المدرسة الصفوية الثانية
ظل الشاه عباس الأكبر يحكم إيران زهاء اثنين وأربعين عامًا (١٥٨٧–١٦٢٩) وكان إداريًّا حازمًا، وقائدًا منصورًا، وحاكمًا مثقفًا، كثير المطامع، فبقي اسمه في التاريخ الإيراني رمزًا للمجد والعظمة، ولكن الحقيقة أن لعصره شهرة في الفنون لا يستحقها كلها، فقد كان عصر تأخر بطيء، سقط بفن التصوير إلى الهاوية، ولكن الأوروبيين كانوا أعرف بمنتجات هذا العصر، فظلت فترة من الزمن تحجب ما كان من مجد لبهزاد وللمدرسة الصفوية الأولى وعلى كل حال فإن الآثار الفنية في عصر الشاه عباس تتميز بتنوعها، إذ كان انتقال العاصمة إلى أصفهان وقربها من المحيط، عاملين في نمو علاقات إيران مع الهند والبلاد الغربية، فوفدت البعثات والسفارات، وأقبل السائحون والتجار إلى إيران، وعني الفنانون بالنقش على الجدران نفسها، وبرسم الصور المستقلة الكبيرة لتزيين الجدران بها، كما شاع رسم الصور من غير ألوان. والظاهر أن البلاط والأمراء انصرفوا عن المخطوطات المصورة بعض الانصراف فلم يجد المصورون من يعوضهم عن العمل فيها، ولذا فقد ندرت المخطوطات المصورة الثمينة في هذه المدرسة بينما زادت المنتجات التجارية التي لم يكن إخراجها يتكلف نفقة باهظة.
والظاهر أن الشاه عباس كان شديدًا على الفنانين راغبًا في اتخاذهم آلة للإعلان عن عظمته وأبهة عصره فحسب، وذلك بتشييد العمائر وتزيين جدرانها بالصور الكبيرة من الطراز الإيراني أو بصور أوروبية مما كان يحمله منها إلى إيران التجار والمبشرون. أما في تصوير المخطوطات فقد جمد المصورون ووقفوا عند تقليد الصور التي في المخطوطات القديمة.
وعلى كل حال فإن تصوير الأشخاص طرأ عليه تطور كبير في القرن السابع عشر فقل عدد الأشخاص ولم تعد الصورة تجمع عددًا كبيرًا منهم بل أصبح المصور يكتفي في رسمه بشخص أو شخصين في وضع متكلف، وقدٍّ أهيف، وأنوثة تجعل من الصعب التفريق بين صور الفتيان والفتيات. وينسب هذا الطراز في التصوير إلى زعيم المصورين في هذا العصر وهو رضا عباسي الذي قامت حول اسمه مناظرات ومساجلات بين علماء الآثار وأصبح جلهم يعتقدون بوجود مصورين اثنين، بين اسميهما شبه كبير وهما آقارضا ورضا علي.
أما الأول فأقدم عهدًا من الثاني وأقل شهرة منه. ولعله بدأ إنتاجه في بلاط الشاه طهماسب وظل يعمل حتى نهاية القرن السادس عشر فكان بذلك معاصرًا للشاه عباس الأكبر.
أما رضا عباسي فإن إمضاءه على كثير من الرسوم المؤرخة تحملنا على الاعتقاد بأن مدة إنتاجه الخصب كانت بين سنتي ١٦١٨ و١٦٣٩.
ومن المصورين الذين ذاع صيتهم في هذه المدرسة الفنية معين المصور، وحيدر نقاش، ومحمد قاسم التبريزي، ومحمد يوسف، ومحمد علي التبريزي. وينسب إلى رضا عباسي وإلى هؤلاء المصورين عدد كبير من الصور، بعضها أقل من المتوسط في الجودة والإتقان، ويمتاز أكثرها بما أشرنا إليه من أنوف طويلة وقدود ممشوقة وأوضاع متكلفة، وكان معين المصور تلميذًا لرضا عباسي، وقد رسم صورة أستاذه وهي — فيما نعلم — إحدى ثلاث صور وصلتنا لثلاثة من رجال الفن. أما الصورة الثانية فترجع إلى عصر المدرسة الصفوية الأولى وتمثل الأستاذ بهزاد وهي محفوظة الآن في مكتبة يلدز باستنبول. والثالثة صورة محمدي من عمل المصور محمدي نفسه وهي محفوظة الآن في متحف الفنون الجميلة بمدينة بوستن.
أما الشاه عباس الثاني الذي حكم إيران من سنة ١٦٤٢ إلى ١٦٦٦ فقد كان شديد الإعجاب بالغرب وفنونه فأرسل المصور محمد زمان ليدرس التصوير في روما. وقيل إن هذا المصور اعتنق المسيحية، ثم سافر إلى الهند ولم يرجع إلى إيران إلا سنة ١٦٧٦. ومهما يكن من شيء فقد تأثر هذا الفنان بالأساليب الفنية الأوروبية ولا سيما في الصور الدينية كرسم الأسرة المقدسة والملائكة والقديسين وما إلى ذلك من المناظر الدينية المسيحية.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل زاد تأثر المصورين الإيرانيين عامة بأساليب الفنون الغربية، وتخلوا عن كثير من الأساليب الإيرانية في التصوير، فكان هذا فاتحة اضمحلال التصوير الإيراني كما تدل على ذلك الصور الزيتية الكبيرة التي امتاز بها عصر فتح علي شاه (١٧٩٨–١٨٣٤) فإن صناعتها أوروبية أكثر منها إيرانية.