السياسة في الشرق القديم
«ولما كنتُ أسعى لإثبات أن الشرقيين القدماء فكَّروا هم أيضًا في وسائل لرسم حدود السُّلطة، والتعبير عن الإدارة العامة، وتنظيم المُراوَحة، وأن حلولهم كانت غالبًا في مثل حداثة حلولنا، فقد كان عليَّ أن أفهم في البداية السبب الذي جعلنا لوقتٍ طويل نُصِرُّ على وصف هذه الحلول بسمات التقادم العتيق أو الفوضوية أو الاستبدادية.»
كان للحفائر الأثرية الحديثة فضلٌ في إعادة قراءة التراث السياسي للشرق القديم، الذي ساعَد على زعزعة النظرية السائدة حول استبدادية نُظم الحكم الشرقية، وتفنيد الرأي القائل بعدم وجود أيِّ إسهام شرقي في الفكر السياسي أو الممارَسة السياسية؛ وهو ما يركِّز عليه هذا الكتاب الذي يبحث في مؤسسة السلطة وممارساتها الفعلية في ضوء الاكتشافات الأثرية الحديثة. يقدِّم هذا الكتاب الكثيرَ من النتائج المدهِشة حول أفراد مجتمعات الشرق القديم الذين حملوا من العمومية العالمية أكثر مما كانوا يحملون من الخصوصية الثقافية. كما يسلِّط الكتاب الضوءَ على تعامل هذه الأنظمة الشرقية في السياسة الخارجية، وكيف استطاعوا اتخاذ موقع في العالم المحيط بهم، وأن يمنحوا أنفُسَهم هُوِية قوية، ويرسموا الحدودَ بين عالَم متحضِّر وآخَر همجي، ويُبرِموا المعاهدات مع الغُرَماء المتحضِّرين.