ماذا يريد «سادة العالم»؟
كان الشياطين حول حمام السباحة الكبير في المقر السري يؤدُّون تمريناتِ الغطس، عندما أعلن المدرب الخاص أن مسابقةً سوف تُقام بين الشياطين الآن لمعرفة أيهم قد حقق الأرقام المطلوبة. حدَّد المدرب ترتيب الشياطين ليستعد كلٌّ منهم إلى مكان القفز، فوقف «عثمان» في البداية، ثم «هدى»، ثم «إلهام»، ثم «بو عمير»، ثم جاءت بقية الأسماء … وكان «أحمد» قبل الأخير مباشرة، أما الأخير فكان «باسم».
تقدَّم «عثمان» إلى مكان القفز، في نفس الوقت الذي كان الشياطين يرقبون خطواتِه النشيطة … وقف عند النقطة المحددة، واستعد في انتظار إشارة المدرب، مرَّت نصفُ دقيقة، ثم رفع المدرب يدَه، انحنى «عثمان» ثم شدَّ عضلاته وانطلق يجري عدة خطوات، ثم طار في الهواء فاتحًا ذراعَيه، وكأنه عصفور. وعندما أخذ طريقَه إلى الماء، دار حول نفسه دورتين، ثم بسط جسده الرشيق، وكأنه السيف، وشقَّ سطح الماء إلى العمق. كان جسده يبدو واضحًا تحت سطح الماء الشفاف، وظلَّ يشقُّه في طريقه إلى القاع، بينما كان المدرب يحسب الزمن، وعندما بدأ يشقُّ طريقَه إلى السطح كانت «هدى» تأخذ طريقَها إلى مكان القفز. ظهر «عثمان» على سطح الماء، ثم أخذ يسبح حتى خرج من الحمام. كانت قفزتُه قد حازت إعجاب الشياطين، فصفَّقوا له.
نظرت «هدى» إلى المدرب، في انتظار إشارته. وعندما أعطاها الإشارة، انطلقت تقطع الخطوات القليلة، ثم طارت في الهواء وقد تكوَّرت حول نفسها، وأخذت تدور في الهواء، وكأنها كرة. وعندما اقتربت من سطح الماء، بسطت جسدها ثم شقَّته إلى القاع، في نفس اللحظة دوَّى صوتٌ متقطع جعل الشياطين ينظرون إلى بعضهم، ثم إلى المدرب الذي وقف يُعلن انتهاء تدريب اليوم.
لم يكن الصوت المتقطع يعني نهايةَ التدريب، لكنه كان يعني أن رقم «صفر» يدعو الشياطين إلى اجتماع عاجل. وعندما كان الشياطين يستعدون للانصراف، كانت «هدى» قد خرجَت من الماء، وهي تنظر إليهم في دهشة، فلم تكن تعرف حتى هذه اللحظة ماذا حدث، لكنها بسرعة أخذت طريقَها في أعقابهم؛ فقد فهمت أن هناك شيئًا ما.
دخل الشياطين حجراتهم فأبدلوا ثيابهم، ولم تمضِ ربع ساعة، حتى كانوا يأخذون طريقَهم إلى قاعة الاجتماعات. في الطريق سألت «هدى»: ماذا هناك؟
قالت «إلهام» التي كانت قريبةً منها: إنه اجتماع سريع!
ظهرت الفرحة على وجه «هدى»، فلم تكن قد اشتركت في مغامرة منذ مدة، وهمست: لعلني أكون بين فريق المغامرة هذه المرة!
دخلوا الواحد بعد الآخر وأخذوا أماكنهم. كان «عثمان» يجلس في مكانه المعتاد بالقرب من «أحمد»، فابتسم قائلًا: كنت أنوي أن أفوز عليك هذه المرة!
قال «أحمد»: لا بأس، سوف نقفز مرةً أخرى، عندما نعود!
مرت لحظاتٌ، ثم أُضِيئت الخريطة الإليكترونية، غير أنه لم تكن هناك تفاصيل، لحظات ثم بدأت التفاصيل: المحيط الهادي، جزر اليابان، الصين، روسيا، كوريا. فجأةً، خرج سهم أحمر من بين مياه المحيط، ثم دار يرسم دائرة كاملة، وتحدد المكان بخط عرض ٢٤ درجة، وخط طول ١٤٠ درجة. في نفس الوقت، وداخل الدائرة ظهرت مجموعة من الجزر الصغيرة، ثم ظهر اسمها مجموعة جزر «كازان».
كان الشياطين يتابعون تفاصيل الخريطة التي تظهر واحدةً وراء واحدة، في نفس الوقت كانوا يفكرون في نوع المغامرة ومكانها بالتحديد، هل هو داخل واحدة من هذه الدول؟ أو أنه المحيط الهادي نفسه؟ أو أنه مجموعة جزر «كازان»؟
فجأة ظهرت طائرةٌ بلون أحمر، تأخذ طريقها فوق الخريطة، وهي تقطع الصين، متجهةً إلى بحر الصين الشرقي، ثم تتجاوز مجموعة جزر «ريوكيو»، لتدخل منطقة المحيط الهادي … وعند مجموعة جرز «كازان»، تتوقف ثم تختفي.
فكَّر الشياطين: ماذا تعني هذه الطائرة؟ وماذا يعني خط سيرها؟ ولماذا اختفت؟ هل سقطت فوق المحيط؟ أم أنها سقطت فوق مجموعة الجزر؟
غير أن خطوات رقم «صفر» أوقفَت تفكيرهم؛ فقد اتجهت عيونُهم إلى مصدر الصوت، وتعلَّقت به، فبعد دقائق تأتيهم إجاباتُ كلِّ الأسئلة التي دارت في أذهانهم. توقَّفَت خطوات رقم «صفر»، ثم جاء صوتُه يُحيِّيهم. توقَّف لحظةً ثم قال: أنتم طبعًا فكَّرتم في التفاصيل التي ظهرت أمامكم على الخريطة، وحتى لا يتوه بكم التفكير، نحن أمام سباقٍ مع الزمن. إن المنتصر في هذه المغامرة هو الذي يستغلُّ كلَّ لحظةٍ.
صمت قليلًا ثم أخذ يقلب مجموعةً من الأوراق أمامه، كان صوتها يصل إلى سَمْع الشياطين. أخيرًا قال: إن عدة تقارير جاءتنا من عملائنا في الصين، واليابان، وكوريا، هذه التقارير تقول: إن شخصية هامة كانت تستقلُّ طائرةً تقطع بها المحيط الهادي، في طريقها إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وعندما تجاوزت الطائرة منطقة بحر الصين الشمالي، واقتربت من جزر «كازان»، انفجرت في الفضاء، وتناثرت في هذه المنطقة، واختفى طبعًا كلُّ مَن فيها. إن الطائرة خرجت من الصين في طريقها إلى أمريكا، لكنها لم تَصِل لأنها انفجرت.
سكت قليلًا، ثم أضاف: إن التقارير تقول أيضًا إن الطائرة لم تتعرض لأيِّ قصفٍ مدفعيٍّ أو صاروخي؛ فقبل أن تبدأ رحلتها كانت قد أخذت تصاريحَ بمرورها فوق الدول. وهذه قاعدة دولية، أي أن الطائرة لم تنفجر نتيجة مدفعية مضادة للطائرات، أو نتيجة طائرات مقاتلة أغارت عليها وأسقطَتها. إن الطائرة انفجرت نتيجة وجود قنبلة زمنية وُضعت فيها، وهذا هو الاحتمال الوحيد.
مرة أخرى صمت رقم «صفر». كان يقلب الأوراق التي أمامه، بينما كان الشياطين يركزون انتباههم لكلمات الزعيم، فهو عندما ينتهي منها سيكونون في الطريق إلى المغامرة، ما دامت المسألة مسألة زمن.
قال رقم «صفر»: إن انفجار الطائرة، سوف يؤدي إلى أزمة دولية، وقد يصل الأمر إلى صدامٍ بين القوتين الأعظم، فأنتم تعرفون الخلافات القائمة بين الصين وروسيا، وتعرفون أيضًا الاتفاقيات الأخيرة التي عُقدت بين أمريكا والصين، أي أن هناك جهةً ما لها مصلحة في قيام صدام بين القوتَين الأعظم.
نظر الشياطين إلى بعضهم عندما توقَّف رقم «صفر» عن الكلام، فهم يعرفون أن عصابة مثل «سادة العالم» يمكن أن تقوم بمثل هذا العمل، خصوصًا وأنها عصابةٌ ضخمة، لها فروع في شتى بقاع العالم. وعندما يحدث صدام بين القوتين الكبيرتين فإن عصابة «سادة العالم» سوف تجد متَّسعًا لتحقيق حلمها في حكم العالم.
قطع تفكيرَ الشياطين صوتُ رقم «صفر» يقول: إن الاتهامات متبادلة الآن بين القوتين الكبيرتين، فكل دولةٍ منهما تتهم الأخرى بأنها خلف انفجار الطائرة. روسيا، تقول إن اقتراب الصين وروسيا سوف يهدد أمريكا، وهي عندما تصنع مثل هذه الأزمة فإنها تقطع أيَّ محاولة يمكن أن تتم للاقتراب بين روسيا والصين، خصوصًا وأن محاولاتٍ كانت قد بدأت فعلًا، وأمريكا تقول: إن روسيا خلف انفجار الطائرة، حتى تنسف العلاقات الجديدة التي بدأت فعلًا بين أمريكا والصين. هذه الاتهامات المتبادلة بين الدولتين يمكن أن تؤديَ إلى صدامٍ حقيقي، لا يعرف أحدٌ مداه، وإن كان المتصور فعلًا أنه سيكون صدامًا محدودًا إذا وقع؛ لأن الصدام النووي بينهما مستحيل؛ لأنه يعني نهاية العالم وفناءه!
صمت رقم «صفر»، كان الشياطين يفكرون فيما يجب أن يفعلوه؛ فمثل هذه الأزمة يمكن أن تؤديَ بالبشرية إلى نقطة النهاية، وأن القوتين الأعظم لا يمكن أن تفكِّر أيٌّ منهما في خلق مثل هذا الموقف، وأن «سادة العالم» هم الذين يقفون خلف الحادثة.
فجأةً قال رقم «صفر»: «الصندوق الأسود» … ثم سكت.
نظر الشياطين إلى بعضهم، في نفس الوقت الذي ابتسم فيه «أحمد» لأنه فهم ماذا يقصد رقم «صفر».
لم تَطُل فترةُ صمتِ رقم «صفر»؛ فقد قال: إن ابتسامة «أحمد» تعني أنه فهم ما أريد أن أقول!
التفت الشياطين إلى «أحمد»، الذي قابلهم بابتسامة عريضة، فقال رقم «صفر»: إن «الصندوق الأسود» هو مغامرتنا الآن، إن العثور عليه يعني انتهاء هذه الأزمة، وتحديد فاعلها المؤكد، وهذا الصندوق …
توقَّف قليلًا؛ فقد ابتسم الشياطين بعد أن فهموا ماذا يعني رقم «صفر»، الذي قال: ها أنتم قد عرفتم أن «الصندوق الأسود» تُسجَّل عليه كلُّ المكالمات المتبادلة بين الطائرة وبين المطارات أو الدول التي تمرُّ عليها، وهذا الصندوق ضد الاحتراق وضد الماء، فهو مصنوع بطريقة خاصة، والمؤكد أن الفاعل الأصلي في هذه الجريمة سوف يحاول الحصول عليه، ولهذا أقول لكم إن المسألة مسألة زمن. إن «سادة العالم» سوف يحاولون الوصول للصندوق الأسود، لأنه سوف يكشفهم، وإذا اختفى الصندوق نهائيًّا فسوف تظل الاتهامات بين الدولتين متبادلةً، وسوف يظلُّ احتمال الصدام قائمًا.
سكت قليلًا، ثم أضاف: إن الوصول إلى «الصندوق الأسود» يعني إنقاذ البشرية، وتفويت الفرصة على عصابة «سادة العالم»، التي انتصرتم عليها في مغامراتٍ سابقة. وحتى لا يضيع الوقت إنني في انتظار أسئلتكم بعد أن عرفتم مكان انفجار الطائرة، ومكان البحث عن الصندوق الهام.
انتظرَ رقم «صفر» قليلًا. كان الشياطين ينظرون إلى بعضهم، ولم تكن هناك أسئلة، فهم يعرفون الآن ما هو مطلوب منهم.
لم يسأل أحدٌ منهم، فقال رقم «صفر»: إن المجموعة المكلَّفة بالمغامرة هي: «أحمد»، و«باسم»، و«خالد»، و«بو عمير»، و«مصباح»، أتمنى لكم التوفيق.
عندما انسحبت خطوات رقم «صفر» مبتعدةً، كانت الخريطة الإليكترونية قد أُطفئَت، فأخذ الشياطين طريقهم للخروج من القاعة استعدادًا للانطلاق.