مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
فكرة المهدي والمهدوية لعبت دورًا كبيرًا في الإسلام من القرن الأول إلى اليوم. وسبب نجاحها يرجع إلى شيئين: الأول أن نفسية الناس تكره الظلم وتحب العدل، سنتهم في جميع الأزمنة والأمكنة، فإذا لم يتحقق العدل في زمنهم لأي سبب من الأسباب اشرأبت نفوسهم لحاكم عادل تتحقق فيه العدالة بجميع أشكالها، فمن الناس من لجأ إلى الخيال يعيش فيه وألَّف في ذلك اليوتوبيا أو المدن الفاضلة على حد تعبير الفارابي، وخلق من خياله دنيا ونظامًا عادلًا كل العدالة، خاليًا من الظلم كل الخلو، وعاش فيه بخياله ينعم بالعدل الخيالي، فقد روى لنا في الشرق والغرب يوتوبيات كثيرة على نمط جمهورية أفلاطون.
ومنهم من نزع إلى الثورة يريد رفع هذه المظالم وتحقيق العدالة الاجتماعية في الدنيا الواقعة، فلما عجزوا عن تحقيقها أمَّلوها، وإذا جاءت هذه الفكرة عن طريق الدين كان الناس لها أكثر حماسة وغيرة وأملًا، فوجدوا في فكرة المهدي ما يحقق أملهم؛ ولذلك كثرت هذه الفكرة في الأديان المختلفة من يهودية ونصرانية وإسلام؛ فاعتقد اليهود رجوع إيليا واعتقد المسيحيون والمسلمون رجوع عيسى قبل يوم القيامة يملأ الأرض عدلًا كما ملئت ظلمًا. ولعلهم رمزوا إلى العدالة بالمسيح وإلى الظلم بالمسيخ الدجال، وسلطوا المسيح على المسيخ فقتله إيماءً بأن العدل يسود والظلم يموت وفقًا للأمل.
والثاني أن الدنيا في الشرق والغرب مملوءةً ظلمًا، وذلك في كل العصور، وقد حاول الناس كثيرًا أن يزيلوا الظلم عنهم، ويعيشوا عيشة سعيد في جو مليء بالعدل فلم يفلحوا، فلما لم يفلحوا أمّلوا فكان من أملهم إمام عادل، إن لم يأت اليوم فسيأتي غدًا، وسيملأ الأرض عدلًا، وستتحقق على يديه جميع الآمال.
وكانت فكرة المهدية تحقق هذين الغرضين، وقد سادت الشرق أكثر مما سادت الغرب؛ لأن الشرقيين أكثر أملًا، وأكثر نظرًا للماضي والمستقبل، والغربيين أكثر عملًا وأكثر نظرًا إلى الواقع، فهم واقعيون أكثر من الشرقيين؛ ولأن الشرقيين أميل إلى الدين، وأكثر اعتقادًا بأن العدل لا يأتي إلا مع التدين. وفكرة المهدية فكرة دينية تتمشى مع هذه الأغراض.
أردت أن أشرح هذه الفكرة وأتتبع تاريخها من أول عهدنا بها، فكان هذا الكتيب. والله نسأل أن يوفقنا إلى إحقاق الحق وإبطال الباطل.