كُتُبه
الجاحظ من أقدم المؤلفين وأكثرهم تصانيف في كل فن وعلم كان معروفًا لزمانه، بل يمكن أن يُقال إنه هو الذي شرع التأليف في الأدب. وكتُبه تجمع إلى العلمِ والفائدةِ البراعةَ في التعبير وسحرَ البلاغة في الأسلوب، وتبعث الشوق على المطالعة لما فيها من النوادر والنكات الشائعة فيها، وهي سُنة المؤلفين من بعده، بها اقتدوا وعلى سبيلها نهجوا، ولولاها لَفُقِد كثير من آداب العرب، ولا تزال في غزارة المادة المرجع والأم، ولولا عدم تنسيقها لَمَا فَضَلَها كِتابٌ.
كان أبو محمد عبد الله بن حمود الزبيدي الأندلسي يقول: رضيتُ في الجنة بكتب الجاحظ عِوَضًا عن نعيمها.
وقال أبو القاسم السيرافي: حضرنا مجلس الأستاذ الرئيس أبي الفضل (ابن العميد)، فقصر رجل بالجاحظ وأزرى عليه، وحلم الأستاذ عنه، فلما خرج قلت له: سكتَّ أيها الأستاذ عن هذا الجاهل في قوله مع عادتك بالرد على أمثاله. فقال: لم أجد في مقابلته أبلغ من تركه على جهله، ولو واقفته وبيَّنت له النظر في كتُبه لصار إنسانًا، يا أبا القاسم، كتُب الجاحظ تعلم العقل أوَّلًا والأدب ثانيًا.
وقال أبو علي الحسن بن داود: فخر أهل البصرة بأربعة كتب: كتاب البيان والتبيين للجاحظ، وكتاب الحيوان له، وكتاب سيبويه، وكتاب العين للخليل.
وقد بلغ شغف الناس بكتب الجاحظ وتهافتهم عليها أن أبا بكر بن الإخشاد أراد أن يطَّلع على كِتاب الفَرق بين النبي والمتنبي فلم يظفر به، فلما دخل مكة حاجًّا أقام مناديًا بعرفات ينادي: رحم الله من دلَّنا على كِتاب الفرق بين النبي والمتنبي على أي وجه كان.
أما مؤلفات الجاحظ فتُعدُّ بالمئات، وردَ في مقدمة كِتاب التاج أن الجاحظ ترك نحوًا من ثلاثمائة وستين مؤلَّفًا، رآها سبط ابن الجوزي كلها تقريبًا في مشهد أبي حنيفة النعمان ببغداد.
أما نحن، فنتكلم الآن على ما طُبع منها، وهو قليل جِدًّا، ثمَّ نذكر أسماء ما اتصل بنا من كتُبه التي لم تُطبع.
كتبه المطبوعة
-
(١)
البيان والتبيين: أحد أركان كُتب الأدب وأقدمها، أهداه الجاحظ إلى ابن أبي داود فأعطاه خمسة آلاف دينار. والكتاب يبحث في فنون الأدب والبلاغة نثرًا ونظمًا، ويتناول النقد واللغة، ويأتي على ذكر الأدباء والخطباء والمنشئين والشعراء، ويمثل بنماذج من أقوالهم. وفيه طائفة صالحة من كلام النبي والخلفاء والصالحين والزُهَّاد والنُسَّاك وفصحاء الخوارج، وما يُقابل ذلك من كلام اللحَّانين والنَّوْكَى والموسوسين والجفاة والأغبياء، إلى أحاديث ونوادر مبثوثة في الكتاب. وهو من أجلِّ وثائق الأدب العربي في الجاهلية والإسلام، وكل من ألَّف بعده في الأدب نَهَجَ على منواله على ما فيه من نقص في التنسيق.
-
(٢)
كتاب الحيوان: أهداه إلى الوزير محمد بن عبد الملك الزيات، فأعطاه خمسة آلاف دينار. وهو أول كتاب أُلِّف في موضوعه يدخل في سبعة أجزاء، ويبحث عن طبائع الحيوان وما ورد فيه من الأخبار والقصص والنوادر والخرافات والفكاهة والمجون، وما قالته العرب فيه من الشعر، فضلًا عما اختبره المؤلف بنفسه. وفي الكِتاب استطرادات كثيرة يسوقها المؤلف لأدنى مناسبة، فينتقل بالقارئ من موضوع إلى آخر، وكثيرًا ما تتسلسل المناسبات حتى يخرج عن الصدد، ولكن القارئ يقف في أثناء ذلك على أخبار ممتعة وفوائد قيِّمة تمثل له المعارف الإسلامية وما بلغته في القرن الثالث؛ فهناك أشعار الجاهليين والمخضرمين والإسلاميين والمُحْدثين، وهناك تفسير كثير من آي القرآن والحديث، وهناك آراء المتكلمين ومذاهب الفرق الإسلامية، وهناك شُبه الملحدين والزنادقة والرد عليهم، أضف إلى ذلك معارف الهنود واليونان والفرس مما ترجمه العرب ومما تسوق إليه المناسبة في ذلك الكِتاب، فضلًا عن أنه يصور كثيرًا من وجوه الحياة في القرن الثالث.
-
(٣)
كتاب البخلاء: كتاب طريف، جمع فيه الجاحظ أخبار البخلاء ونوادر الأشحَّاء، وصدَّره برسالة سهل بن هارون في البخل، وهي من أبلغ وأمتع وأنفس ما كُتب في هذا الموضوع. والكِتاب ممتع جذَّاب لما فيه من الفكاهات الطلية والأماليح التي تدور حول البحث، ولقد أضاف إليه الجاحظ ما انفقَّ له من النوادر مع بعض البخلاء، ولا يخلو الكتاب من آراء سديدة في الاقتصاد والتدبير، كل ذلك بأسلوب رشيق يستهوي القارئ.
-
(٤)
كتاب المحاسن والأضداد: كتاب حسن، جمع الجاحظ فيه نحو ثمانين موضوعًا متقابلة؛ فهو يعقد للموضوع فصلًا يذكر فيه محاسنه، ثُمَّ يعقبه بضده، وهكذا إلى آخر الكِتاب. وقد بدأه بذكر محاسن الكتابة، وختمه بذكر شيءٍ من محاسن الموت. وجميع المواضيع التي عالجها ذات بال، كمحاسن الجواب والمشورة والعفو والوفاء وحب الوطن وأضدادها. وقد صرَّح الجاحظ في المقدمة بأنه لم يسبق إلى هذا الكتاب بقوله: «وهذا كتاب وَسَمْتُه بالمحاسن والأضداد، لم أُسبق إلى نحلته، ولم يسألني أحد صُنعه.» والكتاب من أكثر كُتُب الجاحظ تنسيقًا وترتيبًا، وأشدها مراعاة لحسن التبويب، وضم كل معنًى إلى مُشاكِله، وقد جرى على سننه البيهقي فألَّف كتابًا سمَّاه المحاسن والمساوي.
-
(٥)
كتاب التاج في أخلاق الملوك: يبحث عما يتعلق بأمور الملوك في السياسة والتدبير، وفي حياتهم الخاصة وآداب مجالستهم ورسوم الدخول عليهم ومحادثتهم، وما إلى ذلك من أحوالهم العامة والخاصة، وفيه شواهد عن ملوك الفرس وخلفاء العرب. والكِتاب يدل على ما بلغه العرب من العزة والسلطان، ورسوخ قدمهم في الحضارة، وما أظن أن رسوم أعرق قصر بالمدنية في الوقت الحاضر تفوق ما ورد في ذلك الكتاب من الرسوم والآداب.
-
(٦)
الفصول المختارة من كتب الجاحظ: وهو كتاب اختاره عبيد الله بن حسان من عشرين كتابًا للجاحظ، وهذه أسماؤها: كتاب الحاسد والمحسود، كتاب المعلمين، كتاب التربيع والتدوير، كتاب مدح النبيذ، كتاب طبقات المغنِّين، كتاب النساء، كتاب مناقب الترك، كتاب حجج النبوة، كتاب مسائل القرآن (وفيه بحث عن خَلْق القرآن)، كتاب الرد على النصارى، كتاب المودة والخلطة، كتاب استحقاق الإمامة، كتاب استنجاز الوعد، كتاب تفضيل النطق على الصمت، كتاب صناعة الكلام، كتاب مدح التجارة وذم عمل السلطان، كتاب الشارب والمشروب، كتاب الإمامة، كتاب مقالة الزيدية والرافضة.
-
(٧)
ثلاث رسائل للجاحظ، هي: الرد على النصارى (التي مر ذكرها مع الفصول المختارة)، ذم أخلاق الكُتَّاب، رسالة القيان.
-
(٨)
الحنين إلى الأوطان.
-
(٩)
إحدى عشرة رسالة طُبعت في مصر، ذُكر أكثرها في الفصول المختارة، وما لم يُذكر منها هو: فخر السودان على البيضان، كتاب الوكلاء والموكلين.
-
(١٠)
رسالة في بني أمية: وقد سمَّاها بعضهم رسالة النابتة.
-
(١١)
كتاب الدلائل والاعتبار على الخلق والتدبير: فيه كثيرٌ من الأدلة العقلية على وجود الخالق وحكمته وتدبيره، وهو كتاب قيِّم وأسلوبه عالٍ، ولكنه بأسلوب الحكماء أشبه.
-
(١٢)
كتاب المناظرة بين الربيع والخريف: نُسب للجاحظ، وأنا أشك كثيرًا في كونه من كلامه، بل أقطع بأنه منحول لبُعده عن أسلوب الجاحظ.
-
(١٣)
كتاب تهذيب الأخلاق: نُسب للجاحظ، وليس له.
هذه هي الكتب المطبوعة من تصانيف الجاحظ. أما كتبه المخطوطة فقليل منها محفوظ في بعض دُور الكتب العامة، مثل كتاب تنبيه الملوك والمكائد، وكتاب سحر البيان في مكتبة كوبرلي بالقسطنطينية، وكتاب العرافة والزجر والفراسة على مذاهب الفرس في مكتبة ليدن، وكتاب المختار من كلام الجاحظ في مكتبة برلين.