الضابط المتمرد!
ازداد توتُّر «أحمد» وهو يدور بمرصد القمر الصناعي باحثًا عن «اللاندروفر» أو أية آثار لها … ولم يلتفت للضوء الأحمر الذي يُنبهه لوجود اتصال.
ثم علَا صوتُ الموسيقى من تليفونه المحمول وأيضًا لم يُجبه … إلى أن شعر بوخز في رسغه من ساعة يده … فالتفت إليها … فعرَف أن له رسالة وعليه تلقِّيها.
وعقب الرسالة طلب رجال أمن المقر … وأخبرهم أن القيادة في «مصر» تطلبهم جميعًا وعليهم أن يرحلوا … ويتركوا المقر في حمايتهم.
غير أن كبيرهم رفض الانصياع لأمره … وأعلن على الجميع أنه لن يغادر المقر إلا بأوامر مباشرة.
فاتصل «أحمد» بقيادة المنظمة وأخبرهم بما حدث … فطلبوا منهم إبداء المرونة معه على أن يتخذ حذره منه هو وزملاؤه.
فأبدى له «أحمد» سعادته بموقفه وترحيبه به في المقر … وطلب منه بعض الأدوات من مركز الصيانة الخاص بالمكان.
وعقب اتصال سريع، توجَّه إلى الجراج، فوجد «مصباح» و«بو عمير» و«رشيد» قد سبقوه إلى هناك.
فطلب منهم أن يقوم «رشيد» بالصعود إلى سطح المقر واتخاذ مكان «عثمان» على أن ينزل «عثمان» إلى الجراج لأنه يريده.
أما «مصباح» و«بو عمير» فطلب منهما أن يقومَا برشِّ البراق باللون الأسود باستخدام الرشاش «الدكو» على ألَّا يسمحَا لأحد بدخول الجراج أثناء ذلك.
غير أن كبيرَ الحراس ويُدعَى «مرشد» رفض ألَّا يسمح له بدخول الجراج وثارَت بينه وبين «أحمد» مشادةٌ، ورأى «عثمان» أنها لا بد وأن تنتهيَ بعودة هذا الرجل إلى مقر «القاهرة».
فقام بالاتصال بإدارة طوارئ المنظمة، وعرض عليهم الأمر … فطلبوا منه سرعةَ التصرف بما يرونه هم، فمن الواضح أن هذا الرجل أصبح خطيرًا عليهم، ولمعَت عينَا «عثمان» فجأة؛ فقد شعر أنها بداية المواجهة.
وتوجَّه إلى الجراج؛ حيث كان النقاش لا يزال محتدمًا بين «مرشد» و«أحمد» ومَن معه … فقال لهم موجِّهًا كلامه إلى «أحمد» لقد اتصلت بالمقر، وقد قالوا إن ما يراه الضابط «مرشد» أمرٌ واجب التنفيذ.
مصباح: وماذا يعني ذلك؟
عثمان: يعني أن تتركوا الجراج مفتوحًا!
أحمد: وما الحكمة في ذلك؟
مرشد: إنها دواعٍ أمنية … والمفروض ألَّا أُمنعَ من دخولِ أيِّ موقع في المقر.
بو عمير: لديك كل الحق فيما تقول …
فنظر إليه «أحمد» مندهشًا، ثم نقل بصره إلى «عثمان» وهو غير مصدق؛ فقد اتفق الاثنان على عصيان أمره والامتثال لأوامر الضابط «مرشد».
ونظر إليه «مرشد» نظرةَ استعلاء، ثم غادر المكان والزهو يملؤه … و«أحمد» يُبدي له الغيظ وعدم الارتياح.
وقد صدق الضابط الخائن التمثيلية التي قام بها الشياطين أمامه ببراعة … وقد كان ذلك مهمًّا … حتى لا يأخذَ حذره منهم … إلى أن يتمكنوا من القبض عليه هو وأعوانه.
وبمجرد أن فرغ الجراج إلا منهم، قام الشياطين بحصر أعداد رجال الأمن في المقر … ثم قضَوا فترة ما بعد الظهر في إعداد المكان إعدادًا جيدًا، لمعركةٍ ليست متكافئة بالنسبة لرجال الأمن.
فعددُ الشياطين أكثر، وتمركزهم داخل مبنى المقر يعتبر بالنسبة لهم ميزة.
غير أن رجال الأمن يمتلكون من الأسلحة ما لا يملكه الشياطين.
كذلك يعرفون أسرار المكان، وتحت أيديهم مفاتيح إدارة كلِّ أجهزة المراقبة.
لذلك كان عليهم نقل بعض هذه الميزات إلى أيديهم … وأهمُّها مفاتيح التحكم في أجهزة المراقبة وإدارة مولدات الكهرباء الاحتياطية، حتى لا يقوموا بقطع التيار الكهربائي عنهم … وبذلك تتعطل كلُّ أجهزة المراقبة والاتصال.
وقد كان ذلك يتطلَّب منهم جهدًا فوق العادة، تعاون فيه معظمُ أفراد الجماعة بما لديهم من خبرات في التعامل مع هذه الأجهزة.
وفي منتصف النهار، كان «عثمان» يغادر المقر وحدَه في سيارته «اللاندروفر» وبعده بدقائق كانت «إلهام».
ومرَّت عشر دقائق أخرى ثم خرجَت «زبيدة» ومعها «هدى» تختفي في دواسة السيارة.
ومن فوق سطح البناية … لاحظ «رشيد» أن كلَّ سيارة للشياطين تخرج كانت تخرج خلفها سيارة لرجال أمن المقر.
وفي أثناء ذلك، كان «مصباح» و«بو عمير» يقومان بتغيير لون البراق … دون أن ينتبهَ لهما أحدٌ من العاملين في المقر … قد شغلَتهم كثرة خروج سيارات الشياطين.
وفي نفس الوقت، جلس «أحمد» أمام جهاز الكمبيوتر … يبحث عن طريق القمر الصناعي … الخاص بهم عن «قيس» فلم يجد في المنطقة أثر السيارة.
وعندما أعيَته الحِيَل، اقترب بمرصد القمر من الجزيرة «اللحد» عن طريق وحدة التحكم الأرضي.
وقام بتسليط جميع أنواع الأشعة عليها … وجلس متوترًا في انتظار تحليل الصور الإشعاعية وظهور نتائجها.
وكم كانت دهشته عظيمة، حين عرف أن جزيرة «اللحد» ليست جزيرة مهجورة، بل بها بشرٌ ومعدات.
وعرف أخيرًا مكان «قيس» و«ريما» و«فهد».
ولكنه لم يعرف ما الذي يدور على سطح هذه الجزيرة، أو في باطنها.
وشعر أنه يخرج من لغز إلى لغز.
وعندما وخزَته الساعة مرة ثانية، تذكَّر المأمورية التي كان عليه القيام بها منذ الظهيرة.
فنزل إلى جراج المقر … فرأى البراق وقد تغيَّرت معالمها.
فلونها تحوَّل إلى الأسود … وأرقامها تغيَّرت وإطاراتها الخلفية أصبحَت مزدوجة، حتى لون الفرش تغيَّر.
فوضع إصبعه على مقبض الباب … فانفتح … وبمجرد أن جلس على عجلة القيادة أدار محرِّكَها ثم أغلق الباب.
وتحرَّك ببطء شديد حتى عبر ممر الحديقة … وعند الباب اعترضه ضابط الأمن قائلًا: كيف دخلَت هذه السيارة إلى المقر؟
أحمد: دخلت كما دخلَت بقية السيارات.
مرشد: لم أرَها هنا من قبل!
أحمد: لم تكن أنت بالباب وقتَ دخولها.
مرشد: إذا غادروها لكي أفحص من الداخل.
أحمد: لن أغادرها.
وهنا أخرج «مرشد» مسدسه وشهرَه في وجه «أحمد».