«جاك بيلي» هل يكون واحدًا منهم؟
هبطت الطائرة في مطار «سيول» عاصمة كوريا الجنوبية، وبسرعةٍ كان الشياطين يأخذون طريقهم إلى الخارج، إنهم لم يضيِّعوا وقتًا كما قال رقم «صفر»، فمَن يعثر على «الصندوق الأسود» يكسب الجولة كلها، والمؤكد كما عرف الشياطين أن أمريكا سوف تبحث عن الصندوق حتى تُبرِّئ نفسها، وكذلك سوف تفعل روسيا، أما «سادة العالم»، فسوف تحاول أن تعثر على الصندوق، حتى يظل الخلاف بين القوتين الأعظم قائمًا، ولذلك فعندما غادر الشياطين المقر السري ركبوا سيارتهم الصاروخية إلى المطار، واستقلوا الطائرة إلى مدينة «سيول»، كأول نقطة تحرُّك في مغامرتهم. وعندما وقفوا على الرصيف الخارجي للمطار كانت هناك سيارة تقف في مكان منعزل، فاتجهوا إليها، أخرج «أحمد» مفتاحًا خاصًّا، وضعه في باب السيارة فانفتح، وعندما أغلق آخر واحد فيهم الباب، جاءهم صوتٌ يُرحِّب بهم، لقد كان صوت عميل رقم «صفر» في كوريا.
قال: إن أماكنكم محجوزةٌ في طائرة الغد إلى مدينة «نجاساكي»، أتمنى لكم مغامرةً موفقة …
انسحب صوت العميل، فابتسم الشياطين، لقد كانت هذه واحدة من أحدث السيارات، انضمت حديثًا إلى العمل، فهي تستطيع الاتصال بالعميل دون جهد، فليس فيها جهاز تليفون … فعندما يُغلَق آخر باب فيها تخرج دائرة لاسلكية منها إلى حيث مقرُّ عميل رقم «صفر»، فيتم الاتصال مباشرةً. أما إذا أراد الشياطين الاتصال فعليهم أن يضغطوا زرًّا في التابلوه، فيتم فتح دائرة الاتصال مع مقر العميل. كان الشياطين يعرفون أين سيقضون الليل … فندق السحاب.
لم يكن أحدٌ منهم يملك رغبةَ الحديث الآن، فقد لزموا جميعًا الصمت، غير أن «أحمد» قال: إن خطةَ تحرُّكِنا سوف تبدأ من مدينة «نجاساكي» اليابانية، والتي تقع في جزيرة «كيوشو»، ومنها سوف يكون انطلاقنا إلى جزر «كازان» بحرًا، فهي تعتبر أقربَ نقطةٍ إلى المكان الذي سقطت فيه الطائرة، وهذه هي منطقة الصراع!
صمت لحظةً، ثم قال: إننا في حاجة إلى هيئة مختلفة نظهر بها؛ لأن المنطقة سوف تكون مزدحمةً بالكثيرين.
لم يردَّ أحدٌ بكلمة، فهم يعرفون كيف يفكِّر «أحمد»، مضت نصفُ ساعةٍ، عندما وصلوا إلى فندق السحاب، حيث وجدوا حجراتهم، لم يفعلوا شيئًا سوى أن اتجهوا إلى أسِرَّتهم، واستغرقوا في النوم، لكنهم لم يناموا طويلًا، فقد ظهر النهار … فتح «أحمد» عينَيه ثم نظر في ساعة يده وابتسم، إن التوقيت مختلف. نظر في ساعة الحائط المعلقة أمامه، ثم أدار عقربَي ساعته، وضبط الساعة على التوقيت الجديد، وقبل أن يقفز من سريره كان بقية الشياطين قد وقفوا أمامه مستعدين للرحيل.
ابتسم «أحمد» قائلًا: كم الساعة الآن؟
ضحك الشياطين، وقال «باسم»: إن أمامنا ساعةً واحدة فقط على إقلاع الطائرة!
ابتسم «أحمد»؛ فقد عرف أن الشياطين يتصرفون التصرف الصحيح، فقد غيَّروا ساعاتهم على التوقيت الجديد. في دقائق، كانوا يغادرون الفندق إلى السيارة التي كانت في جراج الفندق، قفزوا فيها، وعندما أغلق «أحمد» الباب، وكان آخرَ مَن ركب، جاءهم صوتُ عميل رقم «صفر» يحمل لهم تحيةَ الصباح، ويتمنَّى لهم رحلةً موفقة إلى «نجاساكي»، ثم قال في النهاية: إن هناك أخبارًا جديدة في انتظاركم هناك.
شكره «أحمد» بينما كانت السيارة تأخذ طريقها إلى مطار «سيول»، الذي يقع خارج المدينة، كانت لا تزال هناك ربع ساعة، فاتجهوا إلى حيث تقع مكتبة لبيع جرائد اليوم. أخذوا عددًا منها، ثم اتجهوا إلى الصالة الداخلية، وما إن استقروا داخلها حتى جاء صوتُ مذيعةٍ المطار تدعو ركاب الطائرة المتجهة إلى «نجاساكي» … اتجهوا إلى الطائرة. وعندما أخذوا أماكنهم كان صوت انطلاقها يأتيهم، وعندما استقرت في طريقها، استغرقوا في قراءة الجرائد. كان حادث سقوط الطائرة هو مثار اهتمام الجرائد، فقد كانت كلُّ التعليقات تتحدث عن الطريقة الوحشية التي انفجرت بها الطائرة.
جانب آخر اهتمت به الجرائد، هو «الصندوق الأسود». تبادل الشياطين الجرائد دون تعليقات؛ فقد كان بعض الركاب يتحدثون في نفس الموضوع. ألقى «أحمد» نظرةً سريعة على الركاب، فلفت نظرَه أن أحدهم كان يُنصت باهتمامٍ شديد دون أن يشترك في الحديث. فكَّر: هل يمكن أن يكون واحدًا من عصابة «سادة العالم» في طريقه إلى هناك؟ أعاد نظرة سريعة إلى الرجل. كان يريد أن يحفظ ملامحه جيِّدًا؛ فربما التقى به مرةً أخرى. بعد قليل مرَّت مضيفات الطائرة يُقدِّمنَ الطعام والشراب للركاب، فتناول الشياطين طعامهم في هدوء، ولم تكن أحاديثهم أو تعليقاتهم تدور حول الحادث الهام، لقد كانت شيئًا مختلفًا تمامًا. وعندما انتهت الرحلة ونزلوا في مطار «نجاساكي» أخذوا طريقهم بسرعة خارج المطار، حيث وجدوا سيارةً من نفس النوع في انتظارهم.
وما إن أغلقوا أبواب السيارة، حتى جاءهم صوتُ عميل رقم «صفر» في «نجاساكي» يرحب بهم، ثم قال: إن علميات البحث قد بدأت في النقطة «ن» حيث كانت نهاية الطائرة، وفِرَقُ البحث كثيرة. ولا أحد يستطيع أن يعرف مَن الذي يقوم بالبحث، وهذه مسألةٌ شائكة.
كانت السيارة منطلقةً في الطريق إلى عميل رقم «صفر»، الذي أكمل يقول: إن لنشًا صاروخيًّا سيكون في انتظاركم عند النقطة «ق»، وهو مجهَّزٌ بكلِّ شيءٍ. صمت لحظةً ثم قال: إن فندق «السلام» الذي ستنزلون فيه حتى الليل في انتظاركم، وقد اختار رقم «صفر» أن يكون موعد تحرككم في الليل، مع بقاء حجراتكم في الفندق، حتى لا يلفت تحرُّكُكم نظرَ أحدٍ، في النهاية تمنَّى لهم وقتًا طيِّبًا، ومغامرةً موفَّقة. عرف الشياطين أن هذه هي كلُّ الأخبار التي كانت تنتظرهم …
وما إن وصلوا إلى فندق «السلام» حتى أخذوا طريقهم إلى حجراتهم، غير أن «أحمد» لفت نظرَه شيءٌ، لقد رأى الرجل الذي كان في الطائرة يقف عند مكتب استعلامات الفندق، لم يتوقف، فقد اتجه مباشرةً إلى مكتب الاستعلامات، حيث كان الرجل يملأ استمارة الفندق، ألقى نظرةً سريعة على الاستمارة دون أن يلفت النظر، في الوقت الذي سأل فيه موظف الاستعلامات عن الطائرات الداخلية … نظر له الرجل نظرةً سريعة، ثم استمر في ملْء الاستمارة، وقرأ «أحمد» اسم الرجل: «جاك بيلي»، ومدة الإقامة: عشرة أيام، والمهنة: رجل أعمال … شكر موظف الاستعلامات الذي أجاب عن سؤاله ثم انصرف.
اتجه إلى حجرته، حيث وجد الشياطين هناك، فقال لهم: إن «جاك بيلي» شخصية لافتة للنظر!
ظهرت عليهم الدهشة، فسأله «بو عمير»: مَن هو «جاك بيلي» هذا؟
ابتسم «أحمد» وقال: رجل الطائرة!
ومرةً أخرى، ظهرت الدهشة على وجوههم، وسأل «باسم»: أي طائرة؟ ثم فجأة، انفجر في الضحك، وهو يقول: هل اكتشفتَ أحدهم خلال الرحلة؟!
ضحك الشياطين، فشرح لهم «أحمد» ما فكَّر فيه منذ أن رأى الرجل يستمع باهتمام. وفي نهاية حديثه قال: أليست القاعدة أن السفر هو وسيلةٌ لجمع المعلومات؟
سأل «خالد»: وكيف تستفيد من الرجل؟
قال «أحمد»: إنه ينزل في الحجرة رقم «٨٠٣»، وهي تقع في نهاية الممر، وهذا يعطينا فرصةً لمراقبته طوال هذه الساعات، فلعله يكون بداية الخيط!
أخرج «أحمد» جهاز الاستقبال، ثم بدأ يُدير موجاته في حرصٍ، غير أنه لم يستطع التقاطَ شيءٍ، إلا أن ذلك لم يمنعه من تأجيل البحث بعض الوقت.
قال «خالد»: إن أمامنا ساعاتٍ طويلةً حتى ينزل الليل وتأتي ساعة الرحيل، أقترح أن نستفيد من ذلك الوقت. سوف أنزل أنا و«مصباح» إلى كافتيريا الفندق؛ فقد يكون الحظ حليفنا. إن «نجاساكي» هي أقرب نقطة إلى منطقة الصراع الآن، وهذا يعني أن هناك احتمالاتٍ قويةً لمعرفةِ أيِّ شيء!
مرَّت لحظة قبل أن يقول «أحمد»: فكرة طيبة، وسوف أظل هنا لمراقبة صديقنا «جاك بيلي»!
قال «بو عمير»: إذن علينا أنا و«باسم» أن نتجول في أماكن الفندق، المطعم أو غيره؛ فربما نستفيد من جولتنا.
وفي دقائق كان «خالد» و«مصباح» قد انصرفَا، وبعد لحظاتٍ انصرف «بو عمير» و«باسم»، وبقيَ «أحمد» في الحجرة وحده. فكَّر قليلًا، ثم قال: إن حمَّامًا باردًا الآن يمكن أن يجدد نشاطي، فأمامنا ليلٌ طويل، يمكن أن يكون مليئًا بالمصاعب، وهذه فرصة في نفس الوقت هي فرصة أيضًا لأعطيَ لصديقنا «جاك بيلي» بعضَ الوقت، لكنه مع ذلك لم يتحرك مباشرة؛ فقد مدَّ يده إلى الجهاز، وأخذ يُدير مؤشر الموجات، لكنه مع ذلك لم يتوصل إلى شيء. أغلق الجهاز، ثم اتجه إلى الحمام، وعندما فَتَح «الدُّش»، سمع صفارة تصدر عن الجهاز، فعرف أنه يستقبل رسالة، يختزنها في ذاكرته حتى يعود «أحمد» إليه.
انتهى من حمَّامه، فاتجه إلى الجهاز بسرعة، وبدأ في تشغيل الذاكرة، وكانت رسالةً شفرية: «٥ – ١ – ٢٢» وقفة: «٢٤ – ٢٦ – ٥ – ٢٦ – ٨»، انتهت.
وكانت ترجمة الرسالة: جاك موجود.
عرف «أحمد» أن الشياطين يريدون منه أن يوفر وقتَه، فلا يستخدم الجهاز بحثًا عن شيء ما دام «جاك بيلي» يجلس في الكافتيريا.
ارتدى ثيابه بينما كان يفكر: إن «جاك بيلي» بريء إذن مما فكرت فيه. ثم هز رأسه، وهمس لنفسه: خسارة، كنت أتمنى أن يكون بداية شيء! غير أنه فكر مرَّة أخرى: إن المنطقة التي نحن فيها الآن تشهد محاولات كثيرة، من المؤكد أن هناك رسائلَ متبادلةً، سواء بين فِرَق بحث الأمريكيين أو السوفييت، أو عصابة «سادة العالم». وعملية البحث الآن يمكن أن تكون لها نتيجة، خصوصًا وأن الوقت لا يزال ممتدًّا.
جلس إلى الجهاز، ثم بدأ يُدير مؤشر الموجات. فجأة، ارتفعت صفارة خافتة، نظر إلى الجهاز، فكان يستقبل رسالة، قرأها بسرعة: «٥ – ١ – ٢٢» وقفة «١٤ – ١٨ – ٨» وقفة «١ – ٢٣ – ٢٩» وقفة «٦ – ٢ – ١٠ – ٣ – ٢٧» انتهت. وكانت ترجمة الرسالة: «جاك» صعد إلى حجرته. ابتسم قائلًا: هل يلعب الحظ معنا؟ انتظر قليلًا، ثم أدار مؤشر الجهاز، وفجأة، لمعت عيناه، وهو يبتسم ابتسامة عريضة، لقد كانت رسالةً متبادلة بين جهتين.