سهرة … مع العميل!
كانت رسالة رقم «صفر» تقول: إنَّ السفينة المطلوبة ليست «آرو»؛ فقد تغيَّرَت في آخر لحظة، وإن السفينة الجديدة اسمها «روك»، وإنها وصلت إلى ميناء «رانجون» أمس، والسفينة «آرو» تابعة أيضًا ﻟ «شون كوماكي». فكَّر «أحمد» قليلًا ثم قال لنفسه: إنَّ «جراند» يمكن أن يكون طريقًا إلى السفينة «روك»، والمسألة تحتاج إلى بعض الذكاء. لحظة ثم استدعى بقية الشياطين … لاجتماع سريع، وعندما اجتمعوا في غرفة «أحمد» قرأ لهم الرسالة؛ فظهرَت الدهشة على وجه «مصباح»، وقال: إذن لقد ضاع جهد «خالد»!
قال «أحمد»: لا بالعكس المسألة تحتاج الآن لتفكير جاد؛ فما دام «خالد» قد عقد علاقة مع «جراند»، وما دام «جراند» يعمل على سفينة تابعة ﻟ «شون كوماكي»، فإننا ينبغي أن نستغل الفرصة لنصل إلى السفينة «روك».
صمتَ لحظة ثم أضاف: إننا حتى الآن لم نتحدث إلى عميل رقم «صفر»؛ فقد نجد عنده معلومات جديدة.
قال «فهد» بسرعة: أعتقد أن الزعيم قد أرسل إلينا في رسالته آخر المعلومات وأحدثها.
أضاف «قيس»: حتى لو كان هذا صحيحًا، فإن المحاولة مع «جراند» يمكن أن تفيد، فمَن يدري؟
مرَّت لحظاتُ صمتٍ … كانوا يفكرون خلالها فيما يحدث … ثم قال «أحمد»: سوف أتصل بالعميل أولًا، ثم نرى!
فتح جهازًا لاسلكيًّا دقيقًا كان يحمله، وثبَّتَ موجتَه على موجة خاصة، ثم تحدَّث، جاءه صوت العميل يرحب بهم ويقول إنه كان في انتظار مكالمتهم؛ فقد وصلت معلومات جديدة …
أخبره «أحمد» برسالة رقم «صفر»، فقال العميل: إنَّ هناك جديدًا، وينبغي أن يلتقيَ بأحدٍ منهم.
نظر «أحمد» إلى الشياطين لحظة، ثم قال: إنني على استعداد لذلك!
قال العميل: سوف تَصِل سيارة مرسيدس إسبور بيضاء عند باب الفندق في السابعة تمامًا، وسوف تأتي بك عندي.
قال «أحمد»: إنَّ هذه السيارة لافتة للنظر، أُفضِّل أن يكون تاكسيًا … فقط أعرف رقمه!
صمت العميل لحظة ثم قال: لا بأس، الرقم ٩٥٦.
انتهت المكالمة … نظر «أحمد» في ساعته … كانت تُشير إلى الخامسة والنصف … قال: إنَّ عميل رقم «صفر» لديه أخبار جديدة، وسوف ألقاه في الساعة السابعة.
صمت لحظةً ثم أضاف: أقترحُ أن يقوم «خالد» بالحديث إلى «جراند» حتى أعود، وعندما تكون أمامنا كلُّ المعلومات سوف نستطيع أن نتخذ قرارًا أحسن.
وافق الشياطين، وقال «خالد»: ينبغي أن ننتقل إلى غرفتي، فربما يطلب محادثتي مرة أخرى.
ردَّ «أحمد»: هذا صحيح، عليكم بالانتقال إلى غرفة «خالد»، وسوف أبقى بمفردي قليلًا حتى يحين موعد انصرافي.
اتجه الشياطين لغرفة «خالد»، بينما بقيَ «أحمد» وحده … كان يفكر في طريقة للوصول إلى السفينة «روك» … قال في نفسه: لو أن بعضنا اشتغل على السفينة «آرو»، والبعض الآخر اشتغل على السفينة «روك»، فإن هذه سوف تكون فرصة جيدة، فما دامت السفينتان تتبعان «شون كوماكي»، فإن الفرصة أوسع لمعرفة المزيد.
فجأة، دقَّ جرس التليفون، فرفع «أحمد» السماعة بسرعة … جاء صوت «خالد» يقول: لقد ضاعت الفرصة.
قال «أحمد» متسائلًا: كيف؟!
ردَّ «خالد»: لقد عاد مساعدو البحارة!
لم ينطق «أحمد» مباشرة؛ فقد كان الخبر مفاجئًا له. قال «أحمد» بعد قليلٍ: لا بأس، ومن الضروري أن هناك حلولًا أخرى، فلا يزال أمامنا متَّسع من الوقت، ما دامت السفن لن تبحر الآن.
انتظر «أحمد» لحظةً، ثم قال: عندما أعود سوف يكون لنا حديثٌ آخر.
ثم وضع السماعة … استغرق «أحمد» في التفكير، ثم قال: إن الفرصة فعلًا كانت فوق السفينة، لكنها ضاعَت الآن، ولا بد من حيلة أخرى.
كانت الساعة تدقُّ الآن السادسة والنصف، قال «أحمد» في نفسه: ينبغي أن أنزل، فمَن يدري ماذا سوف يحدث؟ وبسرعةٍ كان يأخذ طريقه إلى الخارج … عندما نزل إلى صالة الفندق ألقى نظرة سريعة فاحصة … كانت مجموعة البحارة، وبينها «جراند» يجلسون في أحد الأماكن … فكَّر «أحمد» بسرعة: هل يذهب إلى «جراند» ويتحدث معه؟ إن هذه فرصته أن تكون لهم علاقة بأحد رجال «شون كوماكي» … لكنه لم ينفذ ما فكر فيه؛ فقد خشي أن يفوت الموعد مع عميل رقم «صفر» … مشى بهدوءٍ إلى حيث الباب الزجاجي … ومن خلاله كان يرى الأمطار الغزيرة، والأسفلت الأسود لامعًا، والأضواء المنعكسة عليه، والسيارات القليلة التي تمرُّ متباطئة. في نفس الوقت كان يفكر: أين «شون كوماكي»؟ هذا الرجل الخطير الذي يعمل في المخدرات، وهذه الشحنة التي سوف يُرسلها إلى بلادنا … إنه عدو مخيف؛ فهو يقتل زهرة شبابنا. أخذ «أحمد» يتذكَّر آخر اجتماع مع رقم «صفر»، عندما قال: إن عملاءَه في جنوب شرقي آسيا يعملون بجدٍّ للوصول إلى مكان «شون كوماكي»، وإنه إذا تم القضاء عليه فإن ذلك سوف يكون انتصارًا رائعًا. تذكَّر أيضًا تفاصيل المغامرة التي يقومون بها الآن، وكيف طلب منهم الزعيم أن يذهبوا إلى «رانجون»، ويحاولوا العمل على السفينة «آرو» … حتى يكتشفوا شحنة المخدرات التي سوف تنزل في السويس فجأة … نظر إلى ساعته، وكانت تُشير إلى السابعة تمامًا. تحرَّك «أحمد» بسرعةٍ وهو يقول لنفسه: لقد شردت، وكاد الموعد أن يضيع.
فتح «أحمد» الباب وخرج، وكانت السماء وكأنها فتحَت أبوابها على مصراعَيها … فالماء ينزل بغزارة غريبة … أسرع تحت المطر … وهو يلبس ملابس خاصة، حتى وقف على الرصيف … أخذَت عيناه ترقبان السيارات المارة على مهلٍ … مرَّ تاكسي ثم آخر … وكان كلٌّ منهما يقف أمامه، ثم يستمر في سَيْره من جديدٍ، ولم يكن أيهما يحمل رقم ٩٥٦.
من بعيدٍ ظهرَت أضواءُ سيارة تلمع، وكان يبدو أن السيارة تأتي مسرعة … ظلَّت تقترب وهو يراقبها، ثم علَتِ الدهشةُ وجهه؛ فقد كانت سيارة مرسيدس إسبور بيضاء.
قال «أحمد» في نفسه: إنه العميل، كيف لم ينفِّذ ما اتفقنا عليه؟!
فجأةً توقَّفَت السيارة أمام «أحمد»، ثم فُتح بابها، فقفز داخلها، فانطلقَت السيارة من جديد. نظر له العميل مبتسمًا وهو يقول: أعرف أنك مندهش؛ لكن الموقف لم يكن يحتمل الانتظار؛ لهذا فضلتُ أن آتيَك بنفسي!
كان العميل شابًّا في عمر الشياطين تقريبًا، أو أكبر قليلًا، وسيمًا، هادئ الملامح، تغطِّي وجهَه ابتسامةٌ دائمة، جعلَت «أحمد» يشعر بالارتياح نحوه … مرة أخرى نظر له العميل قائلًا: هل تستطيع أن تتأخر الليلة؟
سأل «أحمد»: هل هناك ما يدعو لذلك؟
قال العميل: بالتأكيد، إننا سوف نحتفل بالمناسبة!
ابتسم «أحمد» وقال: يبدو أنها مناسبة طيبة!
ضحك العميل وقال: عندما تعرف سوف تتأكد أنها أطيب مناسبة!
ظل «أحمد» ينتظر أن يُضيفَ العميلُ شيئًا، لكنه لم يفعل … مرَّت لحظةُ صمتٍ، ثم فجأةً ضحك العميل من أعماقه، وهو يقول: أعرف أنك تنتظر أن أكشفَ لك عن طبيعة المناسبة، وأعرف أنك تفكر في بقية الزملاء … لكن أخشى أن نلفتَ النظر … صمتَ العميلُ لحظةً ثم قال: سوف أدعوك إلى سهرة طيبة، تشهد فيها ألوانًا من الفنون الشعبية ﻟ «بورما».
ثم أضاف العميل قائلًا بلهجة جادة نوعًا ما: إن «رانجون» ميناءٌ هامٌّ كما تعرف، والبحارة الذين ينزلون فيها كثيرون، ويستهويهم أن يشاهدوا هذه الفنون، فهي مختلفة طبعًا عن فنونهم، ثم إن الشرق الأقصى يمثِّل بالنسبة لهم سحرًا خاصًّا.
كان «أحمد» يستمع إلى العميل، بينما السيارة تتقدم في بطء الآن، وصوت المطر فوق سقف السيارة يبدو واضحًا تمامًا؛ مما جعل العميل يرفع صوته، حتى يسمعَه «أحمد» جيدًا. في نفس الوقت كان «أحمد» يفكر فيما يفعله العميل؛ سعادتُه المستمرة، وضحكُه الدائم وإخفاؤه لطبيعة المناسبة، مع ذلك فلم يسأله، لكن العميل فجأةً قال: أيها العزيز … إن دعوتي لكم سوف تكون عندما تُنهون مهمتكم، التي أرجو أن تكون موفقة.
ابتسم «أحمد» فقد فَهِم شيئًا … إن دعوة العميل لهم تَعْني أنهم سوف يكونون هنا في «رانجون». هذا يعني أيضًا أنهم لن يُبحروا فوق السفينة التي تُخفي المخدرات داخلها … هذا يعني أيضًا أن الأخبار الجديدة التي يحملها العميل سوف تغيِّر من طبيعة مهمتهم تمامًا. تذكَّر كلمات رقم «صفر» وهو يشرح لهم خطورة ما يقوم به «شون كوماكي»، والدمار الذي يحمله للعالم، من أجل تحقيق الثروة، وهذا الرجل الغامض الذي لا يقترب منه أحد … ظل «أحمد» يفكر … ويقلِّب الكلمات في رأسه. في الوقت الذي صمت فيه العميل، وقد ارتسمَت ابتسامةٌ على وجهه … ثم فجأةً قال العميل: يا عزيزي، إنني أريد أن أحتفل بالمفاجأة.
ثم ضحك وقال: أقصد أحتفل بالمناسبة معك؛ لأن الوقت لا يزال أمامنا. هكذا تقول الأرصاد الجوية حتى الآن!
ابتسم «أحمد»، فقال العميل: أعرف أنك ذكيٌّ بما يكفي لأن تَصِل إلى ما تريد؛ لكن أرجوك … ثم ضحك، وأضاف: أرجوك لا تُفسد عليَّ سعادتي، حتى أقول لك!
ضحك «أحمد» لأول مرة منذ لقيَ العميل؛ فقد عرَف أنه قد اقترب فعلًا مما سوف يقوله أخيرًا. اقتربَت السيارة من واجهة مضاءة، فعرَف أنها نادٍ ليليٌّ. ابتسم «أحمد» وقال: إنها إذن سهرة!
ضحك العميل، وقال: ليس إلى هذه الدرجة، إنني فقط أريد أن أحتفل بك … وثِقْ أن ما يُقدَّم هنا لا يعدو أن يكون ألوانًا من الفنون لا غير!
غادرَا السيارة، وعلى واجهة النادي قرأ «أحمد»: «نادي السمكة» … ابتسم، وقال: تسمية ظريفة!
علَّق العميل: هنا يحب البحارة أن يقضوا سهرتهم؛ فالأكلة المفضَّلة هنا هي السمك.
دخلَا، وعندما اختارَا منضدة بعيدة، قال العميل مبتسمًا وقبل أن يجلس: حتى تقضيَ سهرة طيبة … فإنني سأُخبرك الآن بطبيعة المناسبة.
ثم جلس وهو يضحك …