سِوَارُ الْأَمِيرَةِ
وَمَا زَالَ «الدُّبُّ الصَّغِيرُ» وَ«نَرْجِسُ» يَتَجَاذَبَانِ الْحَدِيثَ حَتَّى بَلَغَا الدَّسْكَرَةَ.
وَكَانَتْ «مَاجِدَةُ» وَ«حَلِيمَةُ» تَتَحَدَّثَانِ أَمَامَ بَابِ الدَّارِ فِي بَعْضِ شَأْنِهِمَا؛ فَلَمَحَتَا «الدُّبَّ الصَّغِيرَ» مُقْبِلًا عَلَيْهِمَا، وَقَدِ اشْتَبَكَتْ ذِرَاعُهُ بِذِرَاعِ طِفْلَةٍ صَغِيرَةٍ، بَارِعَةِ الْجَمَالِ، فَاخِرَةِ الثِّيَابِ.
فَابْتَدَرَهُمَا «الدُّبُّ الصَّغِيرُ» مُنَادِيًا: «هَا هِيَ ذِي «نَرْجِسُ» قَادِمَةً عَلَيْكِ يَا أُمَّاهُ!
أَرَأَيْتِ كَيْفَ هِيَ جَمِيلَةٌ!
لَقَدْ أَسْعَدَنِي الْحَظُّ بِالْعُثُورِ عَلَيْهَا بَيْنَ أَشْجَارِ الْغَابَةِ.
وَهِيَ — كَمَا تَرَيْنَ — آيَةٌ فِي الْوَدَاعَةِ وَاللُّطْفِ، غَايَةٌ فِي دَمَاثَةِ الْخُلُقِ وَصَفَاءِ النَّفْسِ.
وَسَيَزِيدُكِ حُبًّا لَهَا، وَشَغَفًا بِهَا، أَنَّهَا لَمْ تَنْفِرْ مِنِّي وَلَمْ تَهْرُبْ؛ بَلْ أَقْبَلَتْ عَلَيَّ، وَأَنِسَتْ بِي.
وَقَدْ حَزَنَهَا بُكَائِي، فَلَمْ تَدَّخِرْ وُسْعًا فِي إِسْعَادِي.»
فَسَأَلَتْهُ «مَاجِدَةُ»: «وَمَاذَا حَزَنَكَ — يَا وَلَدِيَ الْعَزِيزَ — وَأَبْكَاكَ؟»
فَقَاطَعَتْهُ الصَّغِيرَةُ عَلَى الْفَوْرِ: «وَلَكِنَّ «نَرْجِسَ» الْآنَ غَيْرُ خائِفَةٍ مِنْكَ، عَلَى أَيِّ حَالٍ.
لَقَدْ فَرِحَتْ «نَرْجِسُ» بِلِقَاءِ «الدُّبِّ الصَّغِيرِ»، وَرَضِيَتْ بِهِ أَخًا وَصَدِيقًا، وَقَاسَمَتْهُ مَا قَطَفَهُ لَهَا مِنَ الْكَرِيزِ!»
فَقَالَتْ «حَلِيمَةُ»: «أَيَّ أَلْغازٍ نَسْمَعُ؟
تُرَى مَاذَا يَعْنِيَانِ بِمَا يَقُولانِ؟
أَيُّ طِفْلَةٍ هَذِهِ الَّتِي أَحْضَرَهَا مَعَهُ «الدُّبُّ الصَّغِيرُ»؟
وَكَيْفَ عَثَرَ عَلَيْهَا؟
وَكَيْفَ سَاقَتْهَا إِلَى الْغَابَةِ قَدَمَاهَا؟ دُونَ أَنْ يَصْحَبَهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهَا وَيَرْعَاهَا؟ وَمَنْ عَسَاهَا تَكُونُ؟ وَمَنْ أَبَوَاهَا؟
فَقَالَ لَهَا «الدُّبُّ الصَّغِيرُ»: «ما الْمَسْئُولُ بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ!
فَمَا أَدْرِي مِنْ أَمْرِهَا غَيْرَ مَا أَخْبَرْتُكِ بِهِ، وَلا أَعْلَمُ مِنْ قِصَّتِهَا أَكْثَرَ مِنْ أَنَّنِي لَقِيتُهَا مُصَادَفَةً فِي الْغَابَةِ وَهِيَ نَائِمَةٌ، وَرَأَيْتُهَا تَسْتَيْقِظُ مِنْ نَوْمِهَا بَاكِيَةً مَحْزُونَةً.
وَمَا وَقَعَتْ عَيْنَاهَا عَلَيَّ، حَتَّى عَلَا صُرَاخُهَا، واشْتَدَّ خَوْفُهَا.
وَأَرَدْتُ أَنْ أَتَحَدَّثَ إِلَيْهَا، فَلَمَّا رَأَتْنِي أَدْنُو مِنْهَا، عَاوَدَتْ صُرَاخَهَا فَزَعًا مِنْ رُؤْيَتِي؛ فَاشْتَدَّ لِذَلِكِ أَلَمِي وَحَيْرَتِي.»
إِنَّ «نَرْجِسَ» مَحْزُونَةٌ بِمَا أَسْلَفَتْهُ مِنْ إِسَاءَةٍ إِلَيْكَ، عَلَى غَيْرِ قَصْدٍ مِنْهَا.
إِنَّ «نَرْجِسَ» شَدِيدَةُ الْأَلَمِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ سَبَبَ بُكَائِكَ، وَمَصْدَرَ شَقَائِكَ، وَمَبْعَثَ عَنَائِكَ!»
فَأَسْرَعَتْ «مَاجِدَةُ» إِلَى «نَرْجِسَ» تُقَبِّلُهَا حَانِيَةً عَلَيْهَا، فَرِحَةً بِهَا، شَاكِرَةً لِصَنِيعِهَا، قَائِلَةً: «مَا أَكْرَمَ نَفْسَكِ وَأَصْدَقَ وَفَاءَكِ؛ إِذْ تَعْطِفِينَ عَلَى هَذَا الطِّفْلِ الْمِسْكِينِ، بَعْدَ أَنْ تَحَالَفَتْ عَلَيْهِ التَّعَاسَةُ وَالشَّقَاءُ!»
فَقَالَتْ «نَرْجِسُ»: «مَا أَسْعَدَنِي بِلِقَائِهِ دَائِمًا!
إِنَّ «نَرْجِسَ» تُحِبُّ «الدُّبَّ الصَّغِيرَ» بِلا شَكٍّ، وَسَتَبْقَى «نَرْجِسُ» مَعَهُ دَائِمًا.»
وَعَجِبَتْ «مَاجِدَةُ» وَ«حَلِيمَةُ» مِمَّا سَمِعَتَاهُ مِنَ الْغَرَائِبِ، وَسَأَلَتَا «نَرْجِسَ» عَمَّا تَعْرِفُهُ عَنْ أَهْلِهَا؛ فَلَمْ تُخْبِرْهُمَا بِجَدِيدٍ، واقْتَصَرَتْ عَلَى مَا قَالَتْهُ ﻟ «الدُّبِّ الصَّغِيرِ» وَهُوَ: أَنَّ أَبَاهَا مَلِكٌ وَأُمَّهَا مَلِكَةٌ.
ثُمَّ لَمْ تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا.
وَلَهَا مَوْفُورُ الْعُذْرِ فِي جَهْلِهَا؛ فَمَا كَانَتِ الطِّفْلَةُ الْمِسْكِينَةُ تَدْرِي: كَيْفَ وُجِدَتْ فِي الْغَابَةِ؟ وَلا تَعْرِفُ أَيْنَ نَشَأَتْ؟ وَمِنْ أَيِّ مَكَانٍ خَرَجَتْ؟
وَكَانَ مَبْلَغُ عِلْمِهَا: أَنَّهَا رَكِبَتْ كَلْبًا كَبِيرًا، وَأَنَّهُ ظَلَّ يَجْرِي بِهَا فِي الْغَابَةِ إِلَى حَيْثُ لَا تَعْلَمُ؛ حَتَّى إِذَا اشْتَدَّ بِهَا التَّعَبُ، تَرَكَهَا تَحْتَ الشَّجَرَةِ؛ حَيْثُ وَجَدَهَا «الدُّبُّ الصَّغِيرُ» نَائِمَةً، بَعْدَ مَا كَابَدَتْهُ مِنَ التَّعَبِ.
وَلَمْ تُقَصِّرْ «مَاجِدَةُ» فِي بَذْلِ عِنَايَتِهَا، لِتَكْفُلَ لِلطِّفْلَةِ التَّائِهَةِ كُلَّ مَا فِي وُسْعِهَا مِنْ رِعَايَةٍ.
وَقَدْ شَعَرَتْ «مَاجِدَةُ» بِانْعِطَافٍ إِلَيْهَا، بَعْدَ مَا غَمَرَتْ بِهِ «الدُّبَّ الصَّغِيرَ» مِنْ فُنُونِ الْبَهْجَةِ وَأَلْوَانِ الْهَنَاءِ.
وَشَكَرَتْ لَهَا مَا أَظْهَرَتْهُ لِوَلَدِهَا مِنْ حُنُوٍّ وَإِخْلاصٍ، فَتَحَا لَهُ سَبِيلَ السَّعَادَةِ، وَكَشَفَا عَنْهُ مَا كَانَ يُظَلِّلُهُ مِنْ سُحُبِ الْيَأْسِ الْمُتَرَاكِمَةِ.
•••
وَلَمَّا جَاءَ وَقْتُ الْعَشَاءِ، أَعَدَّتْ «مَاجِدَةُ» وَ«حَلِيمَةُ» مَائِدَةَ الطَّعَامِ.
وَتَهَلَّلَتْ أَسَارِيرُ «الدُّبِّ الصَّغِيرِ»، وَفَاضَ وَجْهُهُ بِشْرًا وابْتِهَاجًا … وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بِالسَّعَادَةِ عَهْدٌ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ.
وَفَاضَ قَلْبُ «حَلِيمَةَ» بِالْبَهْجَةِ، بَعْدَ أَنْ رَأَتِ الطِّفْلَ الْعَزِيزَ وَقَدْ أَتَاحَ لَهُ الْحَظُّ السَّعِيدُ تِلْكَ الطِّفْلَةَ النَّبِيلَةَ، الَّتِي مَلَأَتْ حَيَاتَهُ مَحَبَّةً وَإِينَاسًا.
وَكَانَتْ تَسِيرُ مُبْتَهِجَةً طَرُوبًا، فَتَقْفِزُ قَفَزَاتٍ مَرِحَةً؛ فَعَثَرَتْ إِحْدَى قَدَمَيْهَا — وَهِيَ تَقْفِزُ — بِإِنَاءِ قِشْدَةٍ، فَانْسَكَبَ مَا فِيهِ عَلَى الْأَرْضِ.
عَلَى أَنَّ الْقِشْدَةَ لَمْ تَذْهَبْ ضَيَاعًا؛ فَكَانَتْ مِنْ نَصِيبِ الْقِطِّ. وَقَدْ وَجَدَ فِيهَا عَشَاءً سَائِغًا شَهِيًّا، فَأَقْبَلَ عَلَيْهَا يَلْتَهِمُهَا، فَلَمْ يُبْقِ مِنْهَا أَيَّ أَثَرٍ.
وَنَامَتْ «نَرْجِسُ» عَلَى كُرْسِيِّهَا، بَعْدَ أَنْ أَتَمَّتْ عَشَاءَهَا.
وَهُنَا تَحَيَّرَتْ «مَاجِدَةُ»، فَلَمْ تَدْرِ كَيْفَ تُهَيِّئُ فِرَاشًا لِرُقَادِ «نَرْجِسَ»؛ فَلَمْ يَكُنْ فِي الْبَيْتِ سَرِيرٌ لِنَوْمِهَا.
وَرَأَى «الدُّبُّ الصَّغِيرُ» حَيْرَتَهَا، فَقَالَ لَهَا مُتَعَجِّبًا: «كَيْفَ تَتَحَيَّرِينَ فِي ذَلِكِ — يَا أُمَّاهُ — وَسَرِيرِي حَاضِرٌ لِنَوْمِهَا؟
وَلَيْسَ أَشْهَى إِلَى قَلْبِي مِنْ تَوْفِيرِ الرَّاحَةِ لَهَا، كَمَا وَفَّرَتْ لِي سَعَادَتِي!»
فَعَجِبَتْ «مَاجِدَةُ» وَ«حَلِيمَةُ» مِنْ وَفَائِهِ، وَنُكْرَانِهِ ذَاتَهُ، وَإِيثَارِهِ رَاحَةَ غَيْرِهِ عَلَى رَاحَتِهِ.
وَذَهَبَتْ «مَاجِدَةُ» إِلَى «نَرْجِسَ» وَهِيَ رَاقِدَةٌ عَلَى الْكُرْسِيِّ، وَحَمَلَتْهَا بَيْنَ يَدَيْهَا حَانِيَةً مُتَرَفِّقَةً، وَاسْتَبْدَلَتْ بِمَلَابِسِهَا ثِيَابَ النَّوْمِ دُونَ أَنْ تُوقِظَهَا؛ ثُمَّ أَرْقَدَتْهَا فِي سَرِيرِ وَلَدِهَا، وَهُوَ مِنْ سَرِيرِهَا قَرِيبٌ.
وَأَبَى «الدُّبُّ الصَّغِيرُ» إِلَّا أَنْ يَنَامَ عَلَى الْقَشِّ، حَيْثُ تَنَامُ الدَّوَابُّ فِي الْإِصْطَبْلِ، وَاسْتَسْلَمَ لِرُقَادٍ هَانِئٍ سَعِيدٍ، يَسُودُهُ الْهُدُوءُ وَالِاطْمِئْنَانُ وَرَاحَةُ الضَّمِيرِ.
أَمَّا «مَاجِدَةُ» فَكَانَ لَهَا شَأْنٌ آخَرُ؛ فَلَمْ يَزُرِ النَّوْمُ عَيْنَيْهَا، وَقَضَتْ لَيْلَتَهَا سَاهِرَةً.
فَقَالَتْ لَهَا «حَلِيمَةُ»: «فِيمَ تُفَكِّرِينَ يَا سَيِّدَتِي الْعَزِيزَةَ؟
وَمَا لِيَ أَرَى الْحُزْنَ بَادِيًا عَلَى عَيْنَيْكِ، مُرْتَسِمًا عَلَى أَسَارِيرِكِ، وَقَدْ غَاضَتْ الِابْتِسَامَةُ فَلا أَثَرَ لَهَا عَلَى فَمِكِ؟»
فَلَمْ تُجِبْهَا «مَاجِدَةُ» بِشَيْءٍ.
فَقَالَتْ لَهَا «حَلِيمَةُ»: «لَقَدْ جِئْتُ إِلَيْكِ — فِي هَذِهِ السَّاعَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ مِنَ اللَّيْلِ — لِأُفْضِيَ إِلَيْكِ بِنَبَأٍ خَطِيرٍ!»
فَقَالَتْ «مَاجِدَةُ»: «أَيُّ نَبَأٍ تَحْمِلِينَهُ؟»
فَقَالَتْ: «يُخَيَّلُ إِلَيَّ أَنَّ فِي سِوَارِ الطِّفْلَةِ الصَّغِيرَةِ سِرًّا مِنَ الْأَسْرَارِ الَّتِي تَهْدِينَا إِلَى حَقِيقَةِ أَهْلِهَا، وَتُرْشِدُنَا إِلَى اسْمِ أُسْرَتِهَا.
وَلَقَدْ حَاوَلْتُ جَهْدِي أَنْ أَفْتَحَ إِطَارَهُ فَلَمْ أَسْتَطِعْ وَضَاعَتْ جُهُودِي عَلَى غَيْرِ طَائِلٍ!»
وَكَانَ أَكْبَرُ مَا يَشْغَلُ «مَاجِدَةَ»، وَيُبَدِّدُ نَوْمَهَا فِي لَيْلَتِهَا، وَيُقْلِقُ رَاحَتَهَا، أَنَّهَا كَانَتْ تُطِيلُ التَّفْكِيرَ فِي حَلِّ هَذَا اللُّغْزِ، فَلا تَظْفَرُ بِمَا يُنِيرُ لَهَا الطَّرِيقَ، وَيَهْدِيهَا إِلَى مَا خَفِيَ مِنْ أَمْرِ تِلْكَ الضَّيْفِ الصَّغِيرَةِ.
فَلَمَّا سَمِعَتْ مَا تَقُولُ «حَلِيمَةُ»، عَاوَدَهَا الْأَمَلُ فِي الْوُصُولِ إِلَى بَصِيصٍ مِنَ النُّورِ، يَكْشِفُ لَهَا ظُلُمَاتِ الْيَأْسِ؛ فَقَالَتْ ﻟ «حَلِيمَةَ» مُتَعَجِّبَةً: «لَقَدْ جِئْتِ فِي وَقْتٍ، أَنَا فِيهِ أَشَدُّ مَا أَكُونُ حَاجَةً إِلَيْكِ.
وَرُبَّمَا سَاعَدَنِي هَذَا السِّوارُ عَلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِيقَةِ؛ فَقَدْ كَانَ يَدُورُ بِرَأْسِي — قَبْلَ مَجِيئِكِ — أَفْكَارٌ غَامِضَةٌ، حَجَبَهَا النِّسْيَانُ عَنِّي، فَلَمْ أَتَبَيَّنْهَا، بِرَغْمِ مَا بَذَلْتُهُ!»
ثُمَّ أَمْسَكَتْ «مَاجِدَةُ» بِالسِّوَارِ، وَظَلَّتْ تَضْغَطُ إِطَارَهُ بِأَصَابِعِهَا — فِي كُلِّ جِهَةٍ مِنْهُ — لِتَفْتَحَهُ؛ فَلَمْ تَظْفَرْ بِشَيْءٍ مِمَّا تُرِيدُ.
وَحَانَتْ مِنْهَا الْتِفَاتَةٌ، فَرَأَتِ امْرَأَةً يَتَلَأْلَأُ وَجْهُهَا نُورًا فِي وَسَطِ الْحُجْرَةِ؛ كَمَا تَتَلَأْلَأُ الشَّمْسُ فِي رَائِعَةِ النَّهَارِ.
وَتَبَدَّى وَجْهُهَا نَاصِعَ الْبَيَاضِ رَائِعَ الْحُسْنِ، وَاسْتَرْسَلَ شَعْرُهَا الذَّهَبِيُّ وازْدَانَ جَبِينُهَا الْوَضَّاحُ بِتَاجٍ مِنَ النُّجُومِ الْمُتَأَلِّقَةِ.
وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ مُتَوَسِّطَةَ الْقَامَةِ، بَدِيعَةَ الصُّورَةِ، شَفَّافَةَ الْجِسْمِ، تَنْبَعِثُ أَنْوارُهَا فِي كُلِّ الْأَرْجَاءِ، وَقَدْ تَبَدَّى ثَوْبُهَا الْفَضْفَاضُ مُزْدَانًا بِمِثْلِ لَأْلَاءِ النُّجُومِ عَلَى جَبِينِهَا، وَانْبَعَثَتْ مِنْ عَيْنَيْهَا نَظَرَاتٌ تَشِعُّ مِنْهَا دَلَائِلُ الْعَطْفِ، وَتَفِيضُ عَذُوبَةً وَإِشْرَاقًا، وارْتَسَمَتْ عَلَى سِيمَاهَا أَسْمَى مَعَانِي الْمَحَبَّةِ وَالْإِخْلَاصِ، وَأَشْرَقَتْ عَلَى فَمِهَا ابْتِسامَةٌ يَتَجَلَّى فِيهَا صَادِقُ الْوَفَاءِ، وَتَنُمُّ عَنْ ذَكَاءٍ وَتَجْرِبَةٍ، وَلَا تَصْدُرُ إِلَّا عَنْ نَفْسٍ مُهَذَّبَةٍ، نَزَّاعَةٍ إِلَى الْخَيْرِ.