في روسيا
حمل مظروف الرسالة التي تلقَّتها دورثي في المرة التالية طوابع بريد روسية، وكان مؤرخًا في ورشة الحِدادة، جادَّة بولشوي بروسبيكت، سانت بطرسبرج. بعد عباراتٍ تمهيديةٍ قليلةٍ، لا حاجة إلى تدوينها هنا، واصل دروموند قائلًا:
«في اليوم التالي لوصول جاك إلى لندن، ولما لم يكن لديه ما يُجبره على البقاء في إنجلترا، بدأتُ أنا وهو رحلتنا إلى سانت بطرسبرج، ونحن نُقيم الآن فوق ورشة الحدادة الخاصة به. لسنا على الضفة الأنيقة من النهر، لكنَّ شارعنا فسيح، وإذا مشينا على أقدامنِا مسافةً قصيرةً جدًّا نستطيع أن نصل إلى جسرٍ يمكننا، بعدما نعبره، التجوُّل بين مجموعةٍ من القصور إذا أردنا ذلك. لمْ يمرَّ على وجودنا هنا إلَّا أربعةُ أيامٍ فقط، لكننا حققنا الكثير بالفعل. لقد مهَّد لي نفوذُ الأميرِ الطريقَ؛ فبالأمس كنتُ في مقابلةٍ رسميةٍ مع شخصيةٍ مُهمةٍ جدًّا في وزارة الخارجية، واليومَ قابلتُ ضابطًا ذا رتبةٍ عاليةٍ في البحرية. لقد حذَّرني الأميرُ من ذكرِ أيِّ أسماء؛ لأن الرسائل، حتى وإن كانت مرسلةً إلى إحدى الفتيات، تُفتَح أحيانًا قبل وصولها إلى الشخص الذي أُرسلَت إليه. إن هذين الموظفَين اللذين تفضَّلا بمقابلتي يتمتَّعان بقدرٍ كبيرٍ للغاية من الكياسة لدرجةٍ تجعلني أشعرُ في حضرتهما بأنني جلف بعضَ الشيء. إنَّ فرنسيتي متزعزعةٌ قليلًا، وكنتُ أخشى ألا تسعفني درجة معرفتي بهذه اللغة، لكنَّ كلاهما يتحدثان الإنجليزيةَ أفضل منِّي بكثير، ويبدو أنه قد سرَّهما نوعًا ما أنني زُرتُ سانت بطرسبرج من تلقاء نفسي لأوضحَ أنني لم أكن أقصد أيَّ فظاظةٍ بتصرُّفي الذي أقدمتُ عليه لسوء الحظ في بحر البلطيق، وقد أكَّدا لي أنهما سيبذلان وسعهما لتلطيف التوتُّر بين بلدَينا. يبدو أن مهمَّتي هنا ستنتهي مبكرًا جدًّا عمَّا توقعتُ، وبعد ذلك سأرحل على متن أسرع باخرةٍ إلى نيويورك، على أمل أن أرى شلالات نياجرا. لكنَّني واجهتُ خيبةَ أملٍ واحدة؛ فجاك يقول إنه لن يتمكَّن بأيِّ حال من مرافقتي إلى الولايات المتحدة. لقد فشلتُ في أن أُثير فيه أقل قدرٍ من الاهتمام بمحطات توليد الكهرباء في نياجرا. إنه مُصرٌّ على أنه قد اقتربَ جدًّا من الوصول إلى اكتشافٍ في غاية الأهمية، لكنه لم يُفضِ لي بطبيعة هذا الاكتشاف. أعتقد أنه يعملُ بجِدٍّ شديد، حيث يبدو منهكًا ومُرهَقًا للغاية، لكنه هكذا دائمًا. إنه يقتحمُ بقلبه وروحه أيَّ مشكلةٍ تُواجهه، ويصل الليل بالنهار في العمل حتى يحلها.
بالأمس أفزع الشارعَ كله. كنتُ قد عدتُ لتوِّي من مبنى وزارة الخارجية، وصعدتُ إلى غرفتي بالطابَق العلوي، وفي تلك اللحظة دوَّى انفجارٌ هزَّ المبنى من القبو حتى السقف، وجعل نوافذ ورشة الحِدادة في المبنى الخاص بنا ترتجُّ وتصلُّ في الشارع. لقد نجا جاك بأعجوبة، لكنه لم يتأذَّ سوى أنَّ لحيتَه الجميلة تلك أصابتها سفعةٌ سيئةٌ للغاية. لقد حلَقَها، ولا يَملك الآن إلَّا شارِبًا، وصار يبدو كأحد رجال نيويورك تمامًا. لن تَعرفيه إذا قابلتِه في مسرح بروودواي. إن النجَّارين والزَّجَّاجين يعملون اليوم على إصلاح التلف الذي أصاب المبنى. لقد قلتُ لجاك إنه لو استمر هذا الشيءُ فسأُضطرُّ للتعامل مع فندقٍ آخر، لكنه قال إنها لن تتكرر مجددًا. يبدو أنه كان يحاول مزج مادتَين بإضافةِ مادةٍ ثالثةٍ إليهما، لكن المزج وقع بسرعة مفاجئة بحسبِ ما فهمتُ منه. لقد حاول أن يشرح لي ما حدث من تفاعل، كما يُسميه هو، لكن يبدو أنه ليسَت لديَّ المَلَكةُ العقلية لاستيعاب الكيمياء، وعلاوة على ذلك، إذا كان أحدُ انفجاراته هذه سيلقيني من السقف يومًا ما فلن يعزِّيني عندما أسقط على رصيف الشارع أن أعلم على وجه التحديد العناصرَ المختلفةَ التي ساهمَت في رفعي إلى السماء. إن جاك صبورٌ جدًّا في محاولته تعليمي، لكنه لم يستطِع مقاومة الرغبة في جعلي أشعر بالخجل بقوله إن صديقتكِ، الآنسة كاثرين كِمْت، كانت ستَفهم تفاصيل التفاعُل في الحال. إنها بالفعل، على حدِّ قوله، قد حذَّرَته من الكارثة، عندما وضعَت علامةً على فقرةٍ في كتابٍ أعطَته إياه وكانت تلك الفقرةُ تُؤذن بوقوع هذا الشيء على وجه التحديد. لا بد أنها فتاةٌ استثنائيةٌ جدًّا، وهذا يُظهر مدى حماقتي عندما لم أُدرك ألبتَّةَ روعتها هذه عندما كانت معنا.»
تلقَّت دورثي الرسالةَ التالية بعد أسبوع. كان دروموند يُحرِز نجاحاتٍ رائعةً في كلٍّ من وزارة الخارجية والأميرالية الروسية. كان جميعُ الموظفين الذين التقى بهم في غاية اللطف كما كانوا شديدي الحرص على تعزيز مصالحه. لقد كتب عن سوء الفهم السائد في إنجلترا حول روسيا، وعبَّر عن عزمه على فعلِ ما يستطيع عندما يعود لمحو تلك الانطباعات الخاطئة.
واصل دروموند كلامه قائلًا: «بالتأكيد لا يستطيع أيُّ أمريكيٍّ أو إنجليزيٍّ أن يؤيد الإجراءات القَمْعية التي كثيرًا ما تمارسها الشرطة الروسيةُ من دون رحمة، أو يبررها. ومع ذلك، فحتى هذه من الممكن أن تكون مُبالَغًا فيها؛ لأن الشرطة مضطرةٌ للتعامل مع شعبٍ مختلفٍ تمامًا عن شعبنا. إن من الغريب نوعًا ما أنني في هذه اللحظة في مشكلةٍ طفيفة بخصوص الشرطة. أنا متأكدٌ أن هذا المكان مُراقَب، وأكاد أجزمُ كذلك أنَّه ثمةَ من يتعقَّب صديقي جاك. إنه يرتدي ملابس كملابس العُمَّال؛ ولا شك أن وَزْرته المكسوة بالسُّخام قد تُسعدُ قلبَ صديقه الكاتِب تولستوي، لكنه مشهورٌ بكونه أميرًا، وأعتقد أن السلطات تتخيَّل أنه إنما يتزلَّف بهذا إلى الطبقة العاملة التي يحتقرونها. إنني أعزو السبب في هذا كله إلى ذلك الانفجار المشئوم الذي جمَّع الشرطة حولنا وكأنها نبتَت من تحت الأرض. لقد أُجريَ تحقيقٌ رسميٌّ بالطبع، وأوضحَ جاك بالتحديد، وبما لا يدع مجالًا للشك في قلب الجميع، كيفية وقوع الخطأ الذي تسبَّب في خسارته لحيتَه ونوافذَ منزله. لا أدري بالضبط كيف أصف القلق الذي اعتراني. عندما رأيتُ هذه المدينة لأول مرةٍ لم تختلف في نظري كثيرًا عن نيويورك أو لندن، وعندما قابلتُ العديد من الرجال المهذَّبين ممَن يشغلون مناصب عليا، بدأتُ أعتقد أن سانت بطرسبرج هي برغم كل ذلك شديدة الشبه بباريس أو برلين أو روما. غير أنها مُختلفة، ويشعر المرء باختلافها على نحوٍ خفيٍّ، مثلما يشعر بأنَّ الهواء في بعض المدن الساحلية في بريطانيا مهدِّئٌ، وفي بعضها الآخر مُنعشٌ. في هذه المدن لا يلاحظُ المرءُ التأثيرَ في البداية، لكنه فيما بعد يبدأ في الشعور به، وهكذا هو الحال هنا في سانت بطرسبرج. تمر أعدادٌ كبيرةٌ من العُمَّال من شارعنا. ويبدو أنهم جميعًا يعلمون هوية الأمير، وفي الأيام الأولى التي كُنا فيها هنا، كانوا يُحيُّونه باحترامٍ عَزَوتُه إلى رتبته، رغم الملابس الملطَّخة بالشحم التي يرتديها. منذ وقوع الانفجار اعترى أولئك العُمَّالَ تغييرٌ يتعذَّر عليَّ أن أحدِّد ماهيته. إنهم لا يزالون يُحيُّون الأميرَ عندما نقابلهم في الشارع، لكنَّ في سلوكهم تعاطفًا ماكرًا من نوعٍ ما، إن جاز لي أن أصِفه بهذا؛ رابطة مودةٍ صادقةٍ تنطوي عليها طريقتُهم وإن كانوا لا ينطقون بها. جاك يقول إن هذا كلَّه إنما هو من تخيُّلاتي، لكنني لا أعتقد أن هذه هي الحقيقة. إن هؤلاء الرجال يتصوَّرون أن الأمير إيفان ليرمونتوف الذي يعيش بينهم ويلبَس مثلهم، يخترع مادةً متفجرةً ربما تُخلِّصهم من الطُّغاة الذين يجعلون حياتهم غير آمنةٍ بالمرة. كل هذا غير مهم، لكن المهم هو التفاعل الكيميائي — كما أعتقد أن جاك سيسميه — الذي وقع بين السلطات. لا شك أن للسلطات جواسيسَ بين العُمَّال، وأنها تعلم جيدًا ما يُفكِّرون فيه وما يتحدثون به. أنا لا أعتقد أن السلطة اقتنعَت بالشرح الذي قدَّمه جاك بشأن الكارثة. لقد حاولتُ أن أقنع جاك بضرورةِ أن يكون أكثر حذرًا أثناء تجوُّله في المدينة، وحاولتُ أن أقنعه بأن يَرتدي بعد انتهائه من العمل ملابسَ تليق بمكانته، لكنه يسخر من مَخاوفي، ويؤكِّد لي أن رأيي عن سانت بطرسبرج قد انتقل من النقيض إلى النقيض؛ في البداية اعتقدتُ أنها ككل العواصم الأخرى، والآن أميل كثيرًا ناحية الاتجاه الآخر. إنه يقول إن شرطة سانت بطرسبرج لن تجرؤ على اعتقاله، لكنني لستُ واثقًا تمامًا من هذا. لقد خطر ببالي عدةُ أشياء، بعد فوات الأوان، كالمعتاد. لا بد أن روسيا تعلم، بفضل دائرة استخباراتها الممتازة، أن الأمير ليرمونتوف كان يخدم في البحرية البريطانية. وهم يَعلمون أنه عاد إلى سانت بطرسبرج، وأنه يتجنَّب أصدقاءه القدامى كلَّهم، وقد جذب انتباههم بانفجارٍ يتعذَّر تفسيرُه، ولا بد أنهم يعلمون جيدًا كذلك أنه في رُفقة الرجل الذي أطلق القذيفة على الصخرة في بحر البلطيق، وأنه هو نفسُه كان يخدم على متن الطرَّادة التي تسبَّبت في هذا الانتهاك.
أما عن شئوني أنا، فلا بد لي من القول إنها تتقدَّم ببطءٍ لكن على نحوٍ مُرضٍ؛ ومع ذلك، إذا وافق جاك على مغادرة سانت بطرسبرج، وأتى معي إلى لندن أو نيويورك، حيث يستطيع أن يواصل تجارِبَه العلميةَ كما يفعل هنا تمامًا، أو حتى أفضل، فسأُغادر في الحال، حتى وإن كنتُ بهذا سأعرِّض مستقبلي للخطر.»
بدأت الرسالة التالية، بعد فترةٍ من الزمن، على النحو التالي:
رسالتاكِ السَّاحرتان اللتان أرسلتِهما إليَّ وصلتا هنا معًا. إنه للطفٌ بالغٌ منكِ أن تُراسلي مَنفيًّا مسكينًا وتُرفِّهي عنه في منفاه. أودُّ أن أرى هذا الوادي الصغير المنعزل الذي كنتِ تتأرجَحين فيه بأرجوحتكِ الشبكية. احترسي من رجال هِندرِك هَدسون الذين كتبَ عنهم الكاتِبُ واشنطن إيرفينج بأسلوبه المُمتع. إذا قدَّموا لكِ أيَّ مشروبٍ فإياكِ أن تَقبليه. فكِّري في حجم الفاجعة التي سيُمْنَى بها جميعُ أصدقائكِ إذا نمتِ في هذه الأرجوحةِ الشبكية عشرين عامًا. إن ما أريد أن أزورَه الآن هو كاتسكيلز وليس شلالات نياجرا. أما عن خطابك الثاني الذي يحوي رسالةَ القبطان كِمْت إلى جاك، فقد سلَّمتُه إلى جاك على الفور. تُرى ما الذي كتبه القبطان اللطيف ليُحدث مثل هذا التَّحول في صديقي؟ لقد جاءني في تلك الليلة مُحتفظًا بسلامة علقه، ومرتديًا ملابس السهرة الرسمية، وقد علَّق أوسمته عليها، وأمرني بارتداء بذلة السهرة الخاصة بي، واصطحبني في مَركَبةٍ عبرَت بنا الجسر القائم على النهر إلى أفضل مطعمٍ في سانت بطرسبرج، وهناك تناولنا عشاءً معه شامبانيا وقد شرب حينها في نَخبِ أمريكا وكلِّ ما هو أمريكي. لا أدري إن كان هذا بتأثير الحماسة التي بثَّها فيه خطابُ القبطان كِمْت، أو من أثر الشامبانيا، لكنه أعادَ النظرَ في عزمه على عدم الرجوع إلى الولايات المتحدة، وقريبًا جدًّا سننطلق أنا وهو في رحلتنا إلى الغرب.
سوف أسعد بالخروج من هذا المكان. لقد كان ثمة مَن يُلاحقنا ونحن في طريقنا إلى المطعم، أنا واثقٌ من هذا، كما أنني على الدرجة نفسها من الثقة في أن الطاولة المجاورة لنا كان يجلس عليها جاسوسان من جواسيس الشرطة، وقد تعقَّبَنا هذان الجاسوسان في سيارة أجرة حتى وصلنا إلى ورشة الحِدادة. من المهين أن أعترف بهذا، لكنَّني أعترف أنَّ أجواء هذا المكان قد أثارت سخطي بطريقةٍ ما، وسوف يُسعدني أن أوليه ظهري. إن جاك يسخر من فكرةِ أنه واقعٌ في أي خطر. إنه يَزعم أنَّ حاكم سانت بطرسبرج نفسه لا يَجرُؤ على أن يمسَّه، وأما عن رئيس الشرطة، فإن جاك يُمطر ذلك الموظفَ القويَّ بوابلٍ من السخرية. إنه يهزأ من فكرةِ أنه مُراقَب، وهو على العموم يتندَّر عليَّ إلى أقصى مدًى، ويقول إن حالتي النفسية تناسب تلميذةً في المدرسة أكثر من مناسبتها رجلًا متين البِنيةِ يزيد طولُه على ست أقدام. لكن يُعزيني أن جاك قد أصبح الآن شديد التوق إلى أمريكا مثلي. أتوقَّع أن المقابلة التي رُتِّب لي حضورها غدًا مع واحدٍ من كبار المسئولين في الحكومةِ ستحسم قضيتي نهائيًّا بطريقةٍ أو بأخرى. لقد كنتُ واثقًا من النجاح قبل وقت قصير، لكن التأخيرات المتكررة جعلتني أقلَّ تفاؤلًا الآن، رغم أن الكِياسة اللطيفة التي يتحلَّى بها هؤلاء الذين في المناصب العليا لا تزال كما هي.
عزيزتي الآنسة إمهيرست، لا أُطيق أن تقلَّ قيمتي في نظركِ عمَّا قد أستحق؛ ولذا لا بد لي من القول إنَّ ذلك الخوف الذي أنهكني إنما هو كله خوفٌ على صديقي، وليس عليَّ أنا إطلاقًا. إنني آمنٌ تمامًا في روسيا؛ لأنِّي من رعايا بريطانيا. ذلك أنَّ ابن عمي الرزينَ المحافظَ على الرسميات السيد ثاكستيد عضوٌ في السفارة البريطانية هنا، وعمي الرزين المحافظ على الرسميات واحدٌ من أعضاء مجلس الوزراء في إنجلترا، ولا بد أنَّ هؤلاء الذين يتلقون معلوماتهم من الجواسيس في سانت بطرسبرج يَعلمون بتلك الحقائق جيدًا؛ ولهذا فأنا رجلٌ ذو حصانة. أسوأ ما قد يفعلونه أن يأمروا بخروجي من البلاد، لكن حتى هذا غير وارد. إذا حاول أيُّ شخص أن يتدخَّل في شئوني، فما عليَّ إلَّا أن أُقلِّد أبطال الروايات القصيرة؛ فأنتصب في وِقفتي حتى يظهر طولُ قامتي كاملًا، وهي كما تَعلمين، ليست بقامة قزم، وأُشبك ذراعيَّ فوق صدري الرجولي، وأصيح قائلًا: «ها ها!» وأُغنِّي الأغنية الوطنية «رُول بريتانيا» (السيادة لبريطانيا)، وعندئذٍ يضعُف الأوغادُ ويتراجعون. غير أنَّ جاك لا يتمتَّع بمثل هذه الحماية. إنه أحد رعايا روسيا، وسواء أكان أميرًا أو عامِّيًّا، فإن بوسع السلطات هنا أن تفعل معه ما تشاء. إنني دائمًا ما أُفكِّر في الأشياء عندما يفوتُ أوانُ التصرُّف. ليتني ألححتُ على جاك في النزول إلى اليابسة في بار هاربر، وأقنعتُه بأداء قَسم الولاء للولايات المتحدة. لقد حدَّثتُه في هذا الموضوع ونحن عائدان إلى المنزل في المَركبة، ولقد دُهشتُ عندما قال إنه يتمنَّى لو كان فكَّر فيه بنفسه عندما كُنَّا هناك.
لكن يكفي حديثًا عن هذا. أعتقد أنه ليس واقعًا في خطرٍ حقيقيٍّ رغم كل ذلك. ومع هذا، فسوف أقنعه بحزم أمتعتِه في الغد، وسنَنطلِق إلى لندن معًا؛ ولذا سوف يحملُ خِطابي القادمُ طابعَ بريدٍ بريطانيًّا، وأُؤكد لكِ أن هواء إنجلترا سيطيبُ لبريطانيٍّ دَهَمَه الليلُ يُدعَى آلان دروموند.