سكان السودان
السودان قطر من أقطار إفريقيا، وسكانه الأصليون هم سكان إفريقيا، وسكان إفريقيا الأصليون هم السود أو الزنوج أو العبيد؛ أي: أولئك الذين لهم بشرة سوداء، وقامات في الغالب مديدة، ولكن هجر إلى السودان من قديم الزمان عرب الحجاز واليمن وآخرون من آسيا، وأقوام من الأمم المجاورة؛ كالحبشة ومصر وبربر بلاد المغرب، واختلطوا بأهله بعض الاختلاط، وامتزجوا بهم إلى حدٍّ ما، وكانوا يحضرون إليه للتجارة، للصيد، واقتناء ريش النعام وسن الفيل والصمغ والماشية، وبعد الفتح الإسلامي هجرت إليه قبائل عربية حجازية ويمنية ومغربية أو بعض أفرادها، وسادت أهله الأصليين وامتزجت بهم بالزواج، فكسب الوافدون السحنة السوداء قليلًا أو كثيرًا، وشيئًا من العادات، كما طاردوا عددًا كبيرًا من السكان وردُّوهم إلى الجنوب، ومن ثمَّ احتفظ جنوبي السودان بطابع السكان الأصليين كما كان عهدهم منذ آلاف السنين، مع شيء يسير من التقدُّم، ظهر في المدن التي أنشأها الغزاة من قديم وإلى اليوم، وحوالي هاتيك المدن.
ويعيش سكان الجنوب على نظام القبائل، وهم أهل فطرة وسذاجة، وفي بعضهم ذكاء عجيب لا مثيل له أحيانًا في البلاد المتمدينة نفسها، ومن ثمَّ احتفظوا بخلق أهل الفطرة؛ من شجاعة ومحاربات متواصلة وكرم طبيعي، ومجاهدة مع الطبيعة القاسية؛ بحرِّها وأنوائها وأعاصيرها وهبوبها، وأمراضها من الملاريا والحميات ومرض النوم.
وهم سريعو الانضواء تحت الإسلام؛ فقد حدَّثني بعض الثقاة أنه كان يحدث أن يحضر من شمالي السودان العربي «الجلاب» من المتَّجِرين بالماشية ويغشى مجتمعات الزنوج، ويؤدِّي فريضة الصلاة أمامهم، فسرعان ما يحاكيه القوم في صلاته ودعائه، ويردِّدون ألفاظه على غير فهم في بداية الأمر، ثم بتفهُّم وتفاهم، ويصير الزنجي مسلمًا، هذا إلى مَن أصبحوا مسلمين بالزواج أو الخدمة في الجندية وفي منازل المسلمين.
ولا شك أن العربي السوداني المسلم أقرب إلى التفاهم مع الزنوج من أي شعب آخر. وقد انتشر الإسلام بين زنوج إفريقيا بصفة عامة، من غير أن يفكر المسلمون في تنظيم البعثات أو إيفاد العلماء أو إقامة مستشفيات أو إعطاء إعانات وإنشاء مدارس لهم، وكُتُب الكثير من أهل الرحلات الأوربيين طافحة بأنباء انتشار الإسلام في إفريقيا انتشارًا طبيعيًّا اطراديًّا.
على أنه لا تزال في جنوبي السودان وفي إفريقية قبائل زنجية لا دين لها، ولا تلبس ثيابًا حتى، ولا تضع خرقة لستر العورات، وهناك بعثات تبشيرية مسيحية كثيرة تعيش في هذه الجهات، وتقيم المدارس والمستشفيات والكنائس والملاجئ، وتبذل صنوفًا شتى من وسائل الإقناع لحمل الزنوج على الانتماء إلى المسيحية.
(١) سكان السودان
(٢) الزنوج
والدنكا: شرقي النيل الأبيض، سود الوجوه، وهم أجمل الزنوج شكلًا. والنوير: بين بحر سبت وبحر الغزال، في منطقة السدود والمستنقعات، ويسكنون الجزر. ثم قبائل الباري، والمادي، واللاتوكا، والمكارك، والجانقي، والبنقو، والقولو، والجور، والأجار، والديور، والشيري، والنيام نيام، والفراتيت، والنوبة: وأفراد النوبة يسكنون جنوبي كردفان، وأجسامهم عارية «ص٤٦ من كتاب تاريخ السودان لنعوم شقير بك».
ويشتغل الزنوج بالصيد، ويربون البقر والماشية، ولكل قبيلة لغة ومذهب وديانتهم الطبيعة، أو هم لا دين لهم، وقد وضع بعض الإنجليز والمرسلين كتبًا للغات الزنوج؛ لكي يتعلمها الموظَّفون والباحثون.
(٣) البجة
(٤) الهدندوة
وهم أقوى البجة وأكثرهم عددًا، يسكنون الصحراء بين خور بركة والعطبرة وطريق بربر وسواكن، وفسَّر بعضهم اسم «هدندوة» بأنه مشتق من هدا: بمعنى أسود، وأندوة: بمعنى القبيلة، ثم قبائل بني عامر، والحباب.
(٥) النوبة
والنوبة هم الذين يسمون أحيانًا البرابرة، ويسكنون ما بين الشلال الأول والشلال الرابع، وهم خليط من النوبيين الأصليين والعرب والترك، والنوبة من بقايا الشعوب التي كانت تتألَّف منها المملكة الإتيوبية القديمة.
ومن النوبة: الدناقلة، وهم سكان ما بين الشلال الثالث والرابع، ومن قبائلهم: الأشراف التي ينتسب إليها السيد محمد أحمد المهدي، والمحس، بين الشلال الثالث وجبل دوشة، وأهل سكوت، وأهل حلفا، والدر، والكنوز.
وهم أهل زراعة وحياكة وتربية ماشية ومراكبية، وفي خارج بلادهم يحترفون خدمة المنازل والحوانيت وقيادة السيارات.
(٦) العرب
العرب، وهم الذين سكنوا السودان بعد الإسلام، وهم أكثر سكان السودان عددًا وأوفرهم حضارة وذكاءً وعلمًا.
وقد سكن فريق من الأتراك السودان بعد فتح السلطان سليم سنة ١٥٢٠.
قبائل العرب
أشهر قبائل العرب — وهم الذين سكنوا السودان بعد ظهور الإسلام — هي قبائل الشايقية، والمناصير، والرباطاب، والميرفاب، والجعليين، والجميعاب، والسروراب، والعابدلاب، والجموعية، والحسنات، ودغيم، وكنانة، والرفاعية، والمسلمية، والكواهلة، والحلاوية، ثم المدنيون، والعراكيون، والشامباتة، والعقليون، والقواسمة، واللحويون، وبنو حسين، والزبالعة، ثم الفونج، وهم الذين أسسوا مملكة سنار القديمة مع العابدلاب، ويدَّعون النسب إلى بني أمية، والهمج وزراء الفونج.
أما قبائل البادية فهي: الشكرية، والبطاحين، والضباينة، والحمران.
وأشهر قبائل العرب في صحراء البيوضة: الحسانية، والهواوير، والخواوير.
وقبائل العرب في كردفان هي: الجوامعة، والبديرية، والتمام، والغديات، وهذه القبائل الأربع حضرٌ، وبقية سكان كردفان بادية، وهم إما أبَّالة؛ أي: يملكون الإبل ويربُّونها، وإما بقَّارة؛ أي: يملكون البقر.
ومن الأبَّالة: قبائل الكبابيش، ودار حامد، وبنو جرار، وحمر.
وأشهر قبائل البقَّارة: الحوازمة، والجمع، والهبانية، وأولاد حميد.
وأشهر قبائل العرب في دارفور من الأبَّالة: الزيادية، والماهرية، والعطيفات، والمعالية، والعريقات. ومن البقارة: الرزيقات، والهبانية، والمسيرية، والتعايشة، وبنو هلبة، وعرب البشير، وبنو فضل، وبنو حسين، والكروبات، والحوتية، والخوابير، والبرياب.
وترجع أصول هذه القبائل إلى قبائل عربية في آسيا، هي: بنو أمية، وبنو العباس، وجهينة، والزبير بن العوام، وجعفر الطيار.
(٧) أصول أخرى لسكان السودان
ومن سكان السودان غير ما قدَّمنا: المصريون: الذين دخلوا السودان قبل فتح محمد علي وبعده، واتخذوه مقامًا، والمكادة: وهم الأحباش النصارى، والجبرتة: وهم الأحباش المسلمون، والتكارنة: وهم مهاجرو السودان الغربي من فلاتة وبرنو وباجرمي، ولهم حلل جمع «حلة»، وهي مجموع من المساكن خارج المدينة.
وأكثر مهاجري التكارنة نزحوا إلى السودان؛ لأنهم فقراء رغبوا في أداء فريضة الحج عن طريق ثغر سواكن، مشيًا على الأقدام في أرض السودان، ولما عادوا من الحج استخدمهم الحكَّام والأعيان والتجار وأصحاب المزارع كفعلة وفلاحين وخدم ومنظفي الصمغ وعمال.
والحلبة
وهم المعروفون في مصر بالغجر، وفي الشام بالنَّوَر، وهم قوم رُحَّل، يشتغل رجالهم بالحدادة وترويض القردة ورعي الأغنام، ويشتغل نساؤهم بالوشم والدجل وختان البنات، ومنهم الشحاذون واللصوص الخطافون.
والمولدون: وهم النازحون إلى السودان، الذين تزاوجوا مع سكانه، وينقسمون إلى ثلاثة أقسام؛ القسم الأول العرب الذين امتزجوا بالسكان الأصليين؛ أي: العبيد والزنوج، وكان ذلك عقب الفتح الإسلامي. والمولَّدون في عهد حكم الترك والمماليك لمصر، والمولَّدون بعد فتح محمد علي حتى أوائل القرن الحاضر، أما القسمان الأولان فقد أصبحا من أهل السودان، وأما القسم الأخير فإنه ما زال أكثره متصلًا بذوي قرباه في مصر واليمن والحجاز.
(٨) عدد سكان السودان
ما زال السودان بين البلاد التي ليس لها إحصاء صادق أو قريب منه؛ وذلك بسبب اتساعه وحياة سكانه وكثرة انتقالاتهم، ويقال إن عدد السكان كان كثيرًا جدًّا، يصل إلى خمسة عشر مليونًا، وأنه بلغ عشرة ملايين بعد فتح محمد علي حتى الثورة المهدية، وأنه بعد الثورة نزل العدد إلى ثلاثة ملايين أو أقل؛ وذلك بسبب الحروب وفتك الأمراض خلال الحركة المهدية، وأنه صعد إلى عدد يتراوح بين ستة ملايين وثمانية في الوقت الحاضر.
ومما يدل على عدم إمكان التعويل على أي إحصاء يَرِدُ في الكتب المؤلَّفة عن السودان، أنه قديمًا كانت الحكومة قد طلبت من أحد المديرين إحصاء سكان مديرية بحر الغزال، فوضع المدير إحصاءً قدَّره في ساعة واحدة وهو جالس على مكتبه، وجعل في إحصائه عدد الأطفال ستين ألفًا. وبعد عامين كان على المديرية مدير آخر طلب منه إحصاء عن عدد السكان، فذكر في إحصائه أن عدد الأطفال عشرة آلاف، وكان هذا الرقم تخمينيًّا أيضًا، ولم يكن المدير التالي يعلم بإحصاء سلفه الذي قدَّر عدد الأطفال بستين ألفًا.
فأرسلت الحكومة إليه تسأله كيف حصل هذا الفرق بين الإحصائين، فكتب إليها يقول: «إن النقص الذي حصل في عدد الأطفال سببه أنهم قد كبروا ودخلوا في عداد الرجال»، ثم قال: «الواقع أن إحصائي خطأ وإحصاء سلفي خطأ أيضًا؛ لأنه من المستحيل إحصاء سكان مديرية بحر الغزال؛ إذ ليس المرور فيها سهلًا، فضلًا عن محاولة إحصاء سكانها»، وتحاول الحكومة الحاضرة الحصول على إحصاء تقريبي، وستمضي سنوات كثيرة قبل أن يكون للسودان إحصاء دقيق عن عدد سكانه.
(٩) اللغة
اللغة الغالبة هي اللغة العربية، وهناك لهجات واصطلاحات وعبارات عامية للعربية والرطانات الزنجية، واللغة العربية أداة التخاطب المشتركة بين لغات القبائل، حتى الزنجية منها.
(١٠) الدين
الإسلام هو دين أهل السودان عامة، ما عدا القبائل الزنجية التي لا دين لها، وتسكن مدن السودان جاليات مسيحية، وحفنة من اليهود.