السودان في عهد إسماعيل
الخديوي إسماعيل باشا هو ابن إبراهيم باشا بن محمد علي باشا، ووالد المغفور له محمد توفيق باشا الخديوي الأسبق، والمرحوم السلطان حسين كامل الأول، وحضرة صاحب الجلالة الملك فؤاد الأول.
ولد إسماعيل باشا في ٣١ ديسمبر سنة ١٨٣٠ في قصر المسافرخانة بحي الجمالية بالقاهرة، وتعلَّم اللغات العربية والتركية والفارسية ومبادئ العلوم، ثم أرسله والده إلى فيينا عاصمة النمسا وكانت سنه ١٤سنة، وبعد، سافر إلى باريس، وكان عضوًا في البعثة المصرية المدرسية الخامسة مع أخيه الأمير أحمد رفعت، ومع الأميرين عبد الحليم وحسين من أنجال محمد علي، وتعلَّم في باريس الهندسة والعلوم الطبيعية والرياضية، وأتقن اللغة الفرنسية، وكان كثير الذكاء طموحًا.
وكانت القاعدة في نظام التوارث في العرش في مصر — طبقًا للنظام الذي وضعه محمد علي باشا — أن يلي الحكم الأرشد فالأرشد سنًّا من أعضاء بيت محمد علي، وكان لإسماعيل باشا أخ أكبر منه، هو «الأمير أحمد رفعت»، وبذلك كان هو الأحق بولاية العرش، إلا أنه توفي سنة ١٨٥٨ في أثناء سفره بالسكة الحديد عند كفر الزيات؛ حيث سقطت العربة في النيل ومات الأمير أحمد رفعت في النيل، وأصبح إسماعيل باشا ولي العهد، وعيِّن رِدفًا «قائمقام» لسعيد باشا في أثناء غيابه عن مصر، وعيَّنه سردار الجيش المصري، وكُلِّف بإخماد فتنة أثارتها قبائل في السودان، ولما مات سعيد باشا في ١٨ يناير سنة ١٨٦٣، خلفه ولي عهده إسماعيل باشا.
كانت أهم أعمال إسماعيل باشا توسيع استقلال مصر داخليًّا عن تركيا، والحصول على لقب خديوي بالفرمان السلطاني الشاهاني في ٨ يونية سنة ١٨٦٨، والاحتفال بافتتاح قناة السويس سنة ١٨٦٩، وزاد في عهده النفوذ الفرنسي والإنجليزي في مصر؛ بالمعاهدات، وبعقد القروض التي بلغت ١٢٦٣٥٤٣٦٠ جنيهًا إنجليزيًّا، ثم توسيع حدود مصر في السودان، ولم تشهد مصر في تاريخها القديم والحديث توسيعًا منظمًا ووطيدًا في السودان كما شهدت في عهد إسماعيل، الذي تعد فتوحه وبعثاته الكشفية في السودان من محاسن حكمه.
•••
وصلت حدود السودان في عهد محمد علي إلى البحر الأحمر شرقًا، ومعها إقليم التاكا «كسلا شرقي نهر عطبرة»، وعند حدود الحبشة إلى القضارف والقلابات، ومعها سواكن ومصوع، وجنوبًا إلى جزيرة جونكر المواجهة لمدينة غندكرو على النيل الأبيض.
(١) فتح فاشودة سنة ١٨٦٥
تقدمت الجنود المصرية في عهد جعفر صادق باشا حكمدار السودان، واحتلت فاشودة سنة ١٨٦٥، وأقامت بها معسكرًا.
وقد حصل إسماعيل باشا بفرمان سلطاني في ٢٧ مايو سنة ١٨٦٠ على ضم قائمقاميَّتَي سواكن ومصوع إلى حكمه، وقد كانتا في عهد محمد علي في حدود السودان وتحت حكمه، إنما بقيتا من أملاك الدولة التركية العثمانية، مقابل استئجارهما منها بدفع مبلغ سنوي قدره ٢٥ ألف جنيه إلى السلطان التركي، وقد جعل إسماعيل باشا كلًّا من مصوع وسواكن محافظة، وكانت محافظة سواكن تبدأ من رأس علبه إلى رأس قوصار، ومحافظة مصوع من رأس قوصار إلى حلة رهيقة عند بوغار باب المندب.
(٢) غوردون باشا
عيَّن الخديوي إسماعيل باشا — بترشيح الحكومة الإنجليزية بصفة غير رسمية — الكولونيل غوردون مديرًا في مديرية خط الاستواء في يناير سنة ١٨٧٤، خلفًا للسير صمويل بيكر الذي كانت إدارته تابعة لحكمدار عموم السودان، أما الكولونيل غوردون فقد عُيِّن مديرًا لخط الاستواء، على أن يكون مستقلًّا في إدارته عن حكمدار السودان، إسماعيل أيوب باشا يومئذ. وكان غوردون في القاهرة قبل تعيينه بشهرين، ووصل الكولونيل غوردون إلى الخرطوم وقد طلب من حكمدار حكومة السودان أن يعدَّ له أربعة بلكات من عساكر الجهادية أبناء العرب، مسلَّحين بسلاح رمنتن، معهم ضباطهم، وكان الكثيرون من الضباط وصف الضباط غير مرتاحين لمرافقة الكولونيل غوردون في حملته العسكرية في خط الاستواء؛ لبعد المسافة، وخطر الأوباء، والخوف من سكان خط الاستواء المعروفين بالبأس والقسوة، على أن غوردون قد لحظ أن الجنود المختارين لمرافقته كانوا أقل جنود الجيش كفاية، فشكى إلى الخديوي إسماعيل باشا اختيار إسماعيل باشا أيوب للجنود، فأرسل الخديوي تلغرافًا إلى أيوب باشا بتوبيخه وبإلزامه بانتخاب أفضل الجنود لمرافقة الكولونيل غوردون في خط الاستواء.
وقد وزَّع غوردون الهدايا والعطايا على رؤساء الأهالي، ثم وصل ومن معه إلى ميعة شامبي بك، وعليها مشرع يدعى «غابة شامبي»، وكان بها تجار كبار مثل: أبو عموري، وكوجك علي، وغطاس وغيرهم، يتَّجرون بسن الفيل، وكان شيخ المشرع يدعى الشيخ الحداد، وقد أحسن استقبال غوردون ومن معه. ورست البواخر هناك، وحفر الجند خندقًا، وأنشأ مركزًا، وعيَّن اليوزباشي مصطفى فتحي مع بلكه مأمورًا «لشامبي بك»، وأمره بمعاملة الأهالي بالرفق وبمنع تجارة الرقيق، وأبلغ الأهالي أنهم أصبحوا تابعين للحكومة الخديوية، ثم سافر إلى الرجاف مارًّا بمحطة بور، التي كان بها ٤٠٠ من العساكر المسلحة المأجورة للتجار، وقد أعلنهم غوردون بأنهم أصبحوا تابعين للحكومة الخديوية، ثم أنشأ مديرية بور، وعيَّن الضابط السوداني آدم عامر أفندي، الذي كان من رجال السير صمويل بيكر «بيكر باشا»، وكيلًا للمديرية. ثم سار غوردون إلى جبل الرجاف وغندكرو، واستقبلهم المدير رءوف بك «باشا»، وقد شكا رءوف بك إلى غوردون من كثرة حوادث القبائل وفتنها.
فقال له غوردون: «إن السبب في ذلك هو سوء إدارتك، وأنه لا داعي لبقاء كل هذه الجنود كلها معك، ويكفي خمسون رجلًا»، وفي الحال أمر غوردون أن يحضر مشايخ القرى ونظار القبائل، وخاطبهم غوردون بكلام ليِّن، ووزَّع عليهم الكساوي الحمراء والسيوف البيضاء ففرحوا، وترك بينهم خمسين شخصًا، وقال لهم: إن الخمسين جنديًّا قد تركتهم لحراسة علم الحكومة الخديوية، ولإظهار سلطتها، وأنتم المسئولون عن كل مايحدث، فقالوا: «إننا عبيد أفندينا والحكومة الخديوية، ونحن لا نقوم في وجهها ما دمنا نُعامَل بالعدل ولا يقع علينا ظلم.» ثم عزل غوردون رءوف بك وعيَّن مكانه القائمقام الطيب عبد الله بك، وكان بكباشي أول الآلاي، وهو رجل سوداني من قبائل العبيد، ثم نقل الطيب عبد الله بك مديرًا إلى اللادو، وعبد الله أغا الدنسوي، وهو من ضباط الجهادية السود، مديرًا للرجاف.
واستمر غوردون ومعه ٦٠٠ جندي من العرب والسودانيين والمصريين إلى شلال «مقى»، وقد تعرضوا إلى هجوم الأهالي، الذين دقوا الطبول وصاحت الأبواق وهجموا بالنبال والنشاب السامة، وبالنيران، ولكن العساكر هزمتهم، ووصل غوردون إلى بحيرة نيانزا، وأقام شهرين في اللادو، وعاد إلى الخرطوم. وقد نظم غوردون ديوانًا لخط الاستواء في الخرطوم منفصلًا عن حكمدارية السودان، ثم عاد من الخرطوم إلى خط الاستواء، ونال إبراهيم فوزي رتبة صوغول أغاصي «ملازم أول»، ووصل غوردون إلى جبل «اللادو» و«ماقنقوا»، ووزع غوردون الهدايا، وجرد حملة إلى جهة مرولي وفتحها، وأعلن أنه حاكم قد جاء باسم الحكومة المصرية لتعميم المدنية وفتح البلاد للتجارة، وطلب إلى الملك أمتيسة الخضوع، فأرسل الملك إليه رسولًا يبلغه أن الملك «أمتيسة» قوي، وقوته أكبر من قوة الحكومة المصرية، وقال الرسول لغوردون: «إنَّا رضوان بحالتنا، ولم نشكُ إليكم شيئًا، ونحن في غنى عن مدنيتكم التي تحرمنا نعيمنا واستقلالنا الذي نتمتع به.»
غير أن غوردون جنح للسلم وطمأن أمتيسة، وخضع أمتيسة وقَبِل إنشاء محطة عسكرية في مرولي، وكان الملك أمتيسة يلبس القباطي الحريرية من صنع زنجبار، وعلى رأسه عمامة كأهل مكة، وفي رجليه الجوارب والنعال الحرائر، وقد أظهر أمتيسة خضوعه للحكومة، وقد طلب غوردون من مصر إرسال عربة لركوب الملك أمتيسة وإهدائها له، وهي العربة التي استولى عليها عبد الله التعايشي فيما بعد، ويعد «أمتيسة» أقوى حكام الجنوب.
ثم دعا غوردون الملك أمتيسة للدخول في الإسلام، وأرسل إليه اثنين من العلماء، واثنين من الحلَّاقين لعملية الختان، وعند وصولهم كان مع الملك أمتيسة أربعة من المبعوثين البروتستانت وصلوا من الزنجبار، ولما علم أمتيسة أن غوردون دينه مسيحي بروتستانتي، وظن أن المبعوثين من ناحية غوردون، أهمل الفقيهين والحلاقين حتى كاد الجوع يقتلهم فعادوا.
وكان الملك أمتيسة منافقًا عنده علمان: المصري والإنجليزي، فإذا حضر إليه مصري قال إنني تابع للحكومة المصرية، ورفع العلم المصري على داره، وإن كان الزائر إنجليزيًّا رفع العلم الإنجليزي، وقال إنني خاضع لسلطة الإنجليز، وأخيرًا رفع العلم الإنجليزي. وقد ترك غوردون مديرية «مرولي»، وعدَّها آخر الحدود، وعين القائمقام محمد إبراهيم بك — وهو من مواليد السودان وشهرته «ابن جمعية» — مديرًا لها.
تاريخ حياة غوردون
إنه بحسب المشهور فيكم من اللياقة والأهلية قد عيَّناكم مأمورًا على جهات خط الاستواء التابعة للحكومة، وصار فرز هذه الجهة من تبعية حكمدارية السودان، وصارت قائمة بنفسها غير تابعة للحكمدارية، إنما كافة لوازماتها التي يقتضي الحال لتداركها من طرف الحكمدارية هذه يجري تداركها بمعرفة الحكمدار، وصرف ثمنها من طرفه مقابلة محاسبة المالية بذلك. كما أمرنا الحكمدار المولى إليه بأمرنا الصادر له في تاريخه، ومرسول لكم، طي هذا لتوصيله إليه عن يدكم
وبما أن أمور التجارة في ذاك الطرف هي واحدة، يقتضي أن الذي يتحصَّل عليه من تلك الجهات من أنواع التجارة بعد صرف كفاية مرتبات العساكر والتعيينات ترسلوه إلى حكمدار السودان؛ لقبوله من أصل ما يصرفه في أثمان اللوازمات التي تطلبوها منه، وعند وصولكم الآن لتلك الجهات واختباركم أحوالها، تجروا ترتيبها بحسبما يتراءى لكم وتستحسنوه، سواء كان بإجعال مدير يتعيَّن، أو إجعال أقسام أو نحو ذلك، مما يتوصل به انتظام الجهات المذكورة واستعدادها مع معاملة أهاليها بالرفق، ولين الجانب، والتأليف، والمراعاة لما فيه عماريتهم، وترغيبهم وتشويقهم على العمارية، ودخولهم في سلك الإنسانية شيئًا فشيئًا، وهكذا مما يلزم، أجروه على حسب التعليمات التي أعطيت لكم بالفرنساوي.
وها هو موجود هناك رءوف بك قومندان العساكر الموجودة بذاك الطرف، وتحرر أمرٌ من طرفنا ومرسول طيه لتوصيله له بمعرفتكم، وأمرناه به أن يكون هو والعساكر تحت أمركم فيما يجب إجراؤه في صالح المصلحة، ولو أن المومى إليه ومن معه من العساكر صار لهم مدة زائدة في تلك الجهات، وذلك منظور في إرسال خلافهم من هذا الطرف لتغييرهم، لكنه في مسافة إرسال البدل يكون المومى إليه والعساكر منقادين لأوامركم حسب أصول قوانين الجهادية، وعلى هذا وما هو منظور لنا فيكم من حسن الغيرة والأهلية مؤملين الاستحصال على ما فيه عمارية جهات خط الاستواء المحكي عنها، وراحة أهاليها، وحسن توطينهم، وتأليفهم على الدخول في سلك الإنسانية شيئًا فشيئًا كما هو مطلوبنا.
حاشية
إنه بعد توجُّهكم ووصولكم ذلك الطرف تعملوا الترتيب اللازم عن مصاريف تلك الجهة بحسبما يلزم لها من الخدمة والعساكر، وكل ما يلزم تداركه وإرساله من جهات الحكمدارية على حسب الترتيب المذكور فاطلبوه من الحكمدارية، وتعينوا له الأوقات والمواعيد اللازم تدارك وإرسال اللوازمات المذكورة فيها، بحيث إذا كانت الإيرادات — على فرض — لا تكفي المصروفات فالحكمدار يرسل لكم كلما تطلبوه، ويحاسب ديوان المالية بذلك يكون معلوم.
استقالة غوردون باشا
وبقي غوردون حتى سنة ١٨٧٦، فاستقال من منصبه وعاد إلى مصر، ومنها إلى إنجلترا، تاركًا الكولونيل بروت من أركان حربه وكيلًا على خط الاستواء، ثم خلفه أمين بك، واسمه الأصلي «إدوارد شنيتزر» الألماني ببروسيا، وحصل على دكتور في الطب.
غوردون حكمدار السودان
بعد أن استقال غوردون وعاد إلى إنجلترا، ما لبث أن عيَّنه إسماعيل باشا — بتوصية الحكومة الإنجليزية — حكمدار عامًّا للسودان سنة ١٨٧٧، وقد بقي في هذا المنصب حتى سنة ١٨٧٩، وقد أصدر الخديوي إسماعيل باشا أمرًا عاليًا في ١٧ فبراير سنة ١٨٧٧ «بالولاية لغوردون باشا على جميع بلاد السودان المصرية مع دارفور وخط الاستواء وسواحل البحر الأحمر وهرر، ومع منحه السلطة العسكرية والمدنية، وإعطائه سلطانًا على القتل والعفو، ومنع دخول أحد إلى السودان إلا بإذنه وولجه منع تجارة الرقيق، وتحديد التخوم بين السودان والحبشة»، وكان غوردون كثير الاهتمام بمنع تجارة الرقيق، وبجعل العاج احتكارًا للحكومة.
على أن مهمة غوردون باشا كانت شاقة، خصوصًا لأن تجارة الرقيق ومحصول العاج كانتا في أيدي كبار التجار الأقوياء. قال نعوم شقير بك في كتابه «تاريخ السودان» إن «غوردون لم يلبث أن رأى خطارة المركز الذي تولاه وتعذُّر النجاح؛ نظرًا لعدم تيسر الأيدي اللازمة للعمل، واتساع أطراف السودان، ومشقة السفر في بلاده برًّا وبحرًا، مع قلة الجيوش اللازمة لحمايته بعد أن ذهب قسم منها لمساعدة الدولة العلية في حرب الروس، ونهك الباقي حرب الحبشة، فقضى غوردون في السودان سنتين ونيفًا وهو يتنقل من مكان إلى مكان، تارة بالبر وتارة بالبحر، متممًا كل ما أمكنه من الإصلاح، حتى أعياه التعب، وقاومته السياسة فاضطر إلى الاستعفاء»، وقال شاييه لونج بك: «إن أمر غوردون باحتكار الحكومة محصول العاج قد أثار تجار السودان على الحكومة، وهؤلاء التجار كانوا سادات السودان الحقيقيين، فكان هذا العمل النواة الأولى للثورة.»
وقد استعان غوردون باشا في إدارة السودان بفريق من الأجانب، فعيَّن مسيداليا بك الإيطالي مديرًا للفاشر «دارفور»، وجيسي باشا الإيطالي مديرًا لبحر الغزال، وفردريك روسي قنصل ألمانيا في الخرطوم مديرًا لدارفور، وشارل ريجوليه الفرنسي مديرًا لداره، وإميلياني مديرًا لكبكبيه، والدكتور زوربخين مفتشًا للصحة، والضابط سلاتين «النمساوي» مفتشًا للمالية — وقد عرف فيما بعد باسم سلاتين باشا — وجيكلار باشا النمساوي مديرًا عامًّا لمنع تجارة الرقيق.
وعين إبراهيم فوزي بك «باشا» مديرًا لخط الاستواء بدلًا من الكولونيل بروت الأمريكي، ثم أقاله وعيَّن الدكتور «شنتزر الألماني»، وهو الذي عرف — بعدئذ — باسم أمين باشا.
وقد وقعت في عهد غوردون باشا ثورات داخلية، من ذلك: ثورة السلطان هارون الرشيد ابن الأمير سيف الدين ابن السلطان محمد الفضل، بايع أهالي دارفور هارون المذكور سلطانًا في أوائل سنة ١٨٧٧، وجرَّدت الحكومة المصرية عليه حملات عسكرية تمكَّنت بعد وقائع كثيرة من قتله.
وثار سليمان بن الزبير باشا في بحر الغزال سنة ١٨٧٧؛ انتقامًا لإبعاد أبيه الزبير باشا من السودان إلى مصر، فأرسل غوردون حملة عسكرية بقيادة جيسي باشا هزمت سليمان وقتلته في يولية سنة ١٨٧٩.
وثار «صباحي» أحد قواد جيش الزبير في ٤٠٠ شخص، وأغار على الأبضية في كردفان، وقتل مأمورها وفر إلى جبال النوبة، فعلم به غوردون وهو ذاهب إلى دارفور في المرة الثانية في مارس سنة ١٨٧٩، فأرسل من الأبيض نفرًا من الجنود طاردته وأسرته، وحكم عليه بالإعدام في مجلس عسكري.
وقد شُغل غوردون باشا بين سنة ١٨٧٧ و١٨٧٩ بتحديد التخوم بين السودان والحبشة، وذهب إلى مصوع لعقد اتفاق مع ملك الحبشة، ولكنه لم يتمكن، وفي ٢٥ يونية سنة ١٨٧٩، الموافق ٦ رجب سنة ١٢٩٦، أقيل إسماعيل باشا من منصب الخديوي، وولي ابنه محمد توفيق باشا، ثم استقال غوردون باشا من منصبه في أواخر سنة ١٨٧٩.
(٣) فتوح إسماعيل
وقد ضم إسماعيل باشا لمصر نواحي البحيرات الكبرى حتى منابع النيل وبحر الغزال وجهات خط الاستواء وساحل البحر الأحمر إلى رأس غردفوي ووضع الأوغندة تحت حماية مصر، ونزل له الباب العالي عن سواكن وزيلع وملحقاتهما، كما حصل منه على لقب خديوي مصر والنوبة ودارفور وكردفان وسنار.
السكة الحديد
ومدَّ إسماعيل باشا من السكة الحديد في السودان سنة ١٨٧٧ حوالي ٥٠ ميلًا من حلفا، نفقتها ٤٠٠ ألف جنيه، ومهد الطريق إلى ٤٧ كيلومترًا، لم يتمكن من إنشائها خطًّا حديديًّا.