ثورة القاهرة
ذكرنا في الجزء الأخير من الفصل السابق العوامل التي كونت أسباب ثورة أهالي القاهرة التي حدثت في يوم الأحد ٢١ جمادى الأولى سنة ١٢١٣ ٢١ أكتوبر سنة ١٧٩٨، وقد اطلعنا على نص التقرير الذي بعث به نابوليون لحكومة الديركتوار في باريس عن هذه الثورة، وهذا التقرير مؤرخ في ٢٧ أكتوبر ومحفوظ في مكاتبات نابوليون بنمرة ٣٥٣٨، فلم نر فيها أثرًا لذكر السبب الذي حمل الأهالي على الثورة والهياج، وكل ما فيه بيان للخطة الحربية التي اتخذها لإخماد تلك الثورة، وكنت أود أن أنقل عن الجبرتي وصفه لهذه الثورة الداخلية، كعادتي في الاعتماد عليه في المواقف الأهلية التي تصور للقارئ الذكي حالة الشعب المصري العقلية والنفسية في ذلك الزمن، ولكن مولانا الجبرتي خرج عن أسلوبه الطبيعي البسيط الذي يدون الحقائق عارية عن ثوب الخيالات، واختار لوصف تلك الثورة الفريدة في بابها، بل ربما كانت الأولى والأخيرة من نوعها؛ لأنها قد كانت في الحقيقة ثورة أهلية ضد مظلمة عمومية، وأما الثورة الثانية في زمن كليبر، فقد كانت حربًا بين جنود الترك والمماليك الذين دخلوا القاهرة بعد انهزام جيش الصدر الأعظم في المطرية وبين الجنود الفرنساوية، نقول: إن الشيخ الجبرتي اختار لوصف هذه الثورة أسلوب المقامات السجعية، ليظهر كفاءته الكتابية في ذلك الأسلوب الذي كان يعجب به أهل زمانه إعجابًا كبيرًا، ومع ذلك فلا بد لنا من الاعتراف بأن اعتمادنا واعتماد كل مؤرخ في وصف هذه الثورة من وجهة النظر المصرية عليه دون سواه؛ لأنه «شاهد عيان» وإن يكن — كما يخيل لي — قد أنشأ هذه المقامة التاريخية بعد مضى الحوادث بزمن طويل؛ لأنه لو دونه في وقتها لكان أسلوبه فيها بسيطًا دقيقًا كعادته.
وكان من عادة المصريين أن يلجئوا إلى علماء الدين وقضاة الشرع في شكاويهم من ظلم المماليك وأتباعهم، ولذلك كان الغرض من التوجه إلى بيت القاضي، هو حمله على الذهاب إلى نابوليون، وفي رواية الجبرتي، أن القاضي لما رأى تجمعهم خاف العاقبة «وأغلق أبوابه، وأوقف حجابه!»، ولكن رواية نابوليون في تقريره تقول: إنه دخل على القاضي في أول الأمر نحو عشرين رجلًا من الثائرين، فركب فعلًا جواده وخرج، ولكنه ما كاد يسير قليلًا حتى ألقى واحد من أتباعه نظره إلى كثرة المجتمعين وهياجهم، فرأى أن تلك الملاحظة صحيحة، ونزل في الحال عن جواده ورجع إلى بيته، فحنق عليه القوم واجتمعوا حول داره يرجمونها بالحجارة … ولو أن القاضي حذرهم سوء العاقبة ولم يداخله الخوف من كثرة تجمعهم، وسار أمامهم إلى دار نابوليون، أو من ينوب منابه، لكان من الممكن أن تهدأ ثائرة القوم أثناء المناقشة، سواء بالوعد أو بالوعيد، ولكنه لم يفعل، فزاد بذلك هياج القوم وغيظهم واندلع لهيب الثورة في أحياء القاهرة.
ولا نظن أن مولانا القاضي قد اتخذ تلك السياسة لكي يزيد الخرق اتساعًا! فقد يخطر ببال المفكر أن القاضي رجل تركي حاقد على الفرنساويين، وقد قضت عليه الظروف، التي فوق طاقته، بالبقاء في مصر فصانع الفرنساويين ولاطفهم، حتى إذا رأى أهل القاهرة في ثورة صحيحة ضد أولئك المغيرين لم يشأ أن يقف عقبة في سبيلها، وفضل أن يزيد في إشعال نارها بالامتناع عن الشفاعة للقوم، ولو رموه بالخيانة، ورجموه بالطوب والحجارة! والأتراك مشهورون بالدهاء وسعة الحيلة!
قد يكون هذا الظن معقولًا لو كانت لدينا الأدلة على أن إبراهيم أفندي هذا كان من ذوي الأخلاق القوية، إلا أن تاريخه في حوادث مصر يشير إلى عكس ذلك ويدل على أنه كان رجلًا ضعيف الإرادة، جبان القلب، كما يؤيد ذلك بقاؤه في القاهرة مع استطاعته الفرار مع إبراهيم بك ومماليكه ورجال الدولة، وكان هو أولى بذلك من السيد أحمد المحروقي والسيد عمر مكرم، ثم حدث في أثناء غزو نابوليون لسوريا أن مصطفى أفندي، كتخدا بكر باشا، الذي عينه الفرنساويون أمير الحج وقربوه ورفعوه خدع القاضي «وأخرجه معه على الفرنساوية» على غير إرادة منه كما سيأتي ذلك مفصلًا في بابه.
وكيفما كانت الحال فإن الثورة اندلع لهيبها، واشتد أوارها، وأخذ الغوغاء يكثرون من الجلبة والصياح قائلين: «نصر الله السلطان»! وهكذا من خزعبلاتهم المعروفة، في تلك الأحوال المألوفة، ونادى بعض المعممين الضالين المضلين بالجهاد وقتل الكفار!!
وليت شعري أين كان هؤلاء وأين كانت هذه الوطنية والنعرة الدينية والفرنسيون لا يزالون في البر الغربي وبينهم وبين القاهرة نهر واسع عريض! ومعهم من المماليك عدد عديد، ومن الآلات والأسلحة شيء كثير! ولكنه الجهل يقوم حيث يجب أن يقعد، ويقعد حيث يجب أن يقوم!
جرى الدم في شوارع القاهرة بين الفريقين فكان فاتحة الحرب وخاتمة الدمار؛ إذ دار القتال بين الجنود والأهالي: قال الجبرتي: «فعند ذلك أخذ المسلمون حذرهم وأبرزوا ما كانوا أخفوه من السلاح، وآلات الحرب والكفاح، ومسكوا الأطراف الدائرة، بمعظم أخطاط القاهرة، كباب الفتوح وباب النصر والبرقية، إلى باب زويلة وباب الشعرية، وهدموا مساطب الحوانيت، وجعلوا أحجارها متاريس، ووقف دون كل متراس، جمع عظيم من الناس.» وبعبارة موجزة إن الأهالي تحصنوا في الدور والطرقات الضيقة وعلى أبواب المدينة التي ذكرها الجبرتي كأنهم في حصار وأي حصار!
فلما شاعت الأخبار أسرع الجنرال «جونو» فبعث رسولًا لنابوليون فحضر نابوليون مسرعًا بمن معه من جهة مصر العتيقة، فوقف القوم في طريقه، ولم يكن نابوليون مشهورًا مثل «ديبوي» ولذلك رضي أن يقصد جهة بولاق ويدخل من جهة الأزبكية وفي الحال أصدر أوامره بالسرعة التي امتاز بها في أدوار حياته العسكرية، فعين الجنرال «بون» لقومندانية القاهرة بدلًا من «ديبوي» وأخذ في إعداد المدافع في الجهات المناسبة ووجه بالجنود إلى أحياء المدينة المتطرفة فأطلقت البنادق على الأهالي بلا تمييز ولا تدقيق.
وكان في القاهرة، كما يوجد فيها الآن عدد وافر من المغاربة، وهم عادة من أجلاف القوم وأهل الشرور الذين يودون مثل هاتيك الظروف السيئة ليعبثوا في البلاد سلبًا ونهبًا، فأولئك القوم كانوا أول من تظاهر بالحمية القومية والغيرة الدينية ووقفوا، كما يقول الشيخ الجبرتي، عند جهة المناخلية، فقصدهم الفرنساويون وأجلوهم عن تلك البقعة فارتدوا عنها منذعرين وأنسابوا في المدينة مع من انضم إليهم من أسافل القوم، وامتدت أيديهم لنهب الدور وهتك النساء، والتعرض للنصارى واليهود بالأذى، ومن الغريب أن أولئك المغاربة قد كانوا أول من انضم إلى الفرنساويين بعد إخماد هذه الفتنة، واتخذوا منهم جنودًا بعثوا بهم إلى المنوفية لمقاتلة أهلها وخصوصًا آل شعير في كفر عشما، وسنذكر ذلك في حينه، قال الجبرتي عن أولئك المغاربة وأسافل العامة: «وسبوا النساء والبنات، ونهبوا خان الملايات، وما به من الأمتعة والموجودات، وأكثروا من المعائب، ولم يفكروا في العواقب.»
والحق يقال إن نابوليون لم يرد أن يأمر بإطلاق القنابل على المدينة لما في ذلك من تخريب الدور وإزهاق الأنفس قبل أن يبعث للقوم برسل السلام، وكلمات النصح والتحذير.
وروى نابوليون في تقريره أن المشايخ من أعضاء الديوان وعلماء الأزهر قصدوا الجهات التي تترس فيها الثائرون ونصحوهم بالكف عن القتال، وبينما يذهبون إلى كبير الفرنساويين ويمهدون أسباب الصلح، فلم يستمعوا لهم وسبوهم وهددوهم بالقتل إن تعرضوا لهم، عند ذلك يئس نابوليون من إنابة القوم إلى رشدهم فأصدر أمره عند الساعة الرابعة بعد ظهر يوم الاثنين بإطلاق القنابل على الجامع الأزهر وما حوله من الجهات حيث يوجد الثائرون، قال الجبرتي: «وتعمدوا بالخصوص الجامع الأزهر، وحرروا عليه المدافع والقنبر، وكذلك ما جاوره من أماكن المجاورين، كسوق الغورية والفحامين، فلما سقط عليهم ذلك ورأوه، ولم يكن في عمرهم عاينوه، نادوا يا سلام، من هذه الآلام، يا خفي الألطاف، نجنا مما نخاف، وهربوا من كل سوق، ودخلوا في الشقوق.»
ولا يكاد الإنسان يتلو عبارة الجبرتي، التي نقلناها، حتى يشعر بشيء من الاستهزاء أو الضحك، الذي هو أشبه بالبكاء لسخافة أولئك القوم، وتصورهم إمكان مقاومة الفرنساويين، وهم عزل من السلاح، محصورون من جميع الجهات، ومع خصمهم المدافع الكبيرة، والقنابل الكثيرة! قال الجبرتي بعد كلام طويل على ذلك النسق الغريب: «وتتابع الرمي من القلعة والكيمان، حتى تزعزت الأركان، وهدمت في مرورها حيطان الدور، وسقطت في بعض القصور، ونزلت في البيوت والوكائل، وأصمت الآذان بصوتها الهائل، فلما عظم الخطب، وزاد الحال والكرب، ركب المشايخ إلى كبير الفرنسيس ليرفع عنهم هذا النازل، ويمنع عسكره من الرمي المتراسل … فلما ذهبوا إليه عاتبهم في التأخير، واتهمهم بالتقصير، فاعتذروا إليه فقبل عذرهم، وأمر برفع الرمي عنهم فقاموا من عنده وهم ينادون بالأمان في المسالك، وتسامع الناس بذلك، فردت فيهم الحرارة، وتسابقوا لبعضهم بالبشارة، واطمأنت القلوب، وكان الوقت قبل الغروب، وانقضى النهار وأقبل الليل.»
•••
وأول ما يتبادر لذهن القارئ من تقرير نابوليون لحكومة الديكتوار أنه أراد تلطيف ذكر هذه الثورة وتخفيض شأنها لكي يفهمهم في باريز أن مركزه في مصر محفوف بالأخطار، وأنه مقيم بجيشه وسط شعب يتحين الفرص للانقضاض عليه، أو للانقضاض عنه، فلذلك اكتفى نابوليون بالقول إنه ما كاد يطلق قنابل المدافع على الثائرين مدة عشرين دقيقة، حتى تبدد شملهم، واحتل الجنود الجامع الأزهر وزهقت روح الفتنة!! في حين أن الحرب بقيت سجالًا في جزء كبير من الليل كما يشهد بذلك الجبرتي؛ إذ يقول: إن أهل الحسينية، والعطوف البرانية، استمروا على القتال إلى أن مضى من الليل نحو ثلاث ساعات، وما منعهم عن الاستمرار إلا لأن البارود قد فرغ منهم، فعجزوا عن المقاومة، ولم يدخل الفرنساويون المدينة — على رواية الشيخ — إلا «بعد هجمة الليل، دخل الإفرنج المدينة كالسيل، ومروا في الأزقة والشوارع، لا يجدون لهم من ممانع، كأنهم الشياطين، أو جند إبليس اللعين، وهدموا ما وجدوا من المتاريس، وكروا ورجعوا، وترددوا وما هجموا، ثم دخلوا إلى الجامع الأزهر وهم راكبون الخيول، وبينهم المشاة كالوعول.»
وحكاية الشيخ الجبرتي الأزهري عما عمله الفرنساويون في الجامع الأزهر من أنواع الإساءة وخرق حرمة ذلك المكان المبجل، من العبارات التي تملأ الفؤاد حسرة، والنفس كآبة، ولولا خوف التطويل لنقلناها عنه فليراجعها من يشاء وإنما نذكر هنا أن الجنود الفرنساوية وخيولها بقيت في الجامع الأزهر من مساء يوم الاثنين إلى يوم الأربعاء؛ إذ يقول الجبرتي: إن المشايخ ذهبوا في ذلك اليوم إلى نابوليون ورجوه في إخراج العسكر من الجامع الأزهر «فأجابهم لذلك السؤال، وأمر بإخراجهم في الحال» … ولكن المعلم نقولا الترك يقول: إن نابوليون لم يجب المشايخ إلى طلبهم ثم قال: «فانصرفوا من أمامه باكين «كذا» وعلى أحوالهم نائحين، وتأسفوا على جامع الكنانة، وخراب الديانة، ثم في ذلك النهار أرسلوا له الشيخ محمد الجوهري، وكان في كل حياته ما كان يقابل أحدًا من الحكام، ولا يتعرض إلى أمور العوام، وفي دخوله قال له: ما قابلت حاكمًا عادلًا أو ظالمًا، والآن قد أتيت متوسلًا إليك أن تأمر بإخراج العسكر من الجامع الأزهر، وتغفر ذنب هؤلاء القوم الغجر، واتخذني مدى العمر داعيًا لك ناشرًا فضلك، فانشرح أمير الجيوش من ذلك الخطاب، وانعطف قائلًا: إنني عفوت وصفحت عن أحبابك، لأجل خطابك.»
وقد جارى جورجي زيادان المعلم نقولا في روايته عن شفاعة الشيخ محمد الجوهري، ونحن لا نتعرض لنفيها أو إثباتها، ولكنا نستغرب إهمال الجبرتي لها، مع أنه أولى بمعرفتها لصداقته وثقته بالشيخ الجوهري، ثم نقول: إن ما ذكره المعلم نقولا عن الشيخ الجوهري، من حيث اعتكافه وعدم زيارته للأمراء والحكام صحيح؛ إذ كان ذلك الرجل من أهل الفضل والمكانة السامية؛ لأنه من أهل العلم ومن بيوت الحسب والجاه، ذكره الجبرتي في وفيات سنة ١٢١٥ وقال عنه: إنه كان من الذين حضروا على والده الشيخ حسن الجبرتي، وكان آية في الفهم والذكاء وألقى الدروس بالأشرفية وأظهر التعفف والامتناع عن خلطة الناس، والذهاب والترداد إلى بيوت الأعيان، وساعده على ذلك الغنى والثروة وشهرة والده، وتردد الأمراء على داره وسعوا لزيارته، وكانت شفاعته لا ترد عندهم، وطار صيته في الآفاق ووفدت الوفود عليه من الحجاز والهند والشام والروم، وطلب لمشيخة الجامع الأزهر فأبى، ولكنه نقض ما أبرمه العلماء والأمراء ورد المشيخة للشافعية بعد أن كانوا قد عينوا فيها الشيخ عبد الرحمن العريشي الحنفي، وعين الشرقاوي بعد العروسي بإشارته، ولم يذكر الجبرتي في ترجمة الشيخ الجوهري المطولة أنه زار نابوليون أو رجاه، وكل ما ذكره من علاقته بالفرنساويين قوله: «ولم يزل وافر الحرمة معتقدًا عند الخاص والعام، حتى حضر الفرنساوية واختلت الأمور وشارك الناس في تلقي البلاء، وذهب ما كان له بأيدي التجار ونهب بيته وكتبه التي جمعها وتراكمت عليه الهموم والأمراض، وحصل له اختلاط لم يزل حتى تُوفي يوم الأحد حادي عشرين شهر القعدة بحارة «براجون» وله عدة مؤلفات في العلوم والمباحث الشرعية ذكرها الجبرتي، وهي تربوا على الثلاثين مؤلفًا رسالة.
وليس في الجبرتي أثر لهذه الرواية والقرائن كلها تدل على صحتها، ولعل السبب في ذلك هو أن الشيخ الجبرتي كان في حي الأزهر مع المحصورين المضروبين، بينما كان المعلم نقولا الترك مع الفرنساويين المحاصرين للمدينة؛ ولذلك استطاع أن يعرف أن الفرنساويين صدوا القادمين للنجدة وضربوهم بالمدافع والرصاص فولوا منهزمين، والدليل على صحة الرواية هو ما ورد بعد ذلك في حوادث أوائل شهر رجب في الجبرتي قوله: إن كبير الفرنسيس الذي بناحية قليوب حضر ومعه سليمان الشواربي شيخ الناحية وكبيرها فلما حضر حبسوه بالقلعة، وقيل: إنهم عثروا على مكتوب أرسله وقت الفتنة السابقة إلى سرياقوس ليحرضهم على قتال الفرنسيس، وقال في حوادث آخر شهر رجب هذا، إنهم قتلوا الشيخ سليمان الشواربي ومعه ثلاثة من عرب الشرقية قطعوا رءوسهم بالرميلة، ونقلت جثة الشواربي إلى قليوب ودفن هناك مع أسلافه، رحمه الله.
وليس من الغريب أن يتبع الفرنساويين إخمادهم الفتنة بالانتقام من المصريين عمن قتل من أبناء جنسهم، سواء من الملكين أو من الحربيين، كيف لا وقد قتل منهم من القواد الجنرال ديبوي وكان محبوبًا لبسالته وجرأته، وكذلك قتل العربان كما ذكرنا الكولونيل سولوسكي وكان ضابطًا يولوني الأصل من ذوي الفضائل والمكارم، وأي فضيلة أشرف من فضيلة الوطنية لدى رجل أبت نفسه أن يبقى في بلاده بعد أن هدمت المطامع الأوروبية سور استقلالها فارتحل عنها المجد والحرية، فجاء مصر يفعل فيها مثل ما فعل في بلاده!! حتى لقي حتفه في أرض ما عرفت الحرية، ولا ذاقت طعم الاستقلال، ولقد أحبه نابوليون حبًّا جمًّا حتى لقد سالت الدموع من عينيه حين عمل بمقتله، وكثيرًا ما ذكره وأثني عليه، ولقد رثا «دينون» مقتل سولكوسكي بكلمات هي السحر الحلال وقال: كان ذلك الضابط الجميل الرشيق صديقًا حميمًا، طموح النفس، عالي الهمة إلى آخر ما أسبغ عليه من الثناء والإطراء.
ويقدر نابوليون في تقريره عدد من قتل من المصريين في هذه الثورة السخيفة بنحو ألفين إلى ألفين وخمسمائة، وقدر خسارة الفرنساويين بنحو ستين نسمة من الجنود الملكيين.
وإلى القارئ سلسلة انتقامات الفرنسيين من المصريين نسردها واحدة فواحدة، فنبدأ بما رواه الجبرتي، ثم نأتي على أقوال الفرنسيين أنفسهم.
نقتطف من الجبرتي في الجزء الأخير من مقامته الثورية العبارات الآتية قال: «ثم تردد الفرنسيس في الأسواق ووقفوا صفوفًا، مائتين وألوفًا، فإن مر بهم أحد فتشوه، وأخذوا ما معه وربما قتلوه، وتحزبت نصارى الشوام، وجماعة أيضًا من الأروام، واغتنموا الفرصة في المسلمين، وأظهروا ما هو بقلوبهم كمين … وانتدب برطلمين للعسس، على من حمل السلاح واختلس، وبعث أعوانه في الجهات، يتجسسون في الطرقات، فيقبضون على الناس بحسب أغراضهم، وما ينهبه النصارى من أبغاضهم، فيحكم فيهم بمراده، ويعمل برأيه واجتهاده، ويأخذ منهم الكثير، ويركب في موكبه ويسير، وهم موثوقون بين يديه في الحبال، ويسحبهم الأعوان بالقهر والنكال، فيودعونهم السجونات، ويطالبونهم بالمنهوبات، ويقررونهم بالعقاب والضرب، ويسألونهم عن السلاح وآلات الحرب … وكثير من الناس ذبحوهم، وفي بحر النيل قذفوهم … ومات في هذين اليومين وما بعدهما أمم كثيرة لا يحصى عددها إلا الله!».
وليت شعري هل أحصى نابوليون تلك الخلائق الذين فتكوا بهم بعد إخماد الثورة وخلود الناس إلى السكينة، فيما قدره من خسارة الثائرين في تقريره الآنف الذكر، أو كان الألفان أو الألفان ونصف ألف خارج هذا العدد «الذي لا يحصبه إلا الله»، على رأي الجبرتي، طيب الله ثراه.
(ثانيًا) ألقوا القبض على عدد كبير من كبار القوم المتهمين بإشعال جذوة الثورة، ومن هؤلاء ذكر الجبرتي الشيخ سليمان الجوسقي شيخ طائفة العميان، والشيخ أحمد الشرقاوي، والشيخ عبد الوهاب الشبراوي، والشيخ يوسف المصيلحي، والشيخ إسماعيل البرواي، وفي اليوم التالي «٢٣ أكتوبر» أصدر نابوليون أمرًا «محفوظًا في مخاطباته بنمرة ٣٤٢٧» إلى الجنرال «بون» قومندان القاهرة «بأن يقتل أولئك المشايخ، ومن قبض عليهم من زعماء الثوار، وذلك بأن يؤخذوا ليلًا إلى شاطئ النيل بين مصر العتيقة وبولاق ثم يقتلوا وتلقى بجثتهم في مياه النهر».
وقد بقي أهل القاهرة عدة أيام لا يعرفون ماذا جرى لأولئك المشايخ والفرنساويون يخفون عليهم الأمر، والشيخ الجبرتي يقول: «أخذ الفرنساويون المشايخ من بيت البكري وعروهم عن ثيابهم وصعدوا بهم إلى القلعة فسجنوهم إلى الصباح، ثم أخرجوهم وقتلوهم بالبنادق وألقوهم من السور خلف القلعة وتغيب حالهم عن أكثر الناس أيامًا.»
وكان ذلك ليلة الأحد ٢٥ جمادى الأول، مع أنهم كانوا قتلوا قبل ذلك بعدة أيام وطرحت جثتهم بالنيل ويظهر أنهم حقيقة عروهم عن ثيابهم وأخفوا رءوسهم، وإلا لو طرحت في النهر لطفت رممهم وتعرفهم الناس في أماكن مختلفة، ولا ندري من أين جاء المعلم نقولا التركي بأن الفرنساويين عقدوا مجلسًا وحاكموا الذين ألقى القبض عليهم محاكمة قانونية، مع أن الفرنساويين، وهم أولى بالدفاع عن أنفسهم، لم يذكروا شيئًا من هذا! أفنكون ملكيين أكثر من الملك.
ويقول المعلم نقولا الترك أيضًا: «إن نابوليون وجد من بين أولئك المقبوض عليهم أثنان من أعضاء المجلس العالي، فبعد قتلهما أمر بإلغاء المجلس.» ولا ندري من كان من أولئك المشايخ في المجلس العالي الذي يشير إليه وكلهم ما عدا الشيخ الجوسقي من متوسطي المدرسين الذين يقرءون الدروس في الأزهر وفي غيره من المساجد مثل المشهد الحسيني وزاوية الجوهرية وجامع الكردي، ويظهر من تراجمهم أنهم كانوا من أهل التقوى والصلاح والابتعاد عن المشاكل، أما الشيخ سليمان الجوسقي فكان من ذوي المطامع وأهل المشاغبات، وتاريخه من الأمور العجيبة ولذا رأيت أن أذكره بشيء من التفصيل؛ لأنه يرسم لنا صورة من حياة ذلك العصر.
بعد إخماد الثورة ببضعة أيام قضت ضرورة المحافظة على سلامتنا أن نعمل عملًا قاسيًا فظيعًا، وذلك أن نابوليون بعث بالضباط كروازيه أحد أركان حربه وأمره أن يهاجم قبيلة من البدو كانت اعتدت على شرذمة من جنودنا، وأن يحيط بتلك القبيلة ويحرق مساكنها، ويذبح رجالها، وكان الأمر يقضي بأن يجمع رءوس القتلى في أكياس ليعرضها على سكان القاهرة وكان «بوهارنيه» مع كروازيه في تلك المهمة القاسية، فعادا في اليوم التالي ومعهما عدد عديد من الحمير محملة بأكياس ملأى بالرءوس البشرية! وفتحت هاتيك الأكياس، وأفرغ ما فيها أمام أعين الناس المجتمعين! وأني لا أستطيع أن أصف بشاعة ذلك المنظر، ولا القشعريرة التي أحسست بها عند رؤيته.
وغريب أن الجبرتي لم يذكر شيئًا عن هذه الحادثة، وما أظنها خفيت عليه، ولكن ربما نسي تقييدها أو سقطت من أوراقه قبل تنسيقها وتدوينها.
(والرابع) من ذلك إرسال برطلمين الرومي وكيل محافظة القاهرة بفئة من الجند إلى جهة سريافوس لمطاردة الفارين من أهل القاهرة الذين خافوا العقاب فلم يدرك أحدًا منهم، ولكنه عوض عن فشله، لإرضاء أسياده الفرنساويين، بنهب البلاد وإحراق القرى وفرض المغارم حتى ضج العباد واستغاثوا من مظالمه.
وأما أولئك المغاربة الذين كانت لهم اليد الطولي في الفتنة والمشاغبة فإن الفرنساويين أطلقوا سراح الذين قبضوا عليهم بوساطة كبيرة من بين جنسهم اسمه عمر القلقجي، وقد جمع هذا أولئك «الفتوات» من أوباش المغاربة فانتقى نابوليون فئة كبيرة ألف منها فرقة عسكرية تحت زعامة عمر المذكور، قال الشيخ الجبرتي في حوادث يوم ١٨ جمادى الأولى «يوافق ٢٨ أكتوبر»: «إن أولئك المغاربة بعثوا بهم إلى جهة بحري فضربوا كفر عشما وقتلوا كبيرها المسمي بابن شعير، ونهبوا داره ومتاعه وبهائمه، وكان شيئًا كثيرًا جدًّا، وأحضروا إخوته وأولاده وقتلوهم، ولم يتركوا منهم سوى ولد صغير جعلوه شيخًا عوضًا عن أبيهم.»
وسواء كان ابن شعير أو أبو شعير لصًّا وقاطع طريق، أو كبير عزوة ورئيس عشيرة، وفقد قتلوه ومثلوا به وغنموا أمواله! ومن يدرينا ماذا فعلوا في بلدته من الشرور وهتك الأعراض وسلب العباد!
ومع هذا يقول الكتاب الفرنسيون: إن نابوليون عامل المصريين بعد الثورة بالرفق وأبدى لهم من التسامح والتساهل شيئًا كثيرا! فماذا كانوا يطلبون بعد قتل من ظنوهم زعماء الثورة، وإلقاء لجثث أولئك العلماء في النهر كأحط المجرمين بلا محاكمة، وبعد إزهاق أرواح أكثر من ثلاثة آلاف نسمة بشهادة نابوليون نفسه ثم تخريب القرى وإحراقها!! ثم ما هو أكبر من ذلك من خرق حرمة المعهد الإسلامي المقدسة وجعله إسطبلًا للخيول ومرحاضًا للجنود! ماذا كنتم تريدون أن يفعل بالمصريين أكثر من هذا يا دعاة المدنية وأنصار العدل والإنسانية! وحملة راية «الحرية والمساواة والإخاء» …؟
أما أن المصريين قد أخطئوا بتلك الثورة السخيفة، فذلك ما لا شك فيه، ورحم الله الشعبي الخارجي لما قال للخليفة هارون الرشيد: «لقد قمنا بفتنة لم نكن فيها بررة أتقياء، ولا فجرة أقوياء.» وهكذا كان المصريون، ولكنهم من جهة أخرى قد حركتهم عوامل الأغراض المتباينة وحرضتهم آلات أعداء الفرنساويين من رسل الإنكليز والروس والأتراك، وبقايا المماليك في القاهرة، والويل للأمم التي تقع ألعوبه في مهاب السياسة التي لا قلب لها ولا ضمير …
تسفك دماء المصريين فلتسفك! تخرب ديارهم فلتخرب! ولكن لا يبقى الفرنساويون في أرض مصر ما دامت طريق إنكلترا إلى الهند!
ليس للمصريين في أي وقت من الأوقات، ولا في أي زمان من الأزمان، مصلحة ما في الثورات والاضطرابات؛ لأنهم في حال خاصة لا يفيدهم فيه غليان العواطف، واضطرابات المشاعر القومية، في القلاقل التي لا يستفيد منها غير الأجنبي … وتاريخ القرن التاسع عشر، الذي كانت هذه الحوادث التاريخية فاتحته في مصر، يشهد بذلك، وإن صحت أو لزمت الثورات لتطهير جسم أمة من الأمم في أوروبا مثلًا، أو لقلب حكومة من حكوماتها، أو نظام من نظاماتها فلأنها أمم مستقلة بذاتها، فدورانها حول نفسها، وشرها لها، وخيرها لها، وأما في مصر، فكل اضطراب في جسم الأمة يعود عليها بالنكال، وعلى المصريين أن يضعوا هذه الحقيقة دائمًا نصب أعينهم ولا تخدعهم الظواهر، فقد كفاهم من التاريخ موعظة، وليستفيدوا من سكوتهم، وليتركوا المتنافسين وشأنهم، فذلك أسلم لهم، اللﻫم إلا إذا اشتد ساعدهم وقوي بأسهم — وبينهم وبين ذلك أمد بعيد، وسفر طويل — فلهم أن يسيروا على السنن الطبيعية للأمم … ليحرص المصريون وليبتعدوا عن الوقوع في حبائل المحركين لعواطفهم، وليلازموا السكينة ولا يمكنوا أعداءهم من صدهم وتعويقهم عن السير المضمون في طريق الحضارة الصحيحة والعلم النافع، والاستفادة من ظروف الزمان والمكان، فإن لم نكن فجرة أقوياء، فلنكن بررة أتقياء، حتى يحكم الله بأمر من عنده وهو خير الحاكمين.
يقول الكُتاب الفرنساويون: إنهم قهروا المماليك في واقعة إمبابة وقهروا المصريين في ثورة القاهرة؛ ذلك أن المصريين بعد أن رأوا من قوة الفرنساويين ما رأوا أظهروا المذلة والمسكنة، وحاموا حول الفاتحين يتطلبون منهم العفو والمغفرة، وأكثر الكثيرون منهم التزلف والتملق والصغار كعادتهم، التي أورثتهم إياها الاستعباد والاستبداد … وهذا المعلم نقولا الترك يقول: «وقد خسرت الإسلام، ولم تربح بهذا القيام، سوى الذل والإهانة، وافتضاح جامع الديانة.»
فلا غرابة بعد ذلك إذا شمخ الفرنساويون بأنوفهم واستباحوا ما استباحوا من حمى المسلمين وأعراضهم، ونفذوا ما أرادوا من ضرائبهم.
قال الجبرتي: «وفي السابع والعشرين من الشهر «جمادى الأولي» شرعوا في إحصاء الأملاك والمطالبة بالمقرر «من الضرائب» فلم يعارض في ذلك معارض ولم يتفوه أحد بكلمة، والذي لم يرض بالتوت يرضى بحطبه.»
وكان من نتائج تلك الثورة ومقتضياتها أن يغير نابوليون خطته وسلوكه نحو المصريين، ويعاملهم معاملة الشدة ويشك في إمكان إخلاصهم، ولولا أنه قد كان عالمًا بأن الدولة العثمانية قد اتفقت مع إنجلترا وروسيا على محاربته وإخراجه من أرض مصر، فكان ذلك قاضيًا عليه بأن يتودد للمصريين بعض التودد، ويكثر من نشر المنشورات، ويُلقي عليهم النصائح والإرشادات، ويُذكرهم بعدله وحلمه وعفوه، ويُقارن ذلك بظلم المماليك وغطرستهم — نقول لولا ذلك لكان أشد وطأة على المصريين مما كان بعد الثورة وفي الدور الثالث …
بقي علينا أن نسأل أين ذهب السيد بدر المقدسي السوري زعيم القوم وقائد «أولاد الحسنية والحارات البرانية» ومسبب كل هاتيك الشرور والفضائح في بيوت النصارى والمسلمين على السواء؟ أين ذهب ذلك البطل المغوار؟ كان أول من فر إلى بلاده محملًا بالغنائم مما خف ثقلًا وغلا ثمنًا، فقد روى الجبرتي بعد ذكره القبض على أولئك المشايخ الأزهريين الذين قتلوهم أو ذبحوهم في القلعة أو على ضفة النيل «أما السيد بدر المقدسي فإنه تغيب وسافر إلى جهة الشام.» وهكذا يفعل دائمًا الدخلاء الذين لا ناقة لهم في البلاد ولا جمل؛ لأنهم أفاقون لا دين لهم ولا وطنية عندهم، وليس لهم في البلد ذمار، ولا عرض يصان، ولا مال يحرص عليه، ولا قبور آباء وأجداد ترعى كرامتها وتخفر ذمتها.
مع أن عامة الأهالي والغيورين على الدين مع بعض كبار الناس، كانوا متعصبين قساة في الثورة التي قامت في القاهرة، إلا أن الطبقة المتوسطة، وهي في جميع البلدان أكثر الناس عملًا بأحكام العقل والفضيلة، كانت تعاملنا بتمام الإكرام والإنسانية على الرغم مما بيننا وبينها من الفارق الكبير في الأخلاق والدين واللغة، وهذا بينما كان التحريض على القتل يجري من شرفات المآذن بغيرة دينية، وبينما كانت الشوارع ملأى بالجرحى وبأكداس القتلى.
وجميع الذين كانوا يأوون في ديارهم أي رجال من الفرنسيين، كانوا يتوقون إلى إخفائهم وإنقاذهم، وإلى إمدادهم بكل حاجاتهم في الحال وبمجرد الطلب، وقد أفهمتنا عجوز كانت في الحي الذي أقمنا فيه، أنه لا يسعنا إلا الالتجاء إلى مقر الحريم في دارها؛ لأن جدارنا أضعف من أن يقينا إذا هوجمنا.
وحينما لم يكن من المستطاع الحصول على طعام من البلد، وحينما كان كل شيء يدل بجلاء على قرب حدوث مجامع، عمد جار لنا إلى إمدادنا بقوت مما خزنه لديه درن أن نطلب منه شيئًا، بل إنه جرد دارنا من كل شيء يجعلها ظاهرة للعدو، ثم جلس أمام بابنا يدخن غليونه مخادعة للمعتمدين حتى يظنوا أن هذا الدار ما هي إلا داره.
وحدث أن شابين كان يقتفى أثرهما في الشوارع، فأمسك بهما أناس مجهولون فتوقعا أن سيسقطا فريسة لقسوة مفزعة، وبينما كانا يجاهدان بعنف في سبيل التخلص، رأى الممسكون بهما أنهم لا يستطيعون إقناعهما بحسن مقاصدهم، فأودعوا لديهما أطفالهم كبرهان على إخلاصهم.
ومن المستطاع إيراد كثير من أشباه هذه الحكاية الدالة على رقة الشعور التي أعادت الروابط بين الطبائع البشرية في ساعة غليان واضطراب. ا.ﻫ.
وسمع الضباط الفرنسيون فجاءة صرخة مزعجة فأخذوا مجاهرهم، ووقفوا في البيت البعيد الذي كانوا يرقبون منه شبوب النار فشاهدوا شبحًا ينسل بين المحاصرين وقد شد بيديه على كومة له قد سودها الدخان والبارود، وهي كأنها كرة هوائية منفوخة، أما الأهالي فلم يرونه لشدة ما أصابهم من البلايا وتولاهم من الذعر.
وقال أحد الضباط الفرنسيين: إنني أراهن بأن ذلك الشبح هو مارسيل. وكان هو بعينه؛ لأنه لم يكن أحد غيره يهتم بإنقاذ المخطوطات النفيسة والدفاع عنها — تلك المخطوطات التي كانت مودعة في الجامع ونجت من شرور الحرب.
وقد ذهب مارسيل لأنقاذها وهو بملابس النوم ملتفًّا بعباءة ومحتذيًا بحذاء البيت، واندفع بين الثائرين وحمل ذلك الكنز إلى مركز القيادة العامة، وكان من حسن التوفيق أنه استطاع إنقاذ نسخة خطية من القرآن كتبت في القرن الثالث عشر «الميلادي» على رق وزينت صفحاته بنقوش بديعة ذات قيمة فنية.