الجَرَس١
في أحلامي، أحلامي الطيِّبة، «ماري آيريس ماك كورماك» — التي أُسميها اختصارًا «ميم» — دائمًا ما تمارسُ الشقلبة، تقف على يدَيها، ركبتاها مثنيَّتان، وقدماها مزروعتان بثبات صوب حائط الملعب ذي الطوب الأحمر. تنورة زيِّها المدرسي تتدلى مثل جرسٍ ناعم أخضر اللون حول مطرقة الناقوس نصف المختفي: رأسها، وحين تُدير رأسها لتواجهني، أرى عينين غريبتين ذكيتين مقلوبتَين ترمُقانني من أسفل الأهداب المقلوبة. تنظر بعيدًا، وبحركة خاطفة من شعرها الأشقر تكنس غبار الأسفلت فيتحرك في دوامات.
حالِمًا، نصفَ واعٍ بالحقيقة، أتساءل كم من الوقت مضى منذ تلك الظهيرة الحارة الزرقاء–الصفراء، داخل خيمة شقيقتها في تلك البلدة الصغيرة. تسعة وثلاثون عامًا؟ أربعون؟ هل يُمكن أن يكون ذلك حقيقيًّا؟ هل مضى بالفعل كلُّ ذلك الزمن الطويل منذ أن تركتني وانتقلتْ إلى المدينة، إلى حيث الأضواء البراقة، لندن؟
أسمع جلجلةَ عاليةَ النبرة لضحكةٍ صادرة من باطن الناقوس، وفي ظلمة البقعة المحرَّمة — ذاك المكان الذي ليس لعينيَّ عملٌ شرعيٌّ فيه — أبصرُ قطعة ملابسها الداخلية داكنة الزرقة.
ثلاث مراتٍ في الأسبوع الماضي أصحو عند هذه النقطة من الحُلم، وأنظر صوب بحيرة النور حيث تَجلِس ممرِّضات الليل. أعرف إحداهن جيدًا؛ الممرضة «ماري أوكانُر»، ذات الشعر الأحمر واللكنة الأيرلندية المحبَّبة. أبوها كان ساعي البريد الخاص بي، يتسلَّم رسائلي، يجمع ردودي، يجلب لي الصحيفة الجافة والإحباطات. أخبار المدينة الضخمة، المدينة التي هي أضخم مما يَحتمِل ولد مثلي من بلدة «فريستون» الصغيرة.
آه يا «ميم».
حين تتحرك الممرضة «ماري أوكانُر» على هذا النحو الواثق، وتضحك بتلك الطريقة، تذكرني بكِ.
أحب أن أتخيَّلها واقفةً، تتثاءب، تُفكِّك نفسها من مركزِها ومن بحيرتها النورانية الساطعة الصغيرة. أحب أن أتصوَّرها وهي مقلوبة، تمشي على يديها صامتةً عبر جناح النوم، ثوبها الأبيض الهش أضيق من أن يصنع شكل الناقوس، غير أن قبَّعتها الجادَّة ستسقط، ويَتماوج شعرها الأحمر على الأرض حرًّا طليقًا.
أراها تقف عند سريري، تَبتسِم ابتسامة واسعة، تستديرُ ببطء، ثم تعود أدراجها إلى طاولتها. نعم. حتى من دون جرس، حتى من دون أن ألمح قطعة ملابسها الداخلية داكنة الزرقة، سوف يظلُّ ذلك شيئًا جديرًا بالاستيقاظ من أجله.
أغمض عينيَّ وأفكر فيكِ يا «ميم»، ما زلت تمارسين الشقلبة في أحلامي، ما زلت ترينني قطعة ملابسك الداخلية، ما زلت تُسبِّبين لي المتاعبَ … بعد كلِّ تلك السنوات.