وبدأ صراع الأعماق!
ظل «أحمد» في انتظار رسائل، إلا أنه لم يعثر على شيء، كان الوقت يمرُّ ببطء، وكان ينتظر رسائل من الشياطين، إلا أن أحدًا منهم لم يُرسل شيئًا. وعندما حان وقت الرحيل إلى النقطة «ق»، أسرع يُجمع أشياءَه، ونظر حوله يتطلع المكان حتى يتأكد من أنه لم ينسَ شيئًا. وفي لمح البصر كان يأخذ طريقه إلى خارج الفندق، حيث كانت السيارة، وما إن أغلق الباب حتى جاءه صوت العميل: أتمنى لك رحلةً موفقة، ومغامرةً ناجحة.
ضغط «أحمد» زرًّا في التابلوه، ثم قال: «خمس دقائق!»
لم يردَّ العميل، فاتجه «أحمد» إلى نفس المكان الذي يلتقيان فيه. وعندما وصل إلى هناك كانت سيارة العميل في انتظاره. ما إن وقف خلفها حتى أسرع العميل إليه. فتح «أحمد» الباب فدخل العميل بسرعة، وأغلق الباب خلفه.
قال «أحمد»: إن هناك شخصية قابلتها في الطائرة من «سيول»، إلى «نجاساكي»، ثم نزلت في أوتيل «السلام» حيث نزلنا، وعرفت أن هذه الشخصية اسمها «جاك بيلي». والغريب أننا اكتشفنا شخصية أخرى مطابقةً لها تمامًا، إنهما شبيهان حتى إنك لا تستطيع أن تفرِّق واحدة عن الأخرى، وكلاهما غامض، والزملاء الآن في مراقبتهما، لكننا سوف نضطر إلى الرحيل إلى النقطة «ن» دون أن نتوصل إلى شيء عن أيٍّ من هاتين الشخصيتين.
إن عليكم مراقبة هذه الشخصية المكررة «جاك بيلي»؛ فإما أن يكون له علاقة بمغامرتنا، وإما أن يكون بدايةَ خيطٍ لعملية أخرى.
سكت «أحمد»، فقال العميل: استمروا في رحلتكم، وسوف يكون لي اتصال بالزعيم بشأن هذه الشخصية، فإما أُرسل لكلٍّ، إذا كانت لها علاقةٌ بمغامرة «الصندوق الأسود»، وإما سوف تجدون كل شيءٍ عنها عندما تعودون. أتمنى لكم التوفيق!
نزل العميل بسرعة، وأغلق الباب خلفه، فانطلق «أحمد» بالسيارة إلى النقطة «ق»، حيث يوجد اللنش الصاروخي، وحيث يتجمع الشياطين. كانت النقطة «ق» تقع على بحر الصين الشرقي، وعندما وصل إلى هناك لم يرَ الشياطين، لكن اللنش الصاروخي كان يقف في المكان المحدد. أوقف السيارة ثم نزل، وقفز إلى اللنش، وعندما حدَّق ببصره قليلًا رأى الشياطين يجلسون داخل اللنش، ابتسم ابتسامة هادئة ثم نزل إليهم.
قال «باسم»: سوف أتولَّى القيادة!
ثم أخذ طريقه إلى مكان القيادة.
في نفس الوقت رأى الشياطين إشارة ضوئية من السيارة، فعرفوا أن أحد العاملين مع عميل رقم «صفر» قد وصل ليعود بالسيارة إلى حيث مقرُّ العميل. لحظة ثم انطلق اللنش الصاروخي، إن خطة انطلاقه محددة، فهو سوف يخرج من بحر الصين الشرقي إلى المحيط الهادي، حيث تقع جزر «كازان»، وتقع نقطة «ن»، حيث تدور عمليات البحث. كان اللنش ينطلق هناك بسرعة هائلة.
فكر «أحمد» قليلًا ثم قال: إن سرعة اللنش يمكن أن تكشفنا، ولاحظوا أن المنطقة مليئة بعمليات البحث … إنني أقترح أن ننزل إلى الأعماق.
ردَّ «بو عمير»: إن المسافة كبيرة حتى نصل إلى النقطة «ن»؛ ولهذا ينبغي أن نُسرع حتى نقترب من هناك، وساعتها يمكن أن ننزل!
هزَّ «أحمد» رأسَه موافقًا.
إلا أن «مصباح» قال: ينبغي أن نُقسم أنفسنا إلى مجموعتين تتناوب العمل، فعندما نصل إلى نقطة «ن» سوف نكون في حاجة إلى عمل كثير، ويجب أن نكون على استعداد لذلك!
قسَّم الشياطين أنفسهم إلى مجموعتين فعلًا؛ مجموعة ضمَّت «باسم» و«خالد» معًا، ومجموعة ضمَّت «بو عمير» و«مصباح»، وأصبح «أحمد» حرًّا، يمكن الاستعانة به مع أيٍّ من المجموعتين، غير أن الوقت لم يكن قد تأخر حتى تُسرع المجموعة الخالية من العمل إلى النوم؛ ولهذا فقد كان على «بو عمير» أن يشرح للشياطين المهمة التي خرج لها هو و«باسم»، على أن يقدِّم «خالد» تقريرَه إلى الشياطين عن مهمة مراقبة «جاك بيلي».
سأل «أحمد»: ما هي أخبار المهمة؟
قال «بو عمير»: لقد اشتبهنا في أحد البحارة، دخل فندق «السلام» بسرعة، ثم انحنى على أحد النزلاء، وهمس في أُذُنه بكلام قليل، جعل الرجل يقفز من مكانه ثم يتبعه مباشرة. كانت تصرفات الرجلين تدعو للريبة، ففكرنا أن نتبعه، إن وجود بحار في الموقف يمكن أن يلفت النظر!
صمت قليلًا، بينما كان الشياطين يستمعون إليه. في نفس الوقت كان «باسم» الجالس إلى عجلة القيادة يسمع ما يُقال، حتى إنه أضاف: إن البحار كانت تبدو على وجهه ملامحُ الشر، وكأنه مجرم قديم، حفر الإجرامُ معالمَه على وجهه، وكان يتلفت حوله كثيرًا في شكٍّ، وكأنه يخشى شيئًا ما، وصمت «باسم».
فقال «بو عمير»: عندما تبعناهما إلى خارج الفندق كانت هناك سيارة في انتظارهما، رَكِباها وانطلقَا، ولم يكن أمامنا إلا الاستعانة بتاكسي كان قريبًا، ظللنا نتبعهما وقد أفادنا السائق؛ فقد ذكر أنه أوصل الرجل الآخر أكثر من مرة طوال اليومين السابقين، وأنهما سارَا في نفس الاتجاه … ونزل عند بيتٍ منعزل خارج المدينة قرب الشاطئ … وعندما عرض عليه أن يوصله إلى هناك اعتذر الرجل، وقال إنه لن يذهب إلى هناك.
سكت «بو عمير» لحظةً؛ فقد أضاء اللنشَ ضوءٌ قويٌّ، جعل «باسم» يقول بسرعة: هناك شيءٌ ما أمامنا.
أسرع الشياطين إلى «باسم». كان هناك مصدر ضوء قوي يكاد يؤذي أبصارهم.
همس «أحمد» بسرعة: لا تستخدم شيئًا، حتى لا نكشف أنفسنا.
أبطأ «باسم» سرعةَ اللنش في الوقت الذي كان مصدر الضوء يقترب بسرعة. لم يكن الشياطين يرَون شيئًا إلا بقعةَ ضوءٍ واسعة. فجأة جاء صوت يقول: قف عندك!
نظر الشياطين إلى بعضهم، وأوقف «باسم» اللنش، واستعد الشياطين لأي مهمة طارئة، مدَّ «أحمد» يده إلى تابلوه في المقدمة، وفتحه، ثم أخرج عدة أوراق، مرَّ عليها بعينَيه في سرعة، ثم ابتسم وأعادها إلى مكانها.
لحظات، ثم اقترب لنش ضخم، وجاء صوت يقول: مَن أنتم؟
كان الصوت يأتي ضعيفًا. عندئذٍ فتح «أحمد» إحدى النوافذ، بينما كان الشياطين ينظرون إليه، ثم همس: البحرية اليابانية!
رد الصوت: هل لديكم ما يُثبت ذلك؟
مدَّ «أحمد» يدَه إلى التابلوه، ثم أخرج ورقةً، ومدَّ يدَه بها في اتجاه اللنش.
قال رجل: هل تسمح لي؟
ثم قفز من اللنش إلى الشياطين، وأمسك بالورقة قرأها بسرعة، ثم قال: لا بأس!
عاد مرة أخرى من حيث جاء، فأغلق «أحمد» النافذة، وانطلق «باسم».
قال «بو عمير»: يبدو أن الحراسة مشددة في هذه المنطقة.
ردَّ «أحمد»: من الضروري أن يحدث هذا!
عاد الشياطين إلى أماكنهم، في الوقت الذي قال فيه «أحمد»: سوف نَلْقَى مثل هذه الدوريات كثيرًا!
نظر إلى «بو عمير» وقال: وماذا حدث بعد ذلك؟
قال «بو عمير»: لقد أوصلنا السائق إلى نفس المكان قرب البيت المنعزل ثم عاد. اقتربنا في حذر؛ فقد كانت السيارة التي أقلَّت الرجلين واقفة هناك. أرسلنا فراشة استطلاع، واستمعنا إلى ما يدور داخل المنزل، كان الكلام غامضًا، لكنه يُشير إلى عمليات بحث … وغرفة عمليات، وزعيم، وجزر «كازان»، وتحرك عند منتصف الليل.
كان «أحمد» يبدو شديد الاهتمام، عندما بدأ «بو عمير» يشير إلى هذا البيت المنعزل؛ ولذلك قال: هذا رائع … ثم ماذا؟!
أكمل «بو عمير»: تحركت السيارة عائدة بعد ذلك، ولم يكن بها سوى السائق، ظللنا في مكاننا، لكن الوقت لم يكن يسمح بمزيد من الانتظار، خصوصًا وأننا كنا سنعود مشيًا، حتى نجد تاكسيًا يُقِلُّنا إلى النقطة «ق» في الوعد المحدد!
استغرق «أحمد» في التفكير قليلًا، ثم سأل: المهم، أنتما تذكران الرجلَين جيدًا، فقد يُفيدنا هذا إذا التقينا بهما مرَّة أخرى!
ابتسم «باسم» وقال: إنني أستطيع أن أرسمها من الذاكرة!
لم يكَد «باسم» ينتهي من جملته، حتى ارتجَّ اللنش بشدة، فنظر الشياطين إلى بعضهم، وهمس «خالد»: يبدو أن المتاعب سوف تبدأ!
قال «مصباح»: إن الأعماق هي الأخرى تغلي بصراع شديد!
لكن برغم ارتجاج لنش الشياطين، إلا أن «باسم» لم يهدئ السرعة، بل إنه رفعها أكثر، فكاد اللنش أن يطير فوق سطح ماء المحيط، فجأةً لمح «مصباح» علامة تتحرك على شاشة الرادار الصغيرة، فقال: إن هناك جسمًا غريبًا يتحرك ناحيتنا، وأشار إلى الشاشة فاتجهت أعين الشياطين إليها.
قال «بو عمير»: إننا أصبحنا هدفًا، حتى قبل أن ندخل الصراع.
ظل الشياطين يرقبون علامة الرادار، فقال «أحمد»: ينبغي أن نُطلق صاروخًا مائيًّا يفجر هذا الجسم الذي يتبعنا!
أسرع «مصباح» إلى جهاز الإطلاق، ثم حدد عن طريقه اتجاهًا، وضغط زرًّا في الجهاز، فانطلق صاروخ مائي كان الرادار قد كشفه.
ظل الشياطين يرقبون حركة الصاروخ وهي في طريقها إلى الجسم الغريب، ثم فجأة ارتج الماء بعنف، واختفى تمامًا ذلك الجسم الغريب.
قال «بو عمير»: يبدو أنه صاروخ من صواريخ الأعماق!
لم يَعُد هناك وقتٌ للنوم؛ فقد وضح الآن أن الشياطين قد دخلوا معركة ما، دون أن يعرفوا، تساءل «باسم» هل تظنون أن هناك مَن يتبعنا؟
أجاب «أحمد»: أظن أن المسألة مسألة حياة أو موت. إن الوصول إلى «الصندوق الأسود» يعني أشياءَ كثيرةً، والتحرك في الليل، خصوصًا وأن اتجاهنا محدد، يعني أيضًا دخولنا معارك مع أطراف عديدة!
ابتسم «مصباح» وقال: قد يظنون أننا عصابة جديدة، تريد تحقيق شيء!
فجأة ظهر جسمٌ آخر على شاشة الرادار، وكان يبدو أنه على عمق بعيد، قال «أحمد»: ينبغي أن تهدئ السرعة … إننا أمام شيء، مَن يدري لعله الصندوق!
بدأ «باسم» يهدئ السرعة.
مرة أخرى قال «أحمد»: أقترح أن ننزل إلى العمق بحثًا عن هذا الجسم الغريب!
أوقف «باسم» اللنش، ثم أخذ يغوص إلى الأعماق، كان الرادار يحدد موقع هذا الجسم على شاشته.
ظل اللنش يغوص حتى اقترب من الجسم، واستطاعوا أن يرَوه من خلال زجاج اللنش.
قال «أحمد»: أقترح أن يخرج بعضنا إليه!
سكت لحظةً، وكان الشياطين قد تحركوا، فقال: سوف أنزل أنا و«مصباح».
أسرعَا إلى منتصف اللنش حيث يوجد دولاب صغير لملابس الغوص، أبدلَا ثيابهما، ثم اتجهَا إلى مؤخرة اللنش، وضغط «أحمد» زرًّا فانفتح باب صغير. دخل «أحمد» حجرة صغيرة، فتبعه «مصباح»، ثم ضغط زرًّا آخر فأغلق الباب بإحكام. كانَا قد أصبحَا في حجرة صغيرة، هي حجرة الهواء، ضغَط «أحمد» زرًّا صغيرًا فانفتح باب الحجرة، وتدفَّق الماء بشدة، لكنَّ تيارًا هوائيًّا قويًّا كان يخرج من الحجرة فيدفعها إلى الخارج، لحظة وأصبح «أحمد» و«مصباح» في ماء المحيط، كان الجسم أمامهما مباشرة، فاتجهَا إليه، أضاء «أحمد» مصباحًا من مصابيح الأعماق، مثبتًا فوق الخوذة التي على رأسه، فتبين الجسم، لقد كان جناحَ طائرة.
أرسل رسالةً سريعة إلى الشياطين بالشفرة، كانت الرسالة: «١ – ٢٩ – ٢٥» وقفة «٢٥ – ٥ – ٢٥» وقفة «٢٤ – ٢٥» وقفة «١ – ٢٣ – ٢٥ – ٢١ – ١٦ – ٢٧» وقفة «٢١» انتهى. وكانت ترجمة الرسالة: «أين نحن من النقطة «ق»؟» وفي لحظةٍ جاء الرد شفريًّا أيضًا: «٢٥ – ٢ – ١٨ – ٨» وقفة «١٨ – ٢٥» وقفة «١ – ٢٣ – ٢٥ – ٢٢ – ١٦ – ٢٧» وقفة «٢١» وقفة «٨ – ١٠ – ٥ – ٣ – ١ – ٢٥» انتهى. وكانت ترجمتها: «نبعد عن النقطة «ق» درجتين.» قال في نفسه: إذن نحن في محيط النقطة، ويمكن مع الانفجار أن يتطاير جسم الطائرة في كل مكان.
فجأة علَت الدهشةُ وجهَه؛ فقد ظهر من داخل جناح الطائرة رجلٌ!