الطريق … إلى «شون كوماكي»
علَت الدهشةُ وجهَ «أحمد» وهو يستمع للعميل … وبرغم أن أفكارَه كانت تقترب مما قاله، إلا أنه اندهش لما سمعه … كان العميل قد قال: إن أوامر الزعيم منذ ساعة بالضبط قد غيَّرت طبيعة المغامرة التي تقومون بها … لقد جمعنا كلَّ المعلومات المطلوبة، وعرفنا أين يوجد «شون كوماكي».
صمتَ لحظة، ثم أضاف: إن «شون كوماكي» يعيش في جزيرة «آندمان»، واحدة من مجموعة جُزُر تقع على خطٍّ يكاد يكون مستقيمًا مع «رانجون»، وهو يحيط الجزيرة بجهازِ أمنٍ ضخم ومتقدم تمامًا؛ فالجزيرة تحرسها الرادارات من كل اتجاه، حتى إنه يكتشف مَن يفكِّر في الاقتراب من الجزيرة؛ أمَّا قَصْره الضخم الذي يعيش فيه، فحراستُه غير عادية.
توقَّف لحظة، فسأل «أحمد»: ماذا تقصد؟
قال العميل: إنه يحيط القصر بمجموعة من «الروبوت» … إنهم حرَّاس إلكترونيون، وكلٌّ منهم مبرمجٌ بطريقة معينة؛ منهم مَن يُطلق الرصاص، ومنهم مَن يقبض على مَن يقترب فقط، ويظل محتفظًا به حتى الصباح، فهم لا يعملون إلا في الليل.
كان «أحمد» يستمع باهتمام شديد. انتظر العميل لحظة، ثم قال: إن جزيرة «آندمان» يملكها «شون كوماكي»؛ ولذلك فلا أحدَ يسكنها سواه، ولأن الرادارات تكشف أيَّ جسم غريب يقترب من الجزيرة … فإن المهمة الآن كيف يمكن الوصول إلى هناك؟
استغرق «أحمد» في التفكير، بينما كان يشعر بالسعادة، فها هي قمة المغامرة … فالسفينة «روك» يمكن أن تقع في أية لحظة؛ إمَّا من خلال مجموعة أخرى من الشياطين، أو بواسطة الجهات المسئولة، ورقم «صفر» سوف يتولَّى ذلك. أمَّا القبض على «شون كوماكي»، فهذه هي المغامرة الكبرى.
قطع تفكيرَ «أحمد» قولُ العميل: هل تُفضِّل السمك مشويًّا؟
كان الجرسون يقف منحنيًا أمامهما، فقال «أحمد»: نعم.
انصرف الجرسون، فقال العميل: إن الوقت في صالحنا الآن؛ فالطقس لن يتحسن قبل أيام، وهذا سوف يُعطينا الفرصةَ لكي نبحث عن أحسن وأسرع طريقة للوصول إلى جزيرة «شون كوماكي».
أحضر الجرسون طبقَ الأسماك المشوية، والبخار يتصاعد منها. كانت رائحتُها الذكية تُوحي بالرغبة في الأكل؛ غير أنَّ «أحمد» كان ذهنه مشغولًا يفكر في الشياطين … إنهم الآن يجلسون في موقف صعب، وهو لا يستطيع أن يقضيَ وقتًا هادئًا ويتركهم في حالتهم هذه … نظر إلى العميل، الذي كان قد بدأ يأكل، وقال: معذرة، ينبغي أن أتحدَّث إلى الزملاء.
توقَّف العميل عن المضغ، وقال: لا بأس، فسوف نذهب إليهم.
قال «أحمد»: فقط، أَجْعلُهم يطمئنون.
ثم وقف وقال: أين أستطيع أن أجد التليفون؟
نظر الرجل في اتجاه اليمين، ثم قال: عند نهاية الصالة سوف تجد سهمًا يُشير إلى مكان التليفون.
تقدَّم «أحمد» حتى نهاية الصالة، وكانت نظراتُ عينَيه تمسح المكان … إنَّه يراه لأول مرة منذ وصوله … كانت الصالة مزدحمة بالبحارة؛ يأكلون ويضحكون. عند نهاية الصالة وجد سهمًا يُشير إلى التليفون الذي لم يكن بعيدًا … رفع «أحمد» السمَّاعة، ثم تحدَّث إلى «خالد»، وقال: انتهت المشكلة، عندما آتي إليكم سوف تسمعون أخبارًا سارَّة!
جاء صوت «خالد» يقول: هل هناك جديد؟
ردَّ «أحمد»: نعم، كل شيء أصبح جديدًا، وأرجو أن تقضوا وقتًا هادئًا حتى آتيَ!
ثم وضع سماعة التليفون وأخذ طريقه إلى حيث يوجد العميل … عندما جلس سأله: هل تحدَّثت إليهم؟
ابتسم «أحمد» وهو يغرز الشوكة في السمكة أمامه: نعم في حدود الوقت المسموح.
ابتسم العميلُ وعلَّق: أعرف مدى قدرتكم جيدًا.
كان العشاء طيبًا فعلًا؛ أكل «أحمد» حتى شبع، وعندما رُفعت الأطباق نظر العميل في ساعته، ثم قال: بعد عشر دقائق سوف يبدأ البرنامج، ما لم تكن متعبًا!
ابتسم «أحمد» وقال: بل يسعدني أن أشاهد هذه الفنون، إنني فعلًا في حاجةٍ إلى إراحة رأسي بعض الوقت.
جاءت أكواب الشاي الساخن، فقال «أحمد»: إنَّ المكان هنا له طعم خاص!
أضاف العميل: هذا ما يجعل البحارة يفضلونه.
فجأة بدأت الإضاءة تخفتُ شيئًا فشيئًا، وبدأ الضجيج يخفت هو الآخر، وعندما انسحب الضوء تمامًا، كانت بقعة واحدة مضاءة فوق مسرح صغير في عمق الصالة. ارتفعَت أصواتُ الطبول، ثم ظهر الراقصون، كانت بأيديهم شباك، وهم يلبسون أقنعة ملونة لأنواع مختلفة من الأسماك؛ بعضها صغير، وبعضها ضخم الحجم، ثم بدأت الرقصة … كانت تحكي قصة الصيد … رجل عجوز خرج بشباكه للصيد، لكنَّ قدمَيه انزلقَت فسقط في قاع المحيط، وهناك وجد عالمًا غريبًا من الأسماك، وعاش عدة أيام بين الأسماك، يَرقُب الصراع بين الأسماك الكبيرة والصغيرة.
كان «أحمد» يتابع الرقصة باستمتاع … قال في نفسه: إنه الصراع دائمًا الكبير يأكل الصغير، ما لم تكن لديه القدرة على التصرف.
استغرقَت الرقصة نصف ساعة، وبالرغم من أن السهرة كانت جيدة، إلا أن «أحمد» شعر أنه يريد أن يعود إلى الشياطين … مَالَ ناحية العميل ثم قال: لقد استمتعتُ فعلًا، وأرجو أن أعود مرة أخرى لتكملة البرنامج.
ابتسم العميل وقال: كما تُحب.
ثم انصرف … كانت السيارة تمشي ببطء، غير أن المطر كان أقل، حتى إن «أحمد» قال: يبدو أن الأرصاد أخطأَت التقدير هذه المرة.
ضحك العميل وقال: هذا حقيقي؛ فقد تغيَّر لونُ السماء، وهذا يعني أن الجوَّ يمكن أن يكون صحوًا في الغد.
قال «أحمد» بسرعة: إن ذلك يعني أن نكون مستعدين من الليلة.
ردَّ العميل: هذا صحيح.
قال «أحمد»: إذن … سوف أتحدَّث إليك الليلة … إذا لم تَنَم مبكرًا.
ابتسم العميل، وقال: لا أظن أنني سوف أنام قبل أن تناموا أنتم.
ابتسم «أحمد» ولم يردَّ. ضغط العميلُ قدم البنزين، فانطلقت السيارة بسرعة، ولم تمضِ دقائق حتى كانت تقف عند نقطة قريبة من الفندق.
قال «أحمد»: ينبغي أن أنزل هنا؛ فالجو يسمح بأن أسيرَ بضعَ خطوات إلى الفندق.
ودَّع «أحمد» العميل، ثم نزل، وبالرغم من أن الهواء كان شديدًا، وكانت لذعة برد يحسُّها «أحمد» فوق وجهه؛ إلا أن المشيَ كان ممتعًا؛ لكن المسافة لم تكن بعيدة. وعندما اقترب ضغط زرًّا في جهاز الإرسال، كان هذا معناه إشارة للشياطين حتى يجتمعوا في غرفة «أحمد». ولم تمضِ دقائق حتى كان يدخل غرفته، وخلفه كان بقية الشياطين … حكى لهم كلَّ ما دار بينه وبين العميل، فهتف «قيس»: هذه أخبار رائعة، لقد كدتُ أفقد الأمل في تكملة المغامرة.
ابتسم «مصباح» وقال: الشياطين لا يفقدون الأمل أبدًا!
قال «خالد»: من المهم أن نَصِل إلى خطة الليلة؛ فقد يأتي الصباح بجوٍّ طيب يجعلنا في حالة تسمح بالتصرف.
قال «أحمد»: هذا ما اتفقنا عليه، لن ينام العميل قبل أن نتحدث إليه.
قال «فهد»: الموقف أمامنا الآن يقول إن المهمة الأولى هي الوصول إلى جزيرة «آندمان» قبل أن يكشفَنا أحد، وأن نصلَ إلى قصر «شون كوماكي» دون أن يفطنَ أحدٌ إلى وجودنا.
قال «أحمد»: هذه بالضبط مشكلتنا؛ أمَّا التعامل مع «الربوت» فسوف يكون لنا طريقة عمل خاصة معهم.
صمتَ لحظةً ثم قال: إننا لا نستطيع أن نصلَ إلى هناك عن طريق المحيط؛ فالجو مُتقلِّب هذه الأيام، ونحن لا نريد أن نُضيِّعَ وقتًا، بجوار أن اللنش يمكن أن يكتشفَه الرادار.
قال «مصباح»: إن ذلك ينطبق على الوصول بالطائرة أيضًا … صحيح أنها سوف تختصر الزمن، لكن الرادار بالتالي سوف يكشفنا؛ هذا يعني نهايتنا إلى الأبد، فمن المؤكد أن هناك أسلحة تعمل تبعًا لحركة الرادار، فإذا اكتشفت طائرة فإنها تنطلق وحدها تبعًا لتوجيهات الرادار …
قال «أحمد»: هذا صحيح.
صمت لحظة ثم أضاف: غير أن هناك طائرات لا يستطيع الرادارُ رصدَها، وهي الطائرات الشراعية، وأنتم تعرفون أن جسمها يخلو من أيِّ معدن يمكن أن يعطيَ الرادار فرصة العمل.
بَدَت الفرحة على وجوه الشياطين، وهتف «قيس»: إذن لقد انتهت المشكلة!
قال «أحمد» مبتسمًا: انتهت الخطوة الأولى منها فقط.
وقبل أن يُكملَ كان «خالد» يقول: أنتم تذكرون الشابَّ الألماني الذي هبط في ميدان «الكرملين» في موسكو دون أن ترصدَه الرادارات، مع أن هذه مسألة خطيرة!
قال «مصباح»: إذن تحدَّث إلى العميل، وسوف نكون جاهزين من الآن للانطلاق إذا كان الجو يسمح بذلك.
وكانت هذه أول خطوة إلى مقرِّ «شون كوماكي»، لكن هل تتم المغامرة؟