هل وجد «خالد» المفتاح؟
كانت الأمطار الموسمية تُغرِق ميناء «رانجون» في «بورما» عندما وصل الشياطين إلى هناك. وبرغم أن مسَّاحاتِ السيارة كانت تعمل بقوة؛ إلا أنَّ الماء كان غزيرًا إلى درجةٍ كبيرة.
قال السائق: دائمًا في هذا الوقت من السنة تُمطر السماء بشدة.
ثم ابتسم قائلًا وهو يضيف: إنَّ ذلك يُعطِّل أعمالنا كسائقين للتاكسي، لكن الفلاحين يشعرون بالسعادة.
قال «خالد»: وهل ذلك يُعطِّل العمل في الميناء؟
ردَّ السائق: في بعض الأحيان عندما يرتفع الموج، لا تستطيع السفن دخول الميناء.
سأل «فهد»: ماذا يحدث في مثل هذا الجو؟
قال السائق: يُصبح العمل بطيئًا؛ فالمياه تُغرق كلَّ شيء، وتُصبح الحركة بطيئة.
ثم ابتسم وهو يُضيف: تمامًا كحركة التاكسي الآن … صمتَ لحظة، ثم أضاف: إنَّ الطريق من المطار إلى المدينة يستغرق ساعةً عندما يكون الجوُّ صحوًا؛ لكن في مثل هذه الحالة، فإن المسافة تحتاج إلى ضِعْف الوقت.
ابتسم «أحمد» وقال: ومع ذلك تنال نفسَ الأجرة.
ضحك السائق، وقال: إن ذلك يعود إلى الزبون، وهو بالتأكيد يعرف الجهد الذي نبذله، حتى يصلَ إلى المكان الذي يريده.
ضحك «مصباح» وقال: اطمئن؛ فنحن نقدِّر جهدك تمامًا.
ابتسم السائق، وقال: هذا لا يهمُّ كثيرًا؛ فالمهم أن يكون الزبونُ راضيًا.
انحرفَت السيارة يسارًا، فقال السائق: الآن سوف نمرُّ على واحد من أكبر المعابد في المدينة، وهو معبد «بوذا»!
ثم ابتسم وأضاف: لكنكم لن تروه جيدًا لسوء الجوِّ … مع ذلك فيمكن أن أُوصلَكم غدًا إذا رغبتم، لأصحبَكم لزيارته … هذا إذا كان الجوُّ طيبًا؛ لكن أظنُّ أن المطر سوف يستمر لعدة أيام.
سأل «فهد» في دهشة: عدة أيام!
ابتسم السائق وقال: نعم؛ فالسماء تبدو أنها تحمل الكثير!
ثم أبطأ السائق من سرعة التاكسي حتى وقف أمام فندق «النجمة»، وقال السائق: هذا هو الفندق الذي تريدونه، وهو من أشهر فنادق المدينة … بجوار أنه لا يبعد عن الميناء كثيرًا؛ فالمسافة يمكن قطعُها سيرًا على الأقدام في حوالي ربع الساعة!
منحَه «أحمد» مبلغًا طيبًا من النقود، فابتسم الرجل شاكرًا. غادر الشياطين التاكسي متجهين بسرعة إلى داخل الفندق؛ فالأمطار كانت لا تزال تنزل بشدة. في الداخل كان الدفء يغمر الساحة الواسعة، وكان بعض النزلاء يجلسون متناثرين، لكن خلف الباب الزجاجي الكبير مباشرة كان يقف عددٌ من البحَّارة يرقبون سيولَ المطر في غيظ، والتقطَت أُذُنَا «خالد» كلماتِ أحدِهم الذي كان يقول: إن هذا يعني أننا سوف نَصِل إلى ميناء السويس متأخرين.
لفتَت الكلماتُ سَمْعَ «خالد»، حتى إنه أبطأ من خُطَاه، وتساءَل بينه وبين نفسه: هل تكون هذه الكلمات هي مفتاح المغامرة؟
كان الشياطين قد اتجهوا إلى صالة الفندق، بينما اتجه «فهد» إلى الاستعلامات لكي يحصلَ على أرقام الغُرَف والمفاتيح. كان «خالد» ما زال ينظر في اتجاههم وهو يفكِّر: لو أن الشياطين عرفوا ماذا يدور هنا لرقصوا من الفرح؟!
فكر بسرعة: إن حركتَه البطيئة يمكن أن تلفت النظر إليه … مشى قليلًا، ثم عاد مرة أخرى في اتجاه واجهة الفندق الزجاجية التي تُغطِّيها الستائر الكثيفة. وقف أمام الستائر، ثم أزاحها قليلًا يرقب الشارع. كان يريد أن يُعطيَ انطباعًا بأنه مشغول بالطقس. كانت الأمطار في الخارج قد ازدادَت كثافتُها. ظل ينظر قليلًا، ثم ترك الستائر، وأخذ طريقَه إلى حيث يقف البحارة، وعندما اقترب منهم نظر إلى أقربهم إليه، وقال مبتسمًا: إنَّه طقس رديء تمامًا!
نظر له الرجل، وقال: أعتقدُ أنه سوف يظل كذلك إلى وقت طويل!
أبدى «خالد» دهشتَه، وسأل: كيف؟!
تفحَّصه الرجلُ قليلًا ثم قال: بالرغم من أن المطر جاء مبكرًا بعضَ الوقت، إلا أنه سوف يستمر.
تساءل «خالد»: هل يعني هذا أن حركةَ الملاحة سوف تتوقف؟
ظل الرجل ينظر له قليلًا، ثم سأله: هل هذه مسألة تَهمُّك؟
قال «خالد» بانزعاج: بالتأكيد، لقد جئتُ أنا وزملائي للبحث عن عملٍ فوق إحدى السفن، وإذا استمر هذا الطقس، فهذا يعني أننا لن نجدَ عملًا!
ابتسم الرجل وسأل: وماذا تعمل أنت وزملاؤك؟
قال «خالد» بسرعة: نعمل كمساعدين للبحارة!
ألقى نظرةً سريعة على بقية البحارة، وكان يبدو أنهم مشغولون بشيء آخر غير الحديث الذي يدور مع زميلهم.
قال الرجلُ: اسمي «جراند»، وأعمل بحارًا فوق السفينة «آرو» — السهم — ويمكن أن أساعدك.
أبدى «خالد» سعادتَه وهو يقول: اسمي «أوتمان»، وسوف أكون شاكرًا لك يا سيدي هذه المساعدة!
قال «جراند»: لا بأس، فما دام الجوُّ سيئًا إلى هذه الدرجة، فسوف نلتقي هنا كثيرًا.
صمتَ لحظة ثم تساءَل: هل تذهبون إلى أيِّ مكان؟
قال «خالد» بسرعة: نعم يا سيدي، المهم هو العمل.
ابتسم «جراند» وقال: إننا متجهون إلى الشرق الأوسط، ونحن فعلًا في حاجة إلى مساعدين؛ فقد تخلَّف عددٌ منهم في الميناء، ومن الضروري أن نجدَ غيرَهم.
قال «خالد» بفرح: سوف يُسعدنا ذلك يا سيدي.
ثم توقَّف لحظة، وأضاف: إنني لا أعرف غرفتي بعد؛ لكن أستطيع أن أعرف رقمها حالًا.
قال «جراند»: إن غرفتي هي ٨١٩، ويمكن أن تحدثني قبل الليل.
سلَّم عليه «خالد» بحرارة ثم انصرف. كان الشياطين يرقبون الحوار الدائر من بدايته.
وقال «أحمد»: إنَّ «خالد» سوف يأتينا بشيء بالتأكيد!
وعندما انضم «خالد» إلى الشياطين، قال «أحمد» بسرعةٍ: سوف نسمع التفاصيل في الغرفة.
اتجه الشياطين إلى مطعم الفندق؛ فقد حان وقت الغداء، وعندما جلسوا حول إحدى المناضد.
قال «فهد»: إنني لا أستطيع الانتظار حتى نعود للغرفة، أريد أن أعرف ما عندك!
ابتسم «أحمد» وقال: سوف نسمع يا عزيزي «فهد»، فقط الحذر ضروري!
ثم أشار إلى الجرسون الذي أتى بسرعةٍ، فطلب كلٌّ منهم ما يريده، وعندما ابتعد، قال «فهد» بسرعةٍ: هاتِ ما عندك، إنني لم أَعُد أُطيق الانتظار.
ابتسم الشياطين، وقال «مصباح»: إن كان شيئًا هامًّا فقلْ، وإن كانت تفاصيل عادية فالأحسن أن نسمعها قبل النوم.
ضحكوا جميعًا، فقال «خالد»: إنها مفاجأة!
اتَّسَعت عينَا «فهد» في دهشةٍ، ثم قال: مفاجأة، إذن لا تنتظر!
بدأ «خالد» يحكي لهم ما سمعه بدايةً من أول جملة استرعَت انتباهَه، حتى الحوار الذي دار مع «جراند». كان الشياطين يسمعون باهتمام، وكان «أحمد» يسمع وهو يفكر، وتساءل بينه وبين نفسه: هل تكون الصدفة في صالحهم؟! إنهم لم يتصلوا بعميل رقم «صفر» بعد! فإذا كان «خالد» قد حقَّق تقدُّمًا، فإن الصدفة تكون قد لعبت دورها!
ظل «خالد» يحكي للشياطين حتى انتهى، فقال «فهد»: هل يمكن أن نبدأ المغامرة بهذه البساطة وهذه السرعة؟!
قال «مصباح»: إنَّ ذلك يعني أننا محظوظون كثيرًا.
وقال «قيس»: أنتم تُصدرون أحكامكم النهائية، وكأن السفينة هي نفسها سفينة «شون كوماكي» فعلًا!
ردَّ «فهد»: هل نسيت أن اسمها «آرو» كما أخبرنا الزعيم؟!
لمعَت عينَا «قيس» وقال: هذا صحيح، لكن السهولة التي حدثَت بها المفاجأة تجعلني أشكُّ كثيرًا.
قال «أحمد» بهدوءٍ: لقد لعبت الصدفة معنا في مغامرات سابقة أدوارًا هامة جدًّا، وقد تخدمنا الصدفة مرة أخرى، وسوف تتضح المسألة عندما نتحدث إلى عميل رقم «صفر».
جاء الطعام، وبدءوا يأكلون بسرعة، وعندما انتهوا غادروا المطعم إلى غُرَفهم. وما كاد «أحمد» يدخل غرفته حتى كان جهاز الاستقبال يُعطي إشارة، وعندما تلقَّى الرسالة عرَف أنها من رقم «صفر»، لكن ما بها كان مفاجأة!