الفصل السابع
الأفكار العالية والتأثرات النبيلة منزَّهة عن الابتذال والامتهان من كل الوجوه؛ لأن السمو في حد ذاته جبل صَعْب المرتقى، يُشْرِف على سلسلة جبال الأخلاق بأكملها، وله في الحياة موقع ممتاز لا يدانيه فيه نِدٌّ ولا منافس لجليل قدره وعظيم شأنه، نرى هذا الجبل باذخًا مرتفعًا لدرجةٍ تُدْهِش الألباب وتُحَيِّر العقول، ومع هذا فالناظر من علوه الشاهق لا يصيبه ألم في عينه، أو يعتريه دوار في رأسه كما يحصل عادة للناظر من أعالي الجبال إلى الوديان السحيقة، إذ لا يبقى أثر للضعف أو الاضطراب في محيط ذلك العلو الشاهق.
أما الوصول إلى تلك الذروة العالية — ذروة السمو الأخلاقي — فليست بالشهرة ولا السطوة ولا الجاه؛ لأنها ليست امتيازًا موعودًا لجميع الخلق، فلا الأصالة في ذلك تنفع ولا الرتبة تشفع، بل إن العمر والذكاء أيضًا لا يجديان نفعًا أو يأخذان بيد المرء خطوة واحدة في سبيلها؛ ذلك لأن هذا الجبل الشامخ المتعالي على سلسلة جبال الأخلاق بأجمعها هو عالَمٌ قائم بنفسه، عالَم منفرد بصولجان السطوة والرياسة بين العوالم الأخرى، والوصول إليه إنما يكون برقة الروح وشفافتها.
والمقيمون في تلك الذروة قَلَّمَا يهبطون الوادي؛ ولذلك لا يستطيعون إفهام أهله بما يجول في نفوسهم من العواطف والأفكار وما تنطوي عليه صدورهم من المشاعر والإحساسات، أما مدة نزولهم في الوادي فقصيرة الأمد؛ لأنهم لا يجدون بين سكانه من يَفْهَم بلسانهم، فسرعان ما يعودون إلى ذروتهم ثانية؛ لأن المحيط يضايق أنفاسهم.
وفي أطراف الوادي، تحت أقدام ذلك الجبل الشامخ يعيش أناس يقضون أوقاتهم في الأحلام، لا يكاد أحدهم يشعر بوجود تلك الذروة فوق رأسه، فلو خطا أحدهم خطوة واحدة في سبيل تلك القمة لاعتراه الخفقان وأصابه الدوار بلا شك؛ لأن هواء ذلك العلو الشاهق ثقيل الوطأة عليه لا تتحمله رئتاه.