جزيرة موت!
رأى الشياطين أن الموضوع خطير، وأن التعامل معه يتطلَّب سرعة التحرك، وأنهم في حاجة لعقد اجتماع عاجل … لذا فقد وافقوا على اقتراح «أحمد» بالتوجُّه إلى المقر السري الفرعي بشارع النبي «إلياس» بمدينة «العريش»؛ فهو أقرب لهم كثيرًا عن مقرِّهم بالقاهرة.
وقد تذكَّر «عثمان» أنه لم ينزل في هذا المقر طوال فترة عمله مع الشياطين إلا مرة واحدة، وعندما سألَته «ريما» عنه أجاب قائلًا: ألم تزوريه يا «ريما»؟
ريما: لم يحدث.
عثمان: إنه يقع على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، ويتوسط عدة فلل رائعة الجمال.
أحمد: نعم هو يتوسطهم، إلا أنه محاطٌ بمدينة كبيرة تفصله عنهم.
عثمان: تقصد النواحي الأمنية؟
ريما: بالطبع فهي أهم صفة لمقارنا.
عثمان: سترون كلَّ شيء بأعينكم.
قال ذلك وهو ينتفض واقفًا، مما دفع «أحمد» للتعليق قائلًا: ألم يُعجبك تعقيبي يا «عثمان»؟
عثمان: لماذا … أنا فقط أستعد للتحرك … أم سننتظر حتى تغيب الشمس؟
إلهام: لقد قمنا بجمع حاجياتنا وأغلقنا الحقائب.
فهد: لقد تركت سيارتي بالقرب من جزيرة «الموت»!
زبيدة: جزيرة ماذا؟
أحمد: جزيرة اللحد، هذه أرض صغيرة أعلى من مستوى البحر بقليل، وتقع على بعد حوالي ميل من الشاطئ، ومَن يراها عن بُعد يظنها مقبرة.
ريما: لماذا لم نرها على الخريطة؟
وهنا ضحك «عثمان» كثيرًا حتى أثار ضحكاتِ الشياطين، وحنَق «ريما» التي قالت له في ضيق وانفعال ظاهر: ماذا يُضحكك في هذا؟
وبابتسامة عريضة، قال لها «أحمد»: إنها يا «ريما» جزيرة صغيرة جدًّا، لا تزيد مساحتها عن خمسين مترًا مربعًا … وهي من اكتشاف «قيس» … وهو الذي أطلق عليها هذا الاسم!
ريما: ولكن ليس فيما قلته ما يضحك.
عثمان: أنا لم أقصد السخرية منك يا «ريما» … ولكني كنت سأنصحك نصيحةً ما، ثم عدلت عنها … وهذا ما أضحكني.
ريما: وما هي النصيحة؟
عثمان: أن تبحثي عنها في صفحة الوفيات.
حاولت «ريما» أن تقاوم ابتسامةً خرجَت رغمًا عنها من أعماقها، ثم ما لبثت أن انفجرَت في الضحك، مما أزال التوتر وأشاع جوًّا من البهجة بين الشياطين.
ولم تنقطع تعليقاتهم وابتساماتهم، وهم في طريقهم إلى جزيرة «الموت»؛ حيث ترك «قيس» سيارته وقبل أن تغيب الشمس، كان الشياطين يطلُّون على الجزيرة، وكلُّهم شوقٌ للنزول على أرضها، غير أن ذلك كان يحتاج إلى استعدادات خاصة، ووقت مبكر، وقد قاربت الشمس على المغيب.
فاستدار «أحمد» بسيارته والتي كانت معه فيها «إلهام» عائدًا إلى الطريق الرئيسي ومن خلفه سرب سيارات «اللاندروفر»، لينطلق الجميع في اتجاه مدينة العريش؛ حيث شارع النبي «إلياس»، وشاطئ المتوسط، ومقر المنظمة الفرعي المثير.
وقبل بلدة «رمانة» بعدة كيلومترات، كان الظلام قد فرض قوانينه على المكان … فاختفَت منازل البلدة من على جانبَي الطريق … ولم يَعُد يظهر منها إلا شعاعات ضوء ضعيفة جدًّا … ويكاد تدل على أن هذا المكان مأهولٌ بالسكان.
وكما بلغوها في ثوانٍ معدودات؛ فقد كانت البراق تلتهم الطريق ومن خلفها سرب سيارات «اللاندروفر» تحاول اللحاق بها.
وعند مدخل مدينة العريش، تبدَّت عن بُعدٍ أنوارُ المحال التجارية … ومن حولها أعمدة الإنارة تُضئ شبكة الطرق المتقاطعة … وعند أول منحنى، انحرف الشياطين يسارًا قاصدين شاطئ المتوسط.
وبعد مسير خمس دقائق … رأى «عثمان» عن بعد الفندق المجاور لمقر المنظمة … لكنه لم يرَ المقر، فأصابَته الحيرة واتصل ﺑ «أحمد» يُخبره أن الشارع ليس هو ولكن الفندق هو الفندق.
قال له «أحمد»: المهم المقر.
عثمان: غير موجود!
أحمد: بل موجود يا «عثمان».
كانت البراق قد وصلَت إلى مبنى من ثلاثة أدوار تُحيطه حديقة واسعة يلفُّها سورٌ عالٍ.
وقبل أن تبلغ بابها بمسافة كبيرة، انفتح الباب.
وما كادت فتحتُه تسمح بمرور سيارة، حتى كانت البراق تعبره إلى الممر المرصوف الذي يقطع الحديقة حتى نهايتها مارًّا بمبنى المقر … ومن خلفها سرب «اللاندروفر» وعبر منعطف صغير فيه، انحرفت السيارات إلى مدخل جراج فسيح في نهايته بوابة إلكترونية … تعلوها كاميرا خفية لا يظهر منها إلا العدسة فقط …
وحين غادر الشياطين سياراتهم، تركوها على حالتها واتجهوا إلى ذلك الباب الذي انفتح بمجرد أن بلغوه، وقد كان يُفضي إلى مصعد فسيح أيضًا؛ حيث استوعبهم جميعًا في سعة … ثم انغلق بابه، وتحرك صاعدًا لبضعة مترات، توقَّف بعده للحظة ثم عاد للتحرك أفقيًّا … وكأنه يسير بهم داخل المبنى للحظات أيضًا، ثم توقَّف وانفتح بابه مرة أخرى ليكشف عن ممرٍّ واسع تصطفُّ على جانبَيه الغرف، وينتهي بقاعة فسيحة يغمرها ضوءٌ مبهر.
وفي تثاقل، غادر الشياطين المصعد وهم مبهورون بما يرون … فقد تطور المقرُّ تطورًا كبيرًا، وتغيَّرت الكثيرُ من معالمه.
وعندما غادر آخر عضو من الشياطين المصعد انغلق بابه، وانسحب عائدًا إلى أول الممر وسط صيحات الدهشة من الشياطين، ثم بدأ يغوص في أرض المقر ببطء حتى اختفى. وعلى صيحة «عثمان» أفاقوا من دهشتهم … فقد سروا كثيًرا لأن أحدَ مقارهم الفرعية مزودٌ بهذه الإمكانيات، التي لم يروها إلا في المقر الكبير.
ومن فتحة علوية … امتدَّت ماسورة تحمل رجلًا آليًّا صغيرًا «روبوت» حتى أوصلَته إلى الأرض، ثم انسحبَت وهي تتداخل في بعضها كهوائي الراديو، إلى أن اختفَت داخل الفتحة … لتختفيَ بعدها الفتحة وكأنها غير موجودة.
وفي رشاقة مبهرة، تحرَّك الروبوت مشيرًا لهم أن يتبعوه.
وشعر «عثمان» أن كرامته قد جُرحَت، فكيف لهذا «الروبوت» القزم أن يقوده دون أن يستشيرَه، ودون أن يعلم إلى أين يقوده؛ لذلك فقد قرر أن يشكوه ﻟ «أحمد» الذي غالب ضحكته، وهو يقول له: ولماذا تعذب نفسك هكذا يا «عثمان»؟ اسأله إن شئت لتعرف إلى أين يقودك؟
عثمان: نعم سأسأله ثم أوبخه.
إلهام: تسأله نعم … ولكن لماذا توبخه؟
عثمان: لطريقة الإشارة التي استخدمها معي في استهانة بالغة، ألا يعلم من أنا؟
سرَت بين الشياطين ضحكاتٌ مكتومة، قطعَتها «إلهام» قائلة له: لقد أشار لنا جميعًا إلا أنت فقط!
وقبل أن يردَّ «عثمان» عليها … كانوا قد بلغوا قاعة فسيحة … مفروشة بأثاث فخم مريح.
وتتصدرها مائدةٌ متوسطة الارتفاع يقبع عليها تليفزيون ضخم التفُّوا حوله حين سمعوا مذيعةَ نشرة الأخبار تتحدث عن حادثة سرقة البراق!