الصراع الأخير مع سمك القرش!
قال «باسم»: هل أفجِّرُ القاربَ؟!
ردَّ «أحمد» بسرعة: إن تفجيره سوف يُوقعنا في مشكلة جديدة، هي البحث عن الصندوق، وهو أمامنا الآن!
قال «بو عمير»: أقترح أن نُصيبَ القارب نفسه، وليكن ذلك بإحداثِ صدمة قوية، في نفس الوقت الذي نكون مستعدين للاشتباك مع مَن فيه.
لم يردَّ أحدٌ على الاقتراح؛ فقد كان يحتاج إلى بعض التفكير، فالاصطدام بالقارب قد يكون سببًا في ظهور مشاكل جديدة. خلال ذلك كلِّه كانت المطاردة مستمرة. في نفس الوقت كان اللنش يقترب من الباخرة.
قال «أحمد»: إنني أقترح خطة أخرى، سوف نقوم بدورة واسعة حول الباخرة، في نفس الوقت سوف ننزل إلى المحيط عن طريق حجرة الهواء، ويتم السيطرة على اللنش عن طريق جهاز التوجيه الذي يحمله «باسم» معه، وننقل المعركة إلى ظهر الباخرة. سكت لحظةً ثم أكمل كلامه: في نفس الوقت يجب أن نصل إلى الباخرة بسرعة، وهذه مسألة لن تكون صعبة.
مرَّت لحظةُ صمتٍ، كان خلالها «باسم» قد بدأ يُنفِّذ اقتراح «أحمد». وفي لحظة ودون أن يُجيبَ أحد على الاقتراح، كان الشياطين قد انصرفوا إلى حجرة الهواء. ابتسم «أحمد» ثم أخذ طريقَه إليهم، بينما كان «باسم» يقوم بضبط أجهزة التوجيه، وأسرع خلفهم. كان القارب قد اقترب تمامًا من الباخرة، في الوقت الذي كان الشياطين قد أصبحوا فعلًا في عمق المحيط، بينما اللنش يأخذ اتجاهًا مخالفًا، بعيدًا عن الباخرة. وبسرعة كان الشياطين يقطعون المسافة بين مكانهم والباخرة، بحيث كانوا تحتها مباشرة، بينما كان سُلَّمٌ طويل قد نزل منها إلى القارب، فتسلَّق مَن فيه إلى ظهرها. في الجانب الآخر من الباخرة كان الشياطين يتسلقون، وعندما أصبحوا فوقها سمعوا مَن يقول: أرسل إشارةً إلى الزعيم بأن كلَّ شيءٍ قد انتهى!
تقدَّم الشياطين في هدوء، بعد أن خلعوا ملابس الغوص، ووقعَت أعينهم على مجموعة كبيرة من الرجال تقف حول أحدهم. وتحت ضوء قليل ظهر الرجل الذي يبدو أنه قائدهم.
فهمس «بو عمير»: إنه رجل الفندق!
قال «خالد»: تقصد «جاك بيلي»؟
ردَّ «بو عمير»: لا، إنه الرجل الذي تبعناه أنا و«باسم»!
فكر «أحمد» بسرعة، ثم قال: استعدوا، سوف نبدأ المعركة!
أخرج خنجرَه، ثم ألقى به في قوة عند مقدمة الباخرة، فأحدث صوتًا مُدويًا. التفت الرجال في خوف، وقال قائدهم: ما هذا، هل هناك شيء؟
أسرع بعضهم في اتجاه الصوت، فقال «أحمد»: هذه فرصتنا!
وفي لمح البصر كانوا يقفزون في خفة في اتجاه المجموعة الأخرى. قفز «أحمد» في الهواء، وقد فتح رجلَيه فضرب بهما اثنين، وفي نفس الوقت الذي كان «خالد» قد دار حول نفسه وهو يضرب الأول بقدم، ثم ضرب الثاني بقدم أخرى، أما «بو عمير» فقد اتجه مباشرةً إلى قائدهم الذي حاول أن يهرب، فضربه ضربة قوية بقدمه، جعلَته يسقط على الأرض، بينما كان «باسم» و«مصباح» قد اشتبك كلٌّ منهما مع اثنين معًا.
وعندما أوشك الشياطين على كسب المعركة، كان الآخرون قد عادوا، فبدأت المعركة من جديد، رفع «أحمد» أحدَهم، ثم دار به في قوة، وألقى به نحو القادمين، فسقط ثلاثة منهم. قفز «خالد» في اتجاه الثلاثة، وقبل أن يقف أيُّ واحدٍ منهم كان قد جذب حبلًا واستعد. وعندما وقف أولهم، كان الحبل يطير في الهواء، ثم يلتف حول جسمه، جذبه «خالد» بقوة، فاندفع الرجل في اتجاه «خالد» الذي لقيه بيمين مستقيمة، جعلت الرجل يتراجع بسرعة، ويصطدم بحافة السطح، ثم يسقط في الماء. في نفس اللحظة كان الآخر قد قفز في الهواء، ليضرب «خالد»، إلا أن «باسم» الذي كان قريبًا منه أسرع بضربة خطافية، جعلَته يطير في الهواء، وقبل أن يسقط على الأرض، كان قد تلقَّاه بين ذراعَيه ثم ألقى به في الماء.
نظر «باسم» خلفه، فرأى «مصباح» وقد أمسك عنقَ أحدِ أفراد العصابة، إلا أن آخر كان يرفع عمودًا حديديًّا لينزل به على «مصباح»، طار «باسم» في الهواء وتعلق بطرف العمود فأفلت من يد الرجل، نظر «باسم» إلى الرجل الذي وقف مذعورًا، ثم قفز في الماء فجأةً، لم يكن أحدٌ فوق سطح الباخرة سوى الشياطين.
قال «أحمد»: أين «الصندوق الأسود» الآن؟!
ردَّ «مصباح»: يجب أن ننزل إلى تحت!
أسرعوا يتقدمهم «أحمد» إلى أسفل الباخرة، وما إن نزلوا عدةَ درجاتٍ في السلم الحديدي المؤدي إلى قمرات الباخرة، حتى ظهر عمال الماكينات، كانوا ثمانية.
قال «أحمد»: ينبغي أن تستسلموا بدلًا من أن تفقدوا حياتكم!
وقبل أن يردَّ أولهم، كان الأخير قد سدَّد خنجرًا كالسهم إلى «أحمد»، الذي دفع «باسم»، وكان يقف خلفه مباشرةً، بينما غيَّر اتجاهَه، فمسع صوت الخنجر وهو يصطدم بحديد الباخرة، فيُصدر صوتًا كالرنين، وبدأت معركة أخرى، إلا أن «أحمد» كان قد فكر بسرعة؛ إن الرجل الذي انصرف من البداية ليُرسل إشارة لزعيمهم لم يَعُد، ويبدو أنه هو الذي يحمل «الصندوق الأسود!»
بسرعة ترك المعركة ليبحث عن غرفة الاتصالات، لكنه لم يكد يقفز قفزةً واحدة حتى كان أحدهم قد هبط فوقه كالجبل، ليسقط الاثنان على الأرض، إلا أن «أحمد» كان أسرع منه؛ فقد قفز واقفًا وهو يسدد ضربةً قوية بقدمِه إلى الرجل، فاصطدم رأسُه بالسلم، وسكت بلا حَراك، أسرع إلى داخل الممر الطويل، ووقف عند أول «قمرة» — حجرة صغيرة — ونظر داخلها، فلم يجد أحدًا، أسرع إلى غيرها وغيرها.
ثم فجأةً سَمِع صوتًا يقول: سوف أبلغ القائد «بروك»، نعم. وضع في الخزانة الرئيسية، أمرك يا سيدي!
وقف «أحمد» عند الباب، في انتظار انصراف الرجل، انتهى الآخر من كلامه وعاد، وقف عند الباب وهو يهمس: إن المكافأة قد ارتفعت إلى عشرة أضعاف!
ضحك ضحكةً قصيرة، ثم خطَا إلى الخارج، إلا أن «أحمد» كان أسرعَ إليه، فقد أمسك بذراعه في قوة ولواها، فصرخ الرجل، دفعه «أحمد» إلى الداخل، ثم أغلق الباب، لكمَه لكمةً قوية جعلَته يتراجع بشدة، ثم يصطدم بأحد المقاعد، ويسقط على الأرض، قفز «أحمد» خلفه حتى وقف عند رأسه، ثم قال: أين الصندوق؟
أجاب الرجل: أيُّ صندوق؟!
ضربه «أحمد» بقدمه ضربةً قوية، فصرخ فأعاد عليه السؤال: أين الصندوق؟!
تردد الرجل لحظةً، ثم قال: في الخزانة الرئيسية!
سأل: وأين هي؟
أجاب: في المقدمة!
جذبه «أحمد» بقوة، وهو يقول: أمامي إلى هناك!
مشى الرجل في بطء، لكنه فجأةً قفز، إلا أن «أحمد» كان يقظًا تمامًا؛ فقد طار خلفه قبل أن يخرج من الباب، وضربه بقبضة يده، وترنَّح الرجل وسقط خارج الباب الذي أُغلِقَ في نفس اللحظة، أسرع «أحمد» يفتح الباب وقفز خارجًا، غير أنه لم يجد الرجل، وقف لحظةً ينظر حوله فلم يجد أثرًا له، أسرع يُغلق الباب ثم أخذ المفتاح وقفز إلى سطح السفينة، وكانت المعركة قد انتهت، ووقف الشياطين ينتظرون عودته.
قال: ألم يظهر أحد هنا؟
نظروا له في دهشة، وسأل «خالد»: ماذا تقصد؟
قال «أحمد»: لقد هرب مَن يعرف مكان الصندوق!
علَت الدهشةُ وجهَ الشياطين، إلا أن «أحمد» قال: إنه موجود في الخزينة الرئيسية، وهي تقع في مقدمة الباخرة.
لم يتحرك أحدٌ من الشياطين، فقال «أحمد»: «مصباح» و«بو عمير» يقومان بالبحث عن الخزانة الرئيسية، «باسم» و«خالد» يقومان بعمليةِ مسحٍ للباخرة كلها بحثًا عنه، وسوف أراقب المكان.
انصرف الشياطين، فكر «أحمد»؛ أين يمكن أن يذهب الآن؟ إنه لا يملك وسيلةَ اتصالٍ حتى يتصل بزعيم العصابة، إن أمامه حلًّا واحدًا أن يأخذ الصندوق ويهرب؛ فالقارب لا يزال واقفًا أسفل الباخرة، خصوصًا وأنه كان يتحدث عن مكافأة مضاعفة، أسرع في اتجاه القارب حتى وقف عنده، كان القارب يبدو بعيدًا فوق سطح الماء، بينما الباخرة مرتفعة كثيرًا، ظلَّ يرقب القارب، علَّه يتحرك، فكر لحظة؛ قد ينزل إلى الماء، ثم يسبح إلى القارب، ويسحبه بعيدًا، ثم يهرب به. كان الصمت يلفُّ كلَّ شيء، وكان الظلام قبل الفجر يبدو حالكَ السواد.
فجأةً، سَمِع صوتَ انزلاق شيء في الماء، ركَّز سَمْعَه أكثر، لكن الصمت عاد من جديد، قال في نفسه: لعله هو، ولعله يسبح الآن تحت سطح الماء، حتى لا يُحدث صوتًا. فجأةً، بدأ يسمع تلاطم الأمواج، واصطدامها بجسم السفينة، فكر؛ هل يكون هو؟ أخرج مصباحًا صغيرًا من جيبه، ثم أضاء به سطح الماء، ثم علَت الدهشةُ وجهَه، لقد كانت سمكةَ قرشٍ ضخمة تعوم حول السفينة، بدأ القلق يسيطر عليه، إن الرجل إذا ظهر الآن، فسوف تأكله سمكة القرش، وساعتها سوف يضيع كلُّ شيء، ابتعدت السمكة قليلًا، فجأة تحرك القارب، ظل يتتبعه في حركته، فقد أيقن الآن أن الرجل هو الذي يسحب القارب بعيدًا عن السفينة، لكنه كان يسحبه في اتجاه سمكة القرش، كان عليه أن يُنقذ الرجل الآن وبسرعة، فهو يمثِّل للشياطين الأملَ الوحيد في العثور على «الصندوق الأسود».
فجأةً، بدأت السمكة تظهر من جديد، وضع يده في جيبه يتحسس زجاجة صغيرة، ظهرت رأسُ الرجل بجوار القارب الذي ابتعد الآن عن السفينة، في نفس الوقت كانت سمكة القرش تتحرك في هدوء في اتجاه القارب، لم يكن هناك وقت يمكن أن ينتظره، قفز إلى حاجز السفينة، وكالفراشة طار في الهواء في اتجاه مياه المحيط، وعندما غاص في الماء، اندفعت سمكة القرش في اتجاهه، تحفز لها، في نفس الوقت الذي أخرج الزجاجة الصغيرة، وفتحها ثم صب بعضَ ما فيها في الماء، فانتشر بسرعة، ولم تمضِ لحظات حتى كانت سمكة القرش قد ولَّت هاربة.
ألقى نظرةً سريعة على اللنش، فرأى الرجل يقفز داخله، أسرع بإرسال رسالةٍ إلى الشياطين يطلب اللنش، وكان القارب قد بدأ يسير، لكنه لم يكد يبتعد حتى كان اللنش يقترب منه، وعندما توقَّف أمامه، قفز داخله بسرعة، ثم انطلق به في اتجاه القارب، لم تمضِ دقائق حتى كان قد جاور القارب، ظل يقترب حتى توازى معه تمامًا، ثم ضغط زرًّا في التابلوه فانطلق عمود من الدخان يغطي المكان، وفي سرعة البرق كان قد خرج من اللنش، وقفز قفزةً سريعة إلى القارب، لم يكن الرجل يرى شيئًا، فقد انتشر الدخان، وصنع حاجزًا يُخفي «أحمد»، وقف الرجل ينظر إلى «أحمد» في ذهول دون أن يتحرك، فهو لم يكن يدري ماذا حدث، كان الصندوق الصغير الحجم في يد الرجل.
ابتسم «أحمد» وقال: لا بأس، أعطني الصندوق.
كان «أحمد» يتوقع أيَّ حركة؛ ولذلك فقبل أن يفكر الرجل في شيء كان «أحمد» قد ضربه لكمةً سريعة أفقدَته رشده، وبسرعة استولى على الصندوق، أرسل رسالةً سريعة إلى الشياطين يُخبرهم أن المغامرة قد نجحت، انقشع الدخان وظهر اللنش، أوثق «أحمد» يدَي الرجل، ثم جذبه خلفه حتى نقله إلى اللنش، ثم اتجه به إلى الشياطين، وعندما توقَّف بجوار السفينة نزل الواحد بعد الآخر، حتى استقروا في اللنش، وانطلقوا به في طريق العودة.
كان ضوء الفجر قد بدأ، لكن بعد عدة كيلومترات اعترضهم لنشٌ حربي، توقفوا وخرج «أحمد»، كان أحد الضباط الأمريكيين يقف في مقدمة اللنش، وتحدث إلى «أحمد» الذي قال إنهم يتبعون البحرية اليابانية.
نظر له الضابط مبتسمًا وقال: لا يبدو ذلك!
بسرعة قدم «أحمد» أوراقه إلى الضابط الذي اعتذر، فانطلق اللنش من جديد، غير أن نفس الموقف تكرر مرةً أخرى، فقد اعترضهم مركب صيد، وعرف «أحمد» أنهم من رجال البحرية السوفييتية، حيَّاهم وانطلق من جديد.
عندما عادوا إلى شاطئ «نجاساكي» كان العميل في انتظارهم، وعندما انتقلوا إلى الفندق كان ما يحويه الصندوق قد أصبح عند رقم «صفر»، الذي أرسل إليهم رسالة يتمنى لهم إجازة طيبة. بعد الانتصار الذي حققوه، فقد أثبت الشريط المسجل داخل الصندوق أن عصابة «سادة العالم» هي التي فجَّرت الطائرة، وأن نُسَخًا من الشريط سوف تُسلَّم للقوتَين الأعظم، ولعدد من أعضاء مجلس الأمن الدولي.
وعندما وصلت هذه الرسالة كان الشياطين قد أبدلوا ثيابهم …
فقال «أحمد»: إنني في حاجة إلى النوم العميق!
ضحك «باسم» وقال: خصوصًا وأن «جاك بيلي» في انتظارنا!
وكان هذا يعني أن مغامرةً جديدة في انتظار الشياطين، داخل فندق السلام.