النبتة الصغيرة١
إنه الصباحُ الباكر، صباحُ عيد ميلاد «سايمون» الحادي عشر، وها هو يحلم ﺑ «كانوني» ثانيةً، يحلم بالعالم الغريب الذي يُشاركها فيه أحيانًا. ولو أن هذا المرة مختلفة. فهو أبدًا لم يرَها من قبل بمثل هذا الوضوح، لم يكن يقظًا وواعيًا بالفروق بين عالَمها وعالَمه قبل الآن. تغمره مشاهدُ أفريقيا وأصواتُها وروائحُها.
«كانوني» تَمتطي فرعَ شجرةٍ تُحلِّق في الهواء على بعد متريْن فوق فراش «سايمون»، تتدلى ساقاها الطويلتان، وقدماها الحافيتان تتأرجحان بالقرب من وجهه. ثمة جرحٌ في الجانب الأسفل من أحد أصابع قدميها، وكان بوسعه أن يرى كعبيْ قدميها العاريتيْن بشقوقهما السميكة وبشرتهما الغليظة.
خارج شرفة حجرة نومه، تزأر حركة المرور في لندن تحت الغيوم الرماديَّة. ثمة كلبٌ ينبح. ومن بعيد يصرخ جهازُ إنذار إحدى السيارات.
قالت كانوني: «مرحبًا أيها النبتة الصغيرة، عيد ميلاد سعيد!»
يبصر «سايمون» شفتيها تتحرَّكان، ويسمع كلامها داخل رأسه، لكنه يعلم أن صوتها لم يدخله بالطريقة المألوفة. «كانوني» تتكلَّم لغتها الخاصة، فمُها يتشكَّل على نحوٍ غريب، يأخذ أشكالًا مُتحرِّكة، غير أن الكلمات التي يسمعها كانت دائمًا كلمات إنجليزية.
قال لها: «شكرًا لكِ يا كانوني.»
يتكلَّم بهدوء لأن نومَ أبوَيه خفيف وهو لا يُريد أن يَسمعاه يُكلِّم نفسه ثانيةً. ليس بعد الذي أجبراه على فعله في المرَّة الأخيرة.
ابتسمت «كانوني» ابتسامة عريضة، فظهرت أسنانها مثل صدمة بيضاء داخل الإهليليجِ المُظلِم من وجهها.
قالت، وهي تهبط للأسفل: «تعال.»
يدفع لحافَه بعيدًا، يأخذ بيدها، وبقفزة واحدة يسيرة يلحق بها فوق غُصنها الإفريقيِّ، قشرة الشجرة خشنةً تحت فخذَيه النحيلتَين. يُبصِر في الأسفل الطريق الجافة القاحلة التي تصل بين الشجرة وبين القرية، ويرى الشمس، كرةً برتقالية ضخمة، تصعد فوق مجموعة من الأكواخ الصغيرة المتربة. السماء في الأعلى مثل صحنٍ مقلوب من الأزرق والذهبيِّ.
إذا ما أدار رأسه قليلًا، سيظلُّ بوسعه أن يرى غرفة نومه، والملصقات على حوائطها، وتليفزيونه، وحاسوبه.
توقَّف إنذار السيارة، في حين يَظلُّ الكلبُ ينبح.
بينما يشعر باتِّزانه واستقراره فوق نقطة التقاء عالميْن قال: «هذا عجيب!»
تقول كوناني: «نحن فوق صهوة حصان، منطلقين صوب «مومباسا». حصانٌ خشبيٌّ على شكل شجرة.»
تضحك، ومعًا يشاهدان فجر يومٍ إفريقيٍّ جديد.
فجأةً يَنتبه «سايمون» إلى بيجامته التي على شكل «الرجل العنكبوت». كيف يبدو شكلُه الآن، وهو يَمتطي هذه الشجرة؟ يبتسم ابتسامة عريضة.
تقول كانوني: «انحني قليلًا إلى الخلف، أيها النبتة الصغيرة.»
يفعل ذلك، فتُطوِّقه بذراعَيها. يشعر بدفء جسدها، يستنشق الرائحة الطيبة لبشرتها، ويشعر بالأمان. يشعر بالانتماء.
تقول «كانوني» فيما تقرأ أفكاره: «بالتأكيد أنت تنتمي … كلانا منتميان سويًّا. أنتَ وأنا. بذرتي تنمو داخلك، بذرتك تنمو داخلي.»
يضع «سايمون» يده في يدها. تتلمَّسُ الكدمات الزرقاء، والخطوط الحمراء الغاضبة على معصمه. تمسح عليها بإصبعها.
تهمسُ وهي تُقبِّل أذنه: «والدك؟»
يومئ «سايمون» برأسه موافقًا.
تتنهد «كانوني». يستطيع أن يُخمن أنها تنظر الآن في أرجاء غرفة نومه.
تقول كانوني: «أنتَ تملك الكثيرَ جدًّا، ورغم ذلك أنتَ تملك القليل جدًّا.»
ينظر «سايمون» إلى القرية المغبرة، يرى والد «كانوني» يبرزُ فجأةً من أحد الأكواخ. يقف في مدخل الباب، مُلوِّحًا في الضوء الذهبيِّ.
يقول سايمون: «أنتِ تملكين القليلَ جدًّا، ومع هذا أنتِ تملكين الكثير جدًّا.»
تُعانقه «كانوني».
«اليوم عيد ميلادك أيتها النبتةُ الصغيرة. أنت كبير بما يكفي. لدي الكثير مما يجب أن أخبرك به.»
لفترة من الوقت يجلسان سويًّا في الشمس المشرقة، يتكلَّمان عن نفسَيهما، وعن النبتات الصغيرة الأخرى.
يتكلمان عن كيف سيجعلان كلَّ شيء في العالم يتغير.