الانطلاق … إلى «شون كوماكي»
تحدَّث «أحمد» إلى العميل الذي ضحك قائلًا: أعرف أنكم سوف تجدون الحل سريعًا.
صمتَ لحظة ثم أضاف: تستطيعون غدًا أن تشاهدوا الطائرة الشراعية، وأن تجرِّبوها.
صمت مرةً ثانية ثم قال: هل نلتقي غدًا عند النقطة «ط»؟
ردَّ «أحمد»: في الساعة الثامنة صباحًا سوف نكون هناك.
ولم ينتظر الشياطين طويلًا؛ فقد انصرف كلٌّ منهم إلى غرفته. ظل «أحمد» يدرس الموقف كاملًا … الطائرة الشراعية، والمسافة إلى جزيرة «آندمان»، ثم النزول هناك … تساءل بينه وبين نفسه: ألَا توجد حراسة بشرية في الجزيرة؟ وكيف يعيش «شون كوماكي»؟ هل يعيش وحده مع الخدم أم أن هناك عددًا من المساعدين؟ كان يُقلِّب الموقف في رأسه؛ ولذلك لم يستطع النوم، قال لنفسه: ينبغي أن أنام الآن فغدًا يوم آخر يحتاج إلى كثير من العمل، ويمكن أن أستيقظَ مبكرًا لأُعيدَ التفكير مرة أخرى.
وقفز إلى سريره … أخذ يُجْرِي بعضَ التمارين النفسية، حتى استغرق في النوم، وعندما كانت الساعة تدقُّ السادسة صباحًا، كان يفتح عينَيه ويتمطَّى … شعر بالراحة … وأحسَّ أن اليوم سوف يكون طيبًا … أخذ يُجري بعضَ التمارين الرياضية ليُنشِّط نفسَه، ثم قفز من السرير في رشاقة … اتجه إلى النافذة التي كانت تتوسط جدارَ الغرفة، ثم أزاح الستائر … كانت السماء تبدو رائعة، وأشعة شمس الصباح تتسلَّل إلى الوجود في هدوء. قال في نفسه: إنه يومُ صحوٍ تمامًا، ويُنبئ عن يوم طيب، وليل مناسب. ابتسم ثم قال لنفسه: ما لم يحدث ما لا نتوقعه، فمَن يدري، قد تسوء الأحوالُ الجوية فجأة، وتنقلب الدنيا مطرًا ورياحًا؟!
أخذ حمَّامًا ساخنًا، ثم جلس وبسطَ خريطة صغيرة أمامه، ثم بدأ يجري بأصابعه عليها: ميناء «رانجون» خط طول ٩٦ وخط عرض ٤ أرجنيل ميرجي. مشى بأصابعه حتى جُزُر «آندمان» أسفلها جُزُر «نيكوبار»، ثم «كوتاراديا» … «المحيط الهندي» … عاد بأصبعه مرة أخرى إلى جزر «آندمان» … إنَّ مجموعةَ الجزر تتكوَّن من ثلاث جُزُر كبيرة، وخمس جُزُر صغيرة تمامًا. فكَّر: هل ننزل في أقرب جزيرة كمحطة أولى، ثم نقفز إلى الثانية حيث يعيش «شون كوماكي»، أو ننزل إلى جزيرته مباشرة؟
أخذ يُجري بعضَ العمليات الحسابية، ليعرف كم تبعد الجزيرة الأولى عن «رانجون»؟ … قال في نفسه: إنها مسافة ليست قصيرة، وهذه أول مرة نستخدم فيها الطيران الشراعي … صحيح أنها مسألة ليست صعبة، لكن المسافة تجعلنا نفكر أكثر. فجأة دقَّ جرس التليفون، وعندما رفع السماعة كان «قيس» يقول: صباحًا طيبًا!
ابتسم «أحمد» وردَّ: هذا صحيح.
قال «قيس»: هل أنت جاهز؟
ردَّ «أحمد»: إنني جاهز منذ ساعة، ونحتاج إلى جلسة سريعة قبل أن نتحرك. وضع «قيس» السماعة، ولم تمضِ دقائق حتى كان الشياطين يدقون الباب في هدوء، وبسرعة جلسوا في شبه دائرة حول الخريطة. شرح «أحمد» ما فكَّر فيه، وبعد أن انتهى من كلامه قال «خالد»: أقترح أن تكون الرحلة على مرحلتين، فالمسافة طويلة.
ردَّ «مصباح»: إننا لا نعرف طبيعة هذه الجزيرة التي سوف ننزل عليها كخطوة أولى؛ فقد يكون بها سكَّان لا نعرفهم، ونصبح أمام قضية جديدة!
قال «خالد»: هذا صحيح، ولو أننا نستطيع أن نطلب من عميل رقم «صفر» أن يزوِّدَنا بدراسة ومعلومات عن الجزيرة؟!
ردَّ «أحمد»: فكرة طيبة، المهم هل نجعل رحلتنا في قفزة واحدة، أو قفزتين؟
انتظر الجميعُ … كان الضروري أن يفكروا جيدًا قبل اتخاذ القرار، ثم قال «قيس»: أعتقد أننا يمكن أن نؤجل القرار بعد أن نعرف طبيعة الجزيرة؛ فإذا كانت خالية فينبغي أن نجعل الرحلة على قسمين، وإذا كانت مأهولة فليس أمامنا سوى الوصول مباشرة إلى جزيرة «شون كوماكي».
قال «أحمد» بعد لحظة: إنني موافق على رأي «قيس».
ووافق الآخرون … فقال «خالد»: إذن، لا بدَّ أن نتحرك الآن، فأمامنا بعض الوقت للفطور، ثم الوصول إلى النقطة «ط» المتفق عليها.
وبعد دقائق كانوا يدخلون مطعم الفندق … طلبوا عددًا من الساندويتشات، أكلوها بسرعة، ثم أخذوا طريقَهم للخروج … كانت صالة الفندق تعجُّ بالنشاط قادمون، وراحلون، لكن ذلك لم يستوقف الشياطين كثيرًا، حتى «جراند» ومجموعته كانوا يقفون في جانب من المطعم … رفع «خالد» يده بالتحية ﻟ «جراند» الذي قال: هاي، ماذا فعلتم؟
ابتسم «خالد» وقال: نحن في الطريق إلى لقاء لعله يُثمر في إيجاد عمل!
قال «جراند»: لقد شعرت بالأسف لكم، وكنت أتمنى أن أقدِّم لكم خدمة …
ردَّ «خالد»: إن هذا الشعور طيب، ومَن يدري فقد نلتقي مرة أخرى؟
ثم أضاف بسرعة: أظن أنكم سوف ترحلون اليوم؛ فالجو يشير إلى ذلك!
ضحك «جراند» وقال: إنك فعلًا مساعد جيد، نعم سوف نرحل اليوم.
أشار «خالد» بتحية الوداع ﻟ «جراند»، ثم لحق بالشياطين الذين كانوا يقفون خارج الفندق … عندما انضمَّ إليهم، ابتسم «فهد» وقال: هل نجحت في العثور على عمل؟
ضحك الشياطين، وقال «خالد»: مَن يدري، قد نلتقي مرة أخرى؟!
فجأة … كانت سيارة تاكسي تقف أمامهم … فتح السائق الباب وقال: لا تضيعوا وقتًا أيها السادة.
انحنى «أحمد» ونظر إلى السائق … كان يلبس نظارة طبية، وكاسكيت، وبدلة عمل زرقاء، لكنَّ عينَيه لم تُخطئ الملامح التي تختفي خلف ذلك؛ فقد كان عميل رقم «صفر» نفسه.
قال «أحمد»: أهلًا بالصديق السائق، إنها مفاجأة!
قفز الشياطين داخل التاكسي الذي انطلق بهم … قال العميل مرحبًا: تمنيتُ أن تنضمُّوا إلينا أمس، كانت سهرة ممتعة.
ثم نظر إلى «أحمد» مبتسمًا، وقال: العمل يحتاج أن نتحرك دائمًا.
ابتسم «أحمد»، وقال: أفهم أنني يمكن أن أجدَك داخل التاكسي دائمًا!
ضحك العميل، وقال: ليس دائمًا، قد تُقابلني جرسونًا في مطعم، أو بائعًا في محل أو داخل ورشة لإصلاح السيارات … إنني أرتادُ أماكنَ كثيرة.
وتحوَّل الحديث إلى الرحلة، وأخبرهم أن الجزيرة مهجورة وليس فيها سوى بعض رجال «شون كوماكي»؛ لهذا من الأفضل القيام بالرحلة مباشرة إلى جزيرة «شون كوماكي»، خصوصًا وأن الطائرة مجهزة جيدًا، ثم أضاف في النهاية: إنَّ ذلك سوف يتوقف على طبيعة الجو، فقد تضطركم الظروف إلى الهبوط في أول جزيرة، مَن يدري؟!
نظر الشياطين إلى بعضهم، وقال «أحمد»: هذه حقيقة.
فأضاف «مصباح»: إذن ينبغي أن نبدأ رحلتنا اليوم، حتى يكون لدينا المتسع من الوقت.
تركت السيارة المدنية وأصبحت في الخلاء، فقال العميل: إن الطائرة ليست بعيدةً الآن، فهي في مطار سرِّيٍّ قريب.
ولم تمضِ نصف ساعة حتى كانت السيارة تدخل في طريقٍ جانبيٍّ، وفجأة ظهرَت الطائرة الشراعية … كانت تلمع تحت ضوء الشمس، وعندما توقَّفَت السيارة بجوارها، نزل الشياطين، والتفَّوا حولها. كانت تبدو صغيرة على المهمة التي سنقوم بها؛ فهي طائرة تدريب للهواة، لكن لا مفرَّ من استخدامها، فهي النوع الوحيد الذي لا يُسجله الرادار.
نظر الشياطين إلى بعضهم، ثم قال «أحمد» مخاطبًا العميل: نرجو أن نلتقيَ مرة أخرى!
ابتسم العميل وهو يشدُّ على يده: إنني في الانتظار!
وبسرعةٍ قفز الشياطين داخل الطائرة، حيث جلس «أحمد» في مقعد القيادة، وبدأت السيارة الخاصة بجرِّ الطائرة تتحرك، ثم أسرعَت وهي تجرُّ الطائرة خلفها، ظلَّت تُسرع أكثر، ثم تركَت الطائرة التي أخذَت طريقها إلى الارتفاع في الفضاء … ظلَّ العميل يُراقبها حتى أصبحَت نقطةً في الفراغ العريض.