معركة على أرض الجزيرة!
كان انعكاسُ الشمس على جسم الطائرة يجعلها تبرق، وكأنها قطعة من الماس، ابتسم «مصباح» وقال: إن الجو رائع، وهذا يعني أن رحلتنا سوف تكون طيبة.
أضاف «قيس»: ونرجو أن يكون الليل كذلك؛ فليس المهم هو الجزيرة الأولى؛ إن المهم هو جزيرة «شون كوماكي».
غير أن «أحمد» كان يفكر بطريقة أخرى؛ فبعد أن ارتفعَت الطائرة، وأخذَت مسارها في الفضاء … ترك «أحمد» عجلة القيادة إلى «خالد»، وجلس في الخلف ينظر إلى جسم الطائرة من الأمام … كان يفكر: هل يجب أن نعود؟ إن هبوط الطائرة في الجزيرة الأولى سوف يكشفنا، إلا إذا لعبت الصدفةُ دورَها، وكان في صالحنا.
نظر له «فهد» وقال: إن تعبيرات وجهك تقول إننا سوف نواجه مشكلة صعبة!
اصطنع «أحمد» ابتسامةً، وقال: لقد نسينا أن ضوء الشمس يمكن أن يكشفنا تمامًا … إن نظرة على جسم الطائرة يمكن أن تكشف الخطأ القاتل الذي وقعنا فيه.
التفتَ الشياطين إليه في دهشة، وقال «قيس»: خطأ قاتل؟!
ردَّ «فهد»، وكان قد ألقى نظرةً على ذيل الطائرة الذي كانت أشعة الشمس تنعكس فوقه فيلمع بشدة: نعم، إنه خطأٌ قاتل!
ثم أضاف بسرعة: إن أيَّ فرد يمرُّ فوق الجزيرة يمكن أن يكشف الطائرة …
صمت الشياطين دقائق … كانت فعلًا مشكلةً صعبة، فإن رصدهم يعني أنهم سوف يقعون في أيدي رجال العصابة، وببساطة قال «فهد» ليقطع حالة الصمت التي خيَّمت عليهم: أنا لديَّ اقتراح.
التفتوا إليه، فقال: أن نطيرَ فوق سطح المحيط مباشرة؛ فإن الطيران المنخفض لا يمكن رصده … هذه واحدة، وانعكاس الشمس على سطح الموج يمكن أن يعطيَ نفسَ الانطباع … على الأقل يعطي نوعًا من الشك!
قال «مصباح»: إنها فكرة طيبة.
وأضاف «أحمد»: هذه حقيقة.
صمتَ لحظة ثم أضاف: إن ذلك يحتاج إلى منتهى الحذر، حتى لا نغرقَ!
بدأ «خالد» يهبط بالطائرة بسرعة حتى أصبح فوق سطح الماء، لكن فجأة انتهَت المشكلة؛ فقد دخلوا منطقة تكثر فيها السحب، وبدأت الشمس تختفي، فضحك «خالد» وقال: إنَّ السماء حلَّت المشكلة.
ردَّ «مصباح»: أخشى ألَّا تبكي فتغرقنا بدموعها!
نظر «أحمد» إلى السُّحب التي أخذَت تتكاثر، ثم قال: إنها سُحُب خفيفة، لا تحمل أمطارًا ثقيلة يمكن أن تُغرقَنا، وإذا حدث وأمطرت فسوف يكون الرذاذُ خفيفًا، يعطينا فرصة الاستمرار.
ولم يكَد ينتهي من كلماته، حتى كان الرذاذ قد بدأ يتساقط … كان رذاذًا خفيفًا فعلًا، وكان حدوث سقوطه فوق جسم الطائرة لا يكاد يُسمَع.
فقال «مصباح»: نرجو ألَّا تزدادَ كثافة المطر!
قال «أحمد»: أظن أننا سوف نَصِل قبل أن يحدثَ ذلك!
كانت الطائرة تندفع بسرعة، ولم يمضِ وقتٌ طويل حتى كانت سرعةُ الرياح قد ازدادَت، وكانت تهبُّ في اتجاه الجزيرة، حتى إن «خالد» قال: إن الرياح تُساعدنا تمامًا الآن، وسوف نَصِل إلى الجزيرة في زمن قياسي.
أخرج «أحمد» خريطةً صغيرة، ثم بسطَها على رجلَيه، وأخذ يحدِّد المكان الذي سوف يهبطون فيه، قال بعد لحظة: إن نقطة الهبوط هي تقاطع خطَّي «ع، ل»، فهذه منطقة متوسطة، بجوار أنها سهلة تمامًا.
مرَّت ساعة … كان المطر لا يزال يتساقط خفيفًا. في نفس الوقت لم تكن أشعة الشمس تمثِّل مشكلة بالنسبة لهم، فجأة قال «خالد»: أعتقد أننا اجتزنا الرحلة بنجاح!
سأل «أحمد» بسرعة: كيف؟
قال «خالد»: إنني أرى كتلة سوداء في قلب المحيط!
وجَّه الشياطين أنظارَهم إلى حيث ينظر «خالد»، ثم قال «قيس»: مَن يدري، لعله حوت عائم؟
وأضاف «فهد»: أو إحدى البواخر؟
غير أنَّ «خالد» قال: لا أظن، إن امتدادَها يجعلني أؤكد أنها جزيرة.
أسرع «أحمد» إلى الخريطة، ثم أخرج جهازًا دقيقًا، وأجرى عدة حسابات، ثم قال: يبدو أنها الجزيرة فعلًا!
نظر في ساعة يده، ثم أضاف: لقد انطلقنا في الساعة العاشرة تمامًا، وهذا يعني حسب الأرقام التي أمامي أننا نقترب من الجزيرة فعلًا.
شعر الشياطين بالسعادة؛ فها هم أخيرًا سوف يخوضون معركة، إذا حالفهم الحظُّ كان سطح المحيط هادئًا، إلا من أمواج صغيرة تنكسر، وكانت معالم الأشياء تبدو واضحة؛ فضوء النهار كان قويًّا، برغم السحب الخفيفة الرمادية اللون، أخذت معالم الكتلة السوداء تظهر أكثر فأكثر، فقال «خالد»: إنها الجزيرة، ما لم نكن قد ذهبنا إلى جزيرة أخرى.
نظر «أحمد» في بوصلة الطائرة، ثم قال: إن البوصلة تقول إننا في الاتجاه الصحيح … أخذت الطائرة تقترب أكثر فأكثر، وأخذت الجزيرة تظهر أكثر فأكثر أيضًا، حتى أصبحت واضحة تمامًا. قال «خالد»: إنني أفكر في الهبوط على الساحل.
قال «أحمد» بسرعة: إن ذلك سوف يخلق أمامنا مشكلة؛ فكيف نطير مرة أخرى … خصوصًا وأننا يجب أن نطير في الليل؟!
انتظر لحظةً ثم قال: سوف نهبط في النقطة التي حدَّدَتها الخريطة، وأعتقد أن نقطة الحراسة لن تكون في وسطها، وسوف تكون في أطرافها.
ثم تحرَّك فجأة وقال ﻟ «خالد»: أعطني مكانك الآن، إن هبوطنا سوف يحتاج إلى مناورةٍ ما.
أخذ «أحمد» مكان «خالد»، وعندما أمسك بالقيادة غيَّر مسارَ الطائرة، وانحرف يسارًا، قبل الوصول إلى الجزيرة سأل «خالد»: لماذا غيَّرت الاتجاه؟!
رد «أحمد»: أعتقد أن نقطة الحراسة سوف تكون في الاتجاهَين المتقابلَين؛ الاتجاه المقابل لنا، والاتجاه المقابل لجزيرة «شون كوماكي».
كان الانحراف للطائرة حادًّا واستغرق بعض الوقت، ثم فجأة، عاد مرة أخرى إلى الاتجاه الأول … كانت الطائرة الآن في مواجهة جانب الجزيرة الأيسر … ظل يقترب حتى أصبحت الجزيرة تحت أقدامهم تمامًا، ومن حسن الحظ أن الاتجاه الذي اختاره «أحمد» كان هو الاتجاه المناسب، فلم تكن هناك أية ارتفاعات جبلية … بل كان هناك جبلان متقابلان … مرَّ «أحمد» من بينهما في بساطة، ثم فجأةً رأى سهلًا واسعًا، فابتسم قائلًا: هذه هي النقطة التي حددتها الحسابات، والتي تتقاطع منها النقطتان «ع، ل». وفي براعةٍ، نزل بالطائرة … مسَّتْ عجلاتها الأرض في هدوء، وجرت قليلًا، ثم توقَّفَت، قال «فهد»: إنك قائد ماهر فعلًا، إنني لم أشعر باصطدام العجل بالأرض!
وبسرعة، كان الشياطين يغادرون الطائرة، وعندما تجمَّعوا بجوارها قال «أحمد»: ينبغي الآن أن نرصد المكان.
تحرَّكوا إلى مرتفع قريب، ثم أخذوا يمسحون المكان بعيونهم، فجأة قال «خالد»: أرى هناك حركة ما.
وأشار إلى اتجاه … أخرج «أحمد» نظارته المكبرة، ثم رفعها إلى عينَيه ورصدَ الاتجاه … مرَّت لحظة قبل أن يقول: إن هناك معسكرًا!
تساءل «فهد»: هل نحن في حاجة إلى الاشتباك معه؟!
رد «أحمد»: لا.
لكن فجأة، كان «قيس» يقول: انتبهوا!
كان «قيس» يراقب الاتجاه الخلفي للشياطين، وعندما التفتوا كانت مجموعة من الرجال تهبط مرتفَعًا آخر قريبًا منهم … فجأة، دوَّت طلقةُ رصاص في الفراغ، فكان لها دويٌّ هائل تردَّد صداه، إلا أن الشياطين كانوا يتوقعون ذلك؛ فقد انبطحوا على الأرض … في نفس اللحظة كانوا يقفزون إلى الجانب الآخر من المرتفع.
قال «خالد»: إنها معركة مفاجئة!
فردَّ «مصباح»: الشياطين دائمًا جاهزون، ولا يفاجئهم شيء!
وبسرعة، أخرج عددًا هائلًا من كرات الغاز، وانتظر … كان عليه أن ينتظر لحظة وصولهم … بإحساسه، ثم فجأة قذف بمجموعة الكرات الشفافة؛ ولم تمرَّ لحظة حتى جاءت أصوات الرجال … كانوا يسعلون بشدة.
فقال «مصباح»: هذه فرصتنا!
قفز الشياطين بسرعة … كان الرجال في حالة لا تحتاج إلى صراع؛ فقد أثَّر فيهم الغاز. اقترب الشياطين منهم، لكن فجأة كانت ضربةٌ قوية تأخذ طريقَها إلى «خالد» الذي لم يكن يتوقعها. طار «خالد» في الهواء، وسقط بعيدًا، لكن «فهد» كان قد قفز بسرعة إلى حيث الرجل الذي ضرب «خالد» ووجَّه إليه ضربةً عنيفة أطاحَت به، إلا أن الرجل كان يبدو مدرَّبًا تمامًا؛ فقد أمسك بقدم «مصباح» فأوقع به إلى الأرض. فجأة كانت هناك معركة حقيقية؛ فبرغم قوة الغاز إلا أن الرجال كانوا أشداء فعلًا، بجوار أن سرعة الرياح وخلاء المكان كانَا يساعدان على عدم تأثير الغاز تأثيرًا كاملًا … طار «أحمد» في الهواء، وضرب اثنين من الرجال معًا … فسقطَا بعيدًا … في نفس الوقت كان «مصباح» قد اعتدل بسرعة وأمسك بالرجل، ثم جذبه، وفي نفس اللحظة كانت ضربة قوية تأخذ طريقها إلى الرجل، فسقط بلا حَراك.
أمَّا «خالد» فكان قد أمسك بأحدهم، ثم طوَّح به في الهواء، وعندما سقط وقع فوق صخرة كبيرة تحته، ولم يتحرك.
مضَت نصفُ ساعة كان الجميع قد أجهدهم الصراعُ، وأصبح السهل مغطًّى بهم جميعًا … حتى الشياطين مرَّت دقائق، ثم قام «أحمد» وأخذ الشياطين يقفون الواحد بعد الآخر. أمَّا الرجال، فلم يقم منهم أحدٌ، كانت معركة رهيبة، حتى إن «خالد» قال: هذه أول معركة في حياتي أشعر فيها بالإجهاد الشديد!
نظر «أحمد» إلى الرجال الملقَين على الأرض، وقال: ينبغي أن نفتشهم؛ فقد نجد معهم ما نحتاج إليه.
وبسرعة أخذ الشياطين يفتشون الرجال، وجدوا معهم أشياء كثيرة، لم يكونوا يحتاجونها؛ لكن فجأة صاح «مصباح»: هذه مفاجأة مذهلة!
انضمَّ بقيةُ الشياطين إليه، وعندما رآها «أحمد» هتف: ربما تكون هذه المفاجأة هي مفتاح النجاح للمغامرة كلها.
صمتَ لحظة ثم قال: من أجلها جئنا إلى هنا بحثًا عن المفتاح.