التقرير الناقص!
لم يكن الوضع في المقر السري الصغير بالهرم هادئًا كما هو الحال في الجزيرة.
بل كانت الاجتماعات بقيادة «قيس» … متلاحقة … وعبر شبكة الإنترنت … اجتمع بهم رقم «صفر» من «هايديلبرج» بولاية بادن الألمانية أكثر من مرة …
وبالطبع لم يكن أحد يعلم أنهم بالجزيرة، بل ظنوا أنهم مختطَفون.
ولكن من اختطفهم؟ … وإلى أين؟ … هذا ما لم يستطيعوا الإجابة عليه حتى الآن.
وفي آخر اجتماع له بهم، طلب منهم رقم «صفر» إعداد تقرير عاجل عن عملية اختطاف طائرتهم، وأيضًا اختفاء السيد «أدهم»، رجل الصناعة المعروف.
وازدحمت قاعة مركز المعلومات الرئيسية بالشياطين، وأُضيئت معظم شاشات الكمبيوتر … وتناثرت في القاعة أصوات النغمات المختلفة التي تصاحب استعمال مفاتيح التحكُّم وإدخال البيانات.
وكان الشياطين قلقين جدًّا بعدما عثرت السلطات الأمنية على جثة السيد «أدهم» في صحراء «وادي النطرون».
لقد كان للسيد «أدهم» عدة مصانع في «مدينة السادات»، والتي تقع عند الكيلو ١٢٠ طريق مصر الإسكندرية الصحراوي … أي بعد «وادي النطرون» بعدة كيلومترات.
لكن ذلك لا يفسِّر وجوده هناك؛ فليس له بالوادي ولا بالصحراء مصلحة أو عمل … فما الذي ذهب به إلى هناك.
هذا بالإضافة إلى أنهم عرفوا أن الجثة وُجدت في حالة سيئة … وبها عدة طلقات؛ ممَّا يدل على أنه قُتل منذ فترة.
فمن الذي كان مع «أحمد» و«إلهام» و«عثمان» وهم في طريقهم لركوب الطائرة؟
ألم يكن السيد «أدهم»؟
وكيف سيكون هو … وقد وُجد مقتولًا منذ فترة؟!
وتوقَّف الجميع عن العمل …
والتفتوا إلى «ريما» حين سألتهم قائلة: ألم يشكو الرجل من رسائل التهديد التي كانت تصله بين الحين والآخر؟
فهد: وقد قمنا بعمل اللازم وتأمينه نحن والأجهزة الأمنية الأخرى.
بو عمير: كيف يموت في صحراء «وادي النطرون»، وقد كانت آخر مرة رأيناه فيها … وهو في طريقه للمطار مع «أحمد» و«إلهام» و«عثمان».
قيس: ومن أدراك أنهم لم يكونوا سويًّا وقتما قُتل؟
بو عمير: سويًّا كيف … والرجل وُجد مقتولًا في طريق الإسكندرية، والطائرة التي كانت تُقل الشياطين غادرت الأراضي المصرية من يومها؟!
ريما: إذن فالذي قُتل ليس السيد «أدهم» بل رجل يشبهه؟
قيس: غير صحيح … فالطب الشرعي يقول إنه هو!
فهد: من الممكن ألَّا يكون هو يا «قيس»؛ فالجثة وُجدت فاسدة … ولا يمكن أخذ بصماتها.
مصباح: إذن كان لدينا احتمالان.
بو عمير: نعم … إمَّا أن الرجل المقتول هو السيد «أدهم».
ريما: وفي هذه الحالة، يكون زملاؤنا مختطفين.
مصباح: وإمَّا لا يكون هو السيد «أدهم».
ريما: ويكون السيد «أدهم» ضائعًا بين زملائنا.
قيس: التقرير هكذا سيكون ناقصًا …
ريما: علينا إعداده والاتصال برقم «صفر» … ونرى.
وسجَّلت «ريما» على الكمبيوتر ليقوم بإعداد التقرير … وقام قيس بالاتصال برقم صفر لإبلاغه بما توصَّلوا إليه … فطلب منه إرساله على بريده الإلكتروني ليقرأه حالما ينتهي ممَّا في يده … ورأى «عثمان» ألَّا يكتفوا بذلك، بل عليهم القيام بمزيد من التحريات عن السيد «أدهم» وعن أسرته، ومعرفة هل تسلَّموا جثته، أم لا زالت بالمشرحة … وهل كانوا يعرفون شيئًا عن رسائل التهديد أم لا؟
أيضًا سؤالهم عن آخر مرة رأوه فيها، وهل شعروا بتغيير ما يدل على أن «أدهم» في الأيام الأخيرة ليس هو «أدهم» الحقيقي.
وكانت المهمة الأخيرة هذه … هي مهمة «ريما».
وقد بدأتها بالذهاب إلى مقره الرئيسي في إحدى شركاته، فعرفت أن الشركة قد انتقلت إلى مالك جديد.
فحاولت أن تقابله فلم تفلح لكثرة مشاغله، كما ادَّعت سكرتيرته.
فتوجَّهت على الفور إلى حي «المهندسين»، حيث تسكن أسرة «أدهم»، فوجدت قفلًا على باب الفيلا. وعن طريق أحد البوابين بالمنطقة، عرفت أنهم غادروها قبل حادث مقتله بأيام، ولم يعودوا حتى الآن … وقد يكون ذلك حزنًا على الفقيد، أو خوفًا ممَّا حدث له أن يتكرَّر معهم.
ورأت «ريما» أنه تفسير معقول، ولكنها عندما عادت إلى المقر السري، سمعت من «قيس» ما جعلها تعيد حساباتها كلها مرةً أخرى.
فقد أخبرها «قيس» أنه بالتحري عن زوجة السيد «أدهم»، عرف أنها أمريكية … وأنها كانت تنوي العودة إلى موطنها مرةً أخرى بمجرد انتهاء إجازة الأولاد.
في الوقت الذي كان السيد «أدهم» يؤسِّس لنفسه عدة شركات في مصر، ويكلِّف أصدقاءه القدامى بالبحث عن أفضل المدارس التي يمكنه إلحاق ابنه وبنتَيه بها …
وهنا أشارت له «ريما» ليتوقَّف، ثم قالت له: أرجوك، أعد الجزء الأخير من الشريط.
ابتسم «قيس»، ثم عاد يقرأ عليها تحرياته مرةً أخرى عن رغبة زوجة «أدهم» في العودة إلى موطنها، ورغبة «أدهم» في البقاء في بلده.
فقالت «ريما»: أي إن لدينا الآن طرف خيط نستطيع استغلاله.
قيس: وما هو؟
ريما: تعارض رغبات «أدهم» وزوجته.
قيس: وهل يؤدِّي تعارض الرغبات بين زوجَين إلى أن تقتل زوجة زوجها؟!
ريما: إنه ليس تعارض رغبات فقط، إنه تعارض مصالح وتقرير مصير.
قيس: تقصدين رغبتها في البقاء في موطنها؟
ريما: ورغبته في البقاء في موطنه.
قيس: ولكن ما حدث لا يمكن أن تقوم به امرأة وزوجة … إنه أسلوب عصابات محترفة …
ريما: أنا معك في هذا … ولكن إذا ثبت حقًّا أن القتيل هو السيد «أدهم» … فلن أستبعد أن تكون الزوجة قد استعانت بعصابات المافيا لتخليصها من هذه الورطة …
قيس: عصابات المافيا … وفي مصر؟!
ريما: ألم تقل إنها أمريكية؟
قيس: نعم.
ريما: إذن من السهل أن تتصل عن طريق وسيط بعصابات المافيا.
قيس: على أن يكون هذا الوسيط أمريكيا …
ريما: أو عاش في أمريكا فترةً طويلة …
قيس: ويكون صاحب مصلحة فيما حدث …
ريما: أو يرث مثلا؟
قيس: أو يرث مكانه …
ريما: ومكانته.
قيس: تقصدين …
ريما: يتزوَّج زوجته!