انقطاع التيار!
قطع «عثمان» سلالم المقر حتى بوابة المصعد في لحظات … وفي انتظار المصعد وقف يتصل ﺑ «أحمد» ويحكي له ما رآه.
وعندما وصل المصعد وفتح بابه، كان يقف بجوار «عثمان» كلٌّ من فهد و«قيس» …
وقبل أن ينغلق الباب كان «أحمد» قد لحق بهم.
وتحرَّك بهم المصعد وهم بين مستفسر وغير مصدق.
وعندما وصل المصعد إلى جراج المقر وانفتح بابه غارقًا في الظلام … ولم يكن لدى أحد منهم كشافٌ يدويٌّ يستعين به على التحرك بين السيارات، ولم يعبأ «عثمان» بذلك، بل تحسَّس طريقَه حتى اصطدم بإحدى سياراتهم، ففتح بابها … وبمجرد أن دخلها أضاء كشافاتِها الأمامية، فتحرَّك على هدى نورها مَن كان معه من الشياطين، ففتح لهم أبوابها.
وما إن قال له «أحمد» انطلق، حتى ضغط على بدال السرعة … فتحرَّكت ببطء حتى عبرَت بوابة الجراج … ومنها إلى الممر الموصل إلى البوابة الرئيسية للمقر، وقبل أن يبلغوها كانت قد انفتحت، فدخل شلالٌ من الماء غمر الممر والحديقة المحيطة به.
ولم يعبأ «عثمان» بل قفز بالسيارة فوق الرصيف المقابل له، ليسير في الاتجاه الذي انطلقَت فيه البراق … وكالبراق انطلق، والماء يتطاير حوله فيغمر الزجاج الأمامي والجانبي والخلفي للسيارة.
وتحرَّكت المساحات تنظف الزجاج، غير أن هطول الأمطار صعَّب من مهمتها ومهمة «عثمان» الذي كان يتمنى لو أنها تملك إمكانيات «البراق».
وطال بهم المسير حتى خرجوا من طريق الكورنيش، والقلق مستبد بهم … فالبراق لم تظهر بعد، وإن لم يعثروا عليها خلال ساعات فلن يجدوها ثانية.
ولم يتمالك «أحمد» أعصابه … وجلس متململًا، وعلى وجهه بدَت علامات الضيق الشديد، فاندفع «قيس» يسأله قائلًا: ألم تكن موجودة في الجراج؟
أحمد: لم نلاحظها يا «قيس»!
قيس: ولكننا لم نبحث جيدًا … والجراج كان مظلمًا!
عثمان: لقد أمعنتُ أنا النظر بدقة في الجراج … عندما أضاءت نور السيارة التي نركبها.
فهد: وإن كانت موجودة … فكيف لم نلاحظها … وهي أكثر السيارات الواقفة في الجراج تميزًا!
كانت الأمطار قد أحالَت الطريق إلى مستنقع موحل … مما يدل على أنها قد سبقَتها عاصفةٌ ترابية … وأصبح السير فيها دربًا من دروب المستحيل.
وعلى مضض طلب «أحمد» من «عثمان» العودة بهم إلى المقر.
وفي الطريق قام بالاتصال ﺑ «إلهام» وطلب منها النزول إلى الجراج، وإلقاء نظرة ثانية على السيارات الموجودة فيه.
وسأله «قيس» عما يقصده بذلك … فأجابه بأنه يشك في شيء ما …
فقال له «فهد»: وأنا أيضًا أشك في شيء ما.
عثمان: إنكم تتساءلون عن سبب إظلام الجراج، رغم أن المصعد كان يعمل «مركز لك» البوابات الإلكترونية … أليس كذلك؟
أحمد: نعم؛ فكل ذلك يدل على أن التيار لم ينقطع.
قيس: قد يكون العطب في نظام الإنارة فقط.
أحمد: هذا جائز … ولكن يبقى مكان للشك حتى نتأكد، إلا أني سأجيب على اتصال «إلهام» أولًا.
ومضَت لحظاتٌ ثقيلة على الجميع … وهم في انتظار نتيجة المكالمة.
وما إن فرغ منها حتى التفتَ إليهم قائلًا: المصعد لا يعمل.
تداخلَت أصوات الشياطين، وهم يتدافعون لطرح وجهة نظرهم فيما يحدث إلا أن «أحمد» أشار لهم يطلب منهم الهدوء، ثم قال لهم: أعرف أنكم تأكدتم الآن من أنها عملية مدبرة.
قيس: أنا لا أرى ذلك … بل أرى أنه يُبدِّد شكوكَنا.
فهد: طبعًا … فتعطُّل المصعد يدل على انقطاع التيار عنه هو الآخر.
قيس: وذلك يعني أن هناك عطلًا كهربيًّا أصاب أولًا إضاءة الجراج.
عثمان: وثانيًا المصعد.
فهد: وكل ذلك حدث أثناء سقوط الأمطار، أي أن هناك سببًا منطقيًّا له.
أحمد: هذا لا يُبدِّد شكوكنا في أنها عملية مدبرة.
فهد: وما دليلك على ذلك؟
أحمد: حدْسي.
وعن بُعد ورغم الضباب الكثيف … ظهرَت أضواءٌ ضعيفة لأعمدة إنارة متداخلة تدل على أنهم قد اقتربوا من شبكة الطرق المتداخلة.
وما إن بلغوها حتى انحرفوا يسارًا في اتجاه شارع النبي «إلياس»، وقبل أن يبلغوا شاطئ البحر، انحرفَت السيارة بهم يمينًا … لتسير في محاذاة الشاطئ في اتجاه المقر، وكالحلم لمحوا جميعًا السيارة البراق تمرق أمامهم، وتختفي فجأة.
وكالطلقة الطائشة … انطلقَت «اللاندروفر» في أثرها، صوت زمجرة فراملها يعلو على صوت الفرامل مرات ومرات … و«عثمان» غير عابئ بكل ذلك، وكذلك كلُّ مَن معه.
ووسط ذلك كلِّه علا صفيرُ رصاصة أعقبها صوتُ انفجار أسفل السيارة … مالَت بعده عن يسارها ثم انحرفَت في منحنًى ضيقٍ واندفعَت فوق الرمال ليغوص نصفُها في الماء … و«عثمان» لا يستطيع السيطرة عليها … فطلب منه «أحمد» أن يبادلَه مكانه … إلا أنه رفض، وانشغل في التعامل مع أجهزة السيارة من ناحية ومن الأخرى كان يُخرج رأسه من نافذتها، ليُتابعَ حركة العجلات الخلفية التي كانت تدور في سرعة شديدة، فتنزلق على الرمال اللزجة، ولا تغادر مكانها.
فغادرها «أحمد» سائرًا بصعوبة فوق وسط لا تثبت عليه قدم … وكان يخلص قدمه من بؤرة غاصَت فيها لتغوص مرة ثانية في بؤرة أخرى.
ولم يبلغ الطريق الأسفلتي إلا بعد معاناة رهيبة، فعبره إلى حديقة إحدى الفلل ثم تسلَّق شجرة على الرصيف المجاور لها … وقام بقطع بعض الأفرع المتدلية منها … وقام بقذفها بكلِّ قوته … لتسقط تحت عجلات «اللاندروفر»، وقد أوقف «عثمان» موتورها منتظرًا الأمر منه.
وبعد أن رأى «أحمد» أن ما وضعه تحت عجلات السيارة، يكفي لحملها على الرمال صاح طالبًا من «عثمان» أن يحاول التحرك.
وقد نجحَت المحاولة من أول مرة، وبعد أن عاد إلى الطريق، نزل باقي الزملاء ليعاونوه في تغيير العجلة وتركيب الاحتياطي … وبقيَ بها «عثمان» غير قادر على الحركة؛ فقد ناله الإعياء من جراء ابتلال ملابسه … والتي نزل بها من فوق سطح المقر كما هي، وترك «أحمد» لزملائه تغيير العجلة … ليقوم بفحص «عثمان» ورعايته؛ فقد قاربت حرارتُه الأربعين وتصبَّب جبينُه عرقًا … وارتجف جسدُه وكأنه مصاب بالحمى.
فقام بنقله إلى الكنبة الخلفية بمساعدة «فهد» و«قيس» بعد أن انتهيَا من تغيير العجلة وطلب منهما أن يقوم أحدهما بالقيادة حتى المقر.