ضَيَاعُ الْخَاتَمِ
وَخَتَمَتْ «حَلِيمَةُ» هَذَا الْمَشْهَدَ الْمُؤَثِّرَ الْعَظِيمَ، الْفَيَّاضَ بِالْحَنَانِ وَالْعَطْفِ وَالتَّقْدِيرِ، بِمَا أَلِفَهُ عَارِفُوهَا مِنْ دُعَابَةٍ حُلْوَةٍ مُسْتَمْلَحَةٍ؛ فَأَقْبَلَتْ عَلَى «الدُّبِّ الصَّغِيرِ» مُعَاتِبَةً، وَأَمْسَكَتْ بِيَدِهِ مُغَاضِبَةً، وَهِيَ تَقُولُ: «مَا بَالُكَ تَنْسَانِي، وَتُغْفِلُ تَحِيَّتِي وَلا تَتَرَضَّانِي، كَأَنَّكَ لَا تَفْطُنُ لِوُجُودِي، وَلا تُقِيمُ وَزْنًا لِحُضُورِي؟!
أَتُرَاكَ أَغْفَلْتَ أَمْرِي لِأَنَّنِي لَمْ أَسْتَسْلِمْ لِلْبُكَاءِ كَمَا اسْتَسْلَمَتْ «مَاجِدَةُ» وَ«نَرْجِسُ»؟
أَتُرَاكَ اسْتَهَنْتَ بِشَأْنِي، وَاسْتَخْفَفْتَ بِقَدْرِي لِأَنَّنِي آثَرْتُ الصَّبْرَ عَلَى الْجَزَعِ، وَلَمْ تُذْهِلْنِي وَطْأَةُ الْمُصَابِ وَهَوْلُ الْفَجِيعَةِ، كَمَا أَذْهَلا هَاتَيْنِ الضَّعِيفَتَيْنِ «مَاجِدَةَ» وَ«نَرْجِسَ» عَنِ التَّوَجُّهِ إِلَى اللهِ بِصَادِقِ الدُّعَاءِ وَخَالِصِ الرَّجَاءِ؛ لِيُنْقِذَكَ مِنْ غُمَّتِكَ، وَيُخَلِّصَكَ مِنْ كُرْبَتِكَ؟
لَقَدِ اسْتَجَابَ اللهُ تَوَسُّلِي وَدُعَائِي وَحَقَّقَ تَأْمِيلِي وَرَجَائِي، وَلَمْ يَنْفَعْكُ عَوِيلُهُمْ وَلَا بُكَاؤُهُمْ وَصَوْمُهُمْ عَنِ الطَّعَامِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ!
وَمَا كَانَ أَجْدَرَنِي أَنْ أَسْأَلَكَ: كَيْفَ قَضَيْتَ ذَلِكَ الزَّمَنَ الطَّوِيلَ فِي أَعْمَاقِ الْبِئْرِ؟ وَمَاذَا لَقِيتَ مِنَ الْآلَامِ؟ أَلَمْ تَنْزَعِجْ مِنْ وَحْدَتِكَ؟ وَتَتَبَرَّمْ مِنْ وَحْشَتِكَ؟»
فَلَمْ يَتَمَالَكِ «الدُّبُّ الصَّغِيرُ» أَنْ أَغْرَقَ فِي الضَّحِكِ، مُثْنِيًا عَلَى دُعَابَتِهَا، وَظُرْفِهَا وَلَبَاقَتِهَا.
ثُمَّ خَتَمَ ثَنَاءَهُ وَشُكْرَهُ قَائِلًا: «لَقَدْ سَأَلْتِنِي كَيْفَ قَضَيْتُ أَيَّامِي فِي الْبِئْرِ؟
لَقَدْ قَضَيْتُهَا أَسْعَدَ مَا أَكُونُ حَالًا وَأَهْنَأَ بَالًا لَوْ لَمْ أَنْزَعِجْ عَلَيْكُنَّ، وَأَشْعُرْ بِالْحَنِينِ إِلَى لِقَائِكُنَّ. وَمَا أَنْسَ يَا «حَلِيمَةُ» لَا أَنْسَ مَا مَيَّزَكِ اللهُ بِهِ مِنْ طِيبَةِ نَفْسٍ وَطَهَارَةِ قَلْبٍ.
وَمَا أَدْرِي: كَيْفَ خَيَّلَ لَكِ الْوَهْمُ هَذِهِ الْوَسَاوِسَ؟ وَلَوْلاكِ مَا خَرَجْنَا مِنَ الْبِئْرِ!
وَلَوْلاكِ لَبَقِينَا فِيهَا أَيَّامًا وَلَيَالِيَ وَأَسَابِيعَ دُونَ أَنْ يَفطُنَ أَحَدٌ إِلَى مَكَانِنَا فِيهَا!»
فَأَقْبَلَتْ عَلَيْهِ «حَلِيمَةُ» تُرَبِّتُ كَتِفَهُ، شَاكِرَةً وَفَاءَهُ لَهَا، ثُمَّ قَالَتْ: «لَقَدْ ذَكَّرْتَنِي الْآنَ بِمَا كَابَدْنَاهُ مِنْ أَيَّامِ الشَّقَاءِ، وَكَانَ فَرَحِي بِنَجَاتِكَ قَدْ أَنْسَانِيهِ.»
ثُمَّ الْتَفَتَتْ إِلَى «نَرْجِسَ» قَائِلَةً: «خَبِّرِينِي يَا «نَرْجِسُ»: كَيْفَ تَيَسَّرَ لَكِ أَنْ تَهْبِطِي إِلَى الْبِئْرِ سَالِمَةً، دُونَ أَنْ يَصْطَدِمَ رَأْسُكِ بِجِدَارِهَا، وَبَقِيتِ سَالِمَةً عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ؟»
فَقَالَتْ «نَرْجِسُ»: «إِنَّنِي لَمْ أَهْبِطْ إِلَى الْبِئْرِ كَمَا تَتَوَهَّمِينَ، بَلْ هَوَيْتُ إِلَى قَرَارِهَا.
وَلَقَدْ كُنْتُ — لَا مَحَالَةَ — هَالِكَةً لَوْ لَمْ يَتَلَقَّفْنِيَ «الدُّبُّ الصَّغِيرُ» بَيْنَ ذِرَاعَيْهِ، فَيُنْقِذَ حَيَاتِي مِنَ الْهَلاكِ، وَيُتِيحَ لِيَ الْفُرْصَةَ لِأَرَاكِ، وَأَنْعَمَ بِلُقْيَاكِ.»
فَقَالَتْ «حَلِيمَةُ»: «شُكْرًا لَكِ عَلَى مَا غَمَرْتِنِي بِهِ مِنْ ثَنَاءٍ، وَإِنْ كَانَ مَا تُحَدِّثِينَنِي بِهِ — عَنِ الْوَسِيلَةِ الَّتِي هَيَّأَتْ لَكِ النَّجَاةَ، وَالْعَوْدَةَ إِلَى الْحَيَاةِ — أَمْرًا غَامِضًا، يَصْعُب عَلَى مِثْلِي أَنْ يُصَدِّقَهُ.
أَلا تَظُنِّينَ أَنَّ لِأَمِيرَةِ التَّوَابِعِ يَدًا فِي إِنْقَاذِكِ؟»
وَهُنَا بَرَّحَ بِهِمُ الْجُوعُ، وَأَصْبَحُوا لَا يُطِيقُونَ صَبْرًا عَلَى الْبَقَاءِ بِلا طَعَامٍ.
وَكَانَ «الدُّبُّ الصَّغِيرُ» قَدْ تَرَكَ فِي قَاعِ الْبِئْرِ مَا جَلَبَتْهُ لَهُ الْجِنِّيَّةُ مِنْ زَادٍ طَيِّبٍ شَهِيٍّ، وَشَرَابٍ سَائِغٍ هَنِيٍّ!
وَمَا أَتَمَّتْ ذَلِكَ حَتَّى عَادَتْ إِلَيْهِمْ بَاسِمَةً وَهِيَ تَقُولُ: «الْآنَ تَهَيَّأَتْ لَكُمُ الْمَائِدَةُ؛ فَهَلُمُّوا إِلَيْهَا أَيُّهَا الْأَعِزَّاءُ؛ فَقَدْ خَوَتْ مِنَّا الْبُطُونُ، وَكَادَ الْجُوعُ يَفْتَرِسُنَا، وَمَا أَظُنُّكُمْ قَدْ شَبِعْتُمْ مِنَ الْكَلامِ.»
•••
ثُمَّ اسْتَأْنَفَتْ «حَلِيمَةُ» قَائِلَةً وَالِابْتِسامُ لَا يُفَارِقُ ثَغْرَهَا: «هَلُمُّوا أَيُّهَا الْأَصْدِقَاءُ. هَاكُمُ الْفَطَائِرَ الشَّهِيَّةَ، الَّتِي بَعَثَتْ لَكُمْ بِهَا الْجِنِّيَّةُ. لَقَدْ أَعَدَّتْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا فَطِيرَةً كَامِلَةً؛ فَشُكْرًا لَهَا. وَهَاكُمُ الشِّوَاءُ اللَّذِيذُ الَّذِي أَعَدَّتْهُ لِطَعَامِنَا. وَإِلَيْكُمْ شَرَابَ التُّفَّاحِ الْفَاخِرَ الَّذِي أَعَدَّتْهُ لِشَرَابِنَا.
فَكُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا لَكُمْ. كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ هَذِهِ الْمَائِدَةِ الْحَافِلَةِ كَمَا تَشَاءُونَ، وَوَفْقَ مَا تَشْتَهُونَ.»
فَجَلَسَ «الدُّبُّ الصَّغِيرُ» وَ«مَاجِدَةُ» وَ«نَرْجِسُ» إِلَى الْمَائِدَةِ مَسْرُورِينَ. وَكَانَتْ حَافِلَةً بِأَشْهَى أَلْوَانِ الطَّعَامِ، وَلَمْ يَكُنْ يُنَغِّصُ بَالَهُمْ شَيْءٌ، وَلا يُكَدِّرُ صَفْوَهُمْ أَحَدٌ. وَانْطَلَقُوا يَتَحَدَّثُونَ، وَقَدْ غَمَرَتْهُمُ السَّعَادَةُ فَأَنْسَتْهُمْ — مِنْ صُنُوفِ الْعَذَابِ وَالْمِحَنِ — مَا كَابَدُوا مِنْ قَبْلُ.
وَلَمَّا انْتَهَوْا مِنَ الطَّعَامِ، أَظْهَرَتْ «حَلِيمَةُ» دَهْشَتَهَا لِتَغَيُّبِ أَمِيرَةِ التَّوَابِعِ عَنْهُمْ، وَلَمْ تَدْرِ كَيْفَ تُعَلِّلُ تَوَانِيَهَا فِي حِرَاسَتِهِمْ وَنَجْدَتِهِمْ، وَلا كَيْفَ غَفَلَتْ عَنِ الْعِنَايَةِ بِأَمْرِهِمْ، وَتَدْبِيرِ مَا يَكْفُلُ لَهُمُ الرَّاحَةَ فِي مَسْكَنِهِمْ وَنَوْمِهِمْ بَعْدَ أَنِ الْتَهَمَ الْحَرِيقُ الْبَيْتَ بِمَا يَحْوِيهِ، وَكَادَ — لَوْلا لُطْفُ اللهِ — يُهْلِكُ سَاكِنِيهِ.
أَلَيْسَ مِنَ الْعَجِيبِ أَنْ يَدْهَمَنَا الْحَرِيقُ وَأَنْ تَحُلَّ بِنَا هَذِهِ النَّكَبَاتُ الْمُتَلاحِقَةُ دُونَ أَنْ تُدْرِكَنَا أَمِيرَةُ التَّوَابِعِ، بِمَا تَعَوَّدَتْ أَنْ تُسْبِغَهُ عَلَيْنَا مِنْ مَعُونَةٍ وَنَجْدَةٍ؟ وَمَا أَدْرِي! كَيْفَ نَعِيشُ بَعْدَ الْيَوْمِ؟ وَكَيْفَ نَصْنَعُ إِذَا عَضَّنَا الْجُوعُ بِنَابِهِ بَعْدَ أَنْ أَكَلْنَا آخِرَ مَا قَدَّمَتْهُ «لُؤْلُؤَةُ» لَنَا مِنَ الزَّادِ؟
وَا حَسْرَتَاهُ! لَقَدْ تَغَيَّرَ كُلُّ شَيْءٍ؛ فَقَدْ كُنَّا نَعِيشُ فِي رَغَدٍ مِنَ الْعَيْشِ، لَا نَكَادُ نَطْلُبُ شَيْئًا حَتَّى نَجِدَهُ مَاثِلًا أَمَامَنَا بِأَسْرَعَ مِمَّا تَمَنَّيْنَاهُ. أَمَّا الْآنَ، فَقَدْ أَصْبَحْنَا لَا نَظْفَرُ بِغَيْرِ الْجُوعِ وَالشَّقَاءِ؛ فَمَا سَبَبُ هَذَا الْبَلاءِ؟»
وَكَانَتْ «مَاجِدَةُ» تُصْغِي إِلَى حَدِيثِ «حَلِيمَةَ» مُنْصِتَةً مُتَعَجِّبَةً، وَهِيَ لَا تَدْرِي كَيْفَ تُجِيبُهَا …
•••
ثُمَّ حَانَتْ مِنْهَا الْتِفَاتَةٌ إِلَى إِصْبَعِهَا — عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ — فَلَمْ تَجِدْ خَاتَمَهَا فِيهَا.
فَأَدْرَكَتْ «مَاجِدَةُ» حِينَئِذٍ سِرَّ الشَّقَاءِ، وَمَصْدَرَ الْبَلاءِ، وَعَرَفَتْ أَنَّ أَيَّامَ السَّعَادَةِ قَدِ انْقَضَتْ بِضَيَاعِ الْخَاتَمِ الَّذِي كَانَ يَجْلُبُ لَهُمُ السَّعَادَةَ وَالرَّخَاءَ، وَأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ أَمَامَهُمْ لِكَسْبِ عَيْشِهِمْ — بَعْدَ الْيَوْمِ — غَيْرُ الْعَمَلِ الشَّاقِّ وَحْدَهُ، وَإِلَّا هَلَكُوا جُوعًا.
•••
وَلَمَّا رَأَى «الدُّبُّ الصَّغِيرُ» وَ«نَرْجِسُ» مَا ارْتَسَمَ عَلَى جَبِينِ «مَاجِدَةَ» مِنْ أَمَارَاتِ الْأَسَى وَالْحُزْنِ، ابْتَدَرَاهَا بِالسُّؤالِ عَنْ مَصْدَرِ اكْتِئَابِهَا وَحَسْرَتِهَا.
فَقَالَتْ لَهُمَا مُتَفَجِّعَةً: «لَعَلَّ مِنَ الْجُحُودِ وَالْكُفْرِ بِالنِّعْمَةِ أَنْ يَقْلَقَ بِالُنَا بَعْدَ مَا غَمَرَنَا بِهِ اللهُ مِنْ فُنُونِ السَّعَادَةِ وَالتَّوْفِيقِ، وَهَيَّأَهُ لَنَا مِنْ لِقَاءٍ بَعْدَ فُرْقَةٍ، وَأَمَلٍ بَعْدَ يَأْسٍ، فَأَظْفَرَنَا بِلِقَاءِ أَعَزِّ النَّاسِ عَلَيْنَا، وَأَحَبِّهِمْ إِلَيْنَا!
لَا رَيْبَ أَنَّ الِاسْتِسْلامَ لِلْهَمِّ بَعْدَ كُلَّ مَا يَسَّرَهُ اللهُ لَنَا مِنْ فُنُونِ الْخَيْرِ وَالْبَهْجَةِ، إِنَّمَا هُوَ ضَرْبٌ مِنَ الْعُقُوقِ.
وَلَكِنْ لَا أَكْتُمُ — بِرَغْمِ هَذَا كُلِّهِ — قَلَقِي عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ بَعْدَ أَنْ تَفَقَّدْتُ الْخَاتَمَ فِي إِصْبَعِي فَلَمْ أَجِدْهُ فِيهَا.
وَأَغْلَبُ الظَّنِّ أَنَّهُ ضَاعَ فِي أَثْنَاءِ الْحَرِيقِ.
أَمَّا الْآنَ — وَقَدْ فَقَدْنَاهُ — فَمَا أَدْرِي كَيْفَ نُوَاجِهُ مَطَالِبَ الْحَيَاةِ!»
فَقَالَ لَهَا «الدُّبُّ الصَّغِيرُ»: «هَوِّنِي عَلَيْكِ يَا أُمَّاهُ، وَلا تَجْعَلِي لِلْهَمِّ سَبِيلًا إِلَى قَلْبِكِ، وَلا تَحْسِبِي لِلْمُسْتَقْبَلِ حِسَابًا، وَسَأَتَكَفَّلُ لَكِ بِكُلِّ مَا يُعْوِزُكِ؛ فَقَرِّي عَيْنًا، وَطِيبِي نَفْسًا!
أَلَسْتُ أَنَا كَبِيرَ السِّنِّ قَوِيَّ الْجِسْمِ؟ فَمَاذَا يَعُوقُنِي عَنِ الْعَمَلِ؟ وَمَاذَا يَمْنَعُنِي مِنْ كَسْبِ أَقْوَاتِنَا؟
وَلَنْ يُعْجِزَنِي — إِنْ شَاءَ اللهُ — أَنْ أَحْصُلَ عَلَى كُلِّ مَا تَطْلُبِينَ، وَأَنْ أُيَسِّرَ لَكِ كُلَّ مَا تُرِيدِينَ، بِعَرَقِ الْجَبِينِ.»
•••
وَهُنَا انْدَفَعَتْ «نَرْجِسُ» إِلَى الْكَلامِ، فَقَالَتْ ﻟ «مَاجِدَةَ» مُتَحَمِّسَةً: «وَمَاذَا يَمْنَعُنِي عَنِ الْعَمَلِ، أَلَسْتُ قَادِرَةً عَلَيْهِ؟ وَهَلْ تَعْجِزُ مِثْلِي عَنْ مُسَاعَدَتِكِ يَا أُمَّاهُ، وَمُشَارَكَةِ «حَلِيمَةَ» فِيمَا تَقُومُ بِأَدَائِهِ؟»
فَقَالَ لَهَا «الدُّبُّ الصَّغِيرُ»: «لِيَطْمَئِنَّ بَالُكُنَّ جَمِيعًا؛ فَهَا أَنَا ذَا أَبْدَأُ السَّعْيَ إِلَى رِزْقِي مُنْذُ هَذِهِ اللَّحْظَةِ، وَلَنْ أَتَرَدَّدَ فِي الْبَحْثِ عَمَّا يُدِرُّ عَلَيْنَا مَا يَكْفِي حَاجَتَنَا مِنَ الْعَيْشِ. فَإِلَى اللِّقَاءِ أَيَّتُهَا الْعَزِيزاتُ.»
ثُمَّ قَبَّلَ «الدُّبُّ الصَّغِيرُ» يَدَ أُمِّهِ، وَحَيَّا «نَرْجِسَ» وَ«حَلِيمَةَ»، وَسَارَ فِي طَرِيقِهِ لَا يُلْوِي عَلَى شَيْءٍ.
وَابْتَعَدَ عَنْهُنَّ وَقَلْبُهُ يَفِيضُ نَشَاطًا وَرَجَاءً وَاطْمِئْنَانًا، وَهُوَ لَا يَدْرِي مَا يَخْبَؤُهُ لَهُ الْقَدَرُ — فِي طَرِيقِهِ — مِنْ مَصَائِبَ وَعَقَبَاتٍ، وَمَا تُعِدُّهُ لَهُ الْأَيَّامُ مِنْ أَحْدَاثٍ وَمُفَاجِئَاتٍ.