هل تنقرض هذه الحيوانات الجميلة
إذا تأملنا العالم في حاله الحاضرة من إنسان وحيوان ونبات وتساءلنا أيهما جميعًا عرضة للانقراض لما كان هناك شك في جوابنا بأن أكثر الأحياء عرضة للانقراض هو الإنسان، وذلك بفضل ما اخترعه من قنابل ذرية وأخرى هيدروجينية، وهذا إلى غازات سامة وميكروبات قاتلة.
الإنسان في أيامنا أكثر عرضة للانقراض من أي حيوان آخر، وليس شك أنه سيقتل معه ملايين من الحيوانات التي نكبت باستئناسه لها والتي تعيش في مدنه وقُراه، ولكن لجميع هذه الحيوانات أصول وأقارب في الغابات والجبال التي لن تصل إليها في الأغلب قنابلنا؛ ولذلك مهما بلغ قتلاها في العدد فإنها لن تنقرض.
ولكن إذا تركنا الإنسان وحيواناته المستأنسة فإنه يبقى علينا أن نتأمل عوامل البقاء والانقراض في الحيوانات الأخرى، وأكبر ما يهدد هذه الحيوانات بالفناء في عصرنا هو الإنسان نفسه، وقد استطاع في المائة سنة الماضية أن يبيد طائر الدؤدؤ من جزيرة موريتيوس «بالقرب من مدغشقر»، وهو طائر ينتسب إلى الحمام ولكنه كان يزيد في الوزن على الدندي؛ أي: الديك الرومي، وكذلك أباد الإنسان نعامة كانت تعيش في نيوزيلانده.
وإلى قبل نحو ثلث قرن كان الصيد مباحًا في جميع الطيور، وكانت سيدات أوروبا على شغف عظيم بوضع الريش الزاهي في قبعاتهن، فألح الصيادون على صيد الطيور الجميلة حتى كادت تنقرض، ثم سُنت القوانين لحمايتها كما أن إقلاع السيدات عن هذه العادة الوحشية في تزيين قبعاتهن بالريش قد جعل الفرصة متاحة لهذه الطيور لأن تتكاثر وتعود أسرابها إلى ما كانت عليه.
ولكن السيدات ما زلن يتخذن الفراء للمعطف، ويلح الصيادون في كندا وسيبيريا على صيد الثعالب والدببة البيضاء للحصول على فرائها، ولذلك يُخشى انقراضها وإن تكن في كلا القطرين قوانين تحظر صيد الإناث كما تحظر استعمال الأشراك التي قد تقع فيها الأنثى مثل الذكر.
ومع ذلك هناك الدواء الذي يوحيه الداء.
فإن الخوف من انقراض الثعالب البيض قد أوحى إلى تجار الفراء تربية هذه الثعالب في حدائق وأقفاص واستنتاج سلالاتها ونجحت هذه التجربة، كما أن إخواننا السودانيين، يصيدون النعام هذه الأيام لكنهم يربونه كما نربي نحن الدجاج، وقد استأنس الفنلنديون الغزال المعروف باسم الرقة.
ولو كان هذا ممكنًا في سائر الحيوان لما كان هناك خوف من الانقراض، وهنا بالطبع لا ننسى أن في جميع الأقطار المتمدنة حدائق للحيوانات الوحشية التي تُربى لإمتاع الجماهير وتنويرها، ولكنها قليلة لا تكفل بقاء الأنواع، ثم هناك هذا العقم الذي يصيب حيوانات هذه الحدائق؛ إذ إن كثيرًا منها لا يلد وهو في القفص، وإذا حمل أجهض.
والفيلة أكثر الحيوانات تأنقًا في التوالد، فهي مثلا مستأنسة في الهند، ولكنها لا تتلاقح إلا إذا تركت الإناث في الغابة بعيدًا عن الحضارة، فتبقى الأنثى نحو أسبوعين تكون قد عرفت فيها الذكر، ثم تعود أو تعاد إلى صاحبها حيث تلد بعد مدة الحمل الطويلة.
وعوامل الانقراض في الطبيعة عديدة ونجد منها في تاريخ الحيوان أمثلة مروعة، فقبل نحو مئة أو ثمانين مليون سنة كانت أرضنا، في اليابسة والبحار والهواء، تعج بالملايين من أنواع مختلفة من الزواحف الكبرى، انقرضت جميعها.
ولا يعرف أحد لماذا انقرضت والخيط في هذا الموضوع لا ينتهي وربما كان ما نستبعده في خيالنا هو أقرب التعليلات إلى عقولنا، وهو أن الأرض وجدت هي والمجموعة الشمسية في مكان من المجرة التي تنتسب إليها عم فيها البرد وشمل الأرض، فلم تتحمله الزواحف الكبرى ولذلك نشأ بعدها، من صميم أجسامها، نوعان يتسمان بغطاء يقي الجسم من البرد هما الطيور بريشها واللبونات أو الرواضع بأصوافها وشعرها ووبرها.
ولكن هذا حدث فقط وإن يكن أحسن الأحداس.
والخوف من انقراض الحيوانات قد بعث حكومة إفريقيا الجنوبية على إيجاد حرم تبلغ مساحته أكثر من مليوني فدان يحرم فيه صيد الحيوانات، ولذلك تجد هناك الأسود والنمور والفيلة وأفراس النهر والكركدن والجاموس والغزلان والزراف والحمر الوحشية «الزرد» والقردة، وكذلك المئات من أنواع الطير، تجد الحماية التي تكفل لها البقاء، وهذا الذي قامت به حكومة جنوب إفريقيا الجنوبية هو بر الإنسان بالطبيعة والحيوان.
ولكن هذه الحكومة التي تحمي الحيوان لا تحمي مع ذلك سيد الحيوانات وهو الإنسان الزنجي الذي يلقى منها كل احتقار.