الرسالة تحدد صيد الحوت الأبيض!
استطاع «أحمد» أن يرصد الرسالة الأولى، حوَّلها على ذاكرة الجهاز، وعندما انتهى انتظر حتى بدأت الرسالة الثانية، فحولها هي الأخرى على ذاكرة الجهاز، وعندما انتهت انتظر قليلًا، لعل هناك رسائل أخرى، لكنه لم يسمع شيئًا، فضغط زرًّا في الجهاز، ثم بدأ يستمع إلى الرسالة الأولى، وكانت رسالةً شفرية. توقَّف كثيرًا أمام مفرداتها، لكنه لم يصل معها إلى نتيجة، استمع إلى الرسالة الثانية، لكنه أيضًا لم يفهم منها شيئًا، كانت مرسلةً بطريقة الشفرة أيضًا، لكنها شفرة مختلفة عن الأولى، قال في نفسه: إنهم يستخدمون شفرتَين في وقت واحد!
فكر قليلًا ثم قال لنفسه: ينبغي إرسال الرسالتَين إلى رقم «صفر» حتى يقومَ قسمُ الشفرة بحلِّ رموزها. وبسرعةٍ بدأ يُرسل الرسالتَين إلى المقر السري، لكنه فجأةً توقَّف، لقد سجَّل الجهاز أن هناك جهةً ما تقوم باستقبال الرسالة. ضغط زرَّ الجهاز فتوقف، فكر قليلًا: إن هناك جهة تسجِّل الرسائل اللاسلكية، وكان يجب أن أفكر في ذلك، فنحن في منطقة مزدحمة بنشاط جهات كثيرة، وكلٌّ منها تريد أن تعرف لأنها كلَّها تشكُّ في بعضها.
فكر «أحمد»؛ ما الذي يمكن أن يفعله الآن وهو يحتاج إلى معرفة الرسالتَين؟ قال في نفسه: يجب أن ينقل أحد الشياطين الرسالتين إلى عميل رقم «صفر» ليقوم هو بإرسالهما إلى المقر السري.
وبسرعة تحرَّك لكنه توقَّف عند الباب، لقد تذكَّر «جاك بيلي»، فعاد بسرعة إلى الجهاز، وبدأ يحرِّك مؤشر الموجات في بطء، لعله يلتقط شيئًا آخر، فجأةً توقَّف الجهاز، وبدأ يسجِّل رسالةً، قال في نفسه: يجب استدعاء أحد الشياطين الآن، وبسرعة!
انتظر حتى انتهت الرسالة التي نقلَتها ذاكرة الجهاز، وظلَّ يرقبه لعله يسجِّل ردًّا عليها، إلا أن الدقائق مرَّت دون تسجيل شيء ما. أسرع يُرسل رسالةً إلى الشياطين لاستدعائهم، ولم تمرَّ دقائق حتى كان «خالد» و«مصباح» يدخلان الحجرة.
سأل «أحمد»: وأين «باسم» و«بو عمير»؟
ردَّ «خالد»: لقد خرجَا في مهمة، ويبدو أن أمامهما صيدًا طيبًا!
قال «أحمد»: لا بأس! وأرجو ألَّا يتورطَا في مغامرةٍ تؤخر رحلتنا إلى جزر «كازان»!
سكت لحظةً ثم بدأ يشرح لهما ما حدث، وما يجب أن يحدث الآن.
وعندما انتهى من كلامه قال «بو عمير»: أقوم أنا بتوصيل الرسالتين إلى عميل رقم «صفر». سكت لحظة ثم أضاف، لكننا لا نعرف مقرَّه هنا!
وقف «أحمد» فجأةً، ثم قال: سوف أقوم أنا بالمهمة، عليكما باستعمال الجهاز؛ فقد تسجِّلَا شيئًا جديدًا، إن أمامنا ثلاث رسائل لا نعرف ماذا فيها. وعندما يأتينا الحلُّ من قسم الشفرة في المقر السري نكون قد خطَونا خطوةً طيبة في مغامرتنا!
وفي لحظة كان خارجًا من الباب، ركب المصعد ونزل، وعندما كان يخطو خارجه شاهد «جاك بيلي»، علَت الدهشةُ وجهَه؛ فقد أخبره الشياطين أن «جاك بيلي» صعد إلى حجرته، فهل يمكن أن يكون قد نزل مرَّة أخرى؟ وهل تكون هناك خدعة ما. فكر بسرعة: هل يعود إلى الشياطين يُخبرهم بمراقبة حجرة «جاك بيلي»، أو يستمر في طريقه إلى الخارج؟ ألقى نظرةً سريعة على «جاك بيلي»، كان الرجل يأخذ طريقه إلى الكافيتريا، قال «أحمد» في نفسه: لا بأس، إن المهمة لن تستغرق دقائق!
أسرع إلى الخارج واتجه إلى السيارة مباشرة، ركبها، وعندما أغلق الباب جاءه صوت عميل رقم «صفر»: لعل هناك مشكلةً ما!
قال «أحمد»: النقطة «ل»!
أدار محرك السيارة، ثم انطلق إلى النقطة التي حددها، وعندما وصل إلى هناك رأى سيارة مشابهةً للسيارة التي يركبها تقف على جانب الطريق، أسرع في اتجاهها حتى توقَّف خلفها تمامًا، نزل وهو يُمسك في يده بمظروف صغير، ثم اتجه إلى سيارة العميل الذي فتح له الباب، دخل «أحمد» بسرعة، ثم أغلقه.
قدَّم المظروف إلى العميل، وهو يقول: هذه ثلاث رسائل شفرية التقطناها، ولا بد من إرسالها إلى الزعيم، مع ملاحظة أن الجهاز قد سجَّل محاولات لالتقاطِ أيِّ رسائل تُرسل عن طريق أجهزة الإرسال!
ابتسم العميل وقال: لا بأس، هذه مسألة سهلة، هل هناك شيءٌ آخر؟
شكره «أحمد»، ونزل من السيارة مباشرة، متجهًا إلى سيارته، فركبها وانطلق عائدًا إلى الفندق، دخل فاتجهت عيناه إلى الكافيتريا باحثًا عن «جاك بيلي»، الذي كان يجلس وهو يحتسي القهوة.
أسرع إلى حجرته فوجد «خالد»، و«مصباح»، سألهما إن كانَا قد سجَّلَا شيئًا.
فأجاب «خالد»: لا شيء حتى الآن!
فكر «أحمد» لحظةً ثم سأل: أريد أن أتأكد من أن «جاك بيلي» لا يزال في حجرته!
ابتسم «مصباح» وقال: مسألة سهلة. وقف وأضاف بعد لحظة: سوف تعرف! أسرع خارجًا من الحجرة.
وعندما اختفى، قال «أحمد»: لقد رأيت «جاك بيلي» في الكافيتريا!
علَت الدهشةُ وجهَ «خالد»، وقال: كيف؟! لقد صعد أمامنا إلى حجرته!
فكر «أحمد» قليلًا ثم قال: يبدو أن هناك خدعة ما!
سأل «خالد»: كيف؟
لم يردَّ «أحمد» مباشرة. فقال «خالد»: شبيهان!
قال «أحمد»: ربما تكون خدعة! سكت لحظة ثم أضاف: لاحِظ أننا في حالة صراع عالمي، وقد يكون «جاك بيلي» أحد رجال العصابة، وقد يكون أمريكيًّا أو روسيًّا.
قال «خالد»: إن اسمه لا يدل على ذلك!
قال «أحمد»: الاسم يمكن تغييره في أي وقت، تمامًا كالأوراق الرسمية المزورة، التي يحملها رجال العصابات والمخابرات!
فجأة دخل «مصباح» مبتسمًا، وهو يقول: إنه في الحجرة!
علَت الدهشةُ وجهَ أحمد و«خالد»، حتى إن «مصباح» تساءل: ماذا هناك؟
قال «أحمد» وكأنه يهمس: إن شبيهًا له يجلس في الكافيتريا الآن!
اتسعت عينَا «مصباح» دهشةً وقال: لا يمكن!
فقال «أحمد»: تستطيع أن تتأكد من ذلك.
في لمح البصر كان «مصباح» قد اختفى. مرت لحظةٌ قبل أن يقول «خالد»: لقد تأخر «باسم» و«بو عمير» ولم يُرسلَا رسالة!
قال «أحمد»: لا بد أنهما فكرَا جيدًا قبل أن يُقدِمَا على خطوة إرسال رسالة؛ لأن أجهزة كثيرة الآن تسجِّل كلَّ ما يمكن أن يحمله الهواء!
صمت الاثنان وانتظرَا عودة «مصباح». كان «أحمد» يفكر: هل هي مصادفة أم أنها خدعة مقصودة؟! لكن لماذا؟
فجأة دخل «مصباح» وهو يكاد يقع من الدهشة، وقال: إن «جاك بيلي» يجلس في الكافيتريا فعلًا، مع أني عدت إلى حجرته مرة أخرى وتأكدت من وجوده!
ظل الثلاثة جالسين في حالة صمت. إن الموقف قد تعقَّد الآن، هل يستمرون في مراقبة «جاك بيلي»؟ وهل «جاك بيلي» له علاقة بمغامرة «الصندوق الأسود»، أم أن هذه مغامرة أخرى؟
مدَّ «أحمد» يدَه إلى جهاز الاستقبال، وأخذ يُدير المؤشر وهو شارد، كان يفكر حتى يتخذ قراره. فجأةً، علَت الدهشةُ وجهَه. إن الموجة التي تستقبل الرسالة موجةٌ غريبة، والرسالة تحمل مفردات شفرة الشياطين! كانت الرسالة: «٢٤ – ٢٥» وقفة «١٣» وقفة «١٣» وقفة «١٢ – ٢٦ – ٢٠٢» وقفة «٢٥ – ٣ – ٥ – ٢٧» وقفة «١ – ٢٣ – ٢٩» وقفة «٢٥ – ٢١ – ١٦–٢٧» وقفة «١ – ٢٣ – ٢٣ – ٢١ – ١ – ١» وقفة «٢٠ – ٢٩» وقفة «١ – ٢٣ – ٢٤ – ٢٦ – ١٨ – ٨» وقفة «١ – ٢٣ – ٢٤ – ٦– ٨ – ٨» وقفة «٢٧ – ٢٥ – ١ – ٢٢» وقفة «١ – ٧ – ٢ – ١ – ١٠» انتهى.
وكانت ترجمة الرسالة: «من ش إلى ش، سوف تتجه إلى نقطة اللقاء في الموعد المحدد، هناك أخبار.»
نقل «أحمد» ترجمةَ الرسالة إلى «خالد»، و«مصباح»، وهو يقول: لقد تصرف «باسم» و«بو عمير» تصرُّفًا ممتازًا، فهذه موجة غريبة، ومن الصعب أن يلتقطها أحد، سكت لحظة ثم أضاف: لا بد أن لديهما أخبارًا هامَّة، وإلا ما أرسلَا هذه الرسالة!
نظر في ساعته، ثم قال: لا بأس، سوف يكون قرارُنا أن نُكملَ مغامرتنا حسب الخطة التي اتفقنا عليها، ولن نجعل وجود «جاك بيلي» في حسابنا؛ لأن هناك احتمالًا ألَّا يكون له أيُّ علاقة ﺑ «الصندوق الأسود!»
قال «خالد»: وقد يكون!
فكر «أحمد» قليلًا، ثم قال: إذن، نطرح القضية للمناقشة!
بدأ «خالد» الكلام فشرح وجهة نظره، وعندما انتهى تحدَّث «مصباح»، وفي النهاية تحدَّث «أحمد»، واتفقوا أخيرًا على أن يراقبوا «جاك بيلي» حتى يحين موعد الرحيل، فإذا لم يتوصلوا إلى شيء شرحوا الموقف لعميل رقم «صفر»، وتركوا له المسألة. كانت المراقبة أن ينزل «خالد» إلى الكافيتريا ليكون قريبًا من «جاك بيلي» الجالس هناك، وتكون مهمة «مصباح» أن يتأكد باستمرار من وجود «جاك بيلي» الآخر في حجرته، أما «أحمد» فمهمته هي البحث عن رسائل من خلال الجهاز.
انصرف «خالد» و«مصباح»، وبقي «أحمد» الذي استغرق في تفكير عميق. إن الأخبار التي يحملها الآن «بو عمير» و«باسم» قد تكون بداية، والرسائل التي أُرسِلَت إلى رقم «صفر» قد تكون البداية أيضًا. «جاك بيلي» قد يكون هو الآخر بداية، ولو تجمعت كلُّ هذه المعلومات تحت أيديهم، فإنهم يكونون قد اختصروا وقتًا طويلًا.
فجأةً أضاء الجهاز، فعرف أن هناك رسالة من العميل، قالت الرسالة كلمة واحدة: «نصف!» نظر في ساعة يده وفكر: يبدو أن قسم الشفرة في المقر السري قد أرسل الرسائل. ابتسم ابتسامة هادئة، ثم أخذ يُدير الجهاز، لكن لم تكن هناك رسائل، مضى الوقت سريعًا حتى جاء موعد العميل، نزل بسرعة فالتقى ﺑ «مصباح» قريبًا من الحجرة، أخبره أنه في الطريق إلى لقاء العميل، أسرع يغادر الفندق، ثم ركب السيارة، وعندما أغلق الباب، جاءه صوتُ عميل رقم «صفر»: نفس المكان!
اتجه إلى نفس المكان، الذي التقيَا فيه، وصل إلى هناك، كانت سيارة العميل هناك، نزل وأسرع إليها، فتح العميل الباب، ثم قدَّم له مظروفًا مغلقًا.
قال «أحمد»: انتظر مهمة قريبة.
ثم انصرف.
ركب السيارة، واتجه إلى الفندق مباشرة، وعندما دخله لم يرَ «خالد»، ألقى نظرة على الكافتيريا، فلم يرَ «جاك بيلي»، أسرع إلى حجرته، وما إن دخلها حتى وجد رسالة، فتحها بسرعة وقرأ، كانت الرسالة من «خالد» و«مصباح»: «خرج «بيلي١» و«بيلي٢»، فتبعناهما، إذا تأخرنا فسوف نلتقي في نقطة اللقاء، في الموعد المحدد!»
ابتسم وهو يقول: لقد خرجوا جميعًا، ولا أدري ماذا يمكن أن يحدث!
فتح المظروف الذي سلَّمه إليه عميل رقم «صفر»، فوجد الرسائل الثلاث. كانت مرتبةً حسب معلوماتها، كانت الرسالة الأولى تقول: «الفوج السياحي يصل غدًا … المهرجان في الجزيرة يستمر حتى النهاية!» ابتسم فقد استطاع أن يحدد بسرعة مصدر هذه الرسالة. قرأ الثانية، وكانت تقول: «لا بد من صيد الحوت الأبيض قبل أن يغيِّر اتجاهه.» ابتسم للمرة الثانية، فقد عرف أيضًا مصدر الرسالة الثانية. أما الثالثة فكانت تقول: «سمَك التونة كثير، ولا بد من تعبئته في عُلَب، حتى نقدِّمَه في الاحتفال!» هذه المرة لم يبتسم «أحمد»، فقد استغرق في ضحكة عالية، لم يستطع أن يكتمها؛ لأن الرسائل الثلاث أكدت كل ما فكر فيه من قبل.