكتب المصرية.
وثمة مصور اسمه شيخ زاده محمود كان تلميذًا لبهزاد ولميرك (أحد المصورين في المدرسة الصفوية التي سيأتي الكلام عنها) ثم التحق بخدمة الشيبانيين في بلاد ما وراء النهر. ومن آثاره الفنية صورة في مخطوط تاريخه سنة ٩٤٢ﻫ/١٥٣٥م وفيه صورتان عليهما إمضاء بهزاد، وقد كان هذا المخطوط في مكتبة عبد الغازي عبد العزيز بهادر خان سلطان الأوزبك في بخارى الذي قيل عنه إنه كان أكبر جامعي الكتب الفنية الثمينة في الشرق قاطبة. ويروى أيضًا أن الإمبراطور الهندي المغولي جهانجير اشترى هذا المخطوط الأخير ودفع فيه نحو عشرة آلاف جنيه وكتب على الصفحة الأولى منه إنه سيبقيه دائمًا أمام عينيه. ومهما يكن من شيء فإن الصورة التي رسمها شيخ زادة في هذا المخطوط تمثل منظرًا ريفيًّا قوامه فارسان وراعيان وبضعة خيول، وهو يشبه تمامًا صورة الملك دارا وراعي الخيل من عمل بهزاد في مخطوط «بستان» بدار الكتب المصرية.