تاريخ دراسة اللغة العربية بأوروبا
كانت لغات الأمم الشرقية مجهولة تقريبًا في أوروبا قبل الحروب الصليبية، وليس هذا
بعجيب، إذا علمنا أن كافة العلوم، وعلى الأخص الدينية منها كانت وقفًا على الرهبان،
بينما حُرم أصحاب الأمر والنهي والأمراء الأشراف حتى من معرفة القراءة والكتابة، أضف
إلى ذلك السلطة التي كانت للباباوات في الكنيسة الكاثوليكية، والتي كانت تبيح لهم
السيطرة على كل شيء يختص بالكتب، وبمقتضى ذلك استطاعوا أن يمنعوا انتشارها مهما كان
موضوعها، ولم يكن في استطاعة أحد أن ينشر أي كتاب إلا إذا كان باللغة اللاتينية، وبإذنٍ
خاص من البابا، ويرجع فضل دراسة اللغات الشرقية في الحقيقة إلى المرسَلين المبشرين
الموفَدين إلى البلاد الشرقية من لدن الباباوات؛ فهؤلاء هم الذين حملوا معهم عند رجوعهم
إلى بلادهم تلك اللغات.
وقد كانت المجادلة في العلوم والآداب ضمن اختصاص دائرة الأكليروس المسيحي — أي الرهبان
—
وهم الذين قبضوا على ناصيتها، واختصوا بها، ومنعوا الجمهور من تداولها، والواقع أن الكتب
الشرقية المدونة في مختلف المواضيع قد ترجمها إلى اللاتينية الرهبان فقط دون
غيرهم.
ويدلنا على اهتمام الرهبان بالكتب، وعنايتهم باستطلاع ما دوِّن في بطونها؛ أنهم كانوا
يتحملون مشقة الترجمة أولًا، ثم يكتبونها بيدهم بصبر وجَلَد مهما استدعى ذلك من الوقت،
ولم يكن فن الطباعة الذي ظهر في القرن الخامس عشر الميلادي بواسطة جوتنبرج، والذي عاد
على البشر بأكبر فائدة، قد اكتُشف بعدُ، ولم يكن الراهب من أولئك الرهبان ليكتفي بإجادة
الخط أثناء النسخ فحسب، بل إنه كثيرًا ما أضاف الزخرفة والألوان في كتاب اشتغل فيه طول
حياته.
وآثار هؤلاء الرهبان الأدبية تُظهر لنا قيمة المجهودات التي بذلوها في سبيل العلم
وتهذيب الفكر البشري، فلا غرو إذن إذا رأينا علماءنا ومحبي الكتب القديمة يتسابقون إلى
اختطاف مجلداتهم النفيسة مهما بلغ ثمنها.
كان النصارى بعد عهد المصلح الكبير الراهب «مرتين لوثر» ينظرون إلى الأمم الشرقية
نظرهم
إلى شعبٍ مُتمدْين ذي حضارة، بعكس ما كانوا يفعلون قبل تلك الحروب.
وقد تطورت عقيدة المسيحيين من نحو الشرقيين بعد ظهور الراهب مرتين لوثر، فأخذوا في
تعلم
لغاتهم حبًّا في العلم لذاته، وخدمة للحقيقة، وميلًا لآداب اللغات، لا لغرض ديني أو
سياسي أو تجاري كما يزعم البعض.
أما اللغة العربية، فقد ذاعت شهرتها ولهجتها العذبة، حين بدأ الرهبان وبعض عظماء
المسيحيين ينزلون إلى بلاد الأندلس وجزيرة صقلية وفلسطين؛ حيث شاهدوا هندسة المباني
العربية البديعة الدالة على تمدْيُنٍ عجيب، وحين اطلعوا على النقود الإسلامية التي ضُربت
بغاية الإتقان، بعكس ما كانت عليه نقودهم من البساطة، ومن ذلك الحين شرعوا في معاشرة
العرب والتقرب إليهم، وقد كانت الكتب العربية التي نَقلت من مؤلفات أرسطو وأمثاله، من
أهم البواعث على تشجيع النصارى في اقتطاف ثمار ما أنتجته المدنية الإسلامية أيام عظمتها،
ومجدها، وقد فتحت مجلدات العلامة أرسطو عيون النصارى، كما فتحت عيون العرب قبلهم،
فتسارعوا إلى استطلاع غوامضها سعيًا وراء اقتباس حكمة ذلك الفيلسوف.
وكان أول من نشر آراء أرسطوطليس، ومذهبه بين قومه العلامة:
ألبرت الكبير Albert Le Grand
ولد ألبرت الكبير سنة ١١٩٣ من أبوين فقيرين في بلدة لوينجن في ألمانيا، وتوفي سنة
١٢٨٠، وكان فقيرًا يتطفل على موائد أهل كرم، ويستعين بما يصيبه منهم على الدراسة،
غير أن إعراض قومه في ذلك العهد عن العلم وكل ما يتصل به لم يُتَحْ له نيل القوت
الضروري، بيد أن البؤس الذي كان يلازمه لم يمنعه من الإقدام على تحصيل العلم؛ فدخل
أولًا مدرسة بادوا بإيطاليا؛ ونظرًا لآرائه الخاصة، ولعلائم النبوغ التي كانت تبدو
عليه، لم يوفق إلى الإقامة في المدرسة المذكورة؛ فغادرها، ثم جعل قبلته شطر
ألمانيا، وهناك الْتحق بدير الرهبان الدومينيكان بمدينة كولونيا، ثم في ريجينز برج،
وأخيرًا اشتراسبرج، وقد كان في كل دور من أدوار صباه مثال الجد والنشاط، ولم تكن
دائرة العلم التي حصر حياته فيها تساعده على تغذية فكره بما انطبع عليه من الحرية
المطلقة؛ فترك اشتراسبرج وذهب إلى باريس موطن النبوغ العلمي والآراء الحرة، وكانت
تضم في ذلك الوقت كثيرًا من العلماء النابهين، ولما تخرج من مدرسة باريس، وَفَاق
أقرانه، وذاع صيته في الفلسفة وعلوم الدين، استُدعي إلى ألمانيا، ورُشح لمنصب أسقف
سنة ١٢٦٠؛ فتوجه إلى منصبه في ريجينز برج، وقام على إرشاد قومه ووعظهم مدة غير
قليلة، حتى ترك منصبه وذهب إلى بولونيا، ليشتغل بالدرس بعيدًا عن الناس، وقد أدهش
جميع معاصريه بسعة مداركه وسمو آرائه ومعلوماته، لا سيما في الكيميا والعلوم
الميكانيكية؛ حتى إنهم لقبوه دكتورًا
عامًّا Doctor universalis، ويدلنا على رغبته في نشر آرائه، وتعميمها بين العالم أنه
جمع كل مخطوطات أرسطو، والمباحث الموضوعة في كتب التفاسير البيزانتينية واليهودية
والعربية، وكان يقتبس من كتب الفارابي، وابن سينا، والغزالي؛ فكانت آراؤه التي
أظهرها في كتبه الفلسفية مطابقة تمامًا لآراء أرسطو، ويمكننا أن نعتبره رسول هذا
الفيلسوف الكبير في ذلك الوقت، وكان كتابه المسمى Compendium
theologicae veritatis والمطبوع أولًا سنة ١٤٧٣ منتشرًا جدًّا
في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، في مجلدات كثيرة.
على أن الآباء المرسلين المبشرين لم تظهر آثار مجهوداتهم إلا في القرن السادس عشر
بعد الميلاد، ومن ذلك الوقت أخذ نبوغ ألبرت يتجلى بأكبر مظاهره، فلما اتسعت دائرة
المعارف شرع المبشرون في إدخال لغات أخرى إلى ميدان أبحاثهم، وقد كان لليهود فضل
يُشكر في نشر الكتب العربية، ويليهم بعد ذلك مسلمو المغاربة الذين تنصروا بحكم سيطرة
الدول الأوروبية.
ومما هو جدير بالذكر، أن همة المغاربة كانت من البواعث الرئيسية على تطرق فلسفة
العرب إلى أسلوب المنشآت المستعملة في الكنيسة الكاثوليكية من سنة ١١٣٠ إلى سنة
١١٥٠؛ إذ حوَّرَت تقاليد الدراسة الدينية التي روعيت فيها النظم العتيقة المعارضة
للنهضة العلمية القائمة بأوروبا قبل القرن الثاني عشر، وقد برزت فلسفة أرسطو على
الآراء وطرق التفكير العتيقة؛ فكشفت الغوامض وفسرت المعضلات التي لوحظت إذ ذاك في
الكتب المسيحية.
وهكذا انتشرت آراء أرسطو في أوروبا بواسطة اختلاط الإفرنج بالعرب في الأندلس
وصقلية، وكان هذا أول العهد بالدعوى إلى اقتباس أساليب التعليم على الطريقة
الفلسفية؛ لوضوحها وسهولة إدراك أسراراها. ولما كانت العلوم العربية المترجمة عن
كتب أرسطو وغيره كافية للتعبير عن الضمير وحل المعضلات، اهتم الأوروبيون بفلسفة
أرسطو سعيًا وراء الحقائق؛ وبذلك حلوا ألغاز ومعميات كتبهم التي رسخت في عقول
المتدينين والمتعصبين، وهذا هو السر في اضطرار الرهبان إلى دراسة اللغة العربية؛
كي يستطيعوا القيام بأداء المهمة الملقاة على عواتقهم، وكي يحوزوا ألقاب
«مستشرقين»، وبالرغم من ذلك لم تكن التراجم اللاتينية من الكتب العربية ذات أهمية،
خاصة في ذلك العهد، حتى ولد سنة ١١١٤ جيرارده
كريمون Gérard de Crémon وقد أمعن هذا العلامة في الاطلاع، وترجمة الكتب القيمة،
ومما ترجمه كتاب «كناش» وكتاب «الأحجار» لأرسطو وغالينوس، وكتاب «في علم النجوم»
لجابر بن أفلح، وكتاب «الطب» لابن سينا، وكتاب آخر في الأدوية ليحيى بن سرابي، فهذه
الكتب كلها مهدت السبيل لانتشار العلوم العربية في أوروبا، ويليه بعد ذلك في الترجمة
العلامة بطرس الذي لقبه معاصروه بالمحترم. Pierre Le
Venérable.
بطرس المحترم Pierre Le Venérable
ولد بطرس سنة ١٠٩٤ في مونبواسيير، وتوفي سنة ١١٥٦، وقد دخل الدير بناءً على رغبة
والدته، فنشأ فيه حتى عُيِّن في دير كولونيا ١١٣٣ رئيسًا للرهبان، وقد شجعته غزارة
علمه، وقوة إرادته على إصلاح ما أفسد الرهبان في عهده بقسوتهم وغطرستهم؛ فاشتهر
اسمه بين الخاص والعام، وكان ليِّن العريكة ذا عواطف سامية حسن الخصال؛ لذلك لم
يستعمل الشدة في الأمور الدينية كما كان يستعملها أسلافه، ويدل على تسامحه أنه
توسط لدى البابا ذات يوم ليصفح عن ذنوب الراهب الشهير أبيلار Abélard حين اتُّهم بارتكاب جرم شنيع مع سيدة اسمها هلواز Héloise داخل الدير، ولكن البابا لم يشفق عليه
حفظًا لكرامة الكنيسة، وإعلاء لشأن الدين المسيحي، وأصدر الأمر بخصيه عقابًا
له.
وقد وضع بطرس مجموعة كتب، منها كتاب ضد اليهود، وكتابان ضد الإسلام، طبعت في
لايبسيج سنة ١٨٩٦، وعدا ذلك ترجم القرآن إلى اللغة اللاتينية، وعرضه على الجمهور
بقصد الطعن فيه، واستنكار ما تحتويه آياته البينات.
١
ومما تحسن الإشارة إليه أن ملوك صقلية كانوا في ذلك العهد يهتمون بآداب العرب،
وكان ترتيب الديوان الملكي وتدبير شئون الحكومة الصقلية على المنوال العربي
تمامًا، سيما أن الملك روجر الثاني الذي حكم في سنة ١١١٢ إلى سنة ١١٥٤ كان قد نشأ
نشأة عربية بحتة، فأظهر ميلًا عظيمًا إلى المدنية الإسلامية، وشيد قصوره على النمط
العربي الجميل، وأغرم بسماع الشعر العربي، وأمر الإدريسي أن يرسم تخطيطًا جغرافيًّا
لا يزال محفوظًا حتى الآن، ونسج على هذا المنوال أيضًا فريدريك الثاني ملك صقلية
الذي تسلم مقاليد الحكم في سنة ١١٩٤، وترى صورته في الصورة السابقة بين طائفة من
علماء وأطباء العرب.
ومن الذين لهم اليد الطولى في الآداب والعلوم العربية الطبيب الفرنسوي
أرمنجو Armengaud وقد ترجم كتاب ابن سينا في
الطب، وكتب الفلسفة للحكيم ابن رشد سنة ١٢٨٤. واشتغل أيضًا باللغة العربية الراهب
الإنكليزي:
ميخائيل اسكوت Michael Scot
فقد طاف في بلاد العرب، ومكث مدة في توليدو بالأندلس للاستطلاع ودرس الكتب، وذاك
في سنة ١٢١٧، وقد اشتهر عنه أنه كان ضليعًا في العلوم العربية، وترجم فعلًا بعض
الكتب، على أن آثار ترجمته لم تظهر في المكاتب الشرقية في أوروبا.
ومن مشاهير المستشرقين العلامة الراهب:
روجر بيكن Roger Bacon
المولود سنة ١٢١٤ في مدينة جستر بإنكلترا، والمتوفى سنة ١٢٩٣ بمدينة أكسفورد، وقد
أتمَّ هذا الراهب دراسته في أكسفورد، ثم قصد إلى باريس، ونال الشهادة العليا، حيث
أُنعم عليه بلقب دكتور في العلوم الدينية، وعاد ثانيًا إلى أكسفورد بعد أن نال قسطًا
وافرًا من مختلف العلوم، ودخل الدير؛ حيث شرع في إلقاء المحاضرات القيمة بجامعة
أكسفورد، ولم يكتفِ بالعلوم المشار إليها، بل رغب في كشف الحقائق، والإحاطة بجميع
العلوم؛ فقضى وقتًا طويلًا في درس علمَي النجوم والكيميا حتى أتقنهما.
ودرس في جامعة باريس اللغات اليونانية والعبرانية والعربية، وقد أفادت مباحثه
فائدة تستحق الذكر والتمجيد؛ فهو الذي اخترع العدسات (أي الميكروسكوب) وذلك على أثر
اطلاعه على كتب ابن الهيثم البصري، واخترع مادة تشتعل في الماء، ونوعًا من البارود،
وقد عمَّت شهرته الآفاق؛ ولذلك سموه دكتور
المعجزات Doctor Mirabilis، ويُعلَم عنه أيضًا أنه تحامل كثيرًا على الرهبان، وطعن
في سيرتهم وأخلاقهم، حتى طلب من قداسة البابا إصدار أمر بإصلاحهم وتهذيب أحوالهم؛
إذ كانوا إذ ذاك في الدرك الأسفل من الانحطاط؛ فتغيَّظ البابا من تعرُّضه لما لا يعنيه،
وفصله من منصب التدريس، فضلًا عن رفض طلبه، وزجَّه في غيابة السجن، ولم ينجُ من العقاب
إلا بعد أن تولى كليمانس السادس المركز البابوي السامي، وكان هذا البابا من أكبر
مروِّجي آرائه، والمعجبين بسمو أفكاره.
ولأمرٍ ما قُبض عليه مرة ثانية وحُبس؛ حيث مكث في السجن مدة عشر سنين، وبعد وفاة
نيقولاوس الرابع أفرج عنه، وسافر إلى مدينة أكسفورد، حيث مات فيها، وقد كان من أكبر
المعارضين للوائح والنظم التي سار عليها الرهبان، واتخذوها كشريعة يستطيعون بها
تبرير أعمالهم القاسية، وقد صدر كتابه مرآة الكيميا في سنة ١٥٢١ في مدينة نورنبرج
بألمانيا.
رايموند لل Raymond lull
ولد سنة ١٢٣٥ بمدينة بلما بجزيرة مايوركا، وتعلَّم في باريس اللغة العربية من عبدٍ
أسود، وذلك بعد أن درسها في مايوركا مدة تسع سنوات، وحياته وآراؤه العلمية تدعو إلى
الدهشة، وكان يُعتبر من مصلحي الدنيا في القرن الثالث عشر، وعاش حياةً فاحشة، حتى
خمدت عاطفته نحو حبيبته الجميلة السيدة امبروزيا دل
كاستيلو
Ambrosia del Castello
بعدما كشفت له عن سرها، وأخبرته بوجود مرض السرطان في
ثديها، فانكسر قلبه روعًا ورأفة، واضمحلت راحته اضمحلالًا شديدًا، وتلف صفاء خاطره
حزنًا وألمًا، إلى أن رأى في المنام السيد المسيح مصلوبًا يرشده إلى الطريق المقيم،
والزهد في الدنيا؛ فأخذ في تحسين سيرته وأخلاقه حتى أنكر مسرات هذه الدنيا، وكرَّس
حياته لخدمة يسوع المسيح. وبعد التغلُّب على صعوباتٍ لغويةٍ عظيمة في دراسة اللغة
العربية سافر سنة ١٢٩١ إلى تونس، ولكنه لم يُستقبل هناك بالترحاب؛ لأن المسلمين بعد
محادثاته الدينية معهم غضبوا عليه، وقبضوا عليه وسجنوه، وبعد مدة خرج من السجن
وسافر إلى نابلي وروما، وبعدما وعظ في سبيل مقاصده، ونشر المؤلفات المفيدة في
تهويل أفكاره، جاء إلى أفريقيا سنة ١٣٠٦ ولاقى ثانيًا كل القساوة من المسلمين الذين
طردوه من بلادهم؛ فجاء إلى مدينة بيزا بإيطاليا، واجتهد هناك في تأسيس جمعية
الرهبان (الفرسان)، إلا أن آماله فشلت. وعرض على البابا اقتراحًا لتأسيس المدارس
لدراسة اللغات الشرقية خدمة للمبشرين المرسلين، وذلك بإنشاء مدرسة في رومية، ومدرسة
في باريس، ومدرسة في توليدو، وقد أنشأ بمدينة بلما بجزيرة مايوركا مدرسة عربية
لتدريس ثلاثة عشر راهبًا طريقة القديس فرانس، ووضع أيضًا بيانًا عسكريًّا مع رسومه
لكي يفتح الأرض المُقدَّسة بحملة جيوش فرسان الصليب، ولما سافر إلى أفريقيا للمرة
الثالثة هجم عليه المسلمون، ورجموه حتى مات، وكان ذلك في ٣٠ يونيو سنة ١٣١٥ ببلدة
بوجا
Bugia، وها هي صورة بوجا، ودفن في مدينة
بلما بجزيرة مايوركا، وقد أراد مَن أتى بعده التحقق من كيفية موته، ففتحوا قبره سنة
١٦١١ فوجدوا جمجمة المدفون مصابة بأربعة ثقوب،
٢ والذي اشتهر به أيضًا ريموند لل في سائر أوروبا فنه المسمَّى الفن الكبير الللي
Ars Magna Lulli الذي اتبعه أيضًا بعد
ثلاثة قرون أطناسيوش كيرخر، واستحسنه الفيلسوف ليبنتس الألماني.
وكان فنه هذا أنه تمكَّن أو أراد أن يتمكَّن به من حل جميع الأسئلة العلمية بواسطة
بعض معاني فلسفة أرسطو، ولهذا الغرض اخترع آلة، وجعل أسلوبه باتفاقه مع القبالة
الشرقية بمعاني الأعداد الغامضة الموهومة، فتبعه من جاء بعده، واستمدوا آراءه
وإيمانه بتصحيح الكيميا الضالة، وهذا الفن يدلُّنا على هيرمس المثلث
الحكمة
Hermes
Trismegistos أو الفن الأسود
٣ الذي أراد منه المعتقدون فيه تغيير أي معدن إلى ذهب، وإطالة حياة
الإنسان، وما أشبه ذلك من الأوهام. ومن أقوال القدماء أن لل لم يشتغل في تحويل
المعادن إلى ذهب إلا لغرض عمل النقود اللازمة لتجهيز الحملات الصليبية ضد الإسلام،
إلا أن أحد الباحثين زعم أنه لم يشتغل بالمعادن لهذا الغرض،
٤ وقد أتينا أن بعض الكتب الكيماوية المنتشرة المعروفة باسم ريموند لل
ليست له بل مدسوسة عليه ككتاب
Compendium transmutationis
metallorum أو كتابه
Practica Alchemiae أو
Lux Mercurorum إلا أننا نرى كتاب مجموعة مؤلفات ريموند لل في
فصل «فن لل الكبير» الذي أصدره سلسينجر سنة ١٧٣١ إلى سنة ١٧٤٢ في عشرة مجلدات بمدينة
ماينز بألمانيا مزيَّنًا بكثير من الرسوم الغريبة مع تفاسيرها، ومع أن هذه الرسوم لا
علاقة لها بمقالنا هذا، فقد استحسنا طبع شيء منها خدمة لمن يهتم بأعمال هذا الرجل
العجيب الذي مات شهيدًا.
وقد أصدر زتسنر Zectzner مجموعة مؤلفات لل للفن
الكبير سنة ١٥٩٨ بمدينة Argentorati.
وأعيد طبع هذا الكتاب سنة ١٦٠٩ و١٦١٧ و١٦٥١، وهذا الكتاب يحتوي أيضًا على
المنطق.
Duodecim principia, lamentatio philosophia contraAveroistas,
Logica nova Rhetorica، وألَّف لل كتاب
De
militio contra infideles وكتاب
٥De recuperatione terrae sanctæ وكان لل من أشد
معارضي فلسفة ابن رشد، وآرائه،
٦ وأما بخصوص اللغات الشرقية فإنا نشكر ريموند لل؛ لأن مساعيه وجهوده
كانت السبب في تأسيس أقسام خاصة لتدريس اللغة العربية، والعبرانية، والكلدانية في
جامعات رومية وباريس وأكسفورد وبولونيا وسلامتكا،
٧ وكان هذا بناء على قرار المؤتمر الديني المنعقد بفيينا تحت رئاسة البابا
كليمنز الخامس سنة ١٣١١، وهذه صورة ريموند لل المأخوذة من أصل محفوظ بمتحف مشاهير
الرجال بفيينا النمسا.
Secretorum artis. Cap. 111.
٤٠٩٦ |
٠ |
٤٠٩٦ |
٠ |
c
|
٨١٩٢ |
١ |
٦١٤٤ |
١ |
g
|
٩٢١٦ |
٢ |
d
|
١٦٣٨٤ |
٢ |
١٣٨٢٤ |
٣ |
a
|
٢٠٧٣٦ |
٤ |
c
|
٣٢٧٦٨ |
٣ |
٣١١٠٤ |
٥ |
ⴉ
|
٦٥٥٣٦ |
٤ |
٤٦٦٥٦ |
٦ |
⋆
f
|
٦٩٩٨٤ |
٧ |
⋆
e
|
١٣١٦٧٢ |
٥ |
١٠٤٩٧٦ |
٨ |
⋆
g
|
١٥٧٤٦٤ |
٩ |
⋆
d
|
٢٦٢١٤٤ |
٦ |
٢٣٦١٩٦ |
١٠ |
⋆
a
|
٣٥٤٢٩٤ |
١١ |
⋆
c
|
٥٢٤٢٨٨ |
٧ |
٥٣١٤٤١ |
١٢ |
⋆
ⴉ
|
|
|
٥٢٤٢٨٨ |
|
|
Figura Jgnis (بعض
رسوم غامضة في كتاب فن لل الكبير).
Terra
|
Aqua
|
Aër
|
Jgnis
|
Aqua
|
Terra
|
Jgnis
|
Aër
|
Aër
|
Jgnis
|
Terra
|
Aqua
|
Jgnis
|
Aër
|
Aqua
|
Terra
|
وكان هيرونمس راموسوس Hieronymus Ramusius
المولود بالبندقية طبيبًا بدمشق الشام، ومات سنة ١٤٨٦ بعدما تقدَّم في تعلم اللغة
العربية تقدمًا ساعده على ترجمة معظم كتب ابن سينا.
أما فرج بن سالم Farag Ben Salim اليهودي، فقد
ترجم لكارلس أنشو ملك نابولي سنة ١٢٧٩ كتابًا طبيًّا للرازي، ولا تزال نسخة منه
محفوظة للآن في الكتبخانة الأهلية في باريس.
وقد أسس ريموندده بينافور Raymond de Benafort
بمساعدة ملوك كستيليا، وأراجون في الأندلس مدارس لتدريس اللغة العربية بمدينة
مورجيا، وتونس، وكان عدد أساتذتها ثمانية من الرهبان الدومينيكان بينهم ريموند مرتيني Raymond Martini المولود سنة ١٢٣٠ تقريبًا،
وقد أتقن هذا اللغات العربية والعبرانية والكلدانية واليونانية، وهو معروف
ومشهور.
وأسس الفونس ملك أراجون سنة ١٢٥٤ بمدينة إشبيلية معهدًا لدراسة اللاتيني والعربي؛
بقصد تسهيل الاختلاط بين النصارى والمسلمين، وكان المسلمون معلمي النصارى
والدومينيكان، كما يتضح ذلك من قرار مدرسة فالنسيا،
٨ وقد ترجم غالب
Galippus والمظنون أنه
كان من نصارى مدينة توليدو (طليطلا) في سنة ١١٩٧ كتاب المجست من تأليف بطليموس،
وكان ذلك بناء على أمر السيد دانيل ده مورلي.
وأما أول آجرومية عربية طبعت في أوروبا، فهي التي أصدرها بطرس دي القلعة Petro de
Alcala في
غرناطة سنة ١٥٠٥، وكان عنوانها هكذا:
Arte para legeramente saber la legua Araviga.
Vocabulista aravigo en letra castellana. Fue interptata es ta obra y
vocabulista de romance en Aravigo en la grande y muy nombrada cidad de
Granada Por Fray Petro de Alcala, Hieronymo 1505.
وقد ذكرنا العنوان حرفيًّا لأن هذا الكتاب نادر جدًّا، وعلى غاية من الأهمية،
والكتبخانة الأهلية في باريس لا تملك غير فهرس الكلمات، والكتبخانة الأهلية في فيينا
تمتلك نسخة منه، أما العبارات العربية فيه فمطبوعة بالحروف اللاتينية، وقد قلد
المؤلف حرف ع بعبارة
aٔ وخ بعبارة
h֔ وث بعبارة
ĉ
والمهم في هذا الكتاب هو كيف كانوا ينطقون باللغة العربية بالأندلس في ذلك الوقت.
٩
أما كتاب Bréviaire de la Sonna فإنه شديد
الأهمية، ونحن نلفت إليه الأنظار بنوع خاص؛ لأنه حدث في أواخر القرن الخامس عشر، أي
قبل فتح مدينة غرناطة، إن معظم المسلمين الأندلسيين كانوا قد أهملوا لغتهم العربية
سواء في المدن أو القرى؛ إذ إنهم اختلطوا مع الأهالي النصارى، وتزاوجوا معهم،
وتكلَّموا الإسبانية، وقد فتر شعورهم الديني الإسلامي، على أن المتمسكين بدينهم
افتتحوا المدارس لقراء القرآن، وتغيرت الأحوال حتى صارت الأمة العربية في الأندلس
لا تكاد تعتبر كأمة أجنبية، فاضمحل شأن الدين الإسلامي بينهم، فأخذ عيسى بن جابر
مفتي جامع سيجوفيا سنة ١٤٦٢ في تأليف دليل لتفهيم المسلمين الذين نسوا مع الزمن
لغتهم العربية، وكان هذا التأليف يحتوي على ترجمة جزء من القرآن، ويليه قواعد السُّنَّة
الشرعية، وسمَّى كتابه هذا Breviario Zunni وذكر
أقوال النبي الشريفة مفسرًا إياها باللغة الكاستلية بقوله:
Compendiosas causas me movieran a interpretar la
divina gratia del Santo Alcoran de lengua arabiga en
castellana.
ولما كانت الضرائب التي فرضت على المسلمين في الأندلس فادحة وجسيمة، فإنهم عجزوا
عن الاحتفاظ بمدارسهم الخصوصية، فتركوها.
ونحن نعثر على الكثير من أسماء اليهود الذين اشتغلوا واشتهروا بأبحاثهم العلمية
في الطب والنباتات وعلم الطبيعة والفلك والفلسفة في القرن الخامس عشر. وقد صدر
في البندقية سنة ١٥١٤ كتاب Salat essawai وهو أول
كتاب طبع في أوروبا بحروف عربية، وعلى عهد الملك فرانسوا الأول قام في فرنسا رجل
مشهور اسمه:
غليوم بوستل Guiglielmo Postel
وبما أن ظهور هذا الرجل ذي الأعمال الغريبة قد أدهش العلماء والملوك في أوروبا في
القرن الذي عاش فيه، وأحدث فيما بعد انقلابًا عظيمًا، وحير معاصريه بخيالاته،
وآرائه، و[أوهامه] الغامضة، وبما أن حياته لا تخلو مما يشوق كل قارئ إلى معرفة ما كان
من أمر هذا الرجل الفذِّ، فقد أخذنا على عاتقنا أن نسرد الآن في إسهابٍ تاريخ هذا
العلامة الذي قام كأعجوبة من العجائب، أو كوكب منير سطع حينًا وانطفأ في منفى
الجنون، ويدعى بوستل حقًّا أول مستشرقي فرنسا، وقد ولد سنة ١٥١٠ في مدينة دولري
بالقرب من بارنتون في نورمنديا، وكان محبًّا للعلم شغوفًا بالمجادلة والمحاورة في
الأمور العويصة، حيث كان يظهر عبقرية نادرة، وقد اعتبره معاصروه لغويًّا حادَّ الذهن
جدًّا، تعلم اللغات، خصوصًا الشرقية، وقد ذاعت شهرته وملأت كل أوروبا، وقد أحسَّ بوستل
اليتيم، وعمره ثماني سنوات، بقساوة الحياة وبالفقر وضيق اليد، وهصرته حوادث الدهر
المختلفة، فلما أدرك شيئًا من العلوم البسيطة وعمره اثنا عشر عامًا شجَّعته رغبته
في العلم؛ فذهب إلى قريةٍ قريبة من بلده ليدرس فيها، ويستعين بما يَربحه من نقود على
المعيشة وإتمام علومه. وحدث ذات يوم أنه أراد الرجوع إلى بلدته، فانقضَّ عليه
اللصوص، وسلبوا كل ما كان معه، وأطلقوه خاوي الوفاض؛ ومرض بعد هذه الحادثة مرضًا
ألقاه طريح الفراش بإحدى مستشفيات باريس مدة ثمانية عشر شهرًا، وقد أصابه هذا المرض
من سيره على قدمَيه إلى باريس حين انتشر في بلاده الطاعون، وبعد أن شُفي وجد عملًا في
مدرسة ماري برباره بصفة خادم. وهكذا دخل إلى ميدان العلم من أحقر الأبواب، وأصبح
فيما بعدُ كالمنار يهتدي بنوره كلُّ من يرغب في العلم، خصوصًا في اللغات الشرقية. وقد
انهمك بوستل في علومه، وبرع بسرعة في تعلم اللغة اللاتينية واليونانية
والإيطالية والإسبانيولية والبرتغالية والعبرانية والكلدانية والسريانية
والأرمنية والحبشية والعربية؛ حتى انتشرت شهرته وملأت الآفاق، وعلم بأمره ملك
فرنسا فرانسوا الأول، وكان يحب اللغة العربية والتركية، ويتقنهما جدًّا؛ فألحقه
بسفارته في تركيا لدى السلطان سليمان، وأمره أن يُحضِر معه إلى باريس كل ما يستطيع
الحصول عليه من المخطوطات النفيسة الشرقية، وكان هذا في سنة ١٥٣٤ حين بلغ بوستل من
العمر أربعة وعشرين عامًا. وقد استفاد من وجوده في الآستانة لتعدد الشعوب الشرقية
فيها، واشترى من هناك كتبًا مخطوطة باليد لا للملك فقط بل لنفسه أيضًا، وقد ابتلعت
أثمانُ الكتب التي اشتراها كلَّ ثروته، حتى كتب مرةً لأحد أصدقائه: «إني أفلست، وأصبحت
خاوي الوفاض، وليست معي نقود لأشتري بها كتبًا، وأستعين بها على أسفاري، ولم يبقَ لي
شيء قط يجعلني أحتمل هذه الحياة.» وقد درس بوستل جميع الأديان والمذاهب، واشتغل في
علم اعتدال حركات النجوم، وألَّف كتابه Linguarum
caracteribus طبْع باريس سنة ١٥٣٨، ويحتوي هذا الكتاب على علم
قراءة الخطوط الآتية: الخط العبراني، والكلداني، والسرياني، والسماريتاني، والعربي،
والحبشي، والأرمني، واللاتيني، وألَّف آجرومية عربية، وهي الأولى التي طبعت في أوروبا
بحروف عربية، وكان عنوانها هكذا:
Grammatica arabica, Guilielmus Postellus, lector. Ne
quid nostri confilii ignores candide lector, quum characterum difficultate
in sculptis tabulis, multos esse perterritos viderem. quod essent difficile
& male formati, volui loco illorum quaternionum hic insere grammaticam
typis excussam, ut quos difficultate abegerat, facilitate &
pulchitudine renocet. Parisiis apud Petrum Gromorsium
1538.
والظاهر من هذا العنوان أن بوستل كان يستقبح الحروف العربية المستعملة في الكتاب،
وإليك بعض سطور من صلاة «أبانا الذي في السموات» وقد طبعناها هنا لكي تظهر عجز
المطبعة عن تكوين الحروف العربية ولما رجع بوستل إلى فرنسا جعل العلماءُ والأشرافُ ورجالُ
الدين يترددون عليه،
ويحيطون به إحاطة السوار بالمعصم، وعيَّنه الملك سنة ١٥٣٨ مدرسًا للغات اليونانية
والعربية والعبرانية، ووهبه منزلًا ومزارع وجيادًا، إلا أنه أغضب الملك عليه عقب
نزاع بينه وبين سواه؛ فحرمه من عطفه وعطف الملكة، واضطُر إلى الفرار بعد أن فقد
أملاكه وجياده، فخرج ماشيًا على أقدامه إلى روما، شاكرًا لله على الحرية التي لا
يزال يتمتع بها. ومن ذلك الوقت تبدأ رحلاته العديدة التي دامت أكثر من عشرين سنة،
ودخل الدير في روما كخوري، إلا أن الرهبان طردوه لأفكاره وتصوراته المدهشة المخالفة
للتعاليم الدينية، ويزعم بعض المؤرخين أنه مكث في السجن مدة، مع أن البعض الآخر
يقول إنه كان في فيينا، وهرب منها تحت جنح الظلام، وكان ذلك لمشابهته قسيسًا قتل
قسيسًا آخر، فاضطر للهروب رغم أنه كان بريئًا.
١٠ ومن أوهامه الدينية أنه قال للناس إنه سيظهر مسيحٌ جديد في شخص امرأة،
وقيل إنه بعد أن بحث في جميع أطراف العالم وجد هذا المسيح في شخص السيدة يوحنَّا
بالبندقية، وقد لقبها (بوالدة الدنيا) و(حواء الثانية) وأصدر عنها النشرات، ووزعها
في فرنسا وألمانيا وإيطاليا، وهي كلها أوهام لا حقيقة لها؛ لأن السيدة تغلبت في
الواقع على أفكاره بتسلطها عليه، وكان عنوان هذه النشرة
Les très
merveilleuses victoires des femmes طبعت في باريس سنة
١٥٥٣.
وأما الدين الذي كان يميل إليه فهو الإسلام، ولم يكن يذكر سيدنا محمدًا ﷺ
إلا بكل تبجيل واحترام، ويقول هنريكس استيفانس إنه وجد بوستل بجانب كوبري
ريالطو Rialto في البندقية يَعِظ الناس بهذه
العبارات: «ينبغي لكل إنسان أن يكون تابعًا لدينٍ صالح، ومعنى ذلك أن يكون له دينٌ
مؤلَّف من مميزات الأديان الأخرى، سيما من الدين الإسلامي؛ ففيه من أجود الآراء
وأحسنها.» وقد ذهب بوستل إلى الآستانة مرة أخرى، وساعده هناك سفير فرنسا، ثم سافر
إلى الأراضي المقدسة، وازداد إلمامًا باللغات العربية والتركية والعلوم الرياضية،
ولما رجع إلى باريس عُين أستاذًا لعلم الرياضيات، واللغات الشرقية بجامعتها سنة
١٥٥١، وكان ذلك ذلك بناءً على مساعي والدة الملك كاترينا دي مديسيس، والملكة مرغريتا
ده نوفارا التي كانت تحترمه كل الاحترام، والتي لقَّبته «أعجوبة القرن»، وكان الملك
شارل التاسع يناديه «بفيلسوفه الجليل».
وزعم بوستل أنه لن يموت، وأما من جهة اتساع معارفه وإتقانه سائر اللغات وكافة
العلوم، فكان لا يدانيه في ذلك أحد، وكلما ألقى محاضرة في الجامعة كان ازدحام
الطلبة والسامعين كبيرًا جدًّا، ولم يكن هناك أي مكان خاوٍ في قاعة الجامعة، وخطب
الجمهور المتكاثر في فناء الجامعة فأدهش القوم بآرائه، ولما اشتعلت نار الحرب بين
ألمانيا وفرنسا خاطب بوستل أمراء الألمان، وحضهم على الهدوء، وعرض عليهم اقتراحًا
بتأليف لغة جديدة عمومية تفهمها جميع شعوب أوروبا كالفولبيك اليوم، وتعرَّف في
روميا بمدير جامعة فيينا النمساوية العالم فيدمنشتتر، وهو الذي أوصى على بوستل أحسن
توصية عند الملك فرديناند الألماني، وكان هذا الملك شديد الاهتمام بشؤون دراسة
اللغات الشرقية، وخصوصًا العربية والتركية؛ وذلك لقرب حدود الدولة العثمانية من
حدود النمسا، ولكي يتمكن من الحصول على رجال لهم إلمام بهذه اللغات، ليرسلهم سفراء
وتراجمة لدى الدول الشرقية.
ولْنعُد إلى بوستل، فقد عيَّنه الملك فرديناند الأول أستاذًا لجامعة فيينا لدرس اللغة
اليونانية والعربية سنة ١٥٥٢، إلا أن مدة إقامته في فيينا وتدريسه بها كانت لا تزيد
عن ثلاثة أشهر لأنه هرب ليلًا من فيينا كما تقدم، وأصدر بوستل في فيينا خطبته
الافتتاحية سنة ١٥٥٣ في كتاب سماه:
De linguae Phoenicis et Arabicae, vindobona
1553.
وهذا الكتاب نادرة من النوادر؛ لأنه أول كتاب طبع بحروف عربية في البلاد الجرمانية
أي في فيينا، وكانت المطابع لم تبتدئ بمدينة هيدلبرج بطبع الحروف العربية إلا بعد
تسعة وثلاثين عامًا بعد مطبعة تسيمرمان بفيينا،
١١ وهذا عنوان كتاب الخطبة الافتتاحية للأستاذ بوستل، وترى فيه الحروف
المستعملة فيه:
وبعد غياب بوستل عن فيينا اضمحلت الطباعة العربية فيها، ومن مؤلفات بوستل التي
أصدرها بعد سياحاته في الشرق:
-
Description et charte de la Terre Saincte، qui
est la proprieté de Jésus christ, Paris
1553 (Röhricht, Bibliogr. geogr. Palaestinae
[1553] Berlin 1890).
-
De la Republique des Turcs et des meurs et loy de
tous Muhamedistes par Postel, Cosmopolite, Poitiers
1560.
-
Alcorani et Evangelistarum Concordia, Paris
1543.
-
Abrahami patriarchae liber Jesirah, Paris
1553.
-
Signorum coelestium vera configuratis, Paris
1553.
وقد اتُّهم مدة إقامته في باريس سنة ١٥٦٢ بالعصيان الديني، وجاء البوليس إلى منزله
ليبحث عن كتبه، وقبض عليه وحُبس، وحُكم عليه بالنفي إلى دير ماري
مارتان Couvent St, Martin
ليعيش هناك تحت مراقبة الرهبان، وكان البرلمان الفرنسي قد
بحث في أمره، والمظنون أن كتابه (فتوح النساء العجيبة) كان سبب سجنه، ويهمنا معرفة
ما يقوله راهب دير سان مارتان الخوري مارييه Marrier.
في كتابه Histoire du couvent St. Martin (لم يُظهر
أحد غَيرةً على الدين طول مدة إقامة بوستل في الدير أكثر منه، وكان من ولعه الديني،
وخشوع نفسه أن الرهبان رأوه عندما انتهى من مراسم القداسة ووجهه مبلل بالدموع، وفي
مجالس السرور كان كامل الوقار والبشاشة؛ فزاده ذلك جلالًا وهيبة؛ لأنه شيخ هرم ذو
لحية بيضاء؛ فكان منظره يؤثر في الجالسين، وكان رنين صوته رائقًا يدخل إلى قلوب
سامعيه، فيوقظ فيهم لهذا الشيخ شعور الإكرام والتمجيد، وكان كل من يحتاج إلى شيء
علمي خاص بالشرق لا يسأل غير بوستل، فيجيبه وكله تواضع وخضوع. وخرج بوستل يتنزه في
بستان الدير، وهو منهمك الأفكار يراجع في ذهنه ما وقع له من حوادث الدهر الغريبة
وانقلاب أمور الدنيا، وبعدما اعترف بكل خطاياه توفي يوم ٦ سبتمبر سنة ١٥٨١، ودفن
بقرب هيكل كنيسة العذراء البتول في دير سان مارتان، وينبغي لنا ألَّا نختم الكلام
عن الأستاذ بوستل إلا بهذه الخلاصة: ومهما قيل عن ازدياد أغلاطه الناتجة عن آرائه
في عصره القابل لكل اقتراح ديني أو فلسفي، فإنه كان بطلًا مقدامًا في لغات الشرق،
وبالأخص في لغة العرب، ويَشكر همَّتَه المفرطة كلُّ من يحب هذا اللسان البديع، وها هي
صورة
بوستل:
وقد أسس هنري الثالث سنة ١٥٨٧ قسمًا لدراسة اللغة العربية بالمدرسة المسماة
Institut de France بباريس، وأنشأ البابا
جريجوريوس الثالث عشر مدرسة أيضًا للغات الشرقية تسهيلًا لأعمال المبشِّرين المرسَلين
إلى الشرق، وكان في تأسيس هذه المدارس ما يبعث على الاهتمام بعلوم الشرق في أوروبا،
خصوصًا أن وسائل النشر المطبعي في زمن لويس الثالث عشر كانت على أحسن منوال، وكادت
تبلغ الغاية في الظرف والجمال. وقد أمر لويس الرابع عشر باستعمال الحروف التي
وضعها المستشرق بريف Brèves وأرسل إلى الشرق
المبشرين والعلماء؛ لجمع الخطوط والمكتبات النفيسة ونشرها، أما منذ القرن الثالث
عشر، فقد أصبحت لغات الشرق ذات أهمية عظيمة، وقام بين العلماء من اشتهر بمؤلفاته
التي لا تزال معروفة حتى الآن، ولا يفوتنا أيضًا أن هولندا كان مقرًّا ممتازًا
للدروس الشرقية.
فرانس رافلنج Franz Rapheleng
ولد سنة ١٥٣٩ في لانوا، وتوفي ١٥٩٧ في لايدن، وقد كان في أول الأمر صاحب مطبعة،
ودرس التجارة في مدينة نيرنبرج بألمانيا، ثم ترك ألمانيا وذهب إلى باريس، حيث أتقن
العلوم اللغوية، ثم عُيِّن أستاذًا للغة اليونانية في كلية كمبردج بإنجلترا، وعاد إلى
وطنه، واشترك مع حَمِيه في إدارة مطبعته سنة ١٥٦٥، واستلم سنة ١٥٨٦ فرعًا لهذه المطبعة
بمدينة لايدن، وأخذ يطبع كتب الجامعة هناك، وقد درَّس بالجامعة المذكورة اللغة
العبرانية، واللغة العربية، حيث كان هناك أستاذًا في هذه العلوم. وينسب إليه إتقان
المطبوعات المسماة «مطبوعات بلانطين». وقد طبع بهذه المطبعة الكتاب المقدس بلغات
كثيرة في ثمانية مجلدات، واستغرق ذلك من سنة ١٥٦٩ إلى ١٥٧٣، وألَّف آجرومية عبرانية،
وقاموسًا كلدانيًّا، وآخر عربيًّا صدر سنة ١٦١٣، أما القاموس العربي فطُبع ثانيًا في
ثلاث
عشرة نشرة، وها هي صورة الأستاذ رافلنج المأخوذة عن القاموس العربي.
يوسف يوستوس
سكاليجر Joseph Justus Scaliger
ولد سنة ١٥٤٠ في أجن، وتوفي سنة ١٦٠٩ في لايدن، درس في بوردو وباريس تحت إرشادات
ترنيب، وسافر سنة ١٥٦٦ إلى إنجلترا وإسكتلاندا، ثم ذهب إلى الأندلس ودرس في
فالنسيا تحت رئاسة كوياتسيوس، وعُيِّن أستاذًا بحنوا، ثم عاش بعد ذلك مدة تسع عشرة سنة
بجنوب فرنسا، ثم دعَتْه جامعة لايدن للتدريس فيها بعد وفاة الأستاذ ليبسيوس، وهو الذي
بنى الأعمدة الأولى لدراسة الخطوط القديمة، وعِلم النقود، وبالأخص علم التاريخ،
وكانت علومه عديدة، ويدل على ذلك تأليفه:
Opuscula
varia طبع في سنة ١٦١٠، وكتابه «رسائل
Epistolae» طبع بلايدن سنة ١٦٢٧، وكنز المنقوشات
Thesaurus inscriptiomum طبع بهايدلبرج
سنة ١٦٠٢، وكتابه
Hermes Trimegistos الذي طبع
بالبرتغال سنة ١٥٧٤ وهذا الكتاب مهم،
١٢ ويليه في علمه الواسع الأستاذ:
توماس أربينيوس Thomas Erpenius Van Erap
ولد سنة ١٥٨٤ في بلدة بوركم بهولندا، وتوفي سنة ١٦٣٤، وتعلَّم الدين في جامعة لايدن،
ودرس اللغات الشرقية تحت إرشاد يوسف اسكاليجر، ثم سافر بعد ذلك مدة أربع سنوات إلى
فرنسا وإنجلترا وإيطاليا وألمانيا، ووجد أثناء هذه الرحلة فرصة لتكميل معارفه
وتوسيع معلوماته في العربي والفارسي والتركي، وكان ذلك بواسطة عشرته للشرقيين،
ورجع سنة ١٦١٣ إلى وطنه، وعُيِّن أستاذًا في جامعة لايدن سنة ١٦١٣، وفيما بعد أخذته
الحكومة الهولندية ترجمانًا، ثم أنشأ مطبعة شرقية. وبعد موته باعت أرملته هذه
المطبعة للأخوين بونافنتورا وأبراهام الزفير
Elzevier،
١٣ ونذكر هنا أن الكتب التي طبعتها مطبعة الزفير مطلوبة برغبة شديدة من
محبي الكتب القديمة؛ لما اشتملت عليه من جمال ورِقَّة تسرُّ الصدور، ويشتريها الراغبون
مهما ارتفع ثمنها، وأهم مؤلفات الأستاذ أرينيوس آجرومية عربية طبعت في لايدن سنة
١٦٣٦، ثم جُدِّد طبعها سنة ١٦٥٦، ١٧٣٤، ١٧٦٧، وكذا أُعيد طبعها في مدينة بالرمو في
صقلية سنة ١٧٩٦، وكتاب أساس اللغة
العربية
Rudimenta linguae arabicae طُبع سنة ١٦١٥ ثم تاريخ
المكين
Historia
Sarazenica Almacino طبع سنة ١٦٢٥، ثم أمثال لقمان الحكيم، طُبع في لايدن سنة
١٦١٥ مع الترجمة اللاتينية، ولأربينوس شهرة خالدة في إحياء اللغة العربية، ولكتبه
انتشار عظيم، وهذه صورته: [انظر الشكل السابق].
يعقوب جوليوس Jacob Golius
ولد سنة ١٥٩٦ في لاهاي، ودرس اللغة العربية ولغات أخرى شرقية في جامعة ليدن، حيث
كان من أذكى تلاميذ أربينيوس، ثم رافق سفير هولندا في سياحته إلى المغرب الأقصى،
وبعد رجوعه في سنة ١٦٢٤ انتخب خليفة لأربينيوس في تدريس اللغة العربية، وبعد ذلك
سافر إلى الشام لتوجيد المخطوطات، وعاد سنة ١٦٢٩، وتوفي سنة ١٦٦٧. ومن أشهر مؤلفاته
المعجم العربي اللاتيني المطبوع في ليدن سنة ١٦٥٣، وهذا المعجم يستعمله جميع
المهتمين باللسان العربي، وهو مرجع مستشرقي الزمن الحديث لدِقَّته، ونشر جوليوس أيضًا
أمثال الطغرائي سنة ١٦٢٩، وترجمة حياة تيمورلنك سنة ١٦٣٦، ثم نشر كتاب جوهر الفلك،
وطبعه بالعربية واللاتينية سنة ١٦٦٩.
برتلمي دربلو Barthélemy D’Herbelot
ولد في باريس سنة ١٦٢٥، والتحق بجامعتها حيث عُني بتعلم اللغات الشرقية، ثم قصد إلى
إيطاليا، واختلط في ثغورها بالنزلاء الشرقيين، وعند عودته اختاره فوكيه Fouquet وزير المالية في ديوانه، وقرر له مرتبًا
قدره ١٥ جنيهًا، وبعد اعتزال فوكيه عُين سكرتيرًا ومترمجًا للغات الشرقية في بلاط
الملك، وبعد بضعة أعوام جاء بالتالي إلى إيطاليا، حيث أنعم عليه الغراندوق فردينند
الثاني التوسكاني بمجموعة طبية من أنفس المخطوطات الشرقية، وسعى جديًّا لإلحاقه
ببلاطه، أما كولبر Colbert الوزير الفرنساوي فخشي
أن تفقد فرنسا هذا العالم الكبير؛ فاستدعاه إلى باريس. ولما رجع استقبله الملك لويس
الرابع عشر بكل ترحاب، وخصَّص له مرتبًا يُعادل المرتب الذي فقده وقتَ اعتزال فوكيه،
وقد أقام مدرسًا بباريس إلى أن توفي سنة ١٦٩٥، ومن مؤلفاته القيِّمة كتاب:
«المكتبة الشرقية» Bibliothéque Orientale،
وقد أكمل هذا المؤلَّفَ المستشرقُ جالان سنة ١٦٩٧، وأعيد طبعه سنة ١٧٩٩ في لاهاي
بزيادات كثيرة وضعها المستشرقان شولننس، ورايسكه الآتي ذكرهما.
يوحنا هاينريخ
هوتنجر Johann Heinrich Hottinger
اللغات الشرقية، وعِلْمَ الدين بعد أن سافر إلى إنجلترا وفرنسا، وعُين أستاذًا في
زيورخ سنة ١٦٤٣ لعلم الدين، وسنة ١٦٤٨ أستاذًا للغات الشرقية بجامعة هايدلبرج
بألمانيا، ثم عاد إلى زيورخ، واختاروه هناك رئيسًا للجامعة، وألَّف كتاب «قاموس
مختلف اللغات» سنة ١٦٦١، ثم كتاب
Etymologicon orientale
heptaglotton،
Promontuarium, syr. arab.
Aegypt. Aethip طُبع بهايدلبرج سنة ١٦٥٨، وتاريخ الشرق طبع
بتيجوري سنة ١٦٥١، ثم
Archaeologica orientalis طبع
بهايدلبرج سنة ١٦٦٣، ولما دعته جامعة لايدر ليدرِّس اللغات الشرقية فيها أراد أثناء
سفره أن يعبر النهر المسمى لمنات
Limnat، فانقلب
به القارب لثقله، فمات غرقًا في النهر مع ثلاثة من أولاده،
١٤ وها هي صورة هوتنجر: [انظر الشكل السابق].
أنطوان جالان Antoine Galland
ولد سنة ١٦٤٦ في رولوه بفرنسا، وتوفي سنة ١٧١٥ بباريس، وتعلَّم (بمدرسة فرنسا) ورافق
سفير فرنسا ده نوانتيل de Nointel في سفره إلى
الباب العالي سنة ١٦٨٠ للبحث عن آثار قديمة، ومنقوشات شرقية يشتريها، ثم سافر إلى
عموم المشرق على نفقة شركة الهند، وفيما بعد بأمر الوزراء كولبر، ولوفوا Colbert, Louvois، وبعد رجوعه عُيِّن عضوًا
لأكاديمية المنقوشات والآداب، وفي سنة ١٧٠٩ عُيِّن أستاذًا للغة العربية بمدرسة فرنسا
السابق ذكرها.
ومن أهم مؤلفاته Paroles rémarquables des
orientaux طبع باريس سنة ١٦٩٤، ثم «أخبار عن وفاة السلطان
عثمان» طبع بباريس سنة ١٦٩٤، ثم «أصل القهوة» طبع كان سنة ١٦٩٩، ثم كتاب ألف ليلة
وليلة، وأمثال لقمان الحكيم طبع باريس سنة ١٦٩٤، وصدرت أبحاثه في النقود القديمة
العربية في مجلة جورنال ده سافان، وأصدر مذكراته التي كتبها، حيث كان بالآستانة،
وطبعها Schaefer بباريس سنة ١٨٨١.
هنريك ألبرت
شولتنس Henrik Albert Schultens
المولود سنة ١٧٣٩، والمتوفى سنة ١٧٩٣ بلايدن، تعلَّم العربي والعبراني بلايدن، ثم
سافر إلى أكسفورد سنة ١٧٧٢ للبحث في الخطوط العربية المحفوظة في الكتبخانة
الدليانية، ثم ذهب إلى كمبردج، حيث أصدر سنة ١٧٧٣ «أمثال الميداني»، وبعد رجوعه عُيِّن
أستاذًا لِلُغات الشرقِ بجامعة أمستردام بهولندا، ثم دُعِي إلى لايدن، وتَرجم جزءًا من
كليلة ودمنة سنة ١٧٧٦ وأصدر كتاب Anthologia sententiarum
arabicarum.
يوحنا يعقوب رايسكه Johann Jacob Reiske
ولد في زريج سنة ١٧١٦، وتوفي في لايبسج سنة ١٧٧٤، وتعلم اللغة العربية في دار
الأيتام بمدينة هله بألمانيا، ومكث في لايدن ثمانية أعوام درس فيها اللغة
اليونانية، وعُين أستاذًا للطب، وفي سنة ١٧٤٨ أستاذًا للغة العربية، ثم رئيسًا
للمدرسة المسماة «نيكولاي»، وأصدر تاريخ أبي الفداء سنة ١٧٥٤ في خمسة مجلدات، وكتاب
Risalet, el Walidi وكذا كتاب
arab. Dichtkunst aus Motanabbi يعني مُنتخَبات
من أشعار المتنبي باللغة الألمانية والعربية.
العلامة سلفستر ده
ساسي Antoine Silvestre de Sacy
ولد سنة ١٧٥٨ بباريس، وتوفي بها سنة ١٨٣٨، وتعلم من نفسه اللغات العبرانية
والعربية والفارسية والتركية، وعُيِّن سنة ١٧٨٥ عضوًا لأكاديمية المنقوشات، وقد فقد
كل أملاكه، وعاش مختبئًا ببلدة بري
Bery في أيام
الانقلابات السياسية الهائلة على عهد روبزبير، وداننون، ومارا أثناء الثورة
الفرنساوية، وأصبح عضوًا للمجلس عندما هدأت الحال، واستلم مكانه بمدرسة الألسن
الشرقية، وعُيِّن سنة ١٨٠٦ أستاذ اللغة الفارسية بمدرسة فرنسا، وهو من الذين عملوا على
إسقاط نبوليون الأول سنة ١٨١٤، وأصبح مديرًا لمدرسة ديوان فرنسا سنة ١٨٢٣، ومدير
مدرسة الألسن الشرقية، وفي سنة ١٨٣٣ عُيِّن محافظًا للمخطوطات بدار الكتب الملكية،
ونال لقب بارون سنة ١٨١٣، وهو الذي جعل باريس أول مقر لدارسة لغات الشرق بأوروبا،
١٥ ومن مؤلفاته «روايات
عربية»
Chrestomatie arabe طبع باريس سنة ١٨٠٦، «آجرومية عربية»
Grammaire arabe طبع باريس سنة ١٨١٠، «أخبار مصر لعبد
اللطيف»
Rélation de l’Egypte de Abdullatif طبع باريس سنة ١٨١١، ثم «يندنامه عطار الفارسي» طبع ١٨١٩
ومقامات الحريري، وألفية ابن مالك سنة ١٨٣٣ وكتاب ديني طبع سنة ١٨٣٨
Exposé de la religion des Druses.
وهذه صورة سلفستر ده ساسي:
يوسف دكر كار لايل Joseph Dacre Carlyle
ولد في كارلايل سنة ١٧٥٩، وسافر سنة ١٧٧٥ إلى كمبرج، ودرس في مدرسة
Queens college حتى سنة ١٧٧٩، وهناك صادق
رجلًا شرقيًا من أهل بغداد كان متوطنًا كمبردج، وتعلم منه اللغة العربية وآدابها،
ثم عُيِّن سنة ١٧٩٦ أستاذًا للغة العربية في جامعة كمبرج، ونشر ترجمة كتاب يوسف بن
طغري بردي في تواريخ مصر، وطبعه سنة ١٧٩٢، كما ترجم أشعار العرب من الجاهلية إلى
سقوط الخلافة، وفي عام ١٧٩٩ رافق سفير إنكلترا إلى الآستانة، وعُني كثيرًا بجمع
المخطوطات القديمة أثناء سياحته إلى آسيا الصغرى وفلسطين وبلاد اليونان
وإيطاليا، ثم رجع إلى إنكلترا، وتوفي سنة ١٨٠٤ في نيوكسل أون تاين.
جان جوزيف مارسل Jean Joseph Marcel
ولد سنة ١٧٧٦ في باريس، وكان مديرًا لمعمل البارود أيام الثورة الفرنساوية، ودرس
اللغات الشرقية من سنة ١٧٩٠، وكان أحد أفراد القسم العلمي للحملة الفرنساوية إلى
مصر سنة ١٧٩٨ تحت قيادة الجنرال بونابرت، وعُيِّن مديرًا للمطبعة العربية التي جهزها
بونابرت، ونشر بمصر مجلتين فرنساويتين وهما:
Le Courrier d’Egypte وLa Décade
égyptienne ومذكرات معهد مصر L’Institut d’Egypte الذي أسسه بونابرت في القاهرة، والموجود فيها حتى
الآن، ثم نشر بأمر بونابرت جميع المنشورات السياسية باللغة العربية، والتركية،
واليونانية، واشترك أيضًا بكل همَّة ونشاط في نشر كتاب وصف مصر المشهور Description d’Egypte.
ولما عاد إلى فرنسا عُيِّن مديرًا للمطبعة الأهلية، وكان عضوًا في معظم الجمعيات
العلمية، وألقى المحاضرات باللغات الشرقية في كلية فرنسا من سنة ١٨١٧ إلى سنة ١٨٢٠
وميزه نبوليون بنيشان الشرف، وأصدر أيضًا حكايات الشيخ المهدي، ومنتخبات من آداب
الشرقيين سنة ١٧٩٩، وكتاب الخطوط القديمة العربية سنة ١٨٢٨، ثم ألَّف كتاب الحملة
الفرنساوية سنة ١٨٣٠، وتاريخ مصر منذ الفتح العربي إلى الفتح الفرنسي، ولما طَعَن في
العمر أصابه العمى، ومات مأسوفًا عليه سنة ١٨٥٤، وصورته في الصورة السالفة.
جان جاك كوزين ده برسيفال Jean Jacques Causin de Perceval
ولد سنة ١٧٥٩ بمونتيديبه بفرنسا، وتوفي سنة ١٨٣٥، وهو تلميذ الأستاذ كردون
وديسوتري، وعُيِّن بدل هذا الأخير أستاذًا للغة العرب بمدرسة فرنسا بباريس، وقد كان
منذ سنة ١٧٨٧ إلى ١٧٩٠ محافظ المخطوطات بدار الكتب الملكية، وأصبح سنة ١٨١٦ عضوًا
بأكاديمية المنقوشات، وترجم من العربية تاريخ صقلية تحت حكم المسلمين للنويري Histoire de la Sicile sous la
dommination des Musulmans طبع باريس سنة ١٨٠٢، وتَرجم
جزءًا من حكايات ألف ليلة وليلة سنة ١٨٠٦، ثم أصدر الجداول الفلكية لابن يونس،
ومقامات الحريري طبع باريس سنة ١٨١٨، وأمثال لقمان طبع باريس سنة ١٨١٨، وكذا
المعلقات.
أرمان كوزين ده
برسيفال Armand Causin de Perceval
وهو ابن السابق ذكره، ولد بباريس سنة ١٧٩٥، وتوفي بها سنة ١٨٧١، وسافر إلى البلاد
التركية سنة ١٨١٧، ومكث سنة بين موارنة لبنان، وعُيِّن بعد رجوعه مدرسًا للغة
العربية الدارجة بمدرسة الألسن الشرقية بباريس، ثم عُيِّن سنة ١٨٣٣ أستاذًا للغة
العربية والآداب بمدرسة فرنسا، وسنة ١٨٤٩ عضوًا للأكاديمية. ومن أهم مؤلفاته تاريخ
العرب قبل الإسلام طبع باريس ١٨٤٧ في ثلاثة مجلدات Essai sur
l’histoire des Arabes avant l’islamisme، وآجرومية عربية
فيما يتعلق بالكلام الدارج طبع سنة ١٨٢٤ Grammaire arabe
vulgaire.
وأصدر القاموس العربي الفرنسي سنة ١٨٢٧ Dict. Arabe de
Boctor.
فريدريخ أوغست
روزن Friedrich August Rosen
ولد سنة ١٨٠٥ في هانوفر، وتوفي سنة ١٨٣٧ في لندن، درس اللغات الشرقية في جامعة
لايبسج، وعُيِّن أستاذًا لعلم الآداب العربية بجامعة لندن، وأصدر كتاب الجبر لمحمد بن
موسى طبع لندرا سنة ١٨٣١، ثم ترك منصبه في الجامعة، واستلم سكرتارية الجمعية
الآسيوية في لندرا.
وليم رايت William Wright
ولد سنة ١٨٣٠ في بنغاليا ببلاد الهند، وتوفي سنة ١٨٨٩ في كمبردج بإنكلترا، تعلم في
سان أندريوس، ثم في مدينة هله بألمانيا، وعُيِّن أستاذًا للغة العربية بجامعة لندرا
سنة ١٨٥٦، ثم في سنة ١٨٥٨ عُيِّن أستاذًا للغة العربية بجامعة دبلن بأرلندا، وفي سنة
١٨٦١ اشتغل في مكتبة المتحف البريطاني، وظل بها حتى طلبته جامعة كمبردج لتدريس
اللغات الشرقية فيها، وأصدر مؤلفات كثيرة، منها رحلات ابن جبير طبع لايدن سنة
١٨٥٢.
أما الآجرومية العربية التي أصدرها الأستاذ كسباري فجددها رايت وأصلحها، وأصبحت
فيما بعد من أهم الآجروميات العربية، ثم أصدر مباحثه في الخطوط الكوفية ومعها صور
فائقة جدًّا لهذه الخطوط، وكان ذلك بناء على طلب جمعية الخطوط القديمة المسماة
Palaeographical Society London.
إتيان كترمير Etienne Quatremère
ولد سنة ١٧٨٢، وتعلم اللغات الشرقية تحت رياسة سلفستر ده ساسي، حيث نبغ فيها،
وأصبح عضوًا في الأكاديمية الفرنساوية سنة ١٨١٥، واشتهر كترمير بكثرة أبحاثه وكتبه،
وترجم تاريخ المماليك للمقريزي، وطبعه بباريس سنة ١٨٤٥، وأصدر مقدمة [ابن] خلدون،
ومنتخبات أمثال الميداني، ثم كتاب الروضتين، كما ترجم مقامات الحريري، وتوفي سنة
١٨٥٧.
يان ده جويه Jan de Goeje
ولد سنة ١٨٣٦ في كرون ريب بهولاندا، وتوفي سنة ١٩٠٩ في لايدن. تعلم في جامعة لايدن
تحت إرشاد العلامة دوزي، ثم سافر إلى أكسفورد لإتمام الدراسة، وعُيِّن أستاذ اللغات
الشرقية سنة ١٨٦٩، وأصدر الكتب الآتي بيانها:
-
Libér expugnationis regionum.
Beladsori.
-
Edrisi. Description de
l’alrique.
-
Fragmenta. hist. arab.
-
Bibliotheca. geogr. arab.
-
Diwan. Ibn el walid.
-
Annales Tabari.
-
Grammar of arab. Language.
وقد أسس العلامة يان ده جويه معهدًا لمساعدة تلاميذ اللغة العربية،
١٦ وهذه صورته:
جوستاف ديجا Gustave Dugat
ولد سنة ١٨٢٤ في أورانج بفرنسا، ودرس في باريس في مدرسة الألسن الشرقية الحديثة،
ثم سافر إلى الجزائر بأمر من الحكومة الفرنساوية، وعُيِّن بعد رجوعه عضوًا للجمعية
الشرقية الفرنساوية، وأصدر هذه المؤلفات:
-
Grammair Franc. Pour les
arabes.
-
Analectes sur les arabes
d’Espagne.
-
Histoire des
Orientalistes.
-
Histoire des pilosophes
musulm.
ولنعد الآن إلى النمسا، كان أول محبي دراسة لغات الشرق بالنمسا:
أوجيريوس جيزلين فون
بوسبيك Augerius Ghislain von Busbeke
المولود سنة ١٥٢٢ بمدينة كومين ببلاد الأفلاند، وأرسله فرديناند الأول سنة ١٥٥٥
سفيرًا عن النمسا إلى السلطان سليمان الثاني، فمكث في الآستانة سبع سنوات،
١٧ وأصدر كتاب «آثار
أنقرة»
Monumentum Ancyranum وبذل الجهد في جمع الخطوط الشرقية القديمة، وقد استحضر
منها مائتين وأربعين كتابًا إلى فيينا، وفي الكتبخانة الأهلية بفيينا جملة عظيمة من
نسخ الخطوط الشرقية التي كتبها بوسبيك بيده، وقد استدعَى إلى فيينا حنا جنتيلوتي
النمساوي، وكان قبل ذلك بسلسبرج، وأتقن العربية. وقد حصل المستشرق فريدريك فون لوكاو
Friedrich von Lokau على لقب
(ترجمان
شرقي)
Linguarum orientalium interpres وقد توفي سنة ١٨٣٨، أما آدم كولر
Adam Kollar
المولود
سنة ١٧٢٣، فقد أتقن اللغة العبرانية، والتركية، وهو الذي أصدر القائمة الكبيرة
للكتبخانة الإمبراطورية بفيينا، وكان إذ ذاك مديرها يوسف فون مارتينز من المستشرقين
المعروفين سنة ١٧٤٩، ومن المهم معرفته أن معظم مديري الكتبخانة الإمبراطورية بفيينا
كانوا مستشرقين، واستمرت الحال على هذا المنوال مدة أربعة أجيال تقريبًا حتى وقتنا
هذا.
ولقلة وجود الرجال الخبيرين في معاشرة الشرقيين اضطرت حكومة النمسا في منتصف القرن
الثامن عشر لاستخدام المترجمين في إرسالياتها لدى الباب العالي، وقد اختارتهم من
مسيحيي بيرا pera بالقسطنطينية كالعادة، وقد احتمل
أكثر هؤلاء من سوء معاملة الأتراك، وفَقَد بعض القناصل والسفراء حياتهم شنقًا؛ إذ إن
الأتراك كانوا يعتبرونهم جواسيس مرسلين للتجسس على أحوال الدولة، ومثل هذا مذكور في
التاريخ التركي، كما أن بعض هؤلاء المترجمين خدم فعلًا الباب العالي لمصلحته الشخصية
لا لصالح النمسا، وقد باعوا أسرار الدولة، ونالوا المكافآت المالية العظيمة من
الوزير العثماني، فعادوا للوطن أغنياء؛ ولذا فكرت الإمبراطورة الكبيرة ماريا تريزيا Maria Theresia في إصلاح هذه الحال، وفعلًا
أسست مدرسة خصوصية للألسن الشرقية ليتخرج منها من يكون من الوطنيين لائقًا لإرساله
سفيرًا لها في الآستانة، وقد فاز الكونت كاونتس Kaunitz وزير ماريا تريزيا بالاقتراح الذي عرضه على جلالتها،
وبتحقيقه فتحت فعلًا أبواب الأكاديمية الشرقية بفيينا سنة ١٧٥٤، وكان أول مدير لها
يوسف فرانس Franz وكان وكيله في الإدارة يوسف
نكرب Nekrep سنة ١٧٧٠، ثم جاء بعده فرانس
هوك Höck سنة ١٧٨٥ في عهد الإمبراطور يوسف
الثاني الملك الديمقراطي المحبوب، وترك منصبه ١٨٣٢، وتسلم الإدارة بعده الكردينال
روشر Rauscher، ومن أشهر خريجي تلك
الأكاديمية شترمر Stürmer المرسل في إرساليات
سياسية للآستانة، خصوصًا وقت الحرب التركية سنة ١٧٨٨ إلى ١٧٨٩، وهو الذي قابل سفير
الدولة العثمانية أبو بكر راتب أفندي سنة ١٧٩٢ في فيينا عندما أراد الوصول لدى
القيصر، وقد أرسل اشترمر هذا إلى جزيرة سان هيلين منفى نبوليون الأول، حيث مكث هناك
من سنة ١٨١٦ إلى سنة ١٨١٨، ثم صار تعيينه قنصل جنرال النمسا في الولايات المتحدة،
وقد تخرج أيضًا من هذه الأكاديمية روزن
زفايج Rosenzweig المولود سنة ١٨١٩ بمدينة برين عاصمة مورافيا، وسافر إلى
الآستانة، وفيدن ببلغاريا، وكان ترجمانًا، وعين سنة ١٨١٧ أستاذًا للغات الشرق
بالأكاديمية الشرقية نفسها، وترجم منظومة يوسف وزليخا لمولانا جامي سنة ١٨٢٤،
وقصيدة البردة للبوصيري، ومنتخبات ديوان جلال الدين الرومي، وتخرج من الأكاديمية
فرانس فون
دومباي Franz von
Dombay المولود بفيينا سنة ١٧٥١، وقد رافق سفير النمسا إلى سلطان
المغرب الأقصى سنة ١٧٨٢، وكان ذلك بعد أن وصل الوفد المراكشي إلى فيينا، واحتفل به
احتفالًا فاخرًا، وأصدر آجرومية «لهجة المغاربة» سنة ١٨٠٠، وتاريخ المغرب الأقصى
١٨٠١، وكتاب «تاريخ أشراف
مراكش» Geschichte der Scherife von Marocco طبع أجرام سنة ١٨٠١، وكتاب النقود المغربية طبع فيينا سنة
١٨٠٣، واشتغل دمباي في الخطوط العربية التي كانت موجودة في كتبخانات الأندلس، ومات
سنة ١٨١٠ في فيينا، حيث كان يشغل وظيفة «ترجمان القيصر».
وتخرج من هذه الأكاديمية أيضًا برينر Brenner
المولود في فيينا سنة ١٧٧٢، وقد أصدر تاريخ الحروب العثمانية الأخيرة المطبوع
بالتركي، وقاموس لغة الجاغاطاي التترية.
وقد كان في كتبخانة الأكاديمية سنة ١٨٣٩ أربعمائة وثمانٍ وعشرون نسخة من الخطوط
العربية النفيسة، منها خمس وثلاثون بالخط المغربي، ومقدارٌ عظيم من الخطوط التركية،
والفارسية، وهذه صورة الأكاديمية الشرقية في فيينا، وقد أصبح اسمها الآن أكاديمية القناصل
١٨ [انظر الصورة التالية].
أما برلين، ففيها مدرسة خصوصية للغات الشرق تسمى Oriental
Seminar، وهذه هي صورة هذه المدرسة:
وفي رومية بإيطاليا مدرسة شرقية قديمة جدًّا تسمى Collegium de
Propaganda Fide وهذه هي صورتها:
أما أعظم [خرِّيجي] الأكاديمية الشرقية بفيينا فهو:
يوسف برون هامر
بورغشتل Josef Freiherrvon Hammer-Purgstall
ولد يوسف هامر الذي أدهش معاصريه وتابعيه في سائر أوروبا، يوم ٩ يونيو سنة ١٧٧٤
بمدينة جراتس بالنمسا، وتوفي يوم ٢٣ نوفمبر سنة ١٨٥٦ بفيينا، دخل مدرسة الجمنازيوم
بجراتس، وحضر إلى فيينا سنة ١٧٨٧ حيث التحق بالقسم التجهيزي بالمدرسة الإمبراطورية،
وبعد الامتحان لدخول الأكاديمية قُبِلَ بنجاح، واستمر تلميذًا مدة تسعة أعوام، ودرس في
السنين الأخيرة اللغة الفارسية استعدادًا للسفر إلى بلاد العجم، وقد كلفه السيد
ينيش Ienisch في خدمة قضاها له، وكان ذلك
لأجل إصدار القاموس العظيم المطبوع باللغات العربية والتركية والفارسية
واللاتينية، والمعروف باسم مؤلفه مينينسكي Meninsky، وكلفه السيد ميلر Müller في البحث عن جميع المكتوبات والكتب الإفرنكية الخاصة
بالشرق، وفي سنة ١٧٩٧ بعد عقد الصلح بين نبوليون بونابرت وإمبراطور النمسا فرانس
الأول ببلدة كامبو فورميو عُيِّن هامر سكرتيرًا للسيد بتنش معتمد القيصر، وفي هذا
الوقت نشر هامر نشرته الأولى، وهي ترجمة للشعر التركي في «الأمور الأخيرة»، ثم نشر شعرًا
نظمه هو بنفسه، وعنوانه «فايد لنج» Weidling،
وفايد لنج اسم لقرية لطيفة قريبة من فيينا واقعة بين الجبال، وقد اختارها مصيفًا له
مدة عشر سنوات، وسنعود إلى ذكرها فيما بعد، ثم سافر إلى البندقية، وكتب ما رآه هناك
في [كتابٍ] أصدره في برلين سنة ١٨٠٠ وسماه «تصويرات».
واشتغل في نظم «شيرين» أي الحلوة المشهورة بوفائها لشاه إيران الساساني، صدر في
ليبزج سنة ١٨٠٩، وفي سنة ١٧٩٧ أرسله الوزير النمساوي طوغوت Thugut إلى الآستانة، وبما أنه كانت لدى هامر توصية للسفير
النمساوي البارون هيربرت، فقد وجد منه كل مساعدة وإرشاد، وبعدما تمت المعاهدة بين
الصدر الأعظم العثماني وبين الجنرال كليبير kleber
الفرنساوي المقيم في مصر، وعرفها هربرت أمر لهامر في شهر فبراير سنة ١٨٠٠ بالسفر
إلى البلاد الشرقية ليخبره عن أحوال القنصليات النمساوية، وعن الأحوال السياسية
بالقطر المصري، ولكن لما كانت إنجلترا غير موافقة على قبول تلك المعاهدة، وتأخر من
هذا المانع سفر هامر إلى الشرق؛ بقي حينذاك مقيمًا على ظهر باخرة النمر التي كان
يرأسها سيدني سميث Sidney Smith وقد كان هامر
ترجمانًا، وسكرتيرًا خاصًا للحملة الإنكليزية على مصر، وقد حضر وشاهد المخابرات
التي دارت مع الصدر الأعظم في يافا، وذهب مع الإنكليز في الحملة إلى مصر، وقام
بجميع المراسلات السياسية التركية، وتحرير المعاهدات مع المماليك، ثم سافر بعد
تسليم الفرنساويين إلى إنجلترا، وقد ترجم أثناء إقامته في الشرق لأول مرة باللغة
الألمانية «ديوان الحافظ الفارسي» وكتب كتابه Topographische
Ansichten der Levantinischen Reise الذي صدر سنة ١٨١١ بفيينا.
والكتبخانة الإمبراطورية الملكية تشكر له ترجمة رواية عنترة بن شداد العربية التي
كانت مجهولة من قبلُ في أوروبا، ولما توفي البارون هربرت صدر إليه الأمر لمبارحة
إنكلترا، ولاستلام الأشغال بالآستانة بصفة سكرتير للسفير البارون اشتيرمر.
وأثناء إقامته في الآستانة ترجم الأجزاء التي لم تكن تُرجِمتْ بعدُ من ألف ليلة وليلة،
ونشر كتاب بوق الجهاد Pos aune des heil. Krieges
وانتقل سنة ١٨٠٦ إلى وظيفة وكيل الإمبراطور في مدينة يسي، إلا أنه ترك هذه الوظيفة،
وسافر سنة ١٨٠٧ إلى فيينا، حيث تعارف مع الأمير شفوسكي Rscevusky وقد ساعده الأخير ماليًّا عندما علم أن هامر يريد إصدار
مجموعة عامة لجميع العلوم الشرقية، وقد صدر الجزء الأول من هذه المجموعة العلمية
المهمة الشأن المسماة معادن الشرق
العلمية Fundgruben des Orients سنة ١٨٠٩، وطبع في ستة مجلدات من سنة ١٨١٠ لسنة ١٨١٩،
ولما دخل الفرنساويون في فيينا محاربين سنة ١٨٠٩ كان القيصر أمره ليلحقه، ولكنه تأخر
عن لحاقه، وكان ذلك لعدم وجود خيل للسفر، وفي الواقع فإن هذا التأخير كان مفيدًا
للنمسا؛ وذلك أن الجنرال دارو Daru الفرنساوي
ومعه دينون Denon نهبا المتاحف والكتبخانات لأخذ
كنوزها النادرة إلى باريس، وفيما نهبوه ثلاثمائة نسخة من الخطوط الأصلية الشرقية،
فعارضهما هامر ومنعهما من ذلك، وقد تركا فعلًا مائة نسخة في فيينا، وأخذا معهما
مائتين إلى باريس، لكن هامر سافر إلى باريس، وفاز بمساعدة صديقه سلفستر ده سازي لدى
الحكومة الفرنساوية، فردَّت أيضًا مائة نسخة، وكان هامر سنة ١٨١٠ مشيرًا للسفير
النمساوي في باريس وقت اقتران نبوليون الأول بالأرشيد وشس ماريا لويزا، وعُيِّن في سنة
١٨١١ مشيرَ ديوان الحكومة، وترجمانًا للإمبراطور فرنسيس الأول، واغتنم هامر فرصة
فراغه من الأشغال الرسمية وأخذ يدرس بكل دقة أحوال الشرق، ونشر في سنة ١٨١٥ كتاب
«أساس تدبير حكومة الدولة العثمانية»، واعترافًا بفضل هذا التأليف، فقد منحه
إمبراطور الروس وملك الدانيمارك نياشين عديدة، وفي سنة ١٨١٦ كان له من العمر
اثنتان وأربعون سنة، وتزوَّج من السيدة ابنة البارون هنكشتين، وعُيِّن في السنة التالية
مستشارًا للإمبراطور، وهذا الامتياز هو قمة الافتخار الرسمي الذي ناله من جهة تقدمه
الرسمي وارتفاعه العلمي، وكل ما نتج عن هذه التكريمات والإجلال، بل ونيله لقب
بارون، لم يكن إلا لكثرة إلمامه في العلوم الشرقية. ولما رافق هامر سنة ١٨١٩ سفير
العجم ميرزا أبي الحسن بفيينا لمخابرة الإمبراطور فرانس الأول بصفة ترجمان حصل على
«صليب الفرسان» وهذا ملحق لنيشان ليو بولد العالي الشأن، أما السفير الإيراني أبي
الحسن فأعطاه جوادًا كريمًا، باعه هامر واستلم ثمنًا له مائة قطعة ذهبًا صرفها في
إنشاء قبره المصنوع تمامًا على طراز قبور المسلمين، وهو من الرخام الأبيض، ولم يشيد
قبره إلا بعد سبع وثلاثين سنة في مقبرة قرية فيدلنج اللطيفة السابق ذكرها، وأقامها
على نفس المكان الذي دفنت فيه حبيبة شبابه السيدة أليزة تينر. وهكذا فقد أحب هامر
الشرق، وأعجب بفنونه وآدابه الجميلة، حتى جعل لنفسه تذكارًا خالدًا يبرهن على فرط
ميله، وانهماك خاطره في عجائب ونفائس الشرق، وأقام لنفسه قبرًا شرقيًّا، وفي
الحقيقة، فقبر يوسف هامر يجذب إليه أبصار جميع المارِّين به، والناس مُعجَبون شاخصي
العيون مندهشين لرؤية أثر نادر؛ حيث لم يشاهدوا مثله أبدًا بتلك النواحي. وتَوجَّه كاتب
هذه المقالة ذات يوم إلى قصر يوسف هامر المقيم على حدود الأستيريا إلى جهة المجر
ببلدة هاينفلد الذي ورثه هامر من السيدة الأرملة بورغشتل، فرأى فيه في سنة ١٩١٣ من
العجائب والزخارف الشرقية، ومن الخطوط العربية المنقوشة على مدخل هذا القصر الفاخر
الحصين ذي الأربعة أبراج ما يدهش البصر، ولما دخل وجد في حجرة القبر ذات القبة
قبرًا من الرخام الأبيض منقوشًا عليه كلمات بلغات كالعربية والفارسية والتركية،
وسائر لغات أوروبا، ووجد في غرفة من الآثار المصرية القديمة والمومياوات والخطوط
والكتب النادرة، وهذه هي صورة قبر هامر بفيدلنج المنقوشة بلغات الشرق، وصورة قصره
في هاينفلد [انظر الصورة التالية]:
ومن سنة ١٨١٦ إلى سنة ١٨٢١ ألَّف هامر تاريخ الغساسنة، وأصدر كتاب رحلته إلى بروساو
«إستانبول والبوسفور» ورواياتٍ دينيةً هنديةً فارسية، وتركية تحت عنوان
Memnons Deriklang طُبعتْ بفيينا سنة ١٨٢٣، ثم
سافر إلى إيطاليا لكشف الخطوط، وفي نفس هذه السنة صدر المرسوم من الإمبراطور فرانس
الأول بإعطاء لقب «فارس».
واستلم هامر سنة ١٨٣٥ مكافأة من الأكاديمية في برلين لجوابه عن موضوع «كيفية تدبير
حكومة الخلافة الداخلية» في كتابه Innere Verwaltung des
chalifats طبع برلين سنة ١٨٣٥، فصرف هامر هذا المبلغ في سد
نفقات ترجمة الشعر التركي كل وبلبل لفضلي طبع بودابست سنة ١٨٣٤، ولما قدَّم إلى شاه
إيران كتاب «مذكرات مركوس أوريليوس الفلسفية» المطبوع بالفارسي واليوناني، أنعم
عليه هذا الشاه بنيشان شيرو خورشيد، ثم ألَّف كتاب النظم الأقدم الفارسي Wamik wa.Asra طبع فيينا سنة ١٨٣٣، ثم أطواق الذهب
للزمخشري طبع فيينا سنة ١٨٣٥، وكتاب Mithriaca طبع
باريس سنة ١٨٣٣، وفي سنة ١٨٣٥ ورث هامر بناءً على توصية الأرملة السيدة بورغشتل
صديقته التي ماتت عن غير ذُرِّية قصرَها السابق ذكره ببلدة هاينفلد.
ولهذا الحين كان يُدعَى هذا المستشرق يوسف هامر فقط، أما بعد هذا الميراث فقد أصبح
اسمه بأمر الإمبراطور «البارون هامر بورغشتل»، ومما يُشكر هامر بورغشتل عليه تأسيسه
«أكاديمية العلوم في فيينا» التي انتخب أول رئيس لها، وعندما احتُفل بتذكار مرور مائة
عام على الأكاديمية الشرقية، فقد لقي هامر كل الاحتفاء والتكريم في ذلك الاحتفال؛
لأنه كان بلا شكٍّ تاج تلاميذ هذه الأكاديمية، ولما طَعن في السن لم يفقد قوته
العقلية، بل إنها زادت، والدليل على ذلك أنه نشر، وعمره بين الستين والسبعين كتاب
«قاعة تصويرات حياة أعاظم ملوك الإسلام» طُبع بدار مشتات سنة ١٨٣٧، وغير ممكن شرح
جميع مؤلفات هامر لأنها تُعَدُّ بالمئات، وإنما نذكر نشرته «أقوال النبي محمد» طبع فيينا
سنة ١٨٥٣، وكتابه في «الألفاظ العربية في اللغة الإسبانيولية» طبع فيينا، ثم مباحثه
في «الأختام المنقوشة الإسلامية» وكتابه «يا ولد للغزالي» المطبوع بالعربي
والألماني سنة ١٨٣٨، وميعاد للصلاة بالعربي والألماني، وتاريخ قبائل المغول، ولما
كان عمره ٧٦ سنة ابتدأ بإصدار كتابه آداب اللغة العربية طبع فيينا سنة ١٨٥٤ إلى
١٨٥٦، وقد نال هامر خمسة عشر نيشانًا من معظم ملوك أوروبا، ومنحته جامعات جراتس،
وبراغ لقب دكتور شرف، كما أنه كان عضوًا في خمسين شركة علمية، مثل شركة آسيا في
إنجلترا، وفرنسا، وكلكتا وبومباي بالهند، وفيلادلفيا بأمريكا، وجمعية الشرق
بلايبسج. وقد عاش بورغشتل ثلاثة وثمانين عامًا كلها مملوءة بالشغل والعمل والبحث.
ومن المعلوم أن هامر قد وقعت له في كتبه كثير من السهوات اللغوية لعدم تتمة دراسة كل
لغة إلى الحد الأخير منها، ومع أنه ليس من الأمور الصعبة [توجيه] مثل هذه الغلطات
اللغوية بالنظر إلى المعرفة الهائلة العجيبة، وإلمامه جميع العلوم الخاصة بالشرق،
والفنون، وأحوال وتاريخ الأجيال الغامضة التي نجح في حل بعضها، فإن المُقرِّظ المُنْصِف
الذي يدرك فهم روح هامر العالية لا بد وأن يقول إن يوسف هامر بورغشتل لا يُنكَر فضله
بأي حال من الأحوال؛ فقد كان مجددًا للعزائم، ومُحْيِيًا الهمة لدراسة الألسن الشرقية
وأحوال الشرق، وقدوةً حسنة لتابعيه ليستزيدوا نشاطًا وجهدًا في الطريق الذي سلكه
وسهَّله لهم؛ فلروحه جميل الذكرى. وقد مات هامر سنة ١٨٥٦، ودفن في فيدلنج. وترى في
[الصورة التالية] صورة من الصور العديدة ليوسف هامر بورغشتل.
فريدريخ رويكرت Friedrich Rückert
ولد سنة ١٧٨٨ في شويفورت بألمانيا، وتعلَّم في جيمنازيوم شوبنفورت، ثم في جامعات
فيرزبورج وهايدلبرج، في سنة ١٨١٨ سافر إلى رومية، ثم إلى مدينة كوبورج، وعُيِّن
أستاذًا للغات الشرق في جامعة أرلنجن، ودُعِيَ بصفته هذه إلى جامعة برلين سنة ١٨٤١
حيث مكث فيها لغاية سنة ١٨٤٩، بعد ذلك عاش ببلدة نوسيس القريبة من مدينة كوبورج،
ومات فيها سنة ١٨٦٦، وبما أن شهرة رويكرت منتشرة في العالم بين شعراء ألمانيا، فلا
نذكر من تآليفه إلا ما يخص [الشرق]، وهي: «مقامات الحريري»
Makamen des Hariri, 1829 Hamasa 1846،
١٩ وأتقن رويكرت ثلاثين لغة، وهذه هي صورته: [انظر الشكل السابق].
هنريخ ليبرخت
فلايشر Heinrich Leberecht Fleischer
ولد سنة ١٨٠١ في شنداو بألمانيا، وتوفي سنة ١٨٨٨ في لايبسج، وقد درس في لايبسج
العلوم الدينية واللغات الشرقية، وكان مدرسًا خاصًّا في منزل المارشال كولينكور coulaincour بباريس الذي كان في معية نبوليون
الأول، ثم أتمَّ دراسة اللسان العربي، والفارسي، والتركي تحت إرشاد المستشرق القدير
سلفستر ده ساسي، وأصبح سنة ١٨٣٧ عضوًا بجمعية آسيا، ولما رجع إلى وطنه سنة ١٨٣٨
استمر معلِّمًا بمدينة درسدن، وعُين أستاذًا للغات الشرق بجامعة لايبسج، حيث كان يلقي
المحاضرات لحين وفاته. ومن مؤلفاته: تاريخ العرب قبل الإسلام طبع لايبسج سنة ١٨٣١،
وأطواق الذهب للزمخشري طبع لايبسج سنة ١٨٣٥، ونصائح علي بالعربي والفارسي
والألماني طبع سنة ١٨٣٨، وكتاب الخطوط العربية والفارسية والتركية في كتبخانة
لايبسج طبع جريما سنة ١٨٣٨، ثم ألف ليلة وليلة في تسع مجلدات طبع سنة ١٨٤٣، ثم «تفسير
القرآن للبيضاوي» طبع لايبسج سنة ١٨٤٦، وآجرومية فارسية لميرزا محمد إبراهيم طبع
لاييسج سنة ١٨٤٧.
ثم هرمس المثلث في الحكمة، إلى روح الإنسان بالعربي والألماني طبع سنة ١٨٧٠،
وكانت أعمال فلايشر مفيدة جدًّا للجمعية الألمانية الشرقية.
جوستاف ليبرخت فليجل Gustav Leberecht Flüƃel
ولد سنة ١٨٠٣ في باونسن بألمانيا، توفي سنة ١٨٧٠ بدرسدن، ودخل إلى جامعة لايبسج
سنة ١٨٢١، ودرس لغات الشرق، واستمر مدرسًا بفيينا، حيث أصدر بناءً على نصيحة صديقه
هامر برغشتال كتاب الثعالبي «رفيق الموحد» وقد ألَّف مقدمتها هامر، طُبع في فيينا سنة
١٨٢٩، وقد تتلمذ فليجل لسلفستر ده ساسي في باريس مدة سنة، وكان أستاذًا بمدينة مبسن
سنة ١٨٣٣، وأصدر فهرست حاجي [خليفة] مع الترجمة اللاتينية في سبع مجلدات، ثم أصدر
تاريخ العرب، ثم القرآن سنة ١٨٣٤، وكتاب الكندي فيلسوف العرب طبع لايبسج سنة ١٨٥٧،
ثم مدارس العرب النحوية في سنة ١٨٦٢، وكتالوج المخطوطات العربية، والفارسية،
والتركية المحفوظة في دار الكتب الإمبراطورية بفيينا طبع فيينا سنة ١٨٦٥، وبعد موته
ظهر كتاب الفهرست سنة١٨٧١.
ميخائيل أماري Michele Amari
مستشرق ومؤرخ طلياني، ولد سنة ١٨٠٦ في بالرم بجزيرة صقلية، وتوفي سنة ١٨٨٩
بفلورانس، ولم يكد يبدأ حياته الدراسية حتى قُبض على والده متهمًا بدخوله في مؤامرة
سياسية، وحُكم عليه بالإعدام، على أنه نجا من الموت، واستمر مسجونًا طول حياته، ومات
فيه، أما ابنه فقد انهمك في دراسة تاريخ صقلية، وأنشأ أول مؤلَّف سنة ١٨٣٤ المسمى
تأسيس مملكة النورمان بصقلية.
وفي سنة ١٨٤١ صدر تاريخه المشهور «ليلة المذبحة بصقلية» وخافت الحكومة البوربونية
الفرنساوية سوء نتيجة انتشار ذلك الكتاب، فقبضت على أماري، ولكنه هرب إلى باريس حيث
جدَّد طبع كتابه، وقد تُرجِم الكتاب فيما بعد إلى عدة لغات، ولما رجع إلى وطنه حين وقوع
الثورة الديموقراطية سنة ١٨٤٨ عُين رئيسًا نائبًا بالحربية، وبُعث سفيرًا إلى فرنسا،
وإنجلترا، وأصدر في باريس كتاب «صقلية وعائلة بوربون».
وبعد إخماد الثورة أُرسل ثانيًا إلى المنفى، ولم يرجع منه إلا سنة ١٨٥٩ ليستلم كرسي
تدريس اللغة العربية بمدينتي بيزا ثم فلورانس، وكان شريكًا للحملة الصقلية التي
كان يرأسها الجنرال غاريبالدي سنة ١٨٦٠، ودبر لمعاهدات مع الوزير كافور Cavour لإلحاق صقلية بمملكة إيطاليا، ثم عُين وزيرًا
للمعارف، واستلم بالتالي التدريس، ولم يتركه إلا سنة ١٨٧٨؛ لنقل مركزه إلى روما. ومن
مؤلفاته أيضًا تاريخ المسلمين بصقلية طبع فلورانس سنة ١٨٥٣ إلى ١٨٧٣، وكتاب
«كتبخانة عربية صقلية» طبع سنة ١٨٥٧، وأخبار جديدة في تاريخ جنوه، و«آثار النقوش
العربية بصقلية» طبع سنة ١٨٧٥، وشهادات عربية بمتحف فلورانس سنة ١٨٧٣.
فرديناند كريستيان
فستنفلد Ferdinand Wüstenfeld
ولد سنة ١٨٠٨ في ميندين بألمانيا، ودرس في برلين وجوتنجن تحت إرشاد الأستاذ تيخسن
وايوالد، وعُيِّن سنة ١٨٤٢ أستاذًا للغات الشرق بجامعة جوتنجن، فعاش هناك حياة العالم
القادر بعيدًا عن كل شيء غير الكتب والعلوم أكثر من ستين سنة، وكان أعماله الخاصة
ترتيب الكتبخانات مع ميل عظيم إلى المباحثات في مؤرخي وجغرافيي العرب. وتآليفه
ونتائج أشغاله تستحق كل الإعجاب؛ لدقتها واتساعها. وقد ترجم جملة كتب عربية، ونسخ
بعضها بخط يده الجميل الظريف. ولا يسمح ضيقُ المكان بشرح جميع الكتب التي ألَّفها،
والتي لا يستغني عنها المستشرق الأوروبي؛ لأنها حقيقة تساعد كل من يرغب في التعريب.
ومات هذا العلامة في هانوفر بعدما كُفَّ نظره. ومن بعض تآليفه ذات القيمة الخالدة
ما يأتي بيانه: «وصف العالم» للقزويني طبع جوتنجن سنة ١٨٤٨، «جداول قبائل العرب» طبع
لايبسج سنة ١٨٩٩، «مدارس العرب وأساتذتها» طبع جوتنجن سنة ١٨٣٧، «تاريخ المدينة
للسمهودي» طبع جوتنجن سنة ١٨٦٠، «أراضي المدينة المنورة» طبع جوتنجن سنة ١٨٣٧، «حكام
مصر زمن الخلفا» سنة ١٨٧٥ طبع جوتنجن، «جغرافية مصر للقلقشندي» طبع جوتنجن سنة ١٨٧٩،
«تاريخ الخلفاء الفاطميين» طبع سنة ١٨٨١، «تاريخ شرفاء مكة» طبع سنة ١٨٨٥، «تاريخ
الإمام الشافعي» طبع سنة ١٨٩٠.
«حياة النبي محمد لابن هشام» طبع لايبسج سنة ١٨٩٩، «قاموس جغرافية البكري» طبع
جوتنجن سنة ١٨٧٦، «تاريخ الأقباط للمقريزي» جوتنجن سنة ١٨٤٥، «تقويم ديني للأقباط»
طبع جوتنجن سنة ١٨٧٩، «تاريخ ابن قتيبة» طبع جوتنجن سنة ١٨٥٠، «ابن خلقان» طبع
جوتنجن سنة ١٨٣٥، «التراجمة العربية إلى اللاتيني» طبع جوتنجن سنة ١٨٧٧، «مؤرخو
العرب» طبع جوتنجن سنة ١٨٨٢، «تاريخ أطباء العرب» طبع جوتنجن سنة ١٨٤٠. وهذه هي
صورة الأستاذ فستنفلد، وهي هدية من السيدة فستنفلد حفيدة المرحوم إلى مؤلف هذا
الكتاب.
جوستاف فايل Gustav Weil
ولد سنة ١٨٠٨ في سلسبرج، وتوفي في بفرايبرج بألمانيا سنة ١٨٨٩، وكان يعيش مدة خمس
سنوات في القاهرة، وبعد رجوعه أصبح مأمورًا في كتبخانة هيدلبرج سنة ١٨٣٨، فحافظ
الكتب، وسنة ١٨٤٠ أستاذًا للغات الشرق، وترجم «أطواق الذهب» للزمخشري طبع اشتتجارد
سنة ١٨٣٦، ثم أصدر «أشعار العرب» طبع اشتتجارد في سنة ١٨٣٧، ثم «ألف ليلة وليلة» طبع
١٨٤١ في أربعة مجلدات، ثم «تاريخ النبي محمد» طبع اشتتجارد سنة ١٨٤٣ في ثلاثة مجلدات،
و«تاريخ الخلفاء الفاطميين في مصر» طبع سنة ١٨٥١، وترجمة حياة النبي محمد لابن إسحاق
طبع سنة ١٨٦٤، ثم «تاريخ أمم الإسلام من عهد النبي إلى السلطان سليم» طبع
١٨٦٦.
رينهارد دوزي Reinhard Dozy
فرنسي الأصل ولد في ليدن سنة ١٨٢٠، وتوفي سنة ١٨٨٣، تعلم في ليدن اللغات الشرقية
والتاريخ، ونال وظيفة إدارة المخطوطات الشرقية بليدن، وعُيِّن سنة ١٨٨٧ أستاذًا
للتاريخ بجامعة ليدن، وقد أتقن أغلب اللغات السامية خصوصًا اللغة العربية، وكان
يكتب ويقرأ جميع لغات أوروبا، ومن مؤلفاته قاموس الألبسة العربية طبع بأمستردام سنة ١٨٤٥،
وتاريخ المراكشي طبع
ليدن سنة ١٨٤٨، وتاريخ أفريقيا للأندلسي، ومباحث في تاريخ الأندلس في الأجيال
المتوسطة، وتاريخ مسلمي الأندلس طبع ليدن سنة ١٨٦٦، ووصف أفريقيا والأندلس
للإدريسي طبع ليدن سنة ١٨٦٦، وها هي صورته:
أدولف وارموند Adolf Wahrmund
ولد سنة ١٨٢٧ بمدينة فيسبادن بألمانيا، وتوفي سنة ١٩١٣ بمدينة فيينا، وتعلم في
مدرسة البيداجوجيوم، وفي سنة ١٨٤٤ في جمنازيوم بلدة فيلبرج، وفاز في الامتحان، ثم
التحق بجامعة جوتنجن، وتعلم بها من ١٨٤٥ إلى ١٨٤٨، وابتدأ أولًا بدراسة علم الدين،
ثم الألسن القديمة واللغات الشرقية تحت إرشاد الأستاذ المشهور فيستنفلد، وقد حفظ له
طول عمره في قلبه أجمل الذكرى، وكان يود الإقامة في فيينا عاصمة النمسا؛ ذلك لأنها
مركزٌ معروف، ووسطٌ مشهور بدراسة لغات الشرق، ولكن قبل الحضور إليها كان في
التيرول، حيث وجد وظيفة بصفة مدرسٍ خاص لإحدى العائلات الشريفة، ولكنه ذهب بعد ذلك
إلى فيينا، واضطر أن يعيش على مكسبه من الدروس التي يعطيها لبعض العائلات، إلا أن
رغبته الشديدة العلمية وجَّهته إلى دار الكتب الإمبراطورية، وبعد مُضيِّ زمنٍ غير طويل
في
هذه المكتبة أدرك اتساعُ علوم هذا العالم الذي كان لم يزل صغير السن؛ مسامعَ مدير
الكتبخانة؛ فوظَّفه في تدبير الكتالوجات أولًا بصفة مأمور، وبعد ذلك بصفة مرشد من سنة
١٨٥٣ إلى سنة ١٨٦٠، وفي سنة ١٨٥٧ أرسل وارموند تأليفًا إلى جامعة تبينجن، ونال عليه
لقب دكتور، وقد كرَّمت هذه الجامعة هذا العالم فيما بعد عندما بلغ من العمر الثمانين،
فأرسلت له دبلومًا مع لقب دكتور شرف، وهذا الامتياز لا يناله إلا أعظم النوادر. أما
أعماله بدار الكتب التي كانت عملية فقط، والتي منعته عن الاشتغال بالعلوم، فكانت لا
ترضيه، بل جعلته يترك هذه الوظيفة سنة ١٨٦٠ ليوجه نفسه إلى التدريس والتأليف،
فأصدر في مدينة استوثجارت كتابه المسمى «علم تحرير التواريخ عند اليونان» سنة ١٨٥٩،
وترجم كتب ديودور وتوكيديدس اليونانيَّيْن إلى اللغة الألمانية، وفي سنة ١٨٦٢ عُين
وارموند أستاذًا بجامعة فيينا للغات العربية والفارسية والتركية، وأصدر كتابه
«الدليل في تعلم اللغات العربية» طبع جيسن سنة ١٨٦٨ Praktisches
Handbuch der Arabischen Sprache، والدليل في تعلم اللغة
التركية طبع جيسن سنة ١٨٧٩، وفي سنة ١٨٧١ انضم إلى الأكاديمية الشرقية المشهورة
بفيينا بصفة أستاذ، حيث كان زميلًا لأنطون أفندي حسن المصري الذي درس اللهجة العامية
المصرية فيها، وأصدر سنة ١٨٧٤ آجرومية اللغة العربية، وسنة ١٨٧٥ آجرومية اللغة
الفارسية، وسنة ١٨٨٠ كتاب الحكايات العربية تسهيلًا للقراءة. ولهذه الكتب اللغوية
خصوصًا العربية النحوية لها شهرة خالدة، لا سيما من جهة الدقة والتفصيل، وهي غاية
في الإيضاح، وفي تفسير غوامض هذه اللغة وقواعدها، أما طريقة وارموند في تدريس
اللغات الشرقية بالأكاديمية الشرقية بفيينا، فيصفها تلميذه الأستاذ مكس بتنر Bittner بجامعة فيينا بالعبارات الآتية: … كان الأستاذ
وارموند أول من فهم أن اللغة التركية لا تُدرَس جيدًا إلا بالاتفاق مع اللغتين
الفارسية والعربية، ولا يمكن تعلُّم اللغة الفارسية الحديثة إلا بتعلُّم العربي،
وبكلمةٍ أخرى، إنه استهلَّ دراسة هذه اللغات الثلاث، وجاء بالبرهان بأن الواحدة لا
تنفرد عن الأخرى؛ إذ إنها مع اختلاف فروعها متحدة في الجوهر العربي وقابلة لروحه. ثم
قال بتنر ردًّا على طلب ابنة وارموند في شرح أسلوب التدريس الذي استعمله وارموند:
عرف وارموند إيصال الشيء النظري بالعملي؛ فقاموسه العربي لا يبلغه كتاب آخر
بالنسبة إلى سعته، وبيان شرح أصول الكلمات العربية، وقد أصدر وارموند كتاب تصريف
الأفعال العربية، وهو كتابٌ مفيد لكل من يرغب دراسة هذه اللغة البديعة.
كذلك أنشأ كتاب القراءة العربية مع المفتاج اللازم له، وقد أتقن وارموند ثلاثين
لغة، أما أسلوب التدريس فكان فريدًا في نوعه حتى إنه تغلَّب على جميع الصعوبات في
التدريس، خصوصًا اللغة العربية، فكان يُدرِّسها بغاية السهولة بالرغم من الصعوبة
النحوية التي كان يخشاها التلميذ المقتدر، والشيء الذي كان يشرحه وارموند كان يفهمه
تلاميذه في الحال، وقد عَلَّم تلاميذه المبدأ القائل «كل لسان إنسان» بمعنى أن
الإنسان كلما أضاف إلى علمه لغة أصبح ذا شخصية أخرى، وكان وارموند دائمًا يلقي
محاضرته ارتجالًا، ولا يُحضِّر شيئًا قبل التدريس، وكان أعلم الناس بمدارك تلاميذه
العقلية، وبما أنه عاشر كل طالب بغاية الحنو واللطف، فكان دائمًا مستعدًّا لأداء
النصائح لكل من يرى من تلاميذه اجتهادًا خصوصيًّا ورغبة للعلم. وعُين وارموند سنة
١٨٨٥ رئيسًا مؤقتًا لمدرسة الألسن الشرقية الإمبراطورية بفيينا، ورئيسًا نهائيًّا
سنة ١٨٨٨. والمدرسة الإمبراطورية للألسن الشرقية بفينا كانت فرعًا منفصلًا من
الأكاديمية الشرقية يدخلها من يريد، بعكس الأكاديمية الشرقية؛ فكان لا يدخلها إلا من
يخدم الحكومة من السياسيين والأشراف. وفي سنة ١٩٠٠ طلب وارموند إحالته على المعاش،
ومُنح لهذه المناسبة رتبة مشير الدولة، وقد أنعم عليه السلطان عبد المجيد بالنيشان
المجيدي، وناصر الدين قجاه شاه إيران بنيشان شيرو خورشيد، وحصل وارموند على كل
حفاوة من كل جهة، ومن تلاميذه العديدين، الذين أصبحوا من أكابر رجال الدولة
والموظفين أو التجار الكبار، وليس بينهم شخص لا يحفظ له في قلبه حاسة الشكر
والثناء. وجاءت ذات يوم شقيقة حاكم السودان السير رودلف سلاتين باشا أسير المهدي
محمد أحمد بأم درمان، وأرادت هذه السيدة أن ترسل صندوقًا فيه كتب وملابس إلى
سلاتين باشا، وطلبتْ من الأستاذ وارموند أن يكتب كتابًا إلى الخليفة عبد الله
التعايشي، فوافقها على ذلك، ولما وصل الخطاب إلى عبد الله سُرَّ من حُسن الإنشاء وجميل
العبارات، حتى أمر بتلاوة ذلك الخطاب في الجامع الكبير أمام الجمهور، وسلَّم الصندوق
لسلاتين باشا، وعامَله أحسن معاملة. وردًّا على هذا الخطاب، فقد أرسل عبد الله إلى
شقيقة سلاتين باشا لتحضر إلى أم درمان، وترى بنفسها حُسن المعاملة التي يعامَل بها
أخوها، ونشر وارموند كتبًا أخرى مثل دين بابيلون، ودين اليهود، ودين النصارى طبع
بلايبسج سنة ١٨٨٢، وكتاب محمد جعفر «المسيو جوردان في الكا اباغ» ورواية تاريخية
عنوانها «عباسة أخت الرشيد»، ولما تقدم وارموند في العمر ضعف نظره، وفي هذه المدة
المؤلمة ساعده في أشغاله العلمية وفي كتابة الأشعار التي ألفها وارموند في السنين
الطوال محرِّرُ هذه المقالة، الذي كان من أقدم تلاميذه وأصدقائه، والذي قضى له خدماتٍ
كثيرةً في زمن العمى، وبذل الأتعاب إكرامًا وحبًّا وشكرًا لهذا الشيخ الجليل
والفيلسوف العظيم، وقد جعلت جمعية فلسفية بألمانيا مقام وارموند الفيلسوف في درجةٍ
علمية أعلى من درجة أرسطو، وكان وارموند معلِّمًا للخديوي عباس باشا حلمي الثاني،
وكذا لشاه إيران. وقد توفي هذا العالم الكبير إلى رحمة ربه سنة ١٩١٣ وعمره ثمانون
عامًا، وصورته في [الصورة السابقة].
٢٠
المؤتمرات الشرقية
في أواخر القرن الماضي رغب علماء أوروبا المهتمون بأحوال الشرق أن يجتمعوا حينًا
بعد حين في مدينة خاصة في مؤتمر شرقي عمومي؛ ليتبادل بعضهم مع بعض الأفكار، ولعرض
اقتراحاتهم الصالحة في خدمة العلم، فكان ممن فكَّر هذه الفكرة الجليلة المفيدة العالم
الفرنساوي ليون ده روزني.
ودُعي لهذا المؤتمر الشرقي العمومي الذي انعقد لأول مرة في مدينة باريس سنة ١٨٧٣
جميع مستشرقي أوروبا، وقد عُقد بعد ذلك عدة مؤتمرات شرقية في البلاد الآتية: لندن –
بطرسبرج – فلورانس – برلين – ليدن – فيينا – استوكهلم – خريستيانيا – روما – جنيف.
ودعا للمؤتمر الثاني عشر بروما رئيسُه جميعَ العلماء الشرقيين للحضور أيضًا، فتكلم
محمد شريف سالم أفندي في مستقبل اللغة العربية، وكان الأستاذ فولرز Vollers مدير الكتبخانة الخديوية بمصر إذ ذاك من
الحاضرين، وتكلم علي بك بهجت المصري في تدابير شئون القطر المصري في القرن الخامس عشر،
والأستاذ نالينو Nallino في علم النجوم ببلاد
الحبشة، والأستاذ جرينرت Grünert من براغ في
التثنية في اللسان العربي القديم، وهلم جرًّا (انظر مباحثات المؤتمرات الشرقية
الدولية بباريس ولندره وفيينا … إلخ).
تتابعت المؤتمرات الشرقية في مدن أوروبا منذ سنة ١٨٧٣ حتى مزَّقت مطامعُ السياسيين
هذا الصلحَ المفلح سنة ١٩١٤، وكان الظاهر أنها تَدفن تحت الأرض حصاد ما زرعه
المصلحون بأعمالهم العلمية، وبعدما هدأت أمواج تلك الحرب الشنيعة، وعادت المياه إلى
مجاريها انعقد المؤتمر الشرقي السابع عشر العمومي سنة ١٩٢٨ في أكسفورد، فاجتمع
المستشرقون هناك، وكان رئيس القسم الإسلامي المستشرق الشهير الأستاذ مرغوليوث
المعروف أحسن معرفة لدى أهالي مصر أيضًا، أما مواضيع الأساتذة الذين تكلموا في
المؤتمر، فكانت هذه:
ابن خاتمة شاعر عربي بالأندلس في القرن الثامن للميلاد |
الأستاذ Rencheneb |
منار الإسكندرية |
الأستاذ Kahle |
جزيرة العرب المتحاربة |
الأستاذ Rathjens |
أعمال محمود تيمور في الآداب |
الأستاذ Schaade |
لاحظات تخص استعمال الضمير في القرآن |
الأستاذ طه حسين |
العباديون والخوارج |
الأستاذ Smogorzewsky |
كتاب المعاني الكبير لابن قتيبة |
الأستاذ Krenkow |
وفي الوقت عينه انعقد في مدينة بن بألمانيا المؤتمر الشرقي الألماني الخامس، وحضر
من المستشرقين الأساتذة: A. Baumstark, F. Berfhold, A. Fischer, E.
Mittwoch, J. Ruska, H. Goetz وغيرهم.
يوسف فون كاراباسك Josef von Karabacek
ولد سنة ١٨٤٥ بمدينة جراتس، وتوفي بفيينا سنة ١٩١٧، دخل مدرسة الجمنازيوم بطمشوار
بالمجر، وأتم دروسه في فيينا، وكان له ميل عظيم لدراسة النقود الشرقية؛ فتفرغ طول
حياته وحوَّل كل اهتمامه لذلك، ولما يتعلق به من علم خطوط العرب الكوفية وتاريخ
أمم الإسلام، وابتدأ تأليفه بمقالة سماها في النقود الكوفية المحفوظة بمتحف
يوهانيوم بغراتس طبع سنة ١٨٦٨، ثم كتاب علم الخطوط الكوفية طبع فيينا سنة ١٨٩٥، ووجَّه
به أبصار الباحثين إلى علاقة الكتابة العربية القديمة بمنقوشات الأحجار.
وفي سنة ١٨٨٥ أحضرت حكومة النمسا جملةً عظيمة من أوراق البردي القديمة التي وجدت
في
الفيوم بمساعدة الأرشيدوق راينر Rainer المالية،
وهذه الأوراق أصل المجموعة المعروفة باسم Papyrus Erzherzog
Rainer فاستحضر هذا الأرشيدوق كثيرًا من البرادي اليونانية
والقبطية والعربية.
وقد نشر كراباسك بحثًا تاريخيًّا في «المقوقس المصري».
ثم بحثًا في أول شهادة تاريخية عن ظهور الأتراك، وأصدر بحثًا في الورق القديم في
كتابه «المصادر في تاريخ الورق»، ثم كتابًا في الفخريات الشرقية، ومقالة في الألبسة
الدينية عليها خطوطٌ عربيةٌ محفوظة في كنيسة ماري مريم بدانسيك بألمانيا طبع ١٨٨٢،
والفرع الأخير الذي اشتغل فيه كراباسك هو علم الفنون الجميلة الإسلامية، وقام بدفع
الظن في امتناع تصوير الأشخاص في الإسلام، وأثبت أن هذا الامتناع لم يكن يعمُّ كافة
الرجال، ووجد أن بين سلاطين آل عثمان من كان يكره التصوير لحدِّ ذاته، وأن بينهم من كان
يستحسنه من الوجهة الفنية لا من الوجهة الدينية، وظهر كتابه «المصور الفارس رضاء
العباسي» سنة ١٩١١.
وآخر كتاب له «الرجال الفنانون الإيطاليون في بلاد محمد الثاني» طبع ١٩١٨، ويقول
فيه: إن جنطيلة بلليني
Gentili Beilini صنع صورة
هذا الفاتح بالزيت، وكان كل من يراها يُعجب بها، وأراد كراباسك أن يتمم الجزء الثاني
لهذا الكتاب تحت عنوان «حركة الفنون في عهد السلطان سليمان ١٥٢٠–١٥٩٥» إلا أن الموت
لم يمهله. وقد نال كراباسك نياشين عديدة اعترافًا بفضله وخدماته للعلوم الشرقية،
وكان مستشرقًا من مستشرقي المدرسة العلمية القديمة التي أسسها هامر بورغشتل، والتي
بلغت نهايتها في المجد في شخص المستشرق كريمر
Kremer، وقد اختارت أكاديمية العلوم في فيينا كراباسك عضوًا لها
سنة ١٨٨٨،
٢١ وكان أستاذًا بجامعة فيينا من سنة ١٨٦٨ لتدريس تاريخ الأمم الإسلامية،
والخطوط القديمة العربية، والعلوم الخاصة بها، وعَيَّنه القيصر فرانز يوسف سنة ١٨٩٩
مديرًا لدار الكتب الإمبراطورية، وتولى هذا المنصب لغاية سنة ١٩١٧، وكان رجلًا ذا
هيبة ووقار، متحليًا بكل صفات الطبقة الراقية في الهيئة الاجتماعية من حاشية بلاط
القيصر، فضلًا عن اللطف ودماثة الأخلاق اللتين اتصف بهما، وهذه صورة الأستاذ المدير
يوسف الفارس كراباسك بلباسه الرسمي في أكاديمية العلوم.
ومن أشهر المستشرقين في زمننا الحديث الأستاذ:
ماكسيمليان بتنر Maximilian Bittner
وهو خاتم بحثنا هذا. ولد بتنر في فيينا سنة ١٨٦٩، وبعد أن أتم دروسه الابتدائية
التحق في جيمنازيوم الاسكوتلاندية بفيينا، وأظهر في صغره رغبة شديدة في تعلُّم اللغات،
ثم دخل مدرسة الألسن الشرقية بفيينا، ودرس فيها اللغة العربية تحت إرشاد الأستاذ
أدولف وارموند، وتعلَّم اللغة التركية من الأستاذ سعد الدين أحمد أفندي المقيم بفيينا،
والعبرانية من المعلم يعقوب أوبر ماير الذي مكث سنين عديدة في بغداد، وهو مترجم
الدولة بمحكمة فيينا، ثم درس اللغة الأرمنية من الآباء المحيطا ريست بفيينا أصحاب
المطبعة الشرقية، وتعلَّم الفارسي من ميرزا حسين بفيينا، ومن أساتذته الأستاذ كراباسك،
وارموند ومولر وكيومجيان وداجيان، ثم التحق بجامعة فيينا، ونال منها دبلوم دكتور
سنة ١٨٩٢، وسنة ١٩٠٤ تعيَّن أستاذًا فيها للغات الشرقية، وكان منذ سنة ١٨٩٢ معاونًا
في الكتبخانة الخاصة بالشرق بالجامعة، وكان حاضرًا للمؤتمر الشرقي العمومي في روما
سنة ١٨٩٩، وفي سنة ١٩١٣ عُيِّن عضوًا لأكاديمية العلوم، وأستاذًا في الأكاديمية
الشرقية التي غُيِّر اسمها باسم أكاديمية القناصل، أما عبقرية بتنر ونبوغه في اللغات
العديدة، فلا يمكن لأحد أن ينكرهما؛ فقد أتقن اللغات: الألمانية، والفرنساوية،
والإنكليزية، والإيطالية، والمجرية، والإسبانيولية، والبوهيمية، والصربوكرواتية،
واللاتينية، واليونانية القديمة، والحديثة، والبرتغالية، والهولاندية، والسويدية،
والرومانية، والروسية، والألجية، والعربية، والفارسية، والتركية مع فروعها
الجغاطابية، والسريانية، والحبشية القديمة الإثيوبية، والأمحرية الحديثة،
والأرمنية، والبوشطو الأفغانية، والبلوجية، والمهرية من حضرموت، والآشورية، ولغة
جزيرة سكوترة، والكردية، والعسيوية، والسنسكريتية، واليابانية، والصينية،
والطيبطانية، وسبع لغات هندية، ثم السبائية، والبهلوية الفارسية، والقبطية،
والسواحلية، والملاجشية، والجورجية.
أليست هذه عبقرية لا نظير لها في الوجود، أليست تلك الروح العظيمة حقًّا فيها من نور
الله؟ لقد أتقن بتنر هذه اللغات إتقانًا لم يبلغه مستشرق قبله، وقد أصدر بتنر حتى
وفاته القواعد الأصلية لثلاث عشرة لغة شرقية، الأمر الذي برهن على غزارة فكرية
عجيبة، ومحصول علمي رعته روحه.
وتآليف بتنر المهمة جدًّا التي تبحث في اللغات السامية، وخصوصًا لغات ولهجات
جنوبي وشرقي اليمن بجزيرة العرب، والتي تتوغل في تصريف وقواعد لسان المهري الذي
سماه بالأحكيلي، ثم الشوري، والسكوتري — مما تُقدِّم البرهان القاطع على غزارة مادته،
وتقدُّمه العلمي، ومما يبرهن على أن بتنر أتقن هذه اللغات الثلاث عشرة أنه درسها بجهدٍ
نادر مدة ١٢ سنة، وقد أصدرت أكاديمية العلوم هذه المباحث في ثلاثة مجلدات، وألَّف بتنر
أيضًا كتاب «أول قصيدة العجاج» طبع سنة ١٨٩٦، و«أهمية العربي على التركي والفارسي»،
ثم «الكتاب المقدس لقبائل يزيد عباد العفريت». وفي موت بتنر خسارةٌ عظيمة للعلم لا
يمكن تعويضها؛ فقد مات ولم يزد عمره على تسعة وأربعين عامًا، وكان يقطن في قصره
الخاص بمدلينج بالقرب من فيينا، وكان قصره مفروشًا على الطرز العربي تمامًا، ومحلًّى
بالمنقوشات الكوفية والفارسية والتركية والهندية وغيرها، وكان بين حين وآخر
يريح نفسه، ويشتغل بالألعاب الرياضية؛ ليجدد من قوَّته كي يحتمل أتعاب البحث العلمي،
وكي يساعد عقله على الاستمرار في الدرس. ومن سوء الحظ أنه بينما كان ذات مرة يقطع
بعض الأخشاب، وهو في تمرينه الجسدي، إذ هوى بالقادوم على أصبعه، ودخل السم في الجرح،
ولم تسعف المعالجة شيئًا؛ فمات سريعًا وهو لا يزال في مقتبل العمر وقوة الرجولة.
مات رحمه الله في يوم ٧ أبريل سنة ١٩١٨ بمدينة مدلينج، ومشى في جنازته أكبر كبراء
الدولة، وواروه التراب، ووضعوا معه قلوبهم الدامية، وخسرانهم على فقدهم كنزًا لا
يُعوَّض، وقد منحه الإمبراطور فرانز يوسف سنة ١٩١٧ نيشان «التاج الحديدي» من الدرجة
الثالثة، وأصبح بتنر بذلك فارسًا، وقد عرض عليه من النياشين الأخرى العديدة الكثير،
إلا أن بتنر رفض بكل أدب قبول غير النيشان المذكور. وكان رحمه الله حسن المجلس يجذب
بحديثه كل سامعيه، وكان كل من جالسه مرة يغبط نفسه على ذلك ويُفاخر أصدقاءه
ومعارفه، وترى صورة الأستاذ بتنر في [الصورة السابقة].
الخاتمة
انتهينا الآن من كلمتنا عن مستشرقي أوروبا، وظهر لنا أن الباعث لدراسة اللغات
الشرقية في أول الأمر خصوصًا اللغة العربية كان لأغراض دينية وحربية في القرون
الوسطى، ولكنها تحوَّلت بعد ذلك إلى أغراض علمية، وبها فازت أوروبا في كشف ما تُكِنُّه
العلوم والفنون الشرقية من الدُّرر الغوالي والكنوز الثمينة. وبتقدُّم دراسة لغات
الشرق قد استحكم حبل المودة بين الشرق والغرب، وتلطَّفت العلاقات بين الدول الشرقية
والغربية، سواء كانت علمية أو تجارية؛ ولذا فإننا نشكر هؤلاء المستشرقين الذين
نبَّهوا الأفكار بتأليفاتهم، والذين كانوا سببًا في إدراك الحقيقة أن التمدن الأوروبي
الحديثَ مبعثُه الشرقُ المنيرُ مهد عمران بني آدم!
Joseph Gyra
Le Caire Septembre 1929