مطاردات خطرة!
وقبل أن يغادر العمارة، خلع «قيس» عقاله وجلبابه في سرعة ومهارة.
وقفز يركب السيارة، عندما لمح الرجل يوشك أن ينطلق بسيارة «لاند روفر» حديثة … وعندما أدارها، كانت «اللاند روفر» تغادر الشارع وتختفي في أول منحنًى تقابله، وكلاعب الأكروبات، تفادى بمهارة عددًا كبيرًا من السيارات التي اعترضت طريقه؛ فقد كان الشارع مزدحمًا.
وخلف «اللاند روفر» انحرف دون تفكير … غير أنه لم يرَها على مرمى بصره … فأكمل سيره حتى بلغ نهاية الشارع. وكان أمامه طريق عرضي، عمودي على الطريق الذي يسير فيه، وله اتجاهان، يمين ويسار.
وانتابته الحيرة … فأي الطريقَين يسلك خلف «اللاند روفر».
والدقائق تمضي، والرجل يكاد يضيع من بين يديه.
إنه يعرف أنه له علاقةً بحوادث القتل السابقة … وأنه طرف الخيط للوصول إلى «أحمد» و«إلهام» و«عثمان» …
ولم يستغرق «قيس» في التفكير إلا ثواني، ثم انطلق وراء شعوره وحسه، وترك لعداد سرعة السيارة العِنان، فأثار دهشة المارة في الشارع … فقد كان يقودها كما يقود الأولاد السيارات في ألعاب الكمبيوتر …
وصدق إحساس «قيس»؛ فقد لمح عن بعد … وفي نهاية الطريق … رأى السيارة «اللاند روفر» وهي تعبر كوبري قصر النيل في الاتجاه الخطأ … والسيارات تحاول تفاديها. وعلا صوت سارينة دراجة رجل المرور النارية … وتمنَّى «قيس» أن يصل إلى «اللاند روفر» قبله.
واخترقت الدراجة النارية صفوف السيارات، واعتلت رصيف الكوبري … وانطلق في أثر «اللاند روفر» التي دارت دورةً واسعة حول نهاية الكوبري … وانحرفت إلى شارع كورنيش النيل، وطاش صوابها.
ومن خلفها رجل المرور يحاول اللحاق بها … ومن خلفهما «قيس» وقد رفع سقف سيارته «البورش» … وصوَّب مسدسه إلى عجلات السيارة، منتظرًا أن تحين اللحظة المناسبة فيفجر إطارها …
ففي هذه اللحظة سيترك السائق السيارة … ويفر جريًا على قدمَيه، ولا يستطيع رجل المرور مطاردته، فيقبض هو عليه …
وكان «قيس» لا يريد له أن يقع في أيدي رجال الشرطة … حتى لا يضيع الوقت في الإجراءات، إلى أن يتسلَّمه هو … أو تتسلَّمه المنظَّمة … والدقائق مهمة في هذه المرحلة الحرجة من العملية، ولها قيمتها.
وعند مطلع كوبري أكتوبر، من ميدان عبد المنعم رياض، حانت اللحظة التي انتظرها «قيس»؛ فالسيارة عند صعودها على المطلع، أصبحت في مرمى تصويبه، ولم يعد هناك عائق بينه وبينها …
وبالطبع لم يصعد هو الكوبري، بل سار في الشارع الموازي للمطلع، حتى صارت عجلات السيارة أمامه … فأطلق عليها رصاصات مسدسه.
وعلا صوت انفجار إطارها …
أعقبه صوت ارتطام الباب لإغلاقه.
وشاهد «قيس» الرجل يعدو على قدمَيه بين السيارات … فعرف أنه أصبح بين يدَيه، فعاد بسيارته للخلف … حتى بلغ أول مطلع الكوبري … ثم انطلق في أثره.
وعند منزل الإسعاف … ركن سيارته وغادرها جريًا على قدمَيه … عابرًا الكوبري بين السيارات المسرعة في مهارة …
مصوِّبًا مسدسه إلى الرجل، آمرًا إياه أن يجلس على قدمَيه …
غير أن الرجل أخرج مسدسه، وسحب أمانه، وقبل أن يضغط الزناد … طار المسدس من يده قافزًا الكوبري إلى الشارع، وهو ينظر إليه في بلاهة شديدة، رافعًا يدَيه في استسلام …
إلا أن ما خاف منه «قيس» أن يحدث، وجده أمام عينَيه، عندما عبر الطريق إلى حيث تقف سيارته …
فقد وجد سيارتَي شرطة تحيطان بسيارته، وبعضَ جنود القوات الخاصة يُشهرون مدافعهم الرشاشة في وجهه، وضابطًا برتبة مقدِّم يطلب منه الركوب معهم …
ولم تفلح بطاقته الأمنية … في تركه ليُتم مهمته.
فقد قال له الضابط: آسف جدًّا … إنها أوامر من مدير أمن العاصمة …
قيس: إن العملية خطيرة … والوقت ليس في صالحنا …
الضابط: قل هذا للسيد مدير الأمن.
قيس: فلتسمح لي باستعمال تليفوني.
الضابط: بالطبع … ولكن أرجوك أن تركب الآن فنحن نعطِّل الحركة على الكوبري.
قيس: طبعًا … طبعًا.
وانطلقت سيارة الشرطة تقل «قيس» والرجل المطارَد … ومن خلفها السيارة الأخرى تحرسها. وعلى الجانب الآخر، تلقَّى ضابط الاتصال بالمقر … مكالمة «قيس» … ثم حوَّلها بِناءً على طلبه إلى قائد المقر، الذي وعده بالتصرُّف …
وقبل أن تبلغ سيارة الشرطة مديرية أمن الجيزة، تلقَّى المقدم مكالمةً على جهاز اللاسلكي … التفت بعدها إلى «قيس»، ثم قال له: يا سيد «قيس» أنت لست مقبوضًا عليك … أمَّا هذا الرجل …
فقاطعه «قيس»: ليست القضية عندي … بل القضية كلها عند هذا الرجل … فهناك زملاء لنا يهدِّدهم خطر الموت الآن، وكل دقيقة تمر ليست في صالحهم …
الضابط: سأقوم بالتحقيق بنفسي.
قيس: القضية شائكة، وقراءة ملفها يحتاج لوقت، وأعتقد أنها ليست من اختصاصك …
الضابط: أنا الذي أُحدِّد هذا.
قيس: لا، بل المصلحة العامة هي التي تُحدِّد، وقيادة الأمن العام.
الضابط: لقد أخذت كثيرًا من وقتي.
تعجَّب «قيس» من طريقة تعامل الضابط معه، وشعر بالشك يتسرَّب إلى نفسه؛ فهي المرة الأولى التي لا يهتم فيها رجل شرطة ببطاقتهم الأمنية.
وممَّا زاد شكه فيه … أنه لاحظ أن الرجل المقبوض عليه … تبدو عليه علامات الارتياح، ويجلس مطمئنًّا وكأنه قد تخلَّص من مأزق.
ولم يكن أمام «قيس» فرصة للهرب.
ولو أنه فكَّر في الاشتباك معهم، لوجدوا في ذلك ذريعةً للتخلص.
ولم يتبقَّ لديه غير حيلة من حيلهم الماكرة … والتي قد تُنقذ ما لا يمكن إنقاذه … فبدأ يتململ في جلسته ويتحرَّك في عصبية، حتى صرخ فيه الضابط قائلًا: لقد بدأت أفقد أعصابي …
قيس: أمَّا أنا فقد فقدتها …
الضابط: إنك تدفعني للتعامل معك كالمجرمين.
قيس: لن تلحق …
الضابط: لمَ؟ …
قيس: لن تلحق …
الضابط: لمَ؟ …
قيس: إن هذا الرجل ملغم …
الضابط: ماذا تقول؟ …
قيس: إنه يحمل قنبلةً موقوتة وهو لا يعرف.