القاديانية
وأتى على أثرها فرقه القاديانية زعيمها «غلام أحمد»، وانتشرت في الهند، والقاديانية نسبة إلى قاديان، وهي بلدة من إعمال البنجال.
وقد زعم «غلام أحمد» هذا أن عيسى ابن مريم مدفون بموضوع قريب من كشمير، وهو قبر بوذي قديم. ويقول: إن عيسى ذهب إلى هذا المكان فرارًا من اليهود ببيت المقدس وأن الوفاة هناك، وزعم أن هناك شواهد تاريخية كثيرة تؤيده، كما زعم أنه المهدي المنتظر وأن الله حل في جسده وأن له أيضًا رسالة عالمية لا للمسلمين وحدهم، وكذلك مهديته من جنس سلمي كالباب لا من جنس عنيف كالفاطمية والحشاشين، وأعلن عدم الجهاد وحبب إلى أتباعه السلم والتسامح وعدم التعصب، ووجههم إلى العلم والثقافة، واجتهد في أن يكون ظاهره من المسلمين.
وقد بلغ أتباعه نحو مائة ألف والتف حوله بعض الهنود المثقفين ثقافة أوروبية، وأنشئوا مجلة إسلامية في لندن، وتوفي غلام أحمد هذا سنة ١٩٠٨ في لاهور وكتب على قبره، «ميرزا غلام أحمد موعود»، ومعنى موعود مهدي، وأوصى بإنشاء مجلس ينتخب انتخابًا حرًّا، ومن وظيفته أن ينتخب الرئيس الروحي للأحمدية، وقد احتضنت هذا المذهب أيضًا الدولة البريطانية للأسباب التي ذكرناها من قبل، وقد ترجموا القرآن إلى الإنجليزية وطبعوه طبعًا متقنًا بالعربية والإنجليزية، وعلقوا عليه بالإنجليزية بعض تعليقات غريبة كدعواهم أن الجن هم الغرباء وكتفسيرهم آية سليمان فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ بأن المعنى أن هؤلاء الغرباء كانوا يستولون شيئًا فشيئًا على بعض البلاد التي كان يمتلكها، فلما مات سليمان ما دلهم على موته إلا انفتاح الباب أمامهم، وعدم انتقام سليمان منهم وإخضاعهم، وهكذا تدور التفاسير والتعليقات على تأويل كل شيء يدل ظاهره على مخالفة العقل.
وإذا كانت تعاليمهم وتعاليم الباب والبهاء غير واضحة تمام الوضوح، وكان اضطهادهم سببًا في ضياع كثير من مذهبهم وروايتها عن طريق أعدائهم، فربما نسب إليهم ما ليس من رأيهم، والله أعلم.
وقد قال أحد الكتاب المحدثين عن فرقة القاديانية: وسهلت الحكومة البريطانية لأتباع غلام أحمد التوظف بالمحلات الحكومية العالية وإدارة الشركات الكبيرة والمفوضيات في الممالك الخارجية، وجعلت منهم ضباطًا في رتب كبيرة في مخابراتها السرية، وفوضت إليهم إمارة مدن كبيرة، وجعلت البعض منهم وكلاء الإمارات وغير ذلك من أمور الدولة الهامة.
وحين تم تقسيم شبه الجزيرة الهندية إلى دوليتين: باكستان وهندستان، انحازت أكثرية هذه الفرقة إلى الباكستان، وأخذ أفرادها يجدون ويجتهدون في نشر مبادئهم الهدامة بطرق مختلفة، وأسسوا في معظم البلاد العربية وغيرها دون المملكة السعودية مراكز لتبليغ، ونشر ادعاءاتهم الكاذبة بجد ونشاط غير عادي.
وأعلن غلام أحمد أن من لا يصدق بنبوته لا يدخل الجنة أبدًا، وأمر أتباعه بأن يصلوا مع بعضهم ولا يصلوا وراء إمام آخر مسلم لا يعتقد اعتقادهم، ولا يصلوا على الجنائز سواء كانت جنازة صغير أم كبير.
وجاء في بعض كتبه: «أنا أحمد الذي بشر به عيسى — عليه السلام — وجاء نصه في القرآن وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ، هذه الآية في حقي. وليست في حق محمد حيث إنه محمد وأنا أحمد. «وأنكر الاعتقاد بأن لا نبي بعد محمد، بل إن ذلك قلة أدب في حضرة النبي ﷺ وباب النبوة مفتوح، والدين الذي يغلق باب النبوة دين ميت».
«إن الله أخبر بأن قاديان هي أم القرى وهي الحقيقة، والآن تحولت البركات التي تنزل بمكة والمدينة إلى قاديان». «ولا شك أن ذكر قاديان في كلام الله موجود حيث ورد: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ. والمسجد الأقصى الذي ورد ذكره في القرآن هو الذي بناه غلام أحمد».
ويعلن غلام أحمد بأن من لم يطعه ولم يبايعه، فقد عصى الله وعصى رسوله، وتعدى الطريق ومصيره إلى جهنم.
ومن تعاليمهم أن الحج يحتاج إلى مال كثير يصرفه الحاج في سفره، وقد يصل إلى حد الإسراف وأكثر هذا المال يذهب إلى صناديق الشركات الأجنبية التي لا تفيد المسلمين شيئًا، ويقترحون عليهم أن المال الذي يصرف على الحج يجب أن تفتح به مدارس لتعليم القرآن الكريم، حيث يستفيد الواحد منه إلى الأبد … إلى أمثال هذه الدعاوى.
وهذه الفرقة تسمى أحيانًا القاديانية، وأحيانًا تسمى الأحمدية نسبة إلى غلام أحمد، وأكثر المسلمين ينفرون منهم، ويعتقدون أنهم مارقون عن الإسلام خارجون على أهله، وقد صرح مصطفى كمال باشا وشيخ الإسلام ومفتي الإسلام بخروج القاديانية عن الإسلام. ويزعم محمد علي وأتباعه أنهم مسلمون، وأن غلام أحمد ليس إلا مسلمًا ومجددًا، ولكن في كتبهم الأساسية ما يثبت غير ذلك، فقد نشر في مجلة الديانات مجلد ٦ ص٢٩٩ أن (محمد علي) رئيس القاديانية كتب أن الصاحب ميرزا «نبي» آخر الزمان، ويعنون بميرزا هذا غلام أحمد، وجاء في الخطبة الإلهامية لميرزا هذا قال: رأيت في المنام أني إله وأنا في اعتقادي كذلك «ع كمالات ص ٥٦٥»، ويقول: إني أعتقد أن الإيحاءات التي أتلقاها معصومة من الخطأ كتلك التي كان ينزل بها القرآن «الدر الثمين». وقال: «إن إيماني بما يوحى إليَّ ليس أقل — على كل حال — من إيماني بالقرآن الكريم».
وجاء في أخبار الأخبار «أن الله يقول له أي ميرزا: أخبر الناس كافة أنك الرسول المقدس إليهم جميعًا»، وجاء في كتاب آخر، أن الله الحق هو الذي أرسل نبيه في قاديان، وأن مدينة قاديان ستظل في مأمن من الوباء إذ كانت محل إقامته، ثم تدلى فزعم أنه أعظم من الحسين بن علي، وأنه المهدي المنتظر.
•••
كما نشأ في الهند زعماء كثيرون تسموا بالمهدي، ولكن دعوتهم لم تلق النجاح الذي لقيته البابية والبهائية والقاديانية، كدعوى السيد أحمد الذي ظهر في أوائل القرن التاسع عشر في جهات الهند، وحارب الأشياخ على حدود بنجاب الشمالية الغربية سنة ١٨٢٦، ولكن لم تقم له قائمة.