المشهد الرابع
(مزرعة الراعي في ريف بوهيميا، يدخل فلوريزيل متنكرًا في زي
دوريكليس الفلاح، وتدخل معه برديتا مرتدية ثياب ملكة الحفل.)
٥٢
فلوريزيل
:
هذي الملابس الغريبة
٥٣ التي لبِستِها تَبُثُّ روحًا نابضًا
بكل شبرٍ منك! فلم تعودي راعية …
بل أنت هكذا فلُورا
٥٤ ربَّة الزهور
قد أطلَّت فوق جبهة الربيع!
٥٥ فحفل جزِّ الصوف عندكم
لقاءٌ للصغار من أربابكم
٥٦ وفوقهم فلورا الملكة!
برديتا
:
يا سيدي ومولاي الكريم! قد لا يليق بي أن أُعاتبك (٥)
على مبالغاتك! أرجوك فاصفح إن أنا سمَّيتُها:
فذاتُك العليا
٥٧ ومُلتقى عيون الناس قد
طمستها بزيِّ ذلك الرَّاعي! أمَّا أنا الفقيرة المسكينة
فقد رفعتها إلى مراتب الأرباب! لولا ميول ضيوفنا في الحفل
للغرائب الحمقاء … وميلهم لهضم ذاك كُلِّهُ وفي (١٠)
إطار أعراف احتفال الناس … لكنتَ قد شاهدت
حمرة الخجل التي ستصبغ وجنتيَّ إذا شهدت ملبسك
بل قد أبات مغشيًّا عليَّ إذا نظرتُ في المرآة.
فلوريزيل
:
إني أُبارك لحظة جاءت بصقري الممتاز فاستقرَّ
هابطًا بأرض والدِكْ.
٥٨ (١٥)
برديتا
:
فليُبَرِّز جوف هذه المباركة! فإنني أخاف من
تفاوُت المراتِب بيننا! وإنَّما لديكَ من علاء المنزلة
ما يستحيل أن يأتيك فيه خوف! بل إنني لأرتعد
إذا ذكرتُ أنَّه لربما — وبالمصادفة — يمرُّ والدُكَ
العظيم
من هنا كما مررتَ أنت دون قصد! فيا لَسخرية القَدَر! (٢٠)
ماذا عساه أن يظنَّ أن تأتَّى أن يرى ابنه النبيل
لابسًا هذي الملابس الحقيرة؟ ماذا عساه أن يقول؟
بل ما عساي أنا — بملبس التباهي المستعَار هذا —
أن أرى في وجهه الغَضُوب حين يأتي؟
فلوريزيل
:
فلتنفِ كُلَّ خاطر لديكِ غير متعة الحفل! (٢٥)
فإنَّما الأرباب نفسها بدافع الغرام قد تنكَّرت
في صورة الحيوان خافِضة مكانتها!
٥٩ والرب جوبيتر
قد غدا ثورًا له خُوار! وربُّ البحر نبتون العظيم
قد أحال نفسه كبشًا له ثغاء!
٦٠ والرَّبُّ ذو الرِّداء النَّاري
٦١
— أعني أبوللو الذهبي — قد استحال راعيًا فقيرًا بائسًا
(٣٠)
ومثلما أبدو عليه في هذي الملابس! من دون أن يكون
ذلك التَّحوُّل العجيب
٦٢ في سبيل غادة جمالُها يزيد عنكِ نُدرة
ولا تزيد عنكِ في العفاف ما دامتْ رغائبي
لا تسبق الشرف الذي يَزِينني، وشهوتي تقلُّ
٦٣
في لهيبها عن صِدْق إخلاصي.
٦٤ (٣٥)
برديتا
:
لكنَّ عزمك سيدي لن يستطيع أن يظلَّ ثابتًا
عند التصادم المحتوم بالذي يقضي به المليك ذو السلطان!
لا بد أن يسود مسلكٌ من مسلكين:
إمَّا عُدُولُك عن زواجي أو عُدُولي عن حياتي!
٦٥
فلوريزيل
:
أرجوكِ برديتا ويا أعزَّ النَّاس عندي! لا تجعلي (٤٠)
هذي الخواطر التي دهمتكِ تفسد ابتهاج الحفل!
إمَّا أكون يا جميلتي مِلْك يمينك … أو أنبُذ الذي أنجبني
فلن أكون مالكًا لنفسي … أو أيَّ شيء عند أي شخص …
إن لم أكن مِلْك يمينك! وإنني لثابت على عهد الوفاء
حتى لو أبى القدر! فلتمرحي رقيقة المشاعر (٤٥)
ولتنبُذي أمثال هذه الخواطر! ولتستعيني ها هنا
بأي شيء قد تريْنَه أمامك. إنَّ الضيوف
عندكم على وشك الحضور: فلترتسم على
مُحيَّاك ابتسامة كأنَّما هذا النهار يوم حفلنا
بزفافنا … وهو الذي عليه أقسمنا (٥٠)
أنا وأنتِ واتفقنا سالفًا.
برديتا
:
يا ربَّة الأقدار واتِينا بما نرجو!
فلوريزيل
:
ألا ترَيْن؟ الآن يقترب الضيوف … تهيَّئي حتى تلاقيهم
ببِشْرٍ
وهناء! ولينبِض الدم القاني بوجهينا دليل المرح.
(يدخل الراعي، مع بوليكسنيس وكميلو وكل منهما
متنكر، ويتبعهم المهرج والفتاتان مُوبسا
ودوركاس، وبعض الرعاة من الجنسين.)
الراعي
:
عيبٌ عليكِ يا ابنتي! فعندما كانت قرينتي العجوز حيَّة
(٥٥)
كانت بهذا اليوم ساقية وطاهية وربَّة منزل.
كانت كذلك خادمًا تقوم بالترحيب بالجميع ثم تخدم الجميع …
وعندما يحين دورها تُغني ثم ترقص! تريْنها حينًا برأس
هذي المائدة … وبعدها في وسْطِها … وتميل فوق أكتاف
الضيوف بالصِّحاف من طعامها … ووجهها كالنار من (٦٠)
جُهدٍ، ومما تستعين به لإطفاء اللهيب عندما
تذوق قطرة منه بِنَخْبِ كل ضيف! فلتطرحي هذا التحفُّظ!
فلستِ مُحتَفَلًا بها بل أنتِ ها هنا المُضيفة!
أرجوكِ أن ترحِّبي بصِحابنا الذين لا نعرفهم
٦٦
فإنَّ ذاك أسلوبٌ لتوطيد الصداقة وازدياد المعرفة. (٦٥)
تَعَالَيْ أطفئي نار الخجل! وعرِّفي الجميع
بالدور المنُوط بك! فأنت راعية لهذا الاحتفال!
هيا تعاليْ رحِّبي بضيوف حفل جزِّ صوف الغنم؛
حتى يجيء الخير للأغنام من يديك.
برديتا
(إلى بوليكسنيس)
:
يا مرحبًا يا سيدي بك! لقد أراد والدي لي أن (٧٥)
أكون مُضيفة الحفل. (إلى كميلو) يا مرحبًا بك يا سيدي!
فلتعطني هذي الزهور هناك يا دوركاس.
يا أيها المبجَّلان: تفضَّلا زهور إكليل الجبل،
٦٧
وزهر عشب الفيجن!
٦٨،٦٩ فهذه تظَلُّ طيلة الشتاء
دُون فقْد نُضرة الأوراق أو شذاها. (٧٥)
فلتغفر الأرباب ما جنيتما، وتكتب التذكار دائمًا!
ومرحبًا بكما هنا في حفل جزِّ الصوف.
بوليكسنيس
:
إنَّكِ فاتنة يا راعية، وقد أحسنتِ بتقديم زهور شتاءٍ
تتفق وما نحن عليه بشتاء العمر!
برديتا
:
قد مال هذا العام للشيخوخة! فالصيف ليس يُحْتَضَر (٨٠)
ولم يُولَد شتاء الزمهرير بعد! وأجمل الأزهار في الموسم
هي القرنفل والزهور الخارجات منه ذات الأشرطة.
٧٠
وهي التي يقول بعض الناس إنَّها نغيلات الطبيعة أي بنات
سِفاح! ولستُ أزرع في حديقة ريفنا هذي الزهور!
ولا أحب أن آتي بشتلاتٍ صغيرة منها. (٨٥)
بوليكسنيس
:
ولماذا يا آنسة فاتنة تتجاهل يدُكِ زراعتها؟
برديتا
:
لأنني سمعت أنَّ لونها
٧١ يشارك الإنسان فيه بالصَّنعة …
مُهجِّنًا لها، منافسًا يد الطبيعة الخلَّاقة العظمى.
بوليكسنيس
:
فليكن! لكنَّ أيَّ تحسين، لما صاغته هذه الطبيعة،
يكون بالصنائع التي أوحت بها الطبيعة! وهكذا فإنَّ هذه
(٩٠)
الصَّنعة — وهي التي ذكرتِ أنَّها تضيف للطبيعة —
فنٌّ تُعلِّمنا مناهجه الطبيعة! وهكذا تَرَيْن يا فتاة
رائعة
أنا نزوِّج دَوْحة برِّيَّة من غصن نبتٍ سامٍ
٧٢
فإذ بها قد حمَلَتْ وأنبتت براعمًا رفيعة سامية.
وهكذا فإنَّ هذا الفن يصلح الطبيعة … لا بل يُغيِّرها —
(٩٥)
لكنَّ هذا الفن نفسه من الطبيعة.
برديتا
:
هذا صحيح.
بوليكسنيس
:
إذن لِتُثري يا فتاة حديقتك … بكل زهرٍ خارج من القرنفل،
ولا تقولي إنَّها نغيلات!
برديتا
:
بل لن أشُقَّ الأرض كي أغرسها! وموقفي هذا يُماثل موقفي
(١٠٠)
لو أنني لوَّنتُ بالأصباغ وجهي ثم قلت إنني أرجو رضاء
هذا الشاب
٧٣ عنها … وإنَّه لولا وجود هذه الأصباغ
ما تزوَّجَني! هذي إذن بعض الزهور: هذي
خُزامَى العشق
٧٤ والنعناع والصَّعتر
٧٥ والعترة.
هذا أذريون
٧٦ الجميل، وهو زهرٌ يُغلِق الجفون عندما تنام الشمس،
(١٠٥)
ثم يصحو عندما تصحو وقد عَلَتهُ أدمعُ الندى! هذي
زهور وسط الصيف! وأظن أنَّها تُهدَى لمن في أوسط العمر!
٧٧
(تقدِّم الزهور إليهما.)
كميلو
:
لو أنني من معجبيك لامتنعتُ عن تناول الطعام،
واكتفيتُ بالقُوت الذي ألقاه في مُحيَّاك الجميل. (١١٠)
برديتا
:
بل لا تقل هذا، وإلا جاءك الهُزال حتى يعصف الشتاء بك!
(إلى فلوريزيل.)
والآن يا صديقي الوسيم! يا ليت عندي بعض أزهار
الربيع كي تناسب الشباب فيك. (إلى موبسا ودوركاس)
بل والشباب فيكِ وفيها! فأنتما لتحمِلان فوق
أفرع العذارى
٧٩ من شعورِكما الشباب بل (١١٥)
وتزدادان عذرة وسحرًا! يا بروسربينا!
٨٠ يا بنت ربَّة الزراعة!
يا من أخافها هجوم ديسٍ — رب موتانا — فأسقطت زهورها
من حِجْرِها على مركبته! من بينها زهور النرجس الأصفر
تلك التي تجيء قبلما نرى تَجَاسر الخُطَّاف
٨١ عندنا على العودة،
وتأسرين بالجمال كلَّ ريح عاتية … في شهر مارس! (١٢٠)
منها البنفسج في تواضعه
٨٢ وإن زادت محاسنه على
أجفان
٨٣ ربَّة الأرباب جونو … وفاق عطره
أنفاس ربَّة الهوى فينوس!
٨٤ منها زهور ربيعنا الحمراء
٨٥
تلك التي تموت قبل زواجها، وقبل أن ترنو إلى الشمس التي
عَلَتْ واشتدَّ بأسُها! وتلك عِلةٌ تشيع ما بين العذارى!
(١٢٥)
منها ورود ربيعنا الصفراء
٨٦ … بكل تاج ملكي! من الزنابق من
جميع صنوفها والسوسن
٨٧ الفتَّان منها! يا ليت عندي ما
أُشكِّل باقة منه لكي أُبعثِرها مرارًا فوق صاحبي الرقيق!
فلوريزيل
:
كمثل نثْر الزهر فوق جسم ميتٍ؟
برديتا
:
لا بل كمِثْلِ ربوة يُطارح الغرام بعضُنا بعضًا عليها!
(١٣٠)
لا مثل جسم
٨٨ ميتٍ … إلا إذا ما لم يكن للدفن،
بل ليعود حيًّا نابضًا وفي أحضاني! هيَّا خذوا زهوركم!
أظن أنني أؤدي الدور مثلما رأيتهم في مهرجانات الرعاة،
كل عيد عنصَرَة!
٨٩ لا شكَّ أنَّ هذا الثوب من فوقي
يُغيِّر من ميولي ومزاجي. (١٣٥)
فلوريزيل
:
وكل شيء تفعلينه يفوق سابِقه! وعندما تُكلمينني حبيبتي
ودِدتُ لو كلَّمْتِنِي إلى الأبد! فإنَّما تنساب من شِفاهك
الألحان
ليْتها تنساب دائمًا في البيع والشراء، في الإحسان
والصدقة،
وفي الصلاة، بل في كلِّ تنظيمٍ لأحوالك.
وإن رقصتِ يا حبيبتي ودِدتُ لو أصبحتِ موجة (١٤٠)
في البحر حتى ترقصي على الدَّوام، بل لا تفعلي سِواه!
أي أن تظلِّي دائمًا تتقدمين
٩٠ كالأمواج لا سِواها!
وكلُّ شيء تفعلينه فريدٌ نابه في كلِّ شيء.
وهكذا يُتَوَّج الذي قد تفعلينه في هذه اللحظة؛
بحيث يغدو كلُّ فعلٍ تفعلينه مَلِكة!
٩١ (١٤٥)
برديتا
:
لا يا دروكليس!
٩٢ لقد مَدَحْتني مدحًا مبالغًا فيه!
لولا شبابك والدم الذي يُطلُّ بالإخلاص منه،
وهما يؤكدان في وضوحٍ أنَّكَ الراعي الشريف الطاهر،
لكنتُ قد أوجستُ خيفة بِحِكمتي أيا دروكلس الحبيب
مِن خَطْبِ ودِّي هكذا بمبالغات. (١٥٠)
فلوريزيل
:
إني لأومن أنَّه لا شيء يدعو للمخاوف عندك.
وليس عندي أي شيء قد يثير مخاوفك.
لكنَّ رقصتنا تحِينُ الآن … هيَّا وأعطِنِي يدك.
هيَّا كما يتعاهد القُمْري
٩٣ أن يظلَّ زوجاه بلا فراقٍ قط!
برديتا
:
أقْسمتُ هذا طبعُ ذاك الطائر الوفيِّ! (١٥٥)
(يبتعد فلوريزيل وبرديتا، ويقترب بوليكسنيس من كميلو وباقي
الحاضرين في مقدمة المسرح.)
بوليكسنيس
(إلى كميلو)
:
هذي أجمل بنتٍ من أصلٍ ريفيٍّ تجري فوق الكلأ!
لا تفعل شيئًا أو يبدو منها شيء لا يُوحِي بمراتب أرفع
منها،
بل أسمى من أن تسكن هذي البقعة!
كميلو
:
قد ذَكَرَ لها شيئًا دفع الدَّم إلى خدَّيها! حقًّا هذي
ملكة لون اللبن الصافي والقشدة!
٩٤ (١٦٠)
المهرج
:
هيَّا فليبدأ عزف الموسيقى!
دوركاس
:
موبسا ستكون رفيقتك الآن! لكن فلتجعلها تأكل بعض
الثوم … حتى تحسُن رائحة القُبُلات!
٩٥
موبسا
:
عَبَّرتِ أنتِ عن حقيقتك!٩٦
المهرج
:
كُفَّا عن ذلك! بل لا تزيدا كلمة! إنا محافظون ها هنا
(١٦٥)
على حُسن الخُلُق!
٩٧ هيَّا اعزفوا الموسيقى.
(تبدأ الرقصة التي يشارك فيها الرعاة ذكورًا وإناثًا، ومن
بينهم فلوريزيل وبرديتا، وتنتهي، ويخرج الرعاة الراقصون.)
بوليكسنيس
:
أرجوكَ أيُّها الراعي الكريم قُل مَن ذلك الراعي الوسيم؟
٩٨
أعني الذي يُشارك الرقصَ فتاتك.
الراعي
:
يدعونه دروكليس. كما يقول في تفاخرٍ بأنَّه
لديه أرضٌ من مراعٍ شاسعة. لكن هذا ما يقوله (١٧٠)
وإنَّني أصدِّقه! والحق أنَّه يبدو عليه الصدق فعلًا!
يقول إنَّه يحب بنتي! وذاك ما أعتقده.
فلَمْ يحدِّق البدر المنير ليلة في ماء هذا البحر،
مثلما يقف الفتى ليقرأ الذي كُتِب — إن صحَّ تعبيري —
بعينيْ ابنتي! وإن أردتَ قولي الصريح واضحًا فإنني (١٧٥)
أقول إنني لا أستطيع أن أرى من منهما
يزيد حُبُّه ولو بِقُبْلة عن صاحبه!
بوليكسنيس
:
ما أكبر البراعة التي تَزِين رقصها!
الراعي
:
بل إنَّ هذا شأنها في كل ما تفعل — حتى ولو
ذكرت ذاك أنا — فلا يليق بي امتداح بنتي!
٩٩ (١٨٠)
إذا ما اختار الاقتران بها دروكليس
فسوف تأتيه بما لا يحلم الفتى به.
١٠٠
(يدخل خادم.)
الخادم
:
يا سيدي! لو قُدِّر لك وحسب أن تسمع البائع الجوال عند
الباب، فلن تعود للرقص مرة أخرى على أنغام الدف
والمزمار! كلَّا، ولن تثيرك موسيقى القِرَب! إنه يغني من
(١٨٥)
الألحان مسرعًا بأكثر مما تستطيع عدَّ النقود! إنه ينطقها
كأنما
ابتلع المواويل بلعًا! وآذانُ الجميع تستجيب إلى ألحانه!
المهرج
:
لم يأت في لحظة أنسب من هذه! مُرْهُ أن يدخل! فإن حبي
للمواويل زائد لا يوصف، إن كان الموضوع محزنًا والكلمات
ذات لحن مرح، أو كان الموضوع بالغ المرح واللحن حزين
(١٩٠)
الخادم
:
لديه أغانٍ للرجال والنساء من كل الألوان. ولن يفوقه
الخردواتي
١٠٢ في انتقاء القفاز الذي يناسب أيدي زبائنه. لديه
أجمل أغاني العشق للعذارى، وتخلو تمامًا من البذاءة، وهو
(١٩٥)
أمر غريب، ما دامت لديه أبيات لطيفة يردِّدها الجمهور بعد
كل مقطعٍ فيها الهُراء والهَذَرُ، مثل الطُمها واضرَبها،
وهي
التي قد تدفع الأوغاد للصياح صيحات بذيئة وإدخال
فجوات قذرة في الموضوع، مما يذكِّرنا بالأغنية الشائعة
التي
تغنيها العذارى إجابة عليه «لا تؤْذِني يا أيها الرجل
(٢٠٠)
الكريم!» وهكذا يقاطِعنه، ويحتقِرنه، بقولهن «لا تؤذني يا
يا أيها الرجل الكريم!»
بوليكسنيس
:
هذا رجل رائع!١٠٣
المهرج
:
صدقني! أنت تتحدث عن شخص عجيب مغرور! هل
لديه أية بضائع جديدة؟ (٢٠٥)
الخادم
:
لديه شرائط زينة بجميع ألوان قوس قزح،
١٠٤ وأربطة بعُقَدٍ لا
يستطيع جميع المحامين في بوهيميا أن يَحُلُّوها مهما تبحروا
في
العلم، وإن كان يشتريها بالجملة! وأشرطة قطنية خشنة،
ولفائف من الخيش والكتان والقطن، والمنسوجات الريفية،
بل إنه يترنَّم بها كأنما كانت أربابًا أو ربات! حتى لتخال أنَّ
(٢١٠)
القميص المطرز ملاك! وهو يتغنى بجمال أسورة كُمِّ
القميص والزركشة التي على الصدر!
المهرج
:
أرجوك أدخله إلينا … ولينشد شيئًا أثناء قدومه.
برديتا
:
حذِّره من استخدام أية كلمات بذيئة في أغانيه. (٢١٥)
(يخرج الخادم.)
المهرج
:
بعض هؤلاء الباعة الجوالين لديهم أكثر مما تتصورين يا
أخت.
برديتا
:
نعم أيها الأخ الكريم! أو ما تكثرت بتصوره.
(يدخل أتوليكوس لابسًا لحية مستعارة وحاملًا جعبته
ويغني.)
أُتوليكوس
(يغني)
:
لديَّ مناديل بيضاء في لون ثلج الشتاء (٢٢٠)
وأقمشة حالكات السَّواد كغربان هذا الفضاء
وقُفَّاز كل يدٍ ذو أريجٍ يفوح بروح الورود
١٠٥
وأقنعة
١٠٦ للوجوه وكلِّ الأنوف وكلِّ الخدود،
أساور محكمة من عقيق، قلائد من كهرمان،
١٠٧
عطورٌ يَزِين شذاها الرهيف خدور الحِسان،
١٠٨ (٢٢٥)
وأوشحة وُشِّيَت بالنضار، وأحزمة للخصور النحيلة
يقدِّمها العاشقون الشباب إلى كل بنت جميلة.
دبابيس أو قُضُب من حديد وصلب،
١٠٩
فذلك عند العذارى شديد الطلب.
تعالوا اشتروا أقدموا أقدموا واشتروا (٢٣٠)
وإلا ستبكي أحِبَّتُكم يا شباب اشتروا.
المهرج
:
لو لم أكن أُحبُّ موبسا ما اشتريتُ شيئًا فأخذت مني
مالًا!
لكنها ما دامت تأسرني برباطٍ شديد، فسوف تربط لي بهذا
الرباط بعض الأشرطة والقفازات.
١١٠
موبسا
:
كنتَ وعدتني بشرائها لي قبل العيد! لكنني أقبلها الآن على
(٢٣٥)
أية حال!
دوركاس
:
كان قد وعدك بأكثر من ذلك! وإلا كان محدثي كاذبًا!
موبسا
:
لقد أعطاكِ كل ما وعدك. وربما أعطاكِ ما يزيد على ذلك
(في بطنك)! وسوف يجلب لك العار عندما (تلدينه)
١١١
وتردينه إليه! (٢٤٠)
المهرج
(غاضبًا)
:
ألم تعد لدى هذه النساء أخلاق؟ وهل يكشفن عن
العورة مثل الوجه؟ ألا تختلين بأنفسكن قط للتهامس بهذه
الأسرار، وقت حليب الأبقار، أو قبل الذهاب إلى الفراش،
أو أمام أفران الخبيز، حتى تُرْغَمْنَ على الثرثرة بها أمام جميع
(٢٤٥)
الضيوف؟ أحسنتْ النساء الآن بالتهامس! فلتمسك كلُّ
لسانها ولا تنطق بلفظ آخر!
موبسا
:
أمسكتُ لساني! اسمع! كنتَ وعدتني بمنديل حريري
متعدد الألوان وقفاز جميل. (٢٥٠)
المهرج
:
ألم أقل لك كيف تعرضتُ للخداع في الطريق وسرقة كل
نقودي؟
أُتوليكوس
:
بالفعل يا سيدي، المحتالون منتشرون، ويجدر بالرجال إذن
أن يأخذوا حذرهم.
المهرج
:
لا تحش أنت شيئًا يا رجل، فلن يُسرَق منك شيء هنا. (٢٥٥)
أُتوليكوس
:
أرجو ذلك يا سيدي فمعي بضائع كثيرة ثمينة.
المهرج
:
ماذا لديك الآن؟ مواويل مطبوعة؟
موبسا
:
أرجوك أن تشتري لي بعضها! فأنا أحب المواويل المطبوعة،
وأقسم بحياتي، فإننا نثق عندها في صدق ما تحكيه. (٢٦٠)
أُتوليكوس
:
هذا موَّالٌ يحكي قصة وُضِعَت على لحن بالغ الحزن؛ إذ
يقصُّ كيف وَلَدت زوجة أحد المرابين
١١٢ عشرين كيسًا من
النقود في بطن واحد، وكيف كانت تتوحم على أكل رءوس
ثعابين سامة وضفادع بشرية مُقطَّعة مشوية! (٢٦٥)
موبسا
:
وهل هذه قصة حقيقية في رأيك؟
أُتوليكوس
:
بل حقيقة فعلًا، ولم يمضِ عليها إلا شهر واحد.
دوركاس
:
لا قدَّر الله أن أتزوج مُرابيًا.
أُتوليكوس
:
وها هو ذا اسم الداية المطبوع على الموَّال: السيدة
ثرثارة
هانم،
١١٣ إلى جانب أسماء خمس زوجات محترمات أو ست كُنَّ
(٢٧٠)
حاضرات. ولماذا أتجول حاملًا أكاذيب؟
موبسا
(إلى المهرج)
:
أرجوك أن تشتريها الآن؟
المهرج
:
دعك من هذه الآن! ولنرَ المزيد من المواويل أولًا. سوف
نشتري الأشياء الأخرى حالًا.
أُتوليكوس
:
هذا موَّال آخر يحكي قصة سمكة ظهرت يوم الأربعاء، في
(٢٧٥)
اليوم الثمانين من شهر أبريل، على ارتفاع أربعين ألف قامة
١١٤
فوق الماء، ويُنشد هذا الموَّال لانتقاد قسوة قلوب
العذارى.
وكان يقال إنَّ هذه السمكة كانت امرأة ثم مُسِخَت سمكة
باردة
١١٥ لأنَّها رفضت التجاوب جسديًّا مع عاشق لها. إن قصة
(٢٨٠)
الموَّال مؤلمة جدًّا، وحقيقية.
دوركاس
:
حقيقية فعلًا في رأيك؟
أُتوليكوس
:
أقرَّ بصدقها خمسة قضاة، ووقَّعوا على ذلك، إلى جانب عدد
من الشهود يزيد عمَّا تتسع له حقيبتي.
المهرج
:
دعك منها أيضًا. هات غيرها. (٢٨٥)
أُتوليكوس
:
هذا موَّال مرح، لكنه بالغ الجمال.
موبسا
:
أفضِّل المواويل المرحة.
أُتوليكوس
:
ولكنَّ هذا ذو مرح فائق، ويُغنَّى على لحن الأغنية
المعروفة،
عذراوان تنافستا في حب رجل. لا تكاد توجد عذراء في (٢٩٠)
غرب البلد لا تغنيها. إنَّها مطلوبة وأؤكد لكم.
موبسا
:
نستطيع أن نغنيهما معًا، إذا غنيتما الدور الذي سوف أحدده
لكما، فهي تحتاج إلى ثلاثة أصوات.
دوركاس
:
قرأنا الأغنية وحفظنا لحنها منذ شهر. (٢٩٥)
أُتوليكوس
:
أستطيع تأدية دوري؛ فأنتما تعرفان أنَّها صنعتي، هيا! فلنبدأ.
(يغنون.)
أُتوليكوس
:
ابتعدوا يلزمني أن أرحل؛
حيث يناسب كلًّا أن يجهل.
دوركاس
:
أين إذن؟ (٣٠٠)
موبسا
:
قل أين؟
دوركاس
:
أين إذن؟
موبسا
:
من أجل وفائك بيمين الأبرار،
١١٦
أفصح لي عن كلِّ الأسرار.
دوركاس
:
وأنا أيضًا دعني أمضي معكما. (٣٠٥)
موبسا
:
لا تنزل عند الطاحون أو البيت المهجور؛
إن تنزل في هذا أو ذاك تُصِبْك شرور.
أُتوليكوس
:
لا هذا أو ذاك.
دوركاس
:
عجبًا! لا هذا أو ذاك.
أُتوليكوس
:
لا هذا أو ذاك. (٣١٠)
دوركاس
:
أقسمت بأنَّك أصبحت غرامي.
موبسا
:
وحلفت على ذلك لي وأمامي،
وإذن أين ستمضي؟ قل أين؟
المهرج
:
سوف نغني هذه الأغنية لآخرها بأنفسنا بعد قليلٍ؛ فوالدي
منهمك في حديث جاد مع الأستاذ، ولا نريد إزعاجهما. هيا!
(٣١٥)
احمل حقيبتي واتبعني الآن. أيها الفتاتان سوف أشتري لكما
معًا بعض الأشياء. واسمح لنا أيها التاجر باختيار ما
نريد،
أولًا. اتبعاني يا بنات!
(يخرج ومن خلفه دوركاس وموبسا.)
أُتوليكوس
:
وسوف تدفع الثمن الكبير لها!
(يغني.)
هل تشترين شرائطًا لحُلَّتِك، (٣٢٠)
أو زركشات تطريز هنا لِبِزَّتك،
يا حُلوتي وبطَّتي الجميلة الخلَّابة؟
هل تشترين أي خيط أو حرير،
أو زينة لرأسك الحلو الصغير،
من أحدث الأصناف والرهائف الجذَّابة؟ (٣٢٥)
إذن إلى البيَّاع أقدِمِي هنا،
فإنَّه بالمال يأخذ الكثير عندنا،
ويستجيب كلُّ شيء للنقود أيَّما استجابة!
(يخرج أتوليكوس.)
(يدخل خادم.)
الخادم
:
يا سيدي! وصل ثلاثة عربجية،
١١٧ وثلاثة رعاة، وثلاثة رجال
من رعاة الأبقار ومثلهم من رعاة الخنازير، وقد لبسوا جميعًا
(٣٣٠)
جلود الماعز الخرافي — الساتير — ذات الشعر الكث.
ويقولون إنَّهم بهلوانات،
١١٨ وقد أدوا بعض الرقصات التي
تقول الفتيات إنَّها تتكوَّن من خليط الرقص والقفز! ربما
لأنهن لا يشتركن فيها! ولكنهم يعتقدون أنَّهم، إن لم تكن
حركاتهم زائدة الغِلظة عند من لم يعتادوا غير لعب الكرة
(٣٣٥)
الهادئ، يستطيعون إمتاع المشاهدين كثيرًا.
الراعي
:
مُرْهُم أن ينصرفوا! لن نشاهد أيًّا من ذلك. لقد رأينا ما
يكفي من التنطيط الأحمق! (إلى بوليكسنيس) أعلم يا سيدي
أننا أرهقناك.
بوليكسنيس
:
بل أرهقتَ من يُمتِعُوننا. أرجوك! دعنا نشاهد المجموعات
(٣٤٠)
الأربع من ثلاثيات الرعاة!
الخادم
:
تقول إحدى المجموعات الثلاثية يا سيدي بلسانها إنَّ
أفرادها رقصوا أمام الملك،
١١٩ ويقول أحد هؤلاء الثلاثة،
وليس أسوأهم، إنَّه وثب في الهواء إلى ارتفاع ثلاثة أمتار
وثمانين سنتيمترًا على وجه الدقة!
الراعي
:
كف عن هذرك! ما دام يُسعد هؤلاء الكرام أن يشاهدوهم،
(٣٤٥)
ادعهم للدخول، هيا وأسرع!
الخادم
:
إنَّهم بالباب ينتظرون … سيدي!
(يُدخل الخادم الراقصين الريفيين الاثني عشر، لابسين أردية
الماعز الخرافي، ويرقصون على أنغام الموسيقى.)
(يخرج الخادم والراقصون.)
بوليكسنيس
(إلى الراعي)
:
يا والدي! لَسوف تعرف المزيد عن هذا بوقتٍ لاحقٍ.
١٢٠
(إلى كميلو)
ألم يزِد هذا عن الحدِّ؟ بل حان أن ينفصلا.
إنِّي أرى الرَّاعي العجوز ساذجًا ويُفضي بالكثير! (٣٥٠)
(إلى فلوريزيل)
قل كيف حالك أيُّها الراعي الوسيم؟ القلب مشغولٌ لديكَ
بما
يلهيكَ عن حفل الصِّحاب! بالحق في شبابي عندما
طارحتُ أحبابي الغرامَ مثلك كنت أُهدي للفتاة
جميع أصناف الحُلي التافهة. لو في مكانك كنتُ أنهب ما
لدى الجوَّال من كنزٍ حريري! ولَكنتُ أغدقه عليها؛ (٣٥٥)
كي أنال به رضاها. لقد تركته يمضي،
ودون شراء شيء منه. فإن أبَتْ حبيبتُك
إلا إساءة فهم إحجامك، أو فسَّرته بأنَّه
نقصٌ بحبك أو سخائك، فلَسوف تعجز عن
إجابتها بشيء مقنع، وعلى الأقلِّ إذا حَرَصتَ على (٣٦٠)
دوام سعادة المحبوب لك.
فلوريزيل
:
إني لأعرف أيُّها الشيخ الكريم بأنَّها ليست ترى
لبضائع الجوَّال أيَّة قيمة. أما هداياها التي تطلبها
فإنَّها مكنونة في القلب. ولقد وهبته من قبل
إيَّاها، ولكن لم أسلِّمه إليها!
١٢١ (٣٦٥)
(إلى برديتا)
أرجوك أن تُصغي إليَّ، وقد وعدتكِ بالوفاء مدى الحياة،
وأمام هذا الشيخ؛ إذ يبدو كذلك أنَّه عرف المحبَّة في
صباه،
هاتي يدك! هذي تُضاهي في نعومتها وسحر بياضها
١٢٢ زَغَبَ
الحمام … أو سِنَّ إثيوبي
١٢٣ … أو الثلوج
١٢٤ في مرابع الشَّمال
حيث صفَّتها الرياح العاصفات مرَّتين فزاد عُمق بياضها.
(٣٧٠)
بوليكسنيس
:
فما الذي يَتلو إذن هذا؟
(إلى كميلو)
ما أجمل البياض؛
١٢٥ إذ يضفيه من جديد فوق هذه اليد البيضاء!
(إلى فلوريزيل)
لقد أفسدتُ تركيزك! لكن إلى الإفصاح عن هواك!
دَعني إذن أُصغي إلى إعلانك الرَّسمي.
فلوريزيل
:
اسمع وكن عليَّ شاهدًا! (٣٧٥)
بوليكسنيس
:
وهل لجاري أن يشاركني؟
فلوريزيل
:
وغيره، وكلُّ من في الأرض والسماء أجمعين! لو أنني
كُلِّلتُ من فوق الملوك كلَّهم،
١٢٦ وفزت بالسلطان والجبروت.
لو أنَّ لي وسامة تفوق كلَّ شخص يستطيع بَهْرَ الأعين،
لو أنَّ لي العلم الذي يصاحب الجبروت فوق كل رجل؛ (٣٨٠)
فلن أُعِزَّ ذاك كله من دون حبِّها! بل إنني أُسخِّر الهبات
كلها
من أجل خدمتها! هذا وإلا فلتضِع جميعها مني!
بوليكسنيس
:
عرضٌ جميل!
كميلو
:
هذا يُظهِر عُمق العاطفة.
الراعي
:
لكن يا بنتي … أتقولين له هذا نفسه! (٣٨٥)
برديتا
:
لا أقدِر أن أنطق شيئًا يتمتَّع بجمال كلامه … أو مقصده.
لكنِّي حدَّدت بمقياس خواطر نفسي مقدار نقاء خواطره.
الراعي
:
تصافحا إذن على الصفقة … وأنتما … من أصدقاء لستُ
أعرفهم
١٢٧ … كونا من الشهود ها هنا! إنِّي وهبت بنتي له!
وسوف أجعل ما تُزفُّ به مساويًا لما يقدِّمه من المهر!
(٣٩٠)
فلوريزيل
:
لا بد أن يكون ذاك ما يزينها من الفضيلة؛
فعندما يموت والدي سيربو ما يئول لي
عمَّا رأيت في المنام يومًا ما. وسوف يكفل اندهاشك!
لكنني أقول هيَّا! أعلِن بحضرة الشهود خطبتنا!
١٢٨
الراعي
:
هات يدك! وهاتِ يا بنتي يدك! (٣٩٥)
بوليكسنيس
:
أرجوك يا شاب انتظر. فهل لديك والد؟
فلوريزيل
:
نعم، ولكن ما تريد منه؟
بوليكسنيس
:
هل له علم بهذا؟
فلوريزيل
:
لا يعلم، بل لن يعلم.
بوليكسنيس
:
أعتقد بأنَّ الوالد أفضل ضيفٍ يغشى مأدبة زفاف ابنه!
(٤٠٠)
أرجو وأكرر سؤلي: أفلم يدْهَم
والدَكَ العجزُ عن التفكير العقلاني؟
أفلم يصبح خرِفًا بتقدُّمه في السن
وأمراض نالت منه؟ هل يقدر أن يتكلم؟ أن يسمع؟
ويميز بين الأفراد؟ ويناقش أحواله؟ (٤٠٥)
أفلا يرقد بفراش العجز؟ ويكرر ما فعل بمهد طفولته؟
فلوريزيل
:
لا يا مولاي الفاضل. فلديه من الصحة والقوة ما
يربو عن معظم من في عمره.
بوليكسنيس
:
أقسمت بلحيتي البيضاء، إذا كان الأمر كذلك،
كنت تسيء إليه إساءة ولدٍ عاقٍّ لأبيه (٤١٠)
إلى حدٍّ ما.
١٢٩ العقل يقول بأنَّ الولد له حقٌّ
في أن يختار له زوجة! لكنَّ العقل الراجح يقضي
أيضًا بمشاركة الوالد بمشورته في هذا الأمر … فالوالد لا
فرح له إلا أن يُنجِب أبناء صالحة.
فلوريزيل
:
سلَّمت بصحة هذا كله. لكن لديَّ من الأسباب الأخرى (٤١٥)
يا مولاي الفاضل ما لا تجدر معرفتك به … وتبرِّرُ
إحجامي عن إطلاع أبي بالحقِّ على هذا الأمر.
بوليكسنيس
:
أخبره به.
فلوريزيل
:
بل لن يعرف.
بوليكسنيس
:
أرجوك بأن تخبره. (٤٢٠)
فلوريزيل
:
كلا؛ فالواجب ألا يعرف.١٣٠
بوليكسنيس
:
ولدي! أخبره فلن يحزن إن عرف عروسك.
فلوريزيل
:
الواجب ألا يعرف … هيا! اشهد عقد زواجي!
(بوليكسنيس يُزيل اللحية المستعارة وسائر مظاهر
التنكُّر.)
بوليكسنيس
:
تقصد عقد طلاقك يا شاب! يا من لا أجرؤ أن أدعوه
ولدي! إنَّك أحقر من أن أعترف هنا بك! هل ترث الملك (٤٢٥)
فتهوى راعية تحمل خطَّافًا؟
١٣١
(إلى الراعي) يا شيخًا خائن! يؤسفني أنِّي
لن أفلح بالشنق سوى أن أُنقص من عمرك أسبوعًا!
(إلى برديتا)
يا ساحرة فائقة شابة! لا شكَّ بعلمِكِ أنَّ المأفون أمير!
الراعي
:
واهًا لك يا قلبي!
بوليكسنيس
:
وغدًا سآمر أن يُشوَّه حُسنك الباهي لكي (٤٣٠)
يزداد حِطة عن موقعك!
(إلى فلوريزيل)
وأنت أيُّها الغلام الأحمق! لو أنَّني عرفت يومًا ما
بأي آهةٍ
١٣٢ تندُّ منك بعد أن تفارق الصغيرة التافهة
— وذاك ما سأكفله — فسوف تُحرَم الميراث للعرش،
وسوف أنكر الأبوَّة … لا بل وكلَّ ألوان القرابة (٤٣٥)
كأنَّما ابتعدت عنَّا في الزمان أشد من نوح وطوفانه!
١٣٣
فلتنتبِه لما أقول واتبعني إلى البلاط.
(إلى الراعي)
وأنت أيها الفلاح! نعفيك من عقوبة الإعدام هذه المرة،
برغم كل ما ملأتني به من استياء.
(إلى برديتا)
وأنتِ يا ذات الجمال الساحر! لا تجدُرِين إلا بالرعاة!
(٤٤٠)
وبالذي — لولا دماؤه الملكية — ما كان يجدر بك!
إذا فتحتِ باب كوخكِ الريفي بعد الآن للأمير
وكذاك إن طوَّقتِ جسمه بهذه الأحضان يومًا ما؛
دبَّرتُ أسلوبًا لموتِكِ فيه أقصى قسوة
كيما يُجاري طبعكِ الحسَّاس للآلام. (٤٤٥)
(يخرج بوليكسنيس.)
برديتا
:
دمار كل شيء جاء في لحظة! لم أخَف كثيرًا …
فإنني أوشكت مرة أو مرتين أن أقول في صراحة له:
شمس الصباح نفسها التي تزور قصره،
لا تحجب المحيَّا عن أقل كوخ!
أي إنَّها ليست تفرِّق بيننا! (٤٥٠)
(إلى فلوريزيل) هلَّا تفضَّل سيدي بأن يرحل؟
إني ذكرتُ ما يكون من هذي القضية لك. أرجوك أن
تُعنَى هنا بمكانتك. الآن قد صحوتُ من حُلمي،
ولن أعود ملكة على شيء! بل إنني سأحلب النعاج باكية.
كميلو
(إلى الراعي)
:
ما حالك يا والدنا الآن؟ انطق قبل موافاة الأجل! (٤٥٥)
الراعي
:
لا أقدر أن أتكلَّم أو أقدح فكري،
بل لا أجرؤ أن أعرف ما أعرف.
(إلى فلوريزيل)
يا سيد! حطَّمت لدينا شيخًا عاش ثلاثًا وثمانين سنة!
كنت أُمَنِّي النفس بأن أهبط للقبر بلا صخبٍ،
وأموت كذلك بفراشٍ مات الوالد فيه، (٤٦٠)
وأن أُدفَن بجوار عظام أبي الأشرف!
أما الآن فسوف يكفِّنني الجلَّاد ويدفنني بمكانٍ
لا كاهن فيه يهيل ترابًا فوق رُفاتي.
(إلى برديتا)
يا بائسة ملعونة! قد كنت على علمٍ أنَّ الشاب أميرٌ،
لكنَّك
غامرتِ وبادلتِ الشاب عُهُود الحب. إنِّي دُمِّرت تمامًا!
(٤٦٥)
لو مُتُّ بهذي الساعة فلقد عشتُ، وحين أردتُ أتاني الموت!
(يخرج الراعي.)
فلوريزيل
:
لِمَ تنظر عيناكِ بهذا الأسلوب إليَّ؟ إنَّ بقلبي الآن
أسى لا خوفًا! فأنا أتأخر أو أتعطَّل لكني
لا أتغيَّر قط! قد كنت وما زلت كعهدك بي
بل زاد حماسي للإقدام بسبب مقاومة أبي!
١٣٤ (٤٧٠)
أي إنِّي لا أمضي في الخطبة مضطرًّا!
١٣٥
كميلو
:
يا مولاي الفاضل! إنَّك تعرف طبع أبيك الحامي.
في هذه اللحظة لن يقبل منك كلامًا،
وأنا لا أتوقع منك حديثًا معه الآن،
وكذلك لن يقبل رؤيتك — مع الأسف — لوقت ما. (٤٧٥)
وإذن فاصبر حتى تنفثئ الغضبة فتقدم منه.
فلوريزيل
:
لا أنوي أي حديث معه الآن. أنت كميلو؟
(يرفع كميلو القناع.)
كميلو
:
فعلًا يا مولاي.
برديتا
(إلى فلوريزيل)
:
ما أكثر ما أخبرتك أنَّ الأمر يئول إلى هذا!
ما أكثر ما قلت بأنَّ الخطبة لأميرٍ ما تلبث أن تَحْبِط
(٤٨٠)
حين يُذاع السر!
فلوريزيل
:
بل لن يصيبها الإحباط إلا إذا حنثتُ باليمين. وعندها
فلتأتِ ربَّة الطبيعة … فتدكَّ أجناب البسيطة ثم تسحقها
معًا،
ولتفسد البذور في باطنها!
١٣٦ فلتنفرج حبيبتي أساريرك!
يا والدي احرمني من الميراث! فقد ورثتُ حبي.
١٣٧ (٤٨٥)
كميلو
:
أرجوك أن تهتدي.
فلوريزيل
:
أنا أهتدي فعلًا بحبي. إن استطاع عقلي الانصياع له
غدوت عاقلًا … أمَّا إذا عصاه … فلترحِّب الحواس كلها
بمقدم الجنون
١٣٨ ولتُسرَّ به!
كميلو
:
هذا مسار اليأس سيدي. (٤٩٠)
فلوريزيل
:
إذن فسمِّه كذلك. لكنَّه يفي بما أقسمت أن أفعل.
عقلي يقول حتمًا إنَّه الشَّرف. اسمع كميلو:
لن يستطيع مُلك بوهيميا — ولا الفخامة التي تُجنى
من الجلوس فوق عرشها، ولا جميع ما ترى الشموس،
أو يضمه الثَّرى في رحِمِه — بل ما تُخبئه البحار في
(٤٩٥)
أغوارها السحيقة المجهولة — أن يؤدي بي إلى
حِنثِ اليمين للحبيبة الجميلة. وهكذا أرجوك
ما دُمتَ الصديق ذا التكريم دائمًا لوالدي
بأن تقوم حين أختفي عن بصره — فإنني بالحق أنتوي
ألَّا أراه بعد هذا اليوم أبدًا — بإسداء المشورة النصوح له،
(٥٠٠)
حتى تخفَّ غضبته … ولتقصر النصح عليه! دعني أجالد
الأقدار في المستقبل القريب. دعني أقول الآن ما انتويته
وانقله من فمي إليه: إنِّي سأمضي للرحيل بحرًا
بصحبة التي عجزت أن أحوزها برًّا.
والحظُّ لبَّى حاجتي كخير ما يكون؛ إذ إنَّ لي (٥٠٥)
سفينة سريعة قريبة منَّا، لكنَّها كانت لغايةٍ أخرى.
أمَّا مسار سفينتي ومقصدها … فلن يفيدك العلم به،
ولا يهمُّني الإفصاح عنه الآن لك.
١٣٩
كميلو
:
أُوَّاه يا مولاي!
يا ليتَ روحك استجابت للنصيحة دون لأي (٥١٠)
أو تدعَّمت في وقت حاجتك.
فلوريزيل
:
اسمعي برديتا! (يختلي بها جانبًا.)
(إلى كميلو) أُصغي إليكَ بعد لحظة
(فلوريزيل وبرديتا يتهامسان.)
١٤٠
كميلو
(جانبًا)
:
لا يتزحزح! عَقَدَ العزم على أن يرحل. لو كنتُ سعيدًا
برحيله
لغنِمتُ الفرصة في تحقيق مرامي! كم أتمنَّى أن أنقذه من
(٥١٥)
هذي الأخطار، وأخدمه في حبٍّ وشرف، وأعود لرؤية
أرض صقلية بلادي المحبوبة والملك التاعس مولاي!
من أتعطَّش كلَّ العطش لرؤياه!
فلوريزيل
:
اسمع يا كاميلو الأكرم! أعتذر لخرق قواعد كل مجاملة
بسلوكي هذا، لكنَّ همومي شغلتني عنك.
كميلو
:
أعتقد بأنَّك يا مولاي سمعت بخدماتٍ مُتواضعة منيِّ (٥٢٠)
تغذوها روح الحب لوالدك؟
فلوريزيل
:
قد استحققتَ كلَّ مدحٍ للمكارم الجليلة … ووالدي يسُرُّه
كل السرور
١٤١ أن يشير للذي أسديته من الأفضال.
وإنَّه ليهتم اهتمامًا دائمًا بذكرها كما يُجازيك عليها.
كميلو
:
اسمع إذن يا سيدي. إن كنت تستطيع أن ترى ودادي (٥٢٥)
للمليك وعبره لأشد أهل الأرض قُربًا له
— أي ذاتك الكريمة — فلتحتضِن مشورتي وحسب
١٤٢
إن كان بالإمكان تعديل الذي رسمته
من المشاريع الحكيمة المؤكدة! إنِّي لأقسم بالشرف
إنِّي كفيلٌ أن أوجِّه مركبك (٥٣٠)
إلى مكان تستطيع أن تلقى به كلَّ الذي يليق
بالسمو في منزلتك، وحيث تستطيع أن تجد الهناء بالحبيبة.
ولا أرى إلا دوام الارتباط بينكما إلى الأبد،
ودون أن يحُول دون ذاك حائلٌ لا قدَّرت مشيئة السماء
غير أن تهلك. تزوجها هناك! (٥٣٥)
ولسوف أبذل كلَّ ما في طاقتي أثناء غيبتك؛
حتى أبرِّد نار غَضبة والدك،
وأسوقه إلى الرضا عليك.
فلوريزيل
:
وكيف يا كميلو؟ أذاك ممكنٌ؟ يكاد أن يكون معجزة!
وعندها تكاد أن تكون ربًّا! وبعدها
١٤٣ (٥٤٠)
أظلُّ واثقًا على الدَّوام بك.
كميلو
:
هل اخترتَ أين ستذهب فعلًا؟
فلوريزيل
:
كلَّا، ولكن … ما دام حادث اكتشاف والدي لنا
— وهو الذي ما جال قط بخاطري — يرمي بنا في هذه الحيرة
فإننا نرى بأننا عبيدٌ للمصادفة … ذُبابٌ في مهب كل ريح.
(٥٤٥)
كميلو
:
أصغِ إليَّ إذن: إن لم تعدل عن عزمك أن ترحل فاذهب
صوب صقلية بلادي. واكشف للملك ليونتيس
عن نفسك وأميرتك الحسناء! وأنا أدعوها
باسم أميرتك لأنِّي أعلم أنَّك تتزوجها حتمًا!
وعليها أن تلبس ما يَجْمُلُ بشريكة مخدعك هناك! (٥٥٠)
وبعين خيالي أشهد مولاي ليونتيس
وإذا هو قد فتح ذراعيْ كرمه … وانخرط يُنَهْنِهُ
ترحيبًا بكما، وأراه يردد فلتصفح عني يا ولدي!
فكأنَّك أنت أبوك! ويُقبِّلُ أيدي زوجتك اليافعة الحسناء.
وإذا ألفاظ الملك قد انقسمت ما بين تذكُّر (٥٥٥)
قسوته في الماضي والعطف السابغ في الحاضر،
ويكرر ذاك مرارًا فيدين الظلم، ويُلقي
في النار به داعيًا العطف أن ينمو
بثباتٍ وبأسرع من لمْحِ الفكر وكرِّ الزمن.
فلوريزيل
:
وبأيَّة أسباب يا كاميلو الأكرم أتذرَّع لزيارته؟ (٥٦٠)
كميلو
:
قل أرسلك الملك أبوك لإبلاغ سلامه،
ولتأكيد صداقته له. اسمع يا مولاي سأكتب لك ما
ما يجب عليك بأن تفعل وتقول له.
وبصفتك مبعوثًا من والدك إليه … وهي أمور
لا يعرفها غير ثلاثتنا … أقصد هذين الملكين ونفسي. (٥٦٥)
ولتسترشد يا مولاي بما أكتبه فيما يجب
عليك بكل مقابلة معه أن تتفوَّه به
حتى لا يدرك إلا أنَّك كاتم سر أبيك،
وتنطق بخبايا قلبه.
فلوريزيل
:
أنا ممنون لك، فالخطة قد تنجح فعلًا! (٥٧٠)
كميلو
:
وتُبشِّرُ بالخير بأكثر ممَّا أن تنطلقا دون دليلٍ ببحارٍ
لم يرتدها بشرٌ، وسواحل لم تخطر بالأحلام،
وضروب معاناة لا شكَّ بها … من دون بوارق أمل
هادية … إذ ما إن يذهب همٌّ حتى يأتي همٌّ آخر،
لا مصدر لأمان إلا المرساة، وأفضل ما تأتي (٥٧٥)
المرساة به أن تُنجي المركب حين تُثبِّتها بمكان
أبغض من أن يطلب. وإلى جانب ذاك كما تعلم
إن واتاك نعيم الدنيا ربط الحب بقلبك،
وإذا حلَّ شقاءٌ ذهبت نضرة ماء الوجه وولَّى دفء القلب!
برديتا
:
لا يَصدُقُ إلا نصف كلامك. فأنا أومن أنَّ شقاء الدنيا
(٥٨٠)
قد يذهب برواء الخدين، ولكن لا يهزم ما في الروح.
كميلو
:
حقًّا؟ أتقولين بهذا؟
(إلى فلوريزيل)
لن يولَد في منزل والدك نظيرٌ لفتاتك في
فلوريزيل
:
يا كاميلو الأكرم! برديتا أعلى نفسًا مما نشأت فيه (٥٨٥)
وبمقدار عُلُوي بالمولد عنها.
كميلو
:
لا يؤسفني أنَّ فتاتك لم تتعلم في مدرسة فلديها
في نظري ما يجعلها أستاذة معظم مَن يحترفون التعليم.
١٤٥
برديتا
:
العفو يا مولاي! عبَّرتُ عن شكري بحمرة الخجل!
فلوريزيل
:
أحسنتِ برديتا الجميلة! لكننا على أحرَّ من جمرٍ لننطلق!
(٥٩٠)
أرجوك كاميلو! يا من نجا أبي بفضلِكَ … ونجوتُ ها هنا
بخيرك! ويا طبيب بيتنا قل: ما علينا الآن أن نفعل؟
وليس يُوحي ملبسي بأنني ابن ملك بوهيميا،
ولا يجوز أن أظلَّ هكذا بصقلية …
كميلو
:
لا تخش يا مولاي من ذلك شيئًا! فأنت تدري (٥٩٥)
مبلغ الذي لديَّ من ثراءٍ في بلادي. وسوف أتَّخذُ
التدابير التي ستضمن ارتداء ما يليق بالملوك! كأنَّما
كنتَ أنا … من يلعب الدور المنوط بك. وخذ مثالًا،
وفي إطار إثباتي بأنَّك لن تكون في حاجة … كلمة في
أُذُنك:
(يبتعد به ويتحدث معه على انفراد.)
(يدخل أتوليكوس.)
أتوليكوس
:
ها ها! ما أحمق الأمانة!
١٤٦ وأمَّا الثقةُ، أختها المؤكدة، فإنَّها (٦٠٠)
ساذجة مغفلة! لقد بعت جميع بضائعي التافهة البراقة! لم
يبق
في بطن حقيبتي ما يسد جوعها! لم يبقَ حجر كريم زائف،
ولا شريط زينة، ولا مرآة، ولا توابل واقية، ولا دبوس
صدر، أو كراسة، أو موَّال مطبوع، أو مدية، أو شريطٌ رابط،
أو قفاز، أو رباط حذاء، أو أسورة، أو خاتم من قرن (٦٠٥)
الغزال. كانوا يتزاحمون ويتنافسون في أولوية الشراء،
كأنَّما
كانت هذه التوافه مقدسة، وقادرة على مباركة المشتري.
وبهذه الوسيلة استطعت أن أرى صاحب كيس النقود
الأمثل، وما رأيته انتفعت به أيما انتفاع. وأما صاحبي
المهرج،
الذي يفتقر إلى ما يجعله رجلًا عاقلًا، فقد وقع في غرام أغنيتي
(٦١٠)
التي غنيتها للفتيات إلى الحد الذي جعله لا يتزحزح قبل أن
يحفظ اللحن والكلمات التي شدَّت باقي الجمهور إلى غنائي؛
حتى تحولت جميع حواسهم إلى آذان. وكان من الممكن دس
اليد في جيب امرأة وسرقة ما فيه بعد أن غاب الجمهور عن
الوعي. كان من اليسير شق كيس نقود من بين فخذي (٦١٥)
رجل. وكان بإمكاني قطع سلسلة المفاتيح المعلَّقة وسرقتها.
غاب الإحساس والإصغاء إلا إلى أغنية سيدي
١٤٧ والإعجاب
بتفاهتها. وهكذا، في ذلك الوقت الذي جَمَدَت فيه الحركة،
شَقَقْتُ ونَشَلْتُ معظم أكياس نقودهم العامرة، ولو لم
يكن
الرجل العجوز قد أتى بالضجة التي أثارها ضد ابنته وابن
(٦٢٠)
الملك، فأخاف غرباني التي طارت تاركة التقاط الحبِّ، لما
تركت كيس نقودٍ واحدًا حيًّا في أفراد ذلك الجيش كله.
(يتقدم كميلو وفلوريزيل وبيرديتا وهم يتحدثون.)
كميلو
:
لكن خطاباتي التي أرسلتها لا بدَّ أن تكون في أيديهمو
قبل وصولك! وهي التي تُزيل كلَّ شكِّ قائم. (٦٢٥)
فلوريزيل
:
وما الرسائل التي تريدها من المليك … ليونتيس؟
كميلو
:
رسائل يُرضي أباك ما بها.
برديتا
:
فلتهنأ ولتسعد! كل كلامك معقول.
كميلو
(يشاهد أُتوليكوس)
:
من ذاك هنا؟ فلنستثمر هذا. لن نتجاهل شيئًا
قد يأتينا بمساعدة. (٦٣٠)
أتوليكوس
(جانبًا)
:
لو كانوا استرقوا السمع لكان الشَّنق مصيري!١٤٨
كميلو
:
ما حالك يا رجلًا أكرم؟ ولماذا ترتعد على هذا النحو؟
١٤٩
لا تُوجِس خيفة. لا نقصد إيذاءك.
أتوليكوس
:
إنِّي فقير سيِّدي.
كميلو
:
ظل إذن في فقرك. لن يسرق أحد منك هنا هذا الفقر! أما
(٦٣٥)
ملابس هذا الفقر فلا بد أن نستبدلها هنا. وإذن فاخلع
ملابسك فورًا،
١٥٠ وتأكد أن لذلك ضرورة،
١٥١ وتبادل ما تلبسه
مع ما يلبسه هذا السيد. وعلى الرغم من أنَّ الصفقة ستكون
خاسرة من جانبه فإننا نعطيك هذا! خذ هذه النقود «فوق
(يعطيه بعض المال.)
أتوليكوس
:
أنا رجل فقير سيدي. (جانبًا) وأنا أعرفك خير المعرفة.١٥٣
كميلو
:
هيا أرجوك! اخلع ملابسك! كاد السيد أن ينتهي من خلع
ملابسه. (٦٤٥)
أتوليكوس
:
هل أنت جاد سيدي؟ (جانبًا) أشتمُّ في ذلك حيلة.
فلوريزيل
:
نفِّذ ما نطلب أرجوك.
أتوليكوس
:
إني حقًّا نلت الأرباح، ولكن ضميري لا يسمح!١٥٤ (٦٥٠)
كميلو
:
فك الأزرار! فك الأزرار!
(يتبادل فلوريزيل وأتوليكوس ملابسهما.)
(إلى برديتا)
يا آنسة مسعودة! فليتحقق ما أتنبأ من سعد لك به!
لا بد بأن تختبئي في بعض مخابئكم،
وخذي قبعة حبيبك فضعيها فوق جبينك،
ألقي فوق الوجه لِفاعًا، وأعيري نفسك أثوابًا (٦٥٥)
أخرى حتى تبتعدي قدْر الطاقة عمَّا يكشف عمَّن أنتِ هنا.
١٥٥
والهدف ركوبك لسفينتنا متخفية فأنا أخشى
بعض عيون الملك المبثوثة.
١٥٦
برديتا
:
أُدرك أنَّ التمثيلية تتطلَّب أن ألعب فيها دورًا.١٥٧
كميلو
:
ولا بديل عن ذلك. هل انتهيتَ أيها الأمير؟ (٦٦٠)
فلوريزيل
:
إن قابلتُ الآن أبي لن يدعوني يا ولدي.
كميلو
:
لا! لن تلبس قبعتك أنت.
(يُعطي القبعة إلى برديتا.)
وتعاليْ يا مولاتي! ووداعًا يا صاحبنا!
أتوليكوس
:
ووداعًا لك يا سيد.
(يبتعد أتوليكوس.)
فلوريزيل
:
ماذا أغفلنا يا برديتا؟ هيا نتهامس نحن الاثنين.١٥٨ (٦٦٥)
(يبتعد الاثنان للتهامس بينهما.)
كميلو
(جانبًا متقدمًا إلى أمام المسرح)
:
وسوف يتلو ذاك إخباري المليك أنَّهما
فرَّا إلى صقلية! بذاك أرجو حَمْله — بصحبتي —
على الذهاب خلف من فرَّا! وعندها
أعود كي أرى بلادي التي أشتاق أن أراها
كحاملٍ توحَّمت على شيء تريد أكْلَه! (٦٧٠)
فلوريزيل
:
فليبتسم الحظ لنا! وهكذا نمضي كميلو،
قاصدين شط البحر.
كميلو
:
وكلما أسرعتما زاد احتمال نجاحنا.
(يخرج فلوريزيل وبرديتا وكميلو.)
أتوليكوس
:
أفهم الأمر، وأستمع إليه. فالتمتع بأذن مفتوحة، وعين
لمَّاحة، ويد خفيفة، صفات ضرورية للنشَّال الذي يشق (٦٧٥)
أكياس النقود. والأنف الحساس شرط أساسي أيضًا، فهو
الذي يشتم فرصة العمل للحواس الأخرى. أدرك أنَّ هذا
أوان إقبال الدنيا على الأشرار! ما أجمل هذه المبادلة حتى
من
دون النقود! ما أجمل هذه النقود حتى من دون المبادلة! لا
شك أنَّ الأرباب هذا العام تغضُّ الطرف عنا! ولنا أن نرتجل
(٦٨٠)
أي شيء نريده. والأمير نفسه سوف يرتكب إساءة معينة؛
إذ يمضي خلسة تاركًا أباه ومحتملًا القيد الخشبي في عقبيه
١٥٩
المتمثل في الفتاة. لو كنت أرى أنَّ الأمانة تقضي بإطلاع
الملك على ما يجري ما فعلت ذلك. بل أعتقد أنَّ إخفاءه
يمثِّل خيانة أكبر، وبهذا أخلص لمبادئ حرفتي. (٦٨٥)
(يدخل المهرج والراعي حاملًا لفافة وصندوقًا.)
سأنتحي ناحية وأسترق السمع.
١٦٠ تلوح فرصة أكبر هنا أمام
الذهن الوقاد. فالمجتهد يلمح العمل في كل قاع حارة، وفي
كل دكان، وفي كل كنيسة، وكل جلسة محكمة، وكل جمهور
يشهد شنق أحد الناس.
المهرج
:
أترى أترى أي رجل أنت؟ ليس أمامك بديل عن إخبار (٦٩٠)
الملك بأنَّ البنت لقيطة تركتها الجنيات لنا، وليست من
لحمك ودمك.
الراعي
:
كلا، بل فاسمعني.
المهرج
:
كلا، بل فاسمعني.١٦١
الراعي
:
لا بأس إذن. (٦٩٥)
المهرج
:
لأنَّها ليست من لحمك ودمك، فإنَّ لحمَك ودمَك لم يسيئا
إلى الملك، وعلى ذلك فلن يتعرض لحمك ودمك للعقاب
على أيدي الملك. أَطلِعه على هذه الأشياء التي وجدتها
معها،
هذه الأشياء السرية، باستثناء ما تحتفظ هي به. فإن
فَرَغْتَ
من ذلك فاطمئِن؛ إذ لن يستطيع القانون أن يَمَسَّك، وأؤكد
(٧٠٠)
لك.
الراعي
:
سوف أخبر الملك بكل شيء، بكل كلمة، بل بأحابيل ابنه
نفسه، وألاعيبه أيضًا، فليس — إن كان لي أن أقول ذلك —
بالرجل الشريف المحترم لا إزاء والده ولا إزائي، بمشروعه
في أن يجعلني صهرًا للملك. (٧٠٥)
المهرج
:
حقًّا! ما أبعد ما يمكن أن تكونه مصاهرة الملك عنك، وإلا
ارتفعت قيمة دمك فأصبحت الأوقية تقدَّر بثمن لا أدري
مقداره!
أتوليكوس
(جانبًا)
:
حكمة بالغة يا مُحدَثَيْ النعمة!
الراعي
:
إذن لنذهب إلى الملك. في هذه اللفافة أشياء سوف تجعله
(٧١٠)
يَحُكُّ لحيته مفكِّرًا!
أتوليكوس
(جانبًا)
:
لا أدري أيَّة عقبة ستضعها هذه الشكوى في طريق
فرار سيدي الذي كنت أخدمه.
١٦٢
المهرج
:
ادعُ الرب مخلصًا أن يكون في قصره.
أتوليكوس
(جانبًا)
:
رغم أنني لست بطبيعتي شريفًا، فإنني أحيانًا أكون (٧١٥)
كذلك بمصادفة محضة! فلأخلع الآن لحية البائع الجوَّال
المستعارة (يخلع اللحية المستعارة ويتقدم من الراعي وابنه
ويصطنع نبرات النبلاء والعبارات القانونية) يا فلاحان أين
تقصدان؟
الراعي
:
إلى القصر لو سمحت يا صاحب المعالي.
أتوليكوس
:
وشأنكما هناك؟ ماذا؟ ومع من؟ وما طبيعة هذه اللفافة؟
(٧٢٠)
وما محل إقامتكما؟ أسماؤكما؟ أعماركما؟ ماذا تملكان، وإلى
من
تنتسبان؟ أفصحا عن كل ذلك، وكل ما ينبغي لي أن أعرفه!
تكلَّما!
المهرج
:
نحن من البسطاء وحسب يا سيدي! (٧٢٥)
أتوليكوس
:
هذا كذب!
١٦٣ أنتما غليظان أشعثا الشعر! لن أسمح بالكذب!
فالكذب لا يليق إلا بالتجار، وكثيرًا ما يخدعوننا نحن
الجنود بالكذب،
١٦٤ لكننا نردُّ عليهم بدفع النقود لا بالطعن
بالسيف، ولذلك فهم لا يقدمون أكاذيب لنا! (٧٣٠)
المهرج
:
كان من الممكن يا صاحب المعالي أن تقدم كذبة لنا لو لم
تتدارك الأمر في وقته.
الراعي
:
هل أنت من رجال القصر، لو تفضلت سيدي؟
أتوليكوس
:
سواء تفضَّلت أو لم أتفضَّل فإنني من رجال القصر. ألا
تدرك جو القصر العاطر في هذه الملابس؟ أليس في مشيتي
(٧٣٥)
الرشيقة إيحاءٌ بالرقص في القصر؟ ألا يتلقى أنفك شذا
القصر مني؟ أفلا أسطع على حقارتك بأشعة التعالي لرجال
القصر؟ هل تظن أنني ما دمت أريد الاطلاع على شئونك
بأسلوبي الملتوي؛ فلست من رجال القصر؟ إنني رجل قصر
من ناصية رأسي إلى أخمص قدمي، ولي من النفوذ ما أستطيع
(٧٤٠)
به معاونتك فيما تطلبه هناك أو إعاقته. وعليه، آمرك بكشف
قضيتك.
الراعي
:
قضيتي يا سيدي مع الملك.
أتوليكوس
:
ومَن محاميك هناك؟
الراعي
:
لا أدري إذا تفضلتم!
المهرج
(جانبًا إلى الراعي)
:
تعبير المحامي في القصر الملكي يعني دفع (٧٤٥)
رشوة — من الإوز — قل إنَّك لا تحمل إوزًّا.
الراعي
:
لا شيء سيدي. لا أحمل إوزًّا، لا ذكرًا ولا أنثى.
أتوليكوس
:
كم يُسعِد الصدور أنَّا غيرُ سُذَّج بُلهاء!
لكنَّما قد كان يُمكن للطبيعة خلقنا كهؤلاء؛
إذن فلن أُبدي احتقاري لهما!
١٦٥ (٧٥٠)
(يبدأ تنظيف أسنانه وبعض الحركات الموحية.)
المهرج
(جانبًا إلى الراعي)
:
لا شك أنَّ هذا من كبار رجال القصر.
الراعي
(جانبًا إلى ابنه)
:
ملابسه غالية الثمن، ولكنَّه غير مهندم.
المهرج
(جانبًا إلى الراعي)
:
يبدو أنَّ نبله يزداد بسبب غرابة أطواره. رجل
عظيم لا شك في هذا. أستنبط هذا من تنظيفه خلال أسنانه.
١٦٦ (٧٥٥)
أتوليكوس
:
ما هذه اللفافة؟ ماذا فيها؟ وما سبب حملك الآن لهذا
الصندوق؟
الراعي
:
يا سيدي! في هذه اللفافة وهذا الصندوق تكمن أسرار لا
(٧٦٠)
ينبغي أن يطَّلع عليها أحد سوى الملك، ولسوف يعرفها في
غضون هذه الساعة، إذا سُمح لي بالحديث معه.
أتوليكوس
:
يا أيها العجوز خاب سعيك.
الراعي
:
لماذا يا سيدي؟ (٧٦٥)
أتوليكوس
:
ليس الملك في القصر، بل ركب سفينة جديدة للتخفيف من
أحزانه والاستمتاع بالهواء الطلق،
١٦٧ وأمَّا السبب — إذا كنت
قادرًا على تفهُّم الأمور المهمة — فاعلم أنَّ الملك مفعم
بالحزن والأسى.
الراعي
:
ذلك ما يُقال يا سيدي، وبسبب ابنه الذي كان ينتوي
الزواج من بنت أحد الرعاة. (٧٧٠)
أتوليكوس
:
إن لم يكن ذلك الراعي معتقلًا فينبغي له الفرار؛ إذ إنَّ
اللعنات التي سوف تصيبه، وضروب العذاب التي
سيكتوي بها، قادرة على أن تقصم ظهر الإنسان وتفتت قلب
الوحش.
الراعي
:
أتعتقد هذا يا سيدي؟ (٧٧٥)
أتوليكوس
:
لن يكابد هو وحسب كل ما يستطيع الابتكار أن يجعله ثقيل
الوطأة، ويستطيع الانتقام جعله مريرًا، بل إنَّ كل
أقربائه،
ولو كانت قرابتهم بعيدة خمسين مرة، سوف يُشنَقون جميعًا،
وهو أمر يدعو للأسف الشديد، لكنَّه ضروري. كيف يجرؤ
وغد عجوز يرعى الغنم ويسوق الكباش على تقديم ابنته (٧٨٠)
للزواج من أمير؟ يقول البعض إنَّه سوف يُرجَم، ولكن هذه
الميتة أرحم مما ينبغي له، في رأيي الشخصي. أيغري عرش
البلاد بالهبوط إلى حظيرة أغنام؟ مهما تعددت ضروب القتل
فهي قليلة، ومهما بلغت قسوتها فهي رحيمة! (٧٨٥)
المهرج
:
وهل سمعت يا سيدي أنَّ للراعي العجوز ابنًا، إن تفضَّلت
يا سيدي؟
أتوليكوس
:
لديه ابن، وسوف يُسلَخ حيًّا، ثم يُدهَن جسمه بالعسل،
ويوضع على رأس عش زنابير تلسعه، ثم يرغم على الوقوف
مرة أخرى حتى يموت ما يزيد على ثلاثة أرباع جسده، ثم
(٧٩٠)
يُفيقه الجلادون بماء الحياة أو بعض المشروبات الحارة،
ويأتون به في أشد أيام السنة حرارة وفق الأرصاد الجوية،
ويلصقونه بجدارٍ من القرميد، حيث تطل عين الشمس من
جهة الجنوب عليه، وتشهَد جسمَه وقد تورم من عض
الذباب حتى يموت. ولكن لماذا نتحدث عن هذين (٧٩٥)
الوغدين الخائنين، وهما اللذان ينبغي التسلي بالفرجة على
ضروب شقائهما، ما دامت جرائمهما تستحق القتل؟ قولا لي
— إذ تبدوان لي من الأشراف الصرحاء — ما قضيتكما لدى
الملك؟ فإذا نظرتما إليَّ نظرة العطف إلى حدٍّ ما (يشير بيده
إلى
ما يفيد الرشوة) فسوف آخذكما إلى الملك في مكانه على ظهر
(٨٠٠)
السفينة، وأقدم شخصيكما إلى حضرته، وأهمس إليه همسة في
صالحكما، فإذا كان في الأرض رجل يمكنه — إلى جانب
الملك — أن يُحقق غايتكما، فإنني ذلك الرجل.
المهرج
(جانبًا إلى الراعي)
:
يبدو أنَّ له سلطة جبارة. فلنتفق معه، (٨٠٥)
دعنا نقدم له ذهبًا! فحتى لو كانت السلطة دُبًّا عنيدًا،
١٦٨ فإنَّ
الذهب كثيرًا ما يجعله سلس القياد. أفرغ ما في باطن كيسك
في ظاهر يده،
١٦٩ ولنتجنب نحن بذلك المزيد من الضجيج.
تذكر ما قاله عن «الرجم» وعن «السلخ حيًّا». (٨١٠)
الراعي
:
لو تفضَّلت سيدي وقبلت أن تقوم بالمهمة لنا، فسوف نقدم
الذهب الذي أحمله. وسوف أضاعف المكافأة، وأترك هذا
اليافع رهينة لديك حتى آتيك بها.
أتوليكوس
:
بعد قيامي بما وعدت به؟ (٨١٥)
الراعي
:
نعم يا سيدي.
أتوليكوس
:
إذن أعطني النصف. (إلى المهرج) هل أنت من أطراف هذه
القضية؟
الراعي
:
إلى حدٍّ ما سيدي. ولكن رغم أنَّ حالتي تثير الأسى، أرجو
ألا أُسلَخ بسببها. (٨٢٠)
أتوليكوس
:
لا! ذاك شأن ابن الراعي، عليه اللعنة. سوف يُنكَّل به
ويكون عبرة للآخرين.
المهرج
(جانبًا إلى الراعي)
:
اصبر وتشجع. لا بد أن نذهب إلى الملك (٨٢٥)
ونعرض غرائبنا عليه. لا بد أن يعرف أنَّها ليست ابنتك،
ولا
أختي. هذا وإلَّا هلكنا. (إلى أتوليكوس) يا سيدي! لسوف
أعطيك مقدارًا يماثل ما تأخذه من هذا العجوز عند قضاء
المهمة، وسوف أبقى — كما يقول — رهينة عندك ريثما تنال
مكافأتك.
أتوليكوس
:
سوف آتمنك على ذلك. اسبقاني أنتما إلى شاطئ البحر. (٧٣٠)
سيرًا على الجانب الأيمن. لن أغيب إلا ريثما أقف لأقضي
حاجة
١٧٠ فوق ذلك السياج ثم أجِدُّ في أثركما.
المهرج
(جانبًا للراعي)
:
وافانا الحظ بهذا الرجل، بل إنَّه حظ من
السماء.
أتوليكوس
:
فلنسبقه كما طلب منا. لقد أرسلته الأرباب لخيرنا. (٨٣٥)
(يخرج الراعي مع المهرج.)
أتوليكوس
(وحده على المسرح)
:
إذا كنت قررت أن أكون شريفًا، فقد رأيت أنَّ ربة الأقدار
لا
تسمح لي بذلك؛ إذ إنَّها تلقي بالمغانم في فمي. أمامي
الآن
فرصتان ذهبيتان اجتمعتا معًا: الحصول على الذهب،
ووسيلة إسداء خدمة جليلة إلى سيدي الأمير، ومن يدري
كم تعود عليَّ هذه بالخير العميم؟ سوف أصطحب هذين (٨٤٠)
الخُلدَين
١٧١ مكفوفيْ البصر إلى ظهر سفينته. فإذا رأى أن
يعيدهما إلى البر، وأنَّ الشكوى التي يحملانها إلى الملك
لا
تهمه على الإطلاق، فليقل إنني وغد بسبب دس أنفي إلى
هذا الحد، فأنا محصَّن ضد التضرر من هذا اللقب، ومن أي
عار يشمله. لسوف أقدمهما إليه؛ فقد يكون للأمر بعض (٨٤٥)
الأهمية.
(يخرج أتوليكوس.)