منزلٌ في البحر المتدفِّق
في هذه المرة فقط اختفى تعبيرُ المزاح من وجه القبطان كِمْت، وجلس هذا الرجل اللطيفُ في قاعة الاستقبال الأنيقة في الشقةِ مِثالًا حيًّا للحيرة. كانت دورثي قد قصَّت عليه قصة العَدَمي، وقالت إنها تنوي شراء اليخت، وعرضت عليه بإيجازٍ ما تنوي أن تَفعله به عندما يُصبح مِلكها. والآن جلسَت صامتةً أمام القبطان اللطيف، بينما وقفت كاثرين إلى جوار النافذة، وأسهَبَت في الكلام كثيرًا، كانت أحيانًا تصيرُ ساخِطةً، وبين الفينة والفينة تُعبِّر عن رأيٍ لها في والدها بلغةٍ لا تخلو من الخشونة، كما هو الامتياز المُباركُ الذي تتمتَّع به كلُّ فتاةٍ تُولَد في أرض الأحرار، بينما تقبَّل الوالدُ اللومَ بلُطفه ورحابة صدره المعهوديَن.
«فتاتَيَّ العزيزتين، يجب عليكما حقًّا أن تُصغيا إلى صوت العقل. إنَّ ما تنويان فعله مُنافٍ للعقل تمامًا حتى إنه لا يقبل المناقشة. يا إلهي، إنها حملة قرصنة، هذه هي حقيقتُها. إنكما أيتها الفتاتان في مثل جنون ووكر حاكمِ نيكاراجوا. هل تتخيَّلان أنَّ قبطانًا متقاعِدًا من البحرية الأمريكية سوف يتولى قيادة سفينة قرصنةٍ وضعُها القانونيُّ أسوأ كثيرًا من وضع السفينة «آلاباما»؛ لأننا كنا حينها في حرب، لكننا الآن في فترةِ سِلم. هل حقًّا تقترحان عليَّ أن أهاجم منطقةً خاضعةً لسلطان دولةٍ صديقة! يا إلهي!» هكذا صاحَ القبطان، واندفعَ منه نفَسٌ قويٌّ مفاجِئ؛ إذ كانت ذخيرته اللُّغوية قد نفدَت عن آخِرها في تلك اللحظة.
قالت كاثرين في إصرار: «لا أحدَ سيعرف أيَّ شيءٍ عن الأمر.»
«لا أحدَ سيَعرف؟ في وجود طاقم من الرجال يذهبون من هنا من نيويورك، ويعودون إلى نيويورك؟ لا أحدَ سيعرف؟ يا إلهي، سوف تَمتلئ الجرائد بالخبر قبل أن يُمضي رجالُكِ ساعةً واحدةً على الشاطئ. ثم إنكم لن تعثروا على الصخرة أبدًا من الأساس.»
سألته ابنته قائلةً: «ما الضرر إذن في محاولة البحث عنها؟ علاوةً على ذلك، فإن جونسون يعرف مكانها تمامًا.»
«جونسون، جونسون! إنكِ بالتأكيد لستِ من السخافة بمكانٍ بحيث تَنطلي عليكِ قصة جونسون الزائفة تلك، أليس كذلك؟»
«أنا أُصدِّق كلَّ حرفٍ تفوَّه به. لقد ظهرَ من تعابير وجه الرجل أنه كان يقول الحقيقة.»
«لكنك يا عزيزتي كيت لم تريه على الإطلاق، كما أفهم من القصة. لقد كان بمُفرده هنا معكِ يا دورثي، أليس كذلك؟»
ابتسمت دورثي في حزنٍ، وقالت:
«لقد أخبرتُ كيت بكل شيءٍ عن المُقابلة، وحدَّثتُها عن انطباعي الشخصي عن مظهر الرجل.»
«أنتِ أعقلُ بكثيرٍ من أن تثقي فيما قاله بأي صورةٍ من الصور بالتأكيد، أليس كذلك؟»
أجابت دورثي: «لكنني صَدَّقتُه رغم ذلك.»
«يا إلهي! انتبِها إليَّ. إن خطأً في شيءٍ واحدٍ يعني الخطأ في كلِّ شيء. سوف أتحدَّث فقط عن نقطةٍ واحدة. إنه يتحدَّث عن ينبوعٍ يَنهمِر منه الماءُ ويسير عبر الزنازين هناك في الصخرة. غير أنَّ هذا مستحيل. لأنه أينما يوجد ينبوعٌ فإنه يأتي من منبعٍ أعلى منه.»
قاطعته كاثرين: «يوجد الكثير من الينابيع في أعالي الجبال. أعرفُ واحدًا في جبل واشنطن الذي هو أعلى عشرَ مراتٍ من صخرةِ بحر البلطيق.»
«فعلًا يا كاثرين، فعلًا، لكن رغم هذا فإن هناك بحيرة جوفية أو فوق الأرض، وهي التي تزوِّد ينبوع الجبل الأبيض الذي تتحدَّثين عنه بالماء، ولا بد أن توجد هذه البحيرة في مكانٍ أعلى من مكان الينبوع. يا إلهي، أيتها الفتاة، يجب عليكِ أن تدرسي عِلم الأرصاد الجوية المائية كما تدرسين الكيمياء. إنَّ ما نتحدَّث عنه صخرةٌ ناتئةٌ في وسط المحيط …»
ردَّت كيت بحِدَّة: «إنها في بحر البلطيق، قُرب الساحل الروسي. وأنا واثقةٌ تمامًا أنه يوجد جبالٌ في فنلندا بها تلك البحيرةُ التي تزوِّد الينبوع بالمياه.»
«كم تبعد هذه الصخرة عن الساحل الفنلندي إذن؟»
قالت كيت بسرعةٍ كسرعةِ سهمٍ منطلقٍ من قوس: «ميلان ونصف.»
قالت دورثي تُعدِّل الإجابة: «أيها القبطان، نحن لا نَعلم مدى بُعدها عن الساحل.»
«لن أصدِّق أن هذا الشيءَ موجودٌ بأيِّ حال.»
«يا إلهي، بلى إنها موجودةٌ يا أبي. كيف تقول هذا؟ ألا تعلم أن المُلازم دروموند أطلقَ قذيفةً عليها؟»
«كيف تَعرفين أنها الصخرة نفسها؟»
«لأنَّ الصخرة ردَّت بإطلاق النار عليه. لا يُمكن أن توجد اثنتان مثل هذه في بحر البلطيق.»
قال القبطان وصبرُه يكاد ينفد: «لا، ولا واحدة أيضًا.»
قالت دورثي بنبرةٍ مُهدئةٍ للغاية، وكأنما أرادت أن تُلطف ثورة الغضب التي توشك أن تندلع: «أيها القبطان كِمْت، أنتَ ترى أنَّ الزعم بوجود ينبوع مياه يُثبِت أنَّ جونسون إنما كان يختلق الأكاذيب. أنا أترقَّب وصوله إلى هنا في ظرف ساعةٍ من الآن، وسوف أتيح لك فرصةَ استجوابه على انفراد. أعتقد أنك بعدما تقابل الرجل وتسمع منه سوف تُصدِّقه. إنَّ ما يجعلني متأكدةً تمامًا من صدْق كلامه هو أنه تحدَّث عن السفينة الأجنبية التي أطلقَت القذائف على الصخرة، وهو أمرٌ أعلم أنا أنه حقيقي، ولم يكن من المُمكن له أن يعلم أيَّ شيءٍ عنه.»
«من المحتمَل جدًّا أن يكون عَلِمَ جميع التفاصيل من الجرائد يا دورثي. لقد كانت تغصُّ بالكلام عن الموضوع في ذلك الوقت، وعندما تذكَّر ذلك فكَّرَ في أن يُقوِّيَ قصتَه ﺑ…»
قاطعته كاثرين بحَنَق شديد:
«بإضافةِ شيءٍ يُحتمَل أن يكون صحيحًا إلى قصةٍ هي من نواحٍ أخرى مكشوفةٌ وغير مُقنِعة.»
«فِعلًا يا كيت؛ هذا ما كنتُ سأقوله أنا تمامًا. لكن لنعُد إلى الخُطة نفسها. لنُسلِّم بوجود الصخرة، ولنسلِّم بصحةِ ما رواه جونسون، ولنُسلِّم بكل شيءٍ، لنسلِّم حتى بأنَّ الشابين مسجونان هناك، وهو ما لا نملك أدنى دليلٍ عليه، فإنه ليس بإمكاننا أن نستوليَ على هذا المكان ونحن على متن يختٍ ضعيفٍ صُنِعَ للترفيه …»
قالت كاثرين: «إنه مبنيٌّ على هيئة الطرَّادة.»
«حتى لو كان مبنيًّا على هيئةِ البارجةِ فلن تُتاح لنا أيُّ فرصةٍ للسيطرة عليه. يا إلهي، باستطاعة هذه الصخرة أن تَهزم أسطولًا نظاميًّا. سوف تكون مغامرتنا ببساطةٍ نسخةً بحريةً من «غارة جيمسون» وسوف تجعل الدنيا كلها تضحك علينا عندما يسمع الناسُ بها.»
«لقد قال جونسون إنَّ باستطاعته أن يستوليَ عليها بنصفِ دستةٍ من الرجال.»
قالت دورثي تُصحِّح المعلومة: «لا يا كيت، لقد قال عكسَ ذلك تمامًا؛ قال إن رجلين أو ثلاثة من ذوي العزيمة لو وقفوا على قمة الصخرة ومعهم بنادق آلية يستطيعون أن يَهزموا جيشًا. أنا التي اقترحتُ أن نقذف الصخرة، ثم نُسرع باتجاه المدخل في خضم ارتباك الجنود.»
رفعَ القبطان كِمْت يديه مُعبرًا عن يأسه.
«يا إله السماء، دورثي إمهيرست، التي طالَما رأيتُ أنها ألطف وأرق وأجمل فتاة؛ يا لدهشتي وأنا أسمعكِ وأنتِ تقترحين في هدوءٍ أن نُلقي قذيفةً على جمعٍ من الرجال الأبرياء الذين يُدافعون عن منطقتهم ضد هجومٍ غيرِ مرخَّصٍ به بالمرة! إنكِ تقولين نلقي قذيفةً وكأنكِ تتحدثين عن إلقاء قطعة نقد نحاسيةٍ لشحاذ! يا إلهي، إنني أشيخ. ماذا سيحل بهذا الجيل الصغير؟ حسنٌ، إنني أستسلم. دورثي، عزيزتي، مهما حدث من أمرٍ لأولئك الروس التعساء، فلن أتعافى أبدًا من صدمةِ قذيفتك. إنَّ الأمر مُستحيلٌ مائةً بالمائة. ألا تستطيعين رؤيةَ هذا حين تفكِّرين في التفاصيل؟ كيف ستحصلين على القذائف أو مدفع إلقاء القذائف؟ إنها لا تُباع في أول محلِّ خردوات تجدينه في جادة «سِكث آفانيو».»
قالت كيت في حسم: «جونسون يقول إنَّ بإمكانه أن يحضرها.»
«يا إلهي، اللعنة على جونسون! دورثي، أستميحك المعذرة، لكن حقًّا، إن ابنتي هذه إضافة إلى جونسون الذي أتيتِ به هذا أكثر مِن طاقة تحمُّلي.»
سألَته ابنتُه: «إذن ماذا نفعل؟ نقعد هنا مَكتوفي الأيدي؟»
«سيكون هذا أفضل كثيرًا مما تقترحونه. يجب أن تفعلوا شيئًا حكيمًا. يجب ألَّا تورطوا دولتَين صديقتَين في الحرب. لا شك أنَّ الولايات المتحدة سوف تتنصَّل تمامًا من فِعْلتكم، وتجردني من الثقة لو كنتُ من الطيش بمكانٍ بحيث أوافق على الاشتراك في هذه المطاردة التي لا جدوى منها، لكنني لستُ كذلك؛ غير أنه من ناحيةٍ أخرى، لو أن اثنتَين من فتياتنا شرعتا في مثل هذه الحملة، فليس بإمكان أيِّ رجلٍ أن يتنبأ بالصخب العام الذي قد يحدث. يا إلهي، إنَّ الجرائد عندما تُمسك بقضيةٍ لا يستطيع المرءُ مطلقًا أن يعرف أين سينهونها. لا شك أيتها الفتاتان أنه سيتوجَّب حبسكما، ولا شك كذلك أن الشعب الأمريكي لن يسمح بهذا.»
قالت كاثرين بالعامية: «لن يسمحوا بهذا طبعًا.»
«حسنٌ إذن، إذا لم يسمحوا بسجنكما، فستنشب حرب.»
قالت دورثي، وقد عادت من جديدٍ للحديث بألطف نبرةٍ لديها؛ إذ كانت الأصوات قد بدأَت ترتفع مرةً أخرى: «لحظة من فضلك يا قبطان كِمْت. لقد تحدَّثتَ عن فعلِ شيءٍ حكيم. أنت تعرف الوضع. فبمَ تُشير علينا؟»
أخذَ القبطانُ نفسًا عميقًا، وأسندَ ظهره للخلف وهو جالسٌ في كرسيه.
قالت كاثرين: «تفضَّل يا أبي، الأمرُ متروكٌ لك. لنسمعَ اقتراحك، وبعدها ستعلم مدى سهولة انتقادِه.»
قال القبطان في تردُّد: «حسنٌ، سلكُنا الدبلوماسي موجود …»
صاحت كاثرين في نبرة انتصار: «عديم الجدوى تمامًا؛ إنَّ أحد الرجلين روسي، والآخر إنجليزي. ليس الأمر أنَّ السلك الدبلوماسي لا يستطيع فعلَ شيءٍ فحسب، بل إنه حتى يُحاول.»
قال القبطان بقليل من الثقة: «لكن، مع أنَّ الرجلَين أجنبيان، فإن الفتاتَين أمريكيتان.»
قالت كيت: «إننا لا يُعتَد بنا؛ فليس لنا حق في الاقتراع. فضلًا عن هذا، دورثي جربَت السلك الدبلوماسي، ولم تَحصُل حتى على معلومةٍ دقيقةٍ منه. والآن يا أبي، الخطأ الثالث يُخرجك من اللعبة.»
«بل الخطأ في أربع كُراتٍ هو الذي يُخرج من اللعبة يا كيت، كما أني لمْ أُخطئ هدفي سوى مرتَين فقط. والآن أيتها الفتاتان، سأقول لكما ما سوف أفعله أنا. فلتأتيا أنتما الاثنتان معي إلى واشنطن. سوف نسعى لمقابلة الرئيس سرًّا. سوف يتَّصل هو بالقيصر سرًّا كذلك بعيدًا عن كل قنوات الاتصال المُعتادة. وسيبدأ القيصر في عملية إحضار هذين الشابين؛ مما سيكون أكثر فعاليةً وسرعةً من أيِّ حملةٍ مُهلِكةٍ على يخت.»
قالت دورثي: «أعتقد أن هذه خطة ممتازة.»
صاحَ القبطان بحماسة: «إنها مُمتازة بالتأكيد. ألا تريان مدى النفوذ الذي يتمتَّع به الرئيس؟ يا إلهي، لقد وضعوا رجلًا إنجليزيًّا في السجن، وعندما يُرسل الرئيسُ رسالةً بهذه المعلومة إلى القيصر فسيَخشى أن يرفض، لعلمه أن المناشدة التالية ستكون من أمريكا لإنجلترا، وعندما نُضيف فتاتَين أمريكيتين إلى هذا الخلاف السياسي، يا إلهي، أيُّ أملٍ سيبقى للقيصر؟»
قالت دورثي: «لديَّ بعضُ الملاحظات على هذا الموضوع الذي أثرتَه يا قبطان. لا يستطيع الرئيسُ إطلاقَ سراح السيد دروموند؛ لأن القيصر وحكومته كلها سيضطرون لإنكار معرفتهم بأي شيءٍ عنه. فحتى الرئيس لا يستطيع أن يضمن بقاءَ الرجل الإنجليزي صامتًا إذا أُطلق سراحُه. وسيكون القيصر على علمٍ بهذا، لكن لا شك أن خطتك ستُحضر الأميرَ إيفان ليرمونتوف. كلُّ ما على الرئيس أن يفعله هو أن يُخبر القيصر أنَّ الأمير خطيبُ فتاةٍ أمريكية، وسيُسمَح لليرمونتوف بالخروج.»
قال القبطان معترضًا: «لكن، بما أن الأمير يعلم أن الرجل الإنجليزي في السجن، كيف سيتأكَّدون من صمتِ جون، ودروموند أعز أصدقائه؟»
«لا يمكن أن يكون على علمٍ بهذا؛ لأن الأمير قُبض عليه قبل عدةِ أيامٍ من إلقاء القبض على دروموند.»
قال القبطان: «من المُحتمَل أن يكونوا قد ألقوهما في زنزانةٍ واحدة»، لكن دورثي هزَّت رأسها.
وقالت: «لو كان في نيتهم فِعلُ هذا لألقوا عليهما القبضَ معًا من دون شك. أنا متأكدةٌ أنَّ أحدهما لا يعرف مصيرَ الآخر؛ ولذا يستطيع القيصرُ بكل سهولةٍ أن يُطلق سراح ليرمونتوف، ومن المؤكَّد أن يفعل هذا عندما يسمع كلمةً من الرئيس. فضلًا عن هذا، فأنا واثقةٌ أن جاك ليس في قلعة تروجزموندوف، بقدر ثقتي في أن دروموند فيها. جونسون قال إنها سجنٌ للأجانب.»
صاحَ القبطان مُطلِقًا تنهيدةً عميقة: «يا إلهي! دورثي، إذا رجعنا مرةً أخرى إلى جونسون …» ولوَّح بيده وهزَّ رأسه.
فتحت الخادمةُ البابَ وقالت وهي تنظر إلى دورثي:
«السيد باترسون والسيد جونسون.»
قالت دورثي وهي تنهض من مكانها: «أدخليهما إلى الغرفة الصباحية. قبطان كِمْت، إنه للطفٌ بالغٌ منك أن استمعتَ بصبرٍ كبيرٍ إلى خطةٍ لا يُمكنك بحالٍ من الأحوال أن توافق عليها.»
قالت الابنةُ بسخرية: «بصبر!»
«والآن أريد منك أن تُسديَ إليَّ معروفًا آخر.»
توجَّهَت دورثي إلى المكتب وتناولت ورقة.
«ها هو ذا شيكٌ بتوقيعي على بياض. أرجو منكَ أن تَشتريَ اليخت «ذا وولرس» على حاله التي هو عليها الآن تمامًا، واعقِد أفضل صفقةٍ يمكنك عقدها من أجلي. الرجال أفضل كثيرًا من النساء في التفاوض على مثل هذه الأمور.»
«لكنك من غير ريبٍ، عزيزتي دورثي، لن تُصرِّي على شراء هذا اليخت، أليس كذلك؟»
قالت كاثرين: «إنه مالُها هي يا أبي.»
«اصمتي.» هكذا قال القبطان، وهو ينهض من مكانه، وكان يتحدَّث لأول مرةٍ بصرامةٍ حقيقية؛ وحينها تحلَّت كاثرين بما يكفي من الحكمة لتطيع أمر والدها برغم أنها كانت قد تجاوزت الحادية والعشرين من عمرها.
قالت دورثي برقة: «بلى، أنا عازمةٌ على ذلك تمامًا يا قبطان.»
«لكن، ألا ترين يا فتاتي العزيزة مدى خداع هذا الرجل جونسون إياكِ؟ إنه من دون عمل. لقد سلبَ منكِ بالفعل عشرين ألف دولار بخداعه.»
«لا، لقد طلبَ عشرة آلاف فقط يا قبطان، وأنا التي تطوَّعتُ بمضاعفة المبلغ.»
«رغم ذلك، لقد حاول إقناعكِ أن هذين الشابين مسجونان في تلك الصخرة. لقد فعل ذلك من أجل غرضٍ ماكرٍ جدًّا، ويبدو أن غرَضَه يُوشك أن ينجح. إنه يعلم أنه سيأخذ أجرًا جيدًا، وقد وعدتِه بمكافأةٍ أيضًا. إذا نجحَ هو وطاقمُ القبطان كِد الذي معه هذا، في جعلك تركبين على متن هذا اليخت، فلن تنزلي على الشاطئ إلا بعدما تُعطيه كلَّ مليمٍ لديك. هذا هو هدفه. إنه يعلم أنكِ خارجةٌ في رحلةٍ لارتكاب جريمة، هذا هو الوصف المناسب يا دورثي، لا فائدةَ من تلطيفِ عباراتنا، ستكونين بلا حولٍ تمامًا بين يدَيه. بالطبع لا يُمكنني السماح لابنتي كيت بالذَّهاب في مثل هذه الحملة.»
صاحت كيت وتعبيرُ عينَيها ينمُّ عن تمرد: «لقد تجاوزتُ سنَّ الحادية والعشرين.»
«لا أنوي أن يذهب أيٌّ منكما يا كاثرين.»
صاحت كاثرين وفي صوتها رعشةُ غضبٍ تتصاعد: «دورثي، لن أخضع لهذا، لن أُنحَّى جانبًا كأنني طفلة. مَن ذا يهمه الأمر أكثر مني؟ وبالنسبة إلى الاستيلاء على الصخرة، فسأنسفها بالديناميت بنفسي، وسأعيدُ منها إلى أرض الوطن أكبرَ جزءٍ يمكن لليخت أن يحمله، وسأنصبه على جزيرةِ بيدلو بجوار تمثال إلهة الحرية وأقول: «ها هو ذا تمثال الحرية، وها هو ذا تمثال الاستبداد»!»
عنَّفها أبوها قائلًا: «كاثرين، لم أتخيَّل قبل ذلك قط أن بنتًا من بناتي يمكن أن تنطق بمثل هذا الهراء.»
أسرعت كاثرين بالرد قائلةً: «موروثٌ أبويٌّ، يا أبي.»
قاطعتهما دورثي قائلةً: «إنَّ خطتكَ بخصوص مقابلة الرئيس يا قبطان كِمْت ممتازةٌ فيما يتعلَّق بالأمير ليرمونتوف، لكن لا يمكن أن تنقذ المُلازم دروموند. والآن، ثمة شيئان بإمكانك أن تفعلهما لي سيجعلانني مَدينة لك دائمًا، مثلما أنا في الواقع مَدينةٌ لك بالفعل، وأولهما هو أن تَشتريَ لي اليخت. الثاني هو أن تُكوِّن رأيك الخاص في المدعو جونسون، وإذا لم تَثِق به فعيِّن لي نصف عدد الطاقم واحرص على أن تختارَهم من الأمريكيِّين.»
قال القبطان بصوتٍ أجش: «أول فكرةٍ حكيمةٍ أسمعُها منذ دخلتُ هذه الشقة.»
«إنَّ الأمريكيين لن يسمحوا للفنلندي باحتجازي من أجل الحصول على فدية، ويُمكنكَ أن تثق في هذا.»
نظر القُبطان الشهم نطرةً مكروبةً إلى الفتاة الرزينة العاقدة العزم، ثم لما شعر بعين ابنتِه ترمقه، التفت إليها.
«أنا ذاهبةٌ يا أبي.» هكذا قالت بتصميمٍ مساوٍ لتصميمه، وأدركَ هو من جهته متى تَنصاع ابنته لحدود الخطر. صدرت عن القبطان ضحكةٌ خالية من البهجة.
وقال: «كلُّ ما أستطيع أن أقوله هو أنَّني أشعر بالامتنان لأنكما لمْ تُقرِّرا اختطاف القيصر. بالطبع ستذهبين يا كيت، وأنا أيضًا.»