وأخيرًا … بدأت المعركة الأخيرة!
فكَّر «أحمد» بسرعة؛ هل يستخدم مسدس الماء؟ لكنه لم يُقدِم على ذلك؛ فقد قال في نفسه: إن الرجل إذا جُرِح فسوف يَصِل سَمَك القرش إلى المنطقة، وندخل في معارك أخرى! ولذلك فقد تقدَّم إليه. كان الرجل يبدو عملاقًا، لكن ذلك لم يكن يُرهب «أحمد». نظر إلى «مصباح» الذي فَهِم معنى هذه النظرة، فاندفع إلى الرجل كالسهم، ولكن امتلأ وجهُ «أحمد» بالفزع؛ فقد أبصر الرجل يُخرج خنجرًا ويصوِّبه إلى «مصباح»، إلا أن «مصباح» كان قد لمح الخنجر، فغيَّر اتجاهه بسرعة، في نفس الوقت كان قد سدَّد يمينًا مستقيمةً إلى الرجل، إلا أن الرجل لم يتأثر كثيرًا؛ فقد عاود الهجوم على «مصباح» والخنجر في يده!
عندئذٍ لم يقف «أحمد» متفرِّجًا؛ فقد أيقن أن الرجل قويٌّ بما يكفي، سَبَح في اتجاهه، بينما كان الرجل يتجه إلى «مصباح»؛ لذا أصبح ظهره إلى «أحمد»، في لمحة سريعة كان أحمد يُطوِّق عنق الرجل، رفع الرجل خنجره ليسدِّدَه إلى «أحمد»، إلا أن «أحمد» بحركة بارعة جعل الخنجر يتجه إلى خرطوم التنفس الممتد من أنبوبة الغاز فوق ظهر الرجل إلى الكمامة التي تغطي وجهه، فانقطع الخرطوم. حاول الرجل أن يقاوم لكنه لم يستطع، ولم يكن أمامه إلا أن يحاول الاتجاه إلى سطح الماء.
تركه «أحمد» لأنه يعرف أن المسافة بعيدة، وأن الرجل لن يستطيع الوصول إلى السطح بلا تنفس مهما كانت قدرته على الغوص.
في نفس الوقت كان «مصباح» قد اتجه إلى داخل جناح الطائرة. اقترب «أحمد» منه ووقف يرقب الموقف، فكَّر بسرعة: إن «الصندوق الأسود» لن يكون داخل الجناح أو الجسم، إنه مثبت في تابلوه الطائرة بين الأجهزة الكثيرة التي تُستخدم داخلها؛ ولهذا فإن البحث ينبغي أن يكون عن مقدمة الطائرة حيث توجد الكابينة. أرسل إشارةً ضوئية إلى «مصباح» الذي عاد سريعًا، فاتجهَا معًا إلى اللنش. كانت حجرة الهواء ما زالت مفتوحة، فدخلَا فيها بسرعة، وعندما ضغط «أحمد» الزر انغلق الباب، ثم بدأت أجهزة خاصة تطرد المياه خارج الحجرة، حتى أصبحت فارغةً تمامًا، ضغط زرًّا آخر فانفتح الباب المؤدي إلى داخل اللنش، وعندما دخلَا أُغلق الباب مرةً أخرى، ظلَّ الاثنان بملابس الغوص استعدادًا للنزول مرةً أخرى.
قال «أحمد»: ينبغي أن ندور دورةً كاملة حول المكان، ويجب أن تكون الدائرة التي سوف ندور فيها واسعةً بقدر المستطاع، ثم تظل تصغر وتصغر حتى لا نترك مكانًا خارج دائرة البحث؛ فما دام جناح الطائرة هنا فإن هذا يعني أن جسم الطائرة ومقدمتها ليسَا بعيدَين.
في نفس الوقت الذي كان «أحمد» يتحدث، كان «باسم» قد بدأ في دورة البحث، غير أنهما فجأةً أبصرَا جسمًا يظهر على شاشة الرادار ويتجه نحوهما في سرعة.
قال «بو عمير»: إن الجسم الذي يتجه ناحيتنا ليس غواصةً أو لنشًا؛ إنه إحدى قذائف الماء.
وفي لمحةٍ ضغَط زرًّا في تابلوه اللنش، هو زرُّ الإطلاق، وعلى الشاشة ظهر صاروخٌ مائي، يخرج من لنش الشياطين في اتجاه الجسم الآخر. وفي دقائق كان الانفجار من القوة، بحيث إن لنش الشياطين اهتز بشدة، واختفى الجسم من على شاشة الرادار.
قال «خالد»: أظن أن مثل هذه الأجسام لا تتبع إحدى القوتَين الأعظم، إنها تابعةٌ لعصابة «سادة العالم»!
استمر الشياطين في دورتهم التي بدأَت تضيق أكثر فأكثر. فجأةً، كأن الدنيا قد أظلمت، كأن الليل قد أحاط بلنش الشياطين؛ فقد ظهرت أمامهم كتلةٌ سوداء ضخمة.
قال «أحمد»: أعتقد أنها مجموعةٌ من أسماك القرش!
ولم يكد ينتهي من جملته حتى تحققت نبوءَتُه؛ فقد كانت أسماك القرش الضخمة تتجه ناحية اللنش.
قال «خالد»: ينبغي تهدئة السرعة حتى لا يحدث شيءٌ.
ونفَّذ «باسم» اقتراح «خالد»، غير أن أسماك القرش كأنها تعمل لحساب العصابة؛ فقد أخذت تصطدم باللنش في عنف؛ ممَّا جعل اللنش يهتز بشدة.
فكَّر «أحمد» قليلًا، ثم قال: أَوقِف اللنش، وأطفئ الأنوار!
نفَّذ «باسم» ما قاله «أحمد»، فظلت القروش تدور حول اللنش بعض الوقت، ثم بدأت تنصرف في هدوء. مرَّت ربع ساعة، والشياطين في مكانهم، وعيونهم على شاشة الرادار. لم يكن يظهر شيءٌ …
قال «أحمد»: فلنبدأ السير ببطء.
تحرَّك اللنش مظلمًا، مرَّت نصف ساعة. فجأةً، رصد الرادار جسمًا ظلَّ الشياطين يرقبونه، كانت حركته في نفس سرعة اللنش.
قال «مصباح»: فلنتوقف قليلًا!
أوقف «باسم» اللنش، فتوقفت حركة الجسم.
قال «خالد»: يبدو أنه جسم ثابت، ينبغي أن نتجه إليه؛ فربما يكون أحدَ أجزاء الطائرة!
قال «بو عمير»: أو يكون أحد أفراد العصابة أو أحد أجهزتها!
اتجه «باسم» في اتجاه الجسم، كانوا يقتربون منه، فقال «أحمد»: أضِئِ المكان!
ضغط «باسم» زرًّا فتحولت ظلمة أعماق المحيط إلى نهار، وكاد الشياطين يهتفون؛ فقد تبيَّنوا أن الجسم هو مقدمة الطائرة. وبسرعة كان «أحمد» و«مصباح» يتحركان إلى مؤخرة اللنش، في اتجاه حجرة الهواء، ثم خرجَا إلى ماء المحيط، سبحَا معًا إلى مقدمة الطائرة، لكن فجأةً تحوَّل المكان إلى صورةٍ لم يتخيَّلها الشياطين، لقد ظهرت مجموعةٌ من الرجال بملابس الغوص … توقف «أحمد» و«مصباح»، فكَّر «أحمد» بسرعة: إنها مجموعة كبيرة … ولا بد من وجود الشياطين جميعًا …
أرسل رسالةً إلى اللنش بالشفرة: ««١ – ٢٥ – ١٥ – ٢٤ – ٢٦ – ١» وقفة «١ – ٢٣ – ٢٩ – ٢٥ – ١» انتهى.» وكانت ترجمتها: «انضموا إلينا!»
وقبل أن يصل «أحمد» و«مصباح» إلى الرجال، كان بقية الشياطين يقتربون منهم. تفرَّق الرجال في شبه حدوة حصان، يحاولون أن يلتفُّوا حول الشياطين، لكن «أحمد» كان أسرع منهم، فقد أشار إلى الشياطين إشارةً سريعة، فامتدوا في صفٍّ واحدٍ أمامهم. فجأةً، خرجت شوكةٌ طويلة من الصلب كان يحملها أحد الرجال في اتجاه «أحمد»، الذي كان يتوسط الشياطين، لكن «أحمد» غيَّر مكانه بسرعة فمرت الشوكة بجواره. أصبح واضحًا أن هناك معركةً حامية. وكان الوقوف يعطي الرجالَ فرصةً أحسن؛ ولذلك تقدَّم «أحمد» في شكل رأس حربة، في نفس الوقت الذي اقترب بقية الشياطين من أطراف حدوة الحصان.
اشتبك «باسم» بسرعة مع أقربِ رجلٍ له، فلكمَه لكمة قوية، جعلت الرجل يبتعد عنه. وكانت هذه مقدمة للمعركة. أخرج «أحمد» مسدسه المائي، ثم ضرب الرجل الذي اشتبك معه بكعب المسدس ضربةً قوية، جعلت الرجلَ يئن، سدَّد له ضربةً أخرى قوية حتى إن الرجل تهاوى إلى القاع. كانت المعركة تدور والجميع يسبحون، ووضح أن الشياطين قد سيطروا على الموقف تمامًا؛ فقد تهاوى بعض الرجال إلى القاع، والبعض الآخر قد بدأ يسبح بعيدًا، غير أن «خالد» لمح أحدَهم يختفي خلف مقدمة الطائرة، أسرع نحوه في حذرٍ، فجأةً لم يرَه، إلا أنه عندما وصل إلى مكانه لمحه يشقُّ الماء بعيدًا، وقد ضم يده على الصندوق.
نظر إلى الشياطين وأشار إليهم، ثم انطلق خلف الرجل. أشار «أحمد» إلى «باسم» و«مصباح» بأن يعودَا إلى اللنش، ويتبعاهم. في نفس الوقت، تقدم «بو عمير» خلف «خالد» الذي كان يُتابع الرجل. فكر «أحمد» أن يستخدم مسدس الماء لكي يُطلقَه على حامل الصندوق، لكنه تراجع حتى لا يفتحَ معارك جديدة مع وحوش الماء. ظلت المطاردة، كان «خالد» يقترب من الرجل. فجأةً بدأ الرجل يصعد إلى السطح، فهم «خالد» أن هناك مَن ينتظره في هذه النقطة، أسرع يصعد خلفه، وتَبِعه «أحمد» و«بو عمير» … وعندما وصل الرجل إلى سطح الماء، لم يكن بينه وبين «خالد» سوى أمتار قليلة. فجأة، رأى «خالد» كتلةً سوداء فوق سطح الماء، فأيقن أن ما فكَّر فيه كان صحيحًا.
كان الرجل يسبح في قوة، لكن «خالد» كان أسرعَ منه. وعندما مدَّ يده ليُمسكَ به ضربَه الرجل بقدمِه ضربةً قوية جعلَته يغوص من جديد، إلا أن أحمد كان قد اقترب منه، في نفس اللحظة التي كان الرجل قد أمسك بمؤخرة قارب صغير. وعندما سدَّد له «أحمد» ضربةً قوية كان ثقلٌ غريب قد سقط فوق «أحمد»، كان أحدهم قد ألقى بنفسه فوق «أحمد»، فنزل عليه كالصاعقة، إلا أن «بو عمير» تلقَّى الرجل وضربَه بقوة جعلت الرجل يغوص في الماء. في نفس الوقت كان القارب قد تحرَّك من مكانه، بعد أن صعد إليه الرجل. لقد انتقلت المعركة من الماء إلى القارب. نظر «أحمد» حوله، كان لنش الشياطين بجوارهم، وقد طفَا على السطح، قفز الشياطين إليه، وبدأت المطاردة. كان القارب يشقُّ الماء بقوة حتى إن «أحمد» قال: إن قوة الموتور في القارب كبيرة. غير أن لنش الشياطين الصاروخي كان أكبرَ سرعة؛ فقد لحق بالقارب، إلا أن القارب دار دورةً مفاجئة، جعلت لنش الشياطين يبتعد. استمر القارب في سرعته، ثم فجأةً دوَّت طلقةٌ في الفضاء، ثم تلَتها طلقات كالمطر. لم يكن ذلك يدفع الشياطين إلى استخدام النيران ضدهم، إن مهمتهم الآن أن يحافظوا على القارب حتى يحصلوا على الصندوق. في نفس الوقت كان قارب الشياطين مصنوعًا من مادة ضد الرصاص والحريق؛ ولذلك تقدَّم اللنش بأقصى سرعة ممكنة. ولما وجد رجال العصابة أن الرصاص لا يؤثر فيه، توقَّفوا عن إطلاقه، وبدأت المطاردة بين اللنش والقارب.
قال «أحمد»: إنهم ينتظرون خروجَ أحدِنا ليصيبوه، لكن الذي أفكر فيه هو أن يفرغ الوقود من القارب، فلا يكون في النهاية سوى الاستسلام.
فجأةً، لمع ضوءٌ سريع في الأفق ثم اختفى. وبعد لحظة ردَّ القارب بضوء آخر.
قال «بو عمير»: إنها إشارات متبادلة بين القارب وبين نقطة هناك، قد تكون فوق جزر «كازان»، أو تكون إحدى البواخر في عرض المحيط.
قال «أحمد»: هذا صحيح.
بدأ «باسم» يدور حول القارب؛ فالسرعة بين الاثنين لم تكن مناسبة؛ ولذلك فإن اللنش كان يملك قدرة المناورة. فجأةً، لمع فوق سطح الماء جسمٌ مستطيل، كان يقترب من اللنش في قوة، وسجلت شاشة الرادار هذا الجسم بسرعة، فضغط «باسم» زرَّ الإطلاق فاندفع صاروخ مائي، ففجَّر الجسم المقبل، طالت المطاردة دون أن ينفد وقود القارب.
فقال «بو عمير»: لعله يتحرك بوقودٍ ذرِّيٍّ.
فجأةً … ظهرَت باخرة في عرض المحيط، اتجه إليها القارب في سرعة، وكانت هذه هي المعركة الأخيرة …