(نفس منظر المعبد الذي في الفصل السابق.)
الواقعة الأولى
(رحيو – ساتني – رئيس الكهنة – الكهنة – ثم الشعب – سوكتي – نرم
– بتيو – كريبا – ثم مييريس ويوما)
عند رفع الستار يكون القوم ساجدين بوجوههم على الأرض والكهنة قائمون للصلاة
ينشدون.
الكهنة
(نشيد)
:
مجد إيزيس علاه
يغفر الذنب العظيما
فليكن آمون برًّا
برعاياه رحيما
•••
هب لنا آمون عفوًا
عن جميع الخاطئينا
واجعل الأيام صفوًا
للجناة التائبينا
رحيو
(إلى رئيس الكهنة)
:
ها قد سجد أمامك بأمر فرعون الثائرون نادمين.
رئيس الكهنة
(إلى الشعب)
:
حطمتم تماثيل آلهتكم وحقرتموها، ولكن وسعت رحمتها كل شيء، فطأطأت
إيزيس هامتها رضاءً عنكم، وها قد أقبلتم نادمين، وأتيتم تائبين،
واستنكرتم ما أتيتم من الكبائر، وجئتم للعقاب مستقبلين، ولكن
آلهتكم تقبلت توبتكم، وكشفت عنكم غمتكم، وسمحت لكم بتقديم القربان
للنيل، وأذنت أن يُفيض عليكم هذا العام أيضًا خيره العميم، فأين
التي اصطفاها ربكم لفداء مصر، ألم تحضر؟
يوما
(تهب قائمة مشرقة الوجه)
:
ها أنا ذا.
رئيس الكهنة
:
ألبسوها الحلة المقدسة، وخذوها في موكبها إلى دار المجد ونعيم
الخلد.
يوما
:
هيا.
(تهب بعض النساء وتخرج مع يوما يسارًا.)
رئيس الكهنة
:
لقد ولجتُ الهيكل في هذا الصباح، عند بزوغ أنوار آمون رع المقدسة
من العالم السفلي، فاستقبلتُ وجه إلهنا، وسمعتُ ما ألقاه عليَّ من
الوحي، وها أنا مُعيد عليكم ما أمرني به ربي … يا رحيو (يهب رحيو واقفًا) لقد ذهبت إلى
فرعون نور رع وسناه، فاعتذرتَ نادمًا على ما فعلت ورجوتَ منه الصفح
عما أتيت، وأقسمتَ بجثة أبيك أن تخلص له الخدمة، ودفعتَ لنا بتلك
الجثة رهينة على البر بيمينك، ثم كشفت لنا عمن تآمروا على خلع رب
مصر عن عرشه، لينال منهم غضبه وعدله، وأعلنت للملأ أنك لم تدع قومك
يحطمون تماثيل آلهتك، إلا مأخوذًا بما دبره لك ساتني من السحر فسلب
به عقلك، وقد منحك مولاك العفو كرمًا منه وفضلًا، وما كنت لتناله
لولا ما أوتي فرعون من الحلم والرحمة، عفا عنك ولكن بشروط ستعلمها
بعد حين (يطأطئ رحيو رأسه
ويجثو). ساتني (يهب ساتني
مطرقًا يخيل لناظره أن الخجل والألم قد نالا منه)
ساتني لقد اعترفتَ بقدرة الآلهة التي اجترأتَ على إنكارها، وها أنت
مُعلن للملأ إيمانك بها، بسجودك لها بعد كفرك بها، ولقد لُقنتَ في
هذا الهيكل أسرار علومك الأولى، فأصبحت حياتك مقدسة لا سبيل إليها،
فارحل عن مصر قبل أن تغرب شمس يومك، واغرب عن وجه الآلهة (يبتعد ساتني مُطرقًا ويفسح له القوم
السبيل ليمر، وتُسمع دمدمة بين الحاضرين تحقيرًا له،
وتُمَدُّ له قبضات الأيدي مهددة، وبعضهم يدفعه بيده حتى يصل
إلى آخر المرسح يمينًا
فيختبئ مُخفيًا وجهه بيديه) وقد نطق آمون بغير ذلك
(يترك القوم ساتني، فيقف ساتني
ويرتمي على أحد الأعمدة باكيًا خفية) لقد قال إنكم
جميعًا أيها الحاضرون في هذا المكان تستحقون الموت، وهذا
قضاؤه.
الجميع
:
آمون الرحمة! الرحمة يا آمون!
رئيس الكهنة
:
لا نداء ولا دعاء، ولا يجديكم النحيب والبكاء، ألا فاسمعوا ما
يقوله لكم ربكم بفمي.
الجميع
:
كن رحيمًا أنت بنا، أشفق علينا، استغفر لنا ربك، استرحمه، نتوسل
إليك، لا نريد الموت، لا نريد الموت، لا نريد الموت.
رئيس الكهنة
:
إني مشفق عليكم ورحيم بكم، ولكن إثمكم عظيم، أفكرتم في فظاعة
جرمكم؟ ما عهدت الأيامُ قومًا فعلوا فعلكم، آلهتكم! تحطمون آلهتكم؟
وأي آلهة؟ آمون وتوميريس! ليتني كنت قادرًا على تسكين غضبهما! لكن
ماذا تريدون أن أقدمه قربانًا لهما، مما يناسب فظاعة تمثيلكم
بهما؟
الشعب
:
خذ ما تريد، خذ كل ما لدينا، ولكن أبقِ على حياتنا.
رئيس الكهنة
:
كل ما لديكم؟ إن ما لديكم قليل.
الشعب
:
خذ ما تنبته الأرض.
رئيس الكهنة
:
ومن يطعمكم؟ أنتم تدفعون عُشر ما تحصدون، فلأقدمنَّ لآلهتكم ربع
حصيدكم عشر سنين … ولكنه قليل …! فإن زدته نصف ما تملكون في دياركم
أترضى آلهتكم …؟ أم أنتم راضون؟
الشعب
:
نعم راضون، نعم راضون.
رئيس الكهنة
:
لا أراه مكفرًا عما فعلتم أيها المجرمون، فاصبروا عسى ينطق ربي
بلساني، أو عسى ربي أن يهدين (يطرق
قليلًا) أقيموا الصلاة آناء الليل وأطراف النهار،
واسجدوا مع الساجدين، وقدموا لمعبدنا عشرًا من عذاراكم كل عام
لخدمة الدين.
الشعب
:
لك عذارانا يا آمون، لك بناتنا.
رئيس الكهنة
:
ربكم رحيم، ربكم رحيم، وإني سامع صوته مؤذنًا بالعفو عنكم، فاهبطوا
ساجدين (يسجد القوم) ثم اسمعوا
ما يأمركم به ربكم! أطيعوا فرعون وكونوا له مخلصين، فهو ظِل آمون
في أرضه ومنفذ أحكامه في العالمين، ولقد شاء ربكم أن ينتقم فرعون
من ملك الحبشة لخروجه عن طاعته، وكفرانه بنعمته، فليتأهب منكم
للقتال كل قادر عليه، وليلحق بصفوف الجيش، فقد تأهب الجيش للرحيل
إليه.
الشعب
(يتململ)
:
أوه! أنحارب؟ أنحارب؟
رئيس الكهنة
:
لقد شمخت الحبشة بأنفها، واستعدت لغزو مصر بجيشها، أفلا تدافعون عن
أوطانكم، وتذودون عن حمى بلادكم؟ ألا تردون الذئاب عن قطعانكم،
وتصدون العدو عن دياركم، وتحمون أعراض نسائكم؟ أتريدون أن تصبحوا
عبيدًا للعبيد، وترسفوا غدًا في أغلال وقيود؟
الشعب
:
لا لا، لا نريد، لا نريد.
رئيس الكهنة
:
فشدوا إذن الرحال لتأديب أعداء ملوككم.
الشعب
:
سنقاتلهم، سنقاتلهم.
رئيس الكهنة
:
وسيأتيكم النصر من ربكم، ألا تعلمون أنه إن ينصركم فلا غالب لكم،
ولا تحسبن الذين قتلوا منكم في سبيله أمواتًا، بل أحياء عند ربهم
يُرزقون، وما أنتم إلا منتقلين من الأرض إلى السماء لو كنتم
تعلمون. فجاهدوا في سبيل ربكم لتحظوا لدى أوزيريس بدار عليين، إنما
اطمئنوا فلن يموت منكم أحد، وستطيش سهام أعدائكم، فتتساقط لدى
أقدامكم سقوط الطير رماه الصيَّاد نبالًا، وستفل سيوفهم فلا تنال
من أجسادكم منالًا، وإن يرسلوا النار عليكم ضرامًا ستكون نيرانهم
عليكم بردًا وسلامًا، ولقد علمتم أن آلهتكم لا تنطق عن الهوى،
وأنها تحمي مصر وأهلها، وأنها ذات قوة، قوة دونها كل القوى، وقد
شهدتم بالأمس تمثال إيزيس قد طأطأ لكم هامته الصمَّا.
الشعب
:
إلى الحرب! إلى الحرب!
ساتني
(يهبُّ من مكانه)
:
لقد طال جبني … وما طأطأت إيزيس رأسها، إلا لما أرخيت لها
حبلها.
(هياج واضطراب.)
رئيس الكهنة
:
دونكم هذا الرجل فافعلوا به ما شئتم، ودونك أنت هذا الشعب افتنه
مرةً أخرى إن استطعت.
(سخط من الشعب، يقف ساتني واجمًا لا يستطيع الكلام،
ويخرج رئيس الكهنة محمولًا على عرشه ومعه رحيو.)
الواقعة الثانية
(ساتني – الشعب)
ساتني
:
كنتُ في الهيكل.
الشعب
:
كذبت.
ساتني
:
أنا الذي حركت الرافعة فانحنى رأس الصنم.
الشعب
:
يا للكفر! كفى كفى يا فاجر، كفى يا فاسق.
ساتني
:
أنا فاجر؟ ليتني كنت رضيت، فكان لكم في موت بعضكم حياة، ولا بد لكل
إصلاح من تضحية، ولكني أشفقت عليكم من الألم، وحُلت دون سفك الدم،
وفاتني أن الطفل لا يولد للحياة إلا بدم وألم، فهذا جزاء رحمتي
لكم، وإشفاقي بكم.
(هياج وسخط.)
الشعب
:
اقتلوه اقتلوه، إنه يريد قتل أطفالنا.
ساتني
:
الموت في سبيل الحق مجد وحياة!
الشعب
:
اقتلوا الخائن، اقتلوا الفاجر.
ساتني
:
والبقاء على ذل الخنوع موت في الحياة!
الشعب
:
كفى، اقتلوه!
(يُفتح باب في أقصى المعبد يسارًا ويظهر منه موكب يوما
تتقدمه وتتبعه الموسيقى والراقصات، ووراءهن في المقدمة الكهنة بالمباخر
والصواج، وتتبعهم يوما محمولة على الأيدي في محفة، ويحيط بها العذارى،
وهي محلاة بالثياب المقدسة، وواقفة على قدميها مشرقة الوجه تسحرها سعادة
ما هي فيه.)
الواقعة الرابعة
(ساتني – مييريس – دليثي – بتيو متخلفًا عن القوم وبيده
خنجر)
مييريس
(إلى دليثي وهي تقودها)
:
خذيني إلى ساتني، ابتعدي (إلى
ساتني) يا ساتني، كنتُ بين القوم وسمعتُ ما تقول،
فأثر في نفسي، ولم تسمع نداءك يوما لانصرافها إلى ما هي فيه، كلٌّ
منا يشعر يا ساتني بميل إلى تضحية نفسه في سبيل من يحبه أو يقدسه،
فإن لم تكن المعبودات ففي سبيل من تكون التضحية؟
ساتني
:
في سبيل البؤساء.
مييريس
:
في سبيل البؤساء!
(يقترب بتيو في هذه الأثناء من ساتني، ويطعنه بين كتفيه
بالخنجر.)
بتيو
:
انظري، ها هو أيضًا يسقط كما سقطت الآلهة.
ساتني
(مطروحًا على الأرض)
:
أأنتَ قاتلي يا بتيو؟ (ينظر إليه
بتحديق) وا أسفاه عليك! وا أسفاه عليك!
(يموت. ينظر بتيو طويلًا إلى الخنجر، ثم يلقيه
مستنكرًا، ويقترب من ساتني، فيجثو على مقربة من جثته ويبكي.)
دليثي
(إلى مييريس)
:
هيا بنا نصلي يا مولاتي فقد خلا المعبد.
مييريس
:
لا، لا أصلي لآلهة باسمهم يقتلون الناس!
(يُسمع من بعيد صوت تهليل الشعب ونغمات الموسيقى التي
تصحب موكب يوما إلى النيل.)
(ستار الختام)