القناص!
كان الوصول ﻟ «أحمد» أسهل من البحث عن «إلهام»؛ فقد عرف القرد هذه المرة المطلوب منه، وكان لقاء ثلاثتهم رائعًا …
وبالقرب من الطائرة … استفادوا من تجاوز أشجار الموز … وصنعوا كوخًا جميلًا … نقلوا إليه كل أمتعتهم من الطائرة …
ثم شرعوا في إصلاحها سويًّا … وبين الحين والآخر … كانوا يقومون بإدارة محرِّكها … لشحن البطاريات … والحفاظ عليها في حالة جيدة.
غير أنهم في هذه المرة، سمعوا صوت محرِّك طائرة أخرى يأتي من بعيد …
وظنته «إلهام» في أول الأمر صدى لصوت محرك طائرتهم …
إلا أن «عثمان» كذَّب ذلك قائلًا: لقد أدرت المحرك أكثر من مرة، ولم أسمع لصوته صدًى.
أحمد: إذن هناك طائرة في طريقها إلينا؟
عثمان: ومن يعلم أننا هنا؟
إلهام: أم تقصد أنهم يبحثون عنا؟
عثمان: إمَّا هذا وإمَّا …
أحمد: إن أفراد العصابة يريدون التأكد من موتنا.
إلهام: قد يكون صوت المحرك هو الذي اجتذبهم.
عثمان: وأين سمعوه؟
أحمد: هناك جزيرة غير بعيدة عنا، مررنا عليها في طريقنا إلى هنا.
إلهام: وما الذي جعلنا ننزل في هذه الجزيرة؟
أحمد: تعطَّلت أجهزة الملاحة … وخِفت من نفاد الوقود وأنا أسير على غير هدًى …
عثمان: وبالطبع هم الذين عطَّلوها؟
أحمد: بالطبع … وهم يعرفون أننا هنا …
وعلا صوت الطائرة … واقترب شيئًا فشيئًا من الجزيرة … والثلاثة يتطلَّعون إليها لتُنجدهم، وتحملهم إلى أقرب مطار …
وعندما رأوها تُحلِّق فوق رءوسهم، قاموا بإدارة محرك طائرتهم … ليلفت صوته انتباه من بها.
وهذا ما حدث بالفعل … ولكن نتيجته كانت على غير ما توقَّعوا؛ فقد دارت الطائرة حولهم في حلقات، ثم في دورة منها … انخفض ارتفاعها انخفاضًا كبيرًا … وبرز من تحت جناحها الأيمن مدفع رشاش … انهمرت منه الطلقات على رءوسهم كالسيل.
وجروا يحتمون بجناح الطائرة، غير أن «أحمد» تذكَّر أنه بذلك يعرِّضهم للإصابة والفشل، وهي فرصتهم الوحيدة في النجاة …
وقد تصيب هذه الرصاصات خزان الوقود … فتنفجر وهم تحتها.
وهرول الثلاثة بعيدًا عنها، عندما سمعوا من «أحمد» ذلك … واحتمَوا بكوخهم … ولم يتركوهم ليهنئوا به، بل أمطروه بوابل من الرصاص، نفذ معظمه إلى داخل الكوخ وكاد يصيبهم.
وشعر «أحمد» أنهم مصرُّون على اصطيادهم، وأنهم يجب أن يبتعدوا عن الطائرة؛ لأنها ستنفجر حتمًا؛ فرصاصاتهم لا تتخيَّر.
فطلب منه «عثمان» عدم التحرك … وأن يلزم مكانه … فليس هناك خوف من الطائرة … فليس بها وقود …
فقال له «أحمد»: كيف؟
عثمان: لقد كنت أزوِّدها أولًا بأول بالوقود.
أحمد: وأين باقي الوقود؟
عثمان: في السماء.
إلهام: أين؟
عثمان: فوق شجرة الموز، بعيدًا عن عبث القرود.
أحمد: إنه قد …
عثمان: قد ينفجر فيهم …
ودوَّى صوت انفجار مروِّع … أعقبه انفجار آخر …
ومن الكوخ، ومن تحت أفرع أشجار الموز.
خرج الشياطين الثلاثة … ليرَوا أكثر المشاهد إثارة …
فأشلاء الطائرة تطير في الهواء في أكثر من اتجاه …
وتتساقط على أركان الجزيرة، فتضرم النار في أغصان الأشجار الجافة …
ويشتعل حزام نار يحيط بالجزيرة من كل اتجاه …
وتُحرِّكه الرياح إلى الداخل … ممَّا يدل على أنها ستتحوَّل إلى فرن، وليس لهم نجاة منه إلا بالفرار …
ولكن أين؟ وكيف؟
واتجهت أنظار «إلهام» و«عثمان» إلى «أحمد»، الذي شعر بخطورة المهمة الملقاة على عاتقه …
فتركهم … وجلس بعيدًا عنهم … يسند رأسه على كفه وهو ينظر للطائرة … ثم قال ﻟ «عثمان»: اخلع معي الإسفنج الصناعي المحشو به مقاعد الطائرة …
عثمان: لماذا؟
أحمد: واجمع كل الألياف الصناعية …
إلهام: ماذا يدور في رأسك؟
أحمد: أين وعاء الوقود الفارغ؟
عثمان: موجود …
أحمد: أحضره …
وتنفيذًا لأوامر «أحمد»، قام «عثمان» و«إلهام» بتقطيع الإسفنج إلى قطع صغيرة، وكذلك الأقمشة الصناعية، ووضعوها في وعاء الوقود الفارغ، ثم أضرموا نارًا تحته …
وانتظروا حتى تحوَّل كل ذلك إلى سائل، بفضل ما وضعوه من بقايا بنزين الطائرة … وطلب منهم «أحمد» سد جميع الثغرات في جسم الطائرة من ذلك السائل … وكانت النار التي أشعلها انفجار الطائرة قد اقتربت منهم، فطلب منهم بعد أن يفرغوا من ذلك … أن يسحبوا معه الطائرة إلى الماء …
لقد صنعت منها قاربًا يا «أحمد»؟ هكذا قال «عثمان».
ردَّ عليه «أحمد» قائلًا: نعم، هذا ما أقصده …
إلهام: ولكنها تحتاج لشراع …
أحمد: سندبِّر ذلك … ولكن علينا الآن أن نغادر الجزيرة …
عثمان: نعم …
وقام الثلاثة بسحب الطائرة … بالحبال التي وُجدت فيها …
وساروا بها حتى وجدوا منفذًا إلى الماء لم تضطرم فيه النار … فعبروا منه …
وما كادت عجلاتها تدوس شاطئ البحر حتى انزلقت إلى الماء …
فاندفع الشياطين يتسلَّقونها … وبساق خشبية طويلة، دفعها «عثمان» بعيدا عن الجزيرة، التي تحوَّلت إلى شعلة نار واحدة …
وانحدرت دمعة على خد «إلهام» … كادت تدفع «عثمان» للنزول إلى الجزيرة مرةً ثانية … لإنقاذ القرد الذي كان سببًا في التقائهم.
غير أنه تراجع عندما رآه بين يدَي «أحمد»؛ فقد كان مختبئًا في مؤخرة الطائرة.