نشأة الكون وتطوره
عندما نتأمل السماء في ليلة صافية حالكة نجد مئات النجوم الباهرة وآلاف النجوم المثبتة كما لو كانت رملًا أو ضبابًا، وإذا كنا في الخلاء وجدنا هذا الرمل أو هذا الضباب على عرض كبير وعلى استطالة تبدو لنا كما لو كانت استدارة، نرى نصفها فقط من آفاق الجنوب إلى آفاق الشمال.
هذه المجموعة من النجوم تسمى المجرة، ويسميها الفلاحون عندنا «سكة التبانة» وما نراه فيها من نجوم إنما هو جزء صغير جدًّا مما تحتويه؛ إذ تبلغ نجومها مئة ألف مليون، وشمسنا إحدى هذه النجوم.
وفي الكون من المجرات نحو مئة ألف مليون مجرة.
والكون كله؛ أي: مجراته بشموسها وكواكبها، مؤلف من عناصر قليلة لا تكاد تزيد على مئة عنصر عرفنا منها ٩٨ على أرضنا، أبسطها وأخفها هو الهيدروجين، وأعقدها وأثقلها هو الأورانيوم.
وليس في الأرض عناصر لا توجد في النجوم، كما ليس في النجوم عناصر لا توجد في الأرض، ويسهل علينا أن نعرف عناصر النجوم؛ إذ هي غازات تحلل أضواؤها بالموشور وتقف على العناصر المؤلفة منها، ولكن هذا لا يسهل بشأن الكواكب؛ إذ إن عناصرها ليست غازات ولكننا نعرف أن الكواكب مشتقة من النجوم «الشموس» فنوقن أن عناصرها هي عناصر الشموس.
وليس في شمسنا عنصر لا نعرفه على الأرض، وقد حدث أننا عرفنا غازًا في الشمس أسميناه باسمها وهو هليوم «هيلو = شمس» ثم لم تمض سنوات حتى عرفناه في الأرض وصنعنا منه بلونات تطير؛ لأنه من أخف الغازات.
فالكون وحدة، هو بمثابة النجم الواحد قد ارفضّت أجزاؤه فصارت ملايين النجوم والكواكب.
-
ما معني أن يكون جسم أثقل من جسم؟
-
ما معنى أن يكون عنصر أثقل من عنصر؟
إن الاتجاه العلمي في وقتنا ينحو نحو التوحيد فيقول: إن القوة المغناطيسية والقوة الكهربية والجاذبية والضوء والحرارة والكتلة كلها صور مختلفة للمادة.
والقوة هي المادة، والقوة وزن فقط.
فإذا كانت ساعتك فارغة ثم ملأتها كي تدق الثواني في ٢٤ ساعة فهي أثقل عندما تكون مملوءة عما كانت عندما كانت فارغة؛ إذ هي تحتوى قوة.
ولا تستطيع أن تميز في الوزن بين ساعة مملوءة وساعة فارغة لضعف القوة التي أحدثناها بملء الساعة، ولكن يمكن أن نفهم أو نتصور معنى الثقل في الأورانيوم بأنه مضغوط مشدود كما لو كان فخًّا قد شد للاقتناص، في حين أن الهيدروجين غير مضغوط ولذلك الأول ثقيل والثاني خفيف.
والقنبلة الذرية تُصنع من أثقل العناصر، من الأورانيوم، الفخ المضغوط، الساعة المملوءة، الذي ترفضّ كسارات ذراته في الفضاء، وينتج من ارفضاضها حرارة كبيرة جدًّا.
والقنبلة الهيدروجينية تصنع من أخف العناصر؛ أي: الهيدروجين، ولكن هذا العنصر لا يرفض وإنما يقتحم بأجزاء أخرى من الذرات فينشأ منه الهليوم الذي قلنا: إننا عرفناه في الشمس قبل أن نعرفه على الأرض، وفي أثناء الالتحام يفقد جزءًا من الوزن فتنشأ حرارة كبيرة جدًّا، هي حرارة الشمس.
الشمس تتحول من الهيدروجين إلى الهليوم.
لماذا لا تحترق الأرض مثلما تحترق الشمس بالقنبلة الهيدروجينية؟
لأننا لا نحرق الهيدروجين بالذات وإنما نحرق مثالًا قريبًا منه.
•••
الهيدروجين هو اللبنات التي بُني منها الكون؛ أي: بنيت منه نجومه وكواكبه. وعناصر الكون والأرض في تطور تسير من البسيط إلى المركب.
من الهيدروجين الخفيف إلى الأورانيوم الثقيل.
قلنا: إن الكون قد بُني من الهيدروجين؛ أي: أن هذا العنصر هو الذي صنع من اللبنات التي يحتاج إليها البناء، ولكن اللبنة هي شيء منظم، فماذا كان قبل هذا التنظيم؟
الذي نعرفه ويكاد يشبه اليقين أن أعضاء هذا الكون «أي ١٠٠ مليون مجرة، وكل مجرة تحتوى ١٠٠ مليون شمس مع كواكبها»، هذا الكون قد نشأ في لحظة واحدة، ولذلك جميع ما فيه من نجوم، على وجه عام، تستوي في أعمارها، بل كذلك أيضًا جميع ما فيه من كواكب على وجه عام أيضًا.
كان الكون كتلة واحدة قبل نحو خمسة آلاف مليون سنة فقط، ثم انفجرت هذه الكتلة فنشأت منها المجرات بشموسها وكواكبها.
ولا يزال الانفجار مندفعًا لم يهدأ.
ما هو الكون؟
نحن نفهم أو بالأحرى نعتقد أنه نجوم وكواكب.
ولكن هذا خطأ؛ لأن الكون خواء، وهو أشبه بالكرة الأرضية قد صارت بلونًا مثل البلون الذي يلعب به الأطفال، وهو خواء ليس في داخله غاز أو أي مادة أخرى، ولكن على سطحه المصنوع من الكاوتشوك الخفيف تدب مئات الألوف من ملايين النمل.
وهذا النمل هو المجرات التي تحتوى كل منها ١٠٠ ألف مليون نجم، وهي نفسها ١٠٠ مليون مجرة.
•••
كيف نشأ الكون؟ أو بالأحرى كيف ينشأ الكون بنجومه وكواكبه ثم كيف يموت ويتبدد ثم كيف يعود فيتجمع وينفجر مرة أخرى نجومًا وكواكب؟
يمكن أن نجيب على هذا السؤال في ضوء ما نجد الآن.
نحن نجد أن النجوم البعيدة تنأى عنا، وسيأتي يومًا تختفي فيه فلا نراها.
ونحن نستنتج من اندفاعها في الفضاء بأن أرضنا وشمسنا ومجرتنا كلهن أيضًا في مثل هذا الاندفاع.
نحن في تفرق، في تشتت، ولكن أعضاء مجرتنا يمسك بعضها بعضًا بجاذبيتها كما لو كانت مشدودة بحبال، ولذلك تسير معًا فلا نجد نجمًا يبتعد عن نجم ولا نحس أننا في اندفاع؛ أي: في انفجار؛ أي: في ارفضاض، منذ الانفجار الأول.
وهذه النجوم التي قلنا: إنها تنأى عنا ويحمر لونها ويضعف بعد التلألؤ والقوة ليست من مجرتنا وإنما هي من مجرات بعيدة موغلة في الفضاء.
وشمسنا في الفترة الحاضرة من تاريخ الكون هي في طور البناء، من الهيدروجين إلى الهليوم، ومن هنا حرارتها حرارة القنبلة الهيدروجينية.
ولكن سيأتي اليوم حين ينتهي الهيدروجين فيها، وعندئذ تتقلص الشمس.
القنبلة الذرية تمدد وارفضاض، والقنبلة الهيدروجينية تقلص والتحام.
والحرارة التي تحدث من التقلص أكبر كثيرًا من الحرارة التي تحدث من التمدد ومن هذا التقلص ستنشأ العناصر الثقيلة التي تشع على الأرض جهنم من الحرارة فتحرقها.
ولكن إحراق الأرض لن يتم قبل نحو خمسين ألف مليون سنة، وربما أكثر، وعندئذ تتبدد الأرض ذرات في الفضاء.
لا، ليس ذرات، وإنما كسارات الذرات.
وما يحدث في شمسنا وأرضنا يحدث في جميع الشموس «النجوم» والكواكب، والأغلب أنه سيحدث في وقت متقارب.
وعندئذ يمتلئ الكون بكسارات الذرات فلا يكون فيه نجم أو كوكب.
وفي ألوف الملايين من السنين تتجمع كسارات الذرات بقوة الجاذبية؛ إذ هي مهما ضؤلت أجسام، وبتجمعها تتألف الذرات، ثم تتجمع الذرات كتلة هنا وهناك، والكتلة الكبيرة تجذب الكتلة الصغيرة.
ثم يعود الكون كله كتلة واحدة من الذرات.
ولكن هذه الكتلة لضخامتها «لا تطيق نفسها» إذ هي لا تتوازن، وحقولها المغناطيسية والكهربية تتفاوت، وهي في تقلصها تنتج قوة كبيرة جدًّا فتؤدي بها إلى الانفجار … أي: أن هذه الكتلة الكونية تكون بمثابة عنصر الراديوم الذي لا يتماسك، ثم يزداد ضغط ذراته حتى ينفجر.
وقد حدث هذا الانفجار لكوننا الحاضر بمجراته وشموسه وكواكبه قبل خمسة آلاف مليون سنة.
•••
إن لكل نجم، في الأغلب، كوكبًا أو بضعة كواكب، فهل هناك أحياء من نبات وحيوان وإنسان على هذه الكواكب؟
الجواب: قطعًا توجد نباتات وحيوانات بل قطعًا يوجد بشر مثلنا ذلك أن هناك ألوف الملايين من الكواكب التي تستمد حرارتها وضوءها من شموس تقع على مسافات تضارع أو تقارب المسافة التي تفصل أو تصل بيننا وبين الشمس، وفي هذه الحال تنشأ الأحياء عليها وتصل إلى درجات التطور التي وصلت إليها الأرض.
وهل يمكن أن نصل إلى هذه الكواكب؟
نعم يمكن، وكل ما نحتاج إليه أن نخرج من جاذبية الأرض؛ أي: أن القذيفة التي سنركبها تخرج أولا من منطقة الهواء، وهذا أشق ما في الرحلة؛ لأن الهواء جسم مقاوم، ثم بعد ذلك نخرج من جاذبية الأرض بقوة الاندفاع الأول، ومتى تركنا جاذبية الأرض فإن قذيفتنا التي نركبها ستسير في الفضاء كما لو كانت حجرًا يسقط من سطح منزل إلى أسفله، ويمكن أن نسير في هذا الفضاء شهرًا أو سنة أو عشر سنوات بلا أي مجهود سوى قوة الاندفاع الأول من الأرض.
والعبرة هنا بتنظيم القذيفة وتموينها بالطعام والشراب والغازات التي تحط على كوكب آخر.
ولكن إذا سرنا مع منطقنا فإننا نحتاج إلى أن نقول: إن هذا الذي نفكر فيه بشأن استعمار الكواكب يمكن أيضًا أن يكون البشر الذين نشئوا في هذه الكواكب نفسها يفكرون فيه بشأن الأرض؛ إذ إننا جميعًا من عمر واحد.
وفي حكومات فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة وروسيا مصالح تبحث وتستعد للرحلة الأولى لاستعمار القمر، والانتقال من القمر إلى الكواكب الأخرى سيكون الدرس الثاني للرحلة الفضائية الكوكبية.
هل الحياة مادة؟ هل لها أساس مادي؟
•••
حسبنا أن نشير إشارة خاطفة إلى الحياة والأحياء هنا من حيث علاقتها بهذا التصور الجديد للكون، وليس من حيث مظاهرهما المختلفة وتطور الأحياء وكيمياء النمو والتكاثر.
إن أعظم ما يجعل الناس ينفرون من القول بأن الحياة مادة أن للإنسان عقلًا ولا يمكن في زعمهم أن يكون العقل مادة.
ولكننا نعرف أن الأرض تربط القمر بالجاذبية وتعين حركته كما لو كانت تسوقه في طريق لا يتجاوزه، وكذلك الشمس تربط الأرض بالجاذبية وتعين الفلك الذي يدور فيه مع أن بين الاثنين، الشمس والأرض آلاف الملايين من الأميال، فما هي هذه الجاذبية، وهل تعود إلى شيء غير عادي في الشمس والأرض؟
إن الطاقة الكهربية والمغناطيسية والجاذبية من الخواص الطبيعية التي لا نجد فيها مادة محسوسة ولكننا نستنتج أنها جميعًا تعود إلى المادة.
والعقل أحد خواص المادة حين نسميها جسمًا حيًّا، وعندما نقول: إنه غير مادي فقولنا هذا لا يزيد على قولنا: إن المغناطيسية أو الجاذبية الكهربية غير مادية.
إن للأحياء خواص كثيرة منها الحركة والتنفس والتمثيل، ولكننا عندما نتأمل اللهب نجد أنه يحتاج إلى الأوكسجين مثلنا؟ وكلانا يحيا به كما يموت فور انقطاعه عنه.
وكلانا يمثل المواد البروتينية والنشوية «وأحيانا الخليوزية» والسكرية والشحمية ويحيلها إلى حرارة، وما دامت هذه المواد حاضرة فإن اللهب يبقى حيًّا إلى الأبد.
وفي ضوء التصوير الجديد للكون يمكن أن نقول: إن كل مادة تحتفظ بطرازها، بأن تأخذ وتُعطي لما حولها، تعد حية، فالنجم يعد حيًّا، بل كذلك الكواكب، وأحسن ما قيل عن الحياة بلغة الشعر التي تعتمد على أساس العلم: «إن الحياة نسيج يحوكه الضوء من الهواء».
ونحن نحاول التفسير الذري أو الجزئي للمواد، وفي ضوء هذا التفسير نجد أن الفيروس الذي يحدث لنا الزكام مثلًا يقف بين ما نسميه مادة وما نسميه حياة، ذلك أن الفيروسات قد يتألف أحدها من جزيء واحد أو عدة جزئيات حتى لنتردد في القول بأنها من المواد أم من الأحياء.