اللعبة الغامضة!
رغم الأمطار الشديدة، إلا أن الشياطين لاحظوا أن حديقة المقر، والممر الذي يقطعه لم يتأثرَا بها، وعلى غير ما توقعوا … وجدوا الأبواب الإلكترونية تعمل.
وعندما وصلوا إلى جراج المقر وجدوه مضاء.
وكم كانت دهشتهم وحيرتهم في ذروتها، حين رأوا البراق تتصدره.
ولم يتمالك «أحمد» نفسَه من الفرحة، فجرى عليها يتمسَّح في جسمها وأبوابها … ويمرُّ بيدَيه على زجاجها ثم يقبِّله … وزملاؤه حوله متأثرون غاية التأثر لهذا المشهد الدرامي.
ومن أقصى الجراج انفتح باب المصعد، والتفتوا جميعًا ليجدوا «إلهام» تخرج منه وهي تقول: ماذا حدث؟
عثمان: لا شيء … لقد شعر «أحمد» فجأة أنه واقعٌ في حب البراق.
إلهام: لقد ظللتُ أتردد على المصعد حتى عاد للعمل … وعندما نزلت إلى الجراج وجدت البراق موجودة.
قيس: متى؟
إلهام: منذ نصف ساعة.
عثمان: هل تعرف أنها موجودة، وهل أخبرك أحد بغير ذلك؟
نظرَت إليه «إلهام» في نفاذ صبر وهي تقول: فما معنى مكالمتكم إذن؟
أحمد: أنا الذي اتصلت بك يا «إلهام»!
إلهام: أعرف … أعرف يا «أحمد»، ولكنك طلبت مني أن أتأكد إن كانت البراق موجودة أم لا.
أحمد: نعم هذا حدث!
إلهام: إذن كيف تقولون لي إنه لم يحدث شيء! وفيما خروجكم سويًّا ليلًا، وفي هذا الجو البارد المطر؟
أحمد: ومَن قال لك ذلك؟
إلهام: «عثمان» … ألم تسمعه؟
عثمان: رفقًا بنا يا «إلهام» أرجوك.
إلهام: وهل رفقتم أنتم بنا؟
نعرف أنكم بالخارج ولا نعرف لماذا، ويطلب مني «أحمد» الاطمئنان على وجود البراق … ولدينا فكرة أنها معرَّضة للسرقة!
ولم يكن «أحمد» منتبهًا لكلام «إلهام» بقدر ما كان مشغولًا بفحص البراق فحصًا دقيقًا … وقد لاحظ أنها غسلَت حديثًا بالماء … فقطع على «إلهام» توبيخها لهم، قائلًا: ألَا تلاحظون أن السيارة قد تم تنظيفها منذ دقائق!
عثمان: وكيف عرفت ذلك؟
أحمد: إن جسمها بارد!
إلهام: من الجو!
أحمد: ولماذا أنت غاضبة هكذا؟
عثمان: من الجو!
ولم تتمالك «إلهام» نفسها من الضحك؛ فقد شعرت أنها انفعلَت أكثر من اللازم معهم … وكان عليها أن تطمئن عليهم أولًا.
وشعر «أحمد» أن الوقت أصبح مناسبًا لسؤالها … فقال لها: ألم تسمعي صوتًا لموتور البراق … أو لحركة في الجراج منذ نصف ساعة تقريبًا؟
إلهام: وهل لموتور البراق صوتٌ؟
أحمد: نعم … له هديرٌ مميز نعرفه جميعًا.
إلهام: لا يمكن بالطبع وسط هذه الجلبة التي تُحدثها أمواج البحر … وصوت سقوط الأمطار أن أسمع صوتَ موتور سيارة!
ثم عادَت لتسألَه قائلة: ما الأمر يا «أحمد»؟
قيس: لقد رأى «عثمان» أثناء وقوفه بسطح المقر … السيارة البراق تسير وسط الأمطار.
إلهام: لقد كان الظلام مطبقًا!
عثمان: لقد رأيتها على ضوء البراق.
كان الإعياء قد تملَّك من «عثمان»، فاستند على حائط الجراج … ولاحظ زملاؤه أنه سيسقط مغشيًّا عليه … فحملوه سويًّا إلى المصعد … ومن المصعد إلى غرفته … فوضعوه على سريره في الوقت الذي كانت تجلس فيه «إلهام» أمام جهاز الكمبيوتر تشرح حالتَه، وتنتظر منه التعليمات.
وبعد قليل من الأدوية، مع كثير من عصير البرتقال … تركوه نائمًا … وانصرفوا إلى غرفة المعيشة، ليلتقوا وباقي الزملاء … الذين أيقظهم ما حدث.
فجلسوا ينتظرون تفسيرًا …
غير أن «أحمد» عرض عليهم أن يُعدَّ لهم تقريرًا سريعًا على أن يؤجلوا المناقشة لصباح الغد.
فوافقوا جميعًا، ليس على تأجيل المناقشة فقط … بل والتقرير أيضًا … فرتابةُ صوتِ سقوط المطر، جعلَتهم يعانون لكي يفتحوا عيونهم.
فهرولوا جميعًا إلى غُرَفِ نومهم ودفءِ أسرَّتِهم، وبرنامج أحلامهم اليومي … عدا «أحمد» الذي شعر أنه بحاجة إلى حمَّام دافئ قبل النوم … وكذلك «قيس» و«فهد».
وفي صباح اليوم التالي شعر «عثمان» أنه أحسنُ حالًا … وأنه في حاجة لأن يغادر فراشه.
ولو رأَته «إلهام» لمنعَته … إلا أنها لم ترَه إلا وهو في غرفة المعيشة … بعد أن أخذ حمَّامًا باردًا، وتعطر وارتدى أحلى ما عنده.
وسُرَّ «أحمد» جدًّا، وكذلك بقية الشياطين عندما رأوه بينهم … وعلَّقت «ريما» على ذلك قائلة: طبعًا أنت مندهش أن هناك مَن تسرُّه رؤيتك؟
عثمان: نعم، وأنت بالطبع سعيدة لأنك وجدتي مَن يسمعك.
ضحك الشياطين لهذه القفشة الظريفة … والتقط «مصباح» طرفَ الخيط وقال: نحن نريد أن نسمعك أنت لنعرف ما حدث.
عثمان: كنت أحتفل بالأمطار فوق سطح المقر، عندما رأيت البراق تسير في الشارع الخلفي.
ريما: ألم يكن العياء قد أصابك بعد؟
عثمان: لا لم يحدث.
أحمد: لقد رأينا البراق مرة ثانية أثناء عودتنا.
إلهام: وسط الضباب والبرق والمطر؟!
أحمد: نعم، أنا واثق من ذلك.
إلهام: وعدتم لتجدوا أنها نظيفة وكأنها لم تمسَّ؟!
أحمد: ألَا تصدقين؟
ريما: وأنت يا «قيس»، ألم تكن معهم؟
قيس: نعم.
ريما: هل رأيتها؟
قيس: لا!