الحكم المصري في السودان
(١) المباني المصرية في السودان
أنشأت مصر بين فتح محمد علي وإلى قيام الثورة المهدية جميع المنشآت؛ من مباني فخمة ومعسكرات ومصالح أميرية ومساجد ومدارس، وساعدت الأهالي على بناء دورهم بالطوب والأخشاب بدل اتخاذها من اللبِن والغاب وجلود الحيوان، وأدخلت زراعة القطن، وأنشأت المطبعة الأميرية، وفتحت السدود النيلية للملاحة صعدًا إلى أعالي النيل، ومدَّت أول سكة حديدية عرفها السودان، تكلف إنشاء خمسين ميلًا منها حوالي ٤٥٠ ألف جنيه، وأنشأت ترسانة كبرى تصنع البواخر النيلية والمراكب وإصلاحها، وبني فيها وابورات بوردين، وتل حوين، والتوفيقية، والمنصورة، والفاشر، والإسماعيلية، وعباس، وشبين، والمسلمية، والحسينية، ونيانزا، ومحمد علي، والزبير، والسلطان، والخديوي، وغيرها.
وقد ثبت أن نفقات السودان كانت تربو على إيراداته في عهد الحكم المصري، وكان يتراوح ما تنفقه مصر بين المليون والثلاثة ملايين جنيه في السنة.
(٢) شهادة الأجانب للحكم المصري في السودان
قال سير صمويل بيكر: «يستطيع السائح الأوربي أن يزور المناطق البعيدة في السودان من غير أن يخشى على نفسه أكثر ما يخشاه مَن يتنزه بعد الغروب في حدائق هايد بارك بلندن.»
وقال أيضًا: «إن مصر وحدها هي التي تستطيع نشر الحضارة في إفريقيا النيلية وإنشاء حكومة نظامية»، وقال رودولف سلاطين باشا في كتابه النار والسيف: «السودان المصري يحكمه الآن الخليفة عبد الله التعايشي، وقد كانت السنوات العشر من حكم المهديين كافية لنشر العبودية في نواحيه، ومن الحق أن نقول إن السودان قد ظل سبعين سنة ونيفًا منذ عهد محمد علي مستقلًّا بالحكم المصري، مفتوحًا للحضارة والمدنية، والمتاجر المصرية والأوربية تزدهر في عواصمه، والدول الأجنبية توفد قناصلها إلى الخرطوم، والسائحون على اختلاف أجناسهم يجوبون البلاد دون أن يلقوا ممانعة، وانتظمت طرق المواصلات والتلغرافات والبريد، وتؤدى الشعائر الدينية في المساجد والكنائس بالحرية، وتعمل مدارس البعثات بجانب مدارس الحكومة، وبالرغم من تعدد القبائل وما بينها من العداوة، فإن حزم الحكومة كان كافيًا لاستتباب الأمن في كل البلاد.»
(٣) في مذكرات القباني عن الحكم المصري
نقتطف من مذكرات السيد محمود القباني ما يلي:
«إن الحكومة كانت تبذل المعونة لساكني الخرطوم، حتى إنها لم تقف عند حدِّ منحهم الأراضي بلا ثمن، بل كانت تعاوِن بمنح أخشاب سقوف العمارات، حتى كانت سنة ١٢٧٤ﻫ، وفشت الأوبئة، فمن حمَّى «أم سبعة» إلى الهواء الأصفر «كوليرا». وقد هجر الخرطوم كثير من سكانها، وقد عد في ذلك الزمن أنه مناخ موبوء؛ لِمَا كان يكتنفه من نواحي الجنوب والشرق من مستنقعات وبرك تتعفن فيها المياه.
أما الكوليرا فقد انتقلت إليها مع المتاجر الواردة من الهند على ثغر سواكن، الذي كان خلوًا من نظم الكورنتينات، وهو إذ ذاك تابع لولاية الحجاز العثمانية، وكان جلَّ ما يرد إلى السودان من المنسوجات هنديًّا علاوة على الطيوب من عطور وعطارة وأسرة الساج وأسرة الحق «وهو خشب ملون بألوان حمراء وصفراء براقة جذابة، وكذا يصنع من هذا الصنف أوعية لحفظ العطور اليابسة ولتزيين المنازل، وما زالت باقية حتى هذا الحين باسم حُقٍّ، وقد أصبحت هذه الصناعة محلية تعلمها صناع البلاد من أهالي «جدة» وعلى كل فقد تضاءلت إلى حد بعيد الرغبة في التوسع باقتنائها.
وقد بذلت الحكومة مجهودات لا يستهان بها في ردم المستنقعات، وفتح مجاري لتصريف مياه السيول التي كانت تنحط على المدينة، وقد أدركنا هذا المجرى وموقعه في الساحة الواقعة جنوب سراي الحقانية، ثم ينحني إلى جهة الشمال فيصب في النيل الأزرق، وقد نظمت المحاجر الصحية في سواكن بعد ذلك، فلم تنتقل أوبئة البحر الأحمر إلى داخلية البلاد، فتراجع عمران المدينة.
ومنذ نشأتنا وجدنا مدينة زاخرة بالعمران، وبنايات بالآجر «الطوب الأحمر»، والحجارة المنضدة، وكانت تستخرج من حفر في الشاطئ الغربي بأم درمان، كما أن القمائن التي تشوي اللبن كانت في الضاحية الشرقية البراري والجريفات، وأكثر المنازل كانت دورين، وأقلها الدور الأرضي، والحكومة تشدد في تعميق الأسس وعرض الجدران، وأقل ما يسمح به في عرض الجدار ذراع معماري ونصف ذراع «نحو متر وعشرين سانتي»، وقد ارتفعت أسعار الأراضي التي على شاطئ النيل أولًا؛ إذ كانت مرغوبة لغرس البساتين لسد حاجيات سكان المدينة من فاكهة وخضراوات ونخيل وأعناب تؤتي أكلها في العام مرتين: واحدة في الشتاء، وأخرى في الصيف، فكان سكان الخرطوم يأكلون العنب شتاء وصيفًا من النوع الأحمر أكثر، والقليل من الأبيض.
ولما كثر عدد الأجانب من سراة الأوربيين رغبوا في تشييد دورهم على شاطئ النهر، فبذلوا أثمانًا عالية لأصحاب البساتين، بلغت قيمة المتر الواحد من جنيهين إلى ثلاثة، وممن فاز بقطعة كبيرة على شاطئ النهر وعلى بعد خطوات من مباني الحكومة من الناحية الغربية الخواجة جورجي تنسيادي، فشاد عليها قصرًا بالآجر، وكحلة الجير، كان له منظر خلاب، وبأسفله حانوت مستطيل مملوء بأصناف المشروبات الأوربية والبقالة، وبجانبه «بار وقهوة كبرى».
ومحل تنسيادي أكبر محل لبيع البقالة والمشروبات الأوربية، ويوجد في المدينة ما هو دونه، وكذا يوجد في الخرطوم محلات لبيع الملابس الأوربية الجاهزة من جميع أصناف الأجواخ والأصواف والأتيال، على النحو الذي كان وما يزال بمصر.
وقد فاز ألبير ماركويت — رئيس شركة فرنسية كبرى كانت تتجر في الصمغ والعاج وريش النعام، وتستورد البضائع الفرنسية — بابتياع بستان علي بك خلوصي، وبناء قصور في شماله مجزأة إلى مساكن «شقق»، وقد شيدت بالحجارة المتسقة المنضدة، وموقعها في سراي صاحب السيادة السر السيد علي الميرغني الحالية والشارع الواقع شرقها، وآخرون شادوا مباني في الجهة الشرقية، ومنهم الدكتور جورجي بك مفتش صحة عموم السودان المتوفى في حملة هكس باشا.
وبالرغم من ارتفاع ثمن أراضي الشاطئ — كما تقدم — فإن الحكومة ما زالت على نهج المعاونة في سبيل تعمير المدينة، فقد كانت حتى آخر أيامها تبيع الأراضي في الحي الجنوبي العربي المسمى «سلامة الباشا»، والحي المقابل له من الشرق «فرق النوبة» بسعر قرش صاغ واحد للمتر.
وقد قدر سكان الخرطوم إذ ذاك بأكثر من مائتي ألف نسمة، لا يقل عدد الجواري والغلمان في هذا التقدير عن ٥٠ إلى ٦٠ ألفًا، ويقدر عدد العنصر المصري خاصة بنحو ٧٠ ألفًا، ونحو ٣ آلاف من عناصر أخرى كالأوربيين أو المغاربة والسوريين والأتراك.
وفي تقرير المرحوم عبد القادر حلمي باشا حكمدار السودان في سنة ١٨٨٣، أن عدد التجار في السودان كله من المصريين وغيرهم من الأجانب يبلغ ثلاثين ألفًا، منهم نحو ألفين من الأوربيين، جلُّهم من الإغريق الذين كان لهم قنصل في الخرطوم يدعى «لونديدي»، يعد من كبار تجار المدينة وذوي الرأسمال الذي لا يقل عن ٥٠ ألفًا من الجنيهات.
وكان في الخرطوم تجار لأعقابهم الآن ثروات عظيمة في مصر وسوريا، ذُكروا في تاريخ السودان للمرحوم نعوم بك شقير، ومن أشهرهم: أسرة حبيب باشا لطف الله؛ إذ كان أخوه الخواجة خليل لطف الله يدير تجارة كبرى في الخرطوم، حتى توفي بها قبل أن أرى الدنيا، وكانت تركته تحت إشراف قنصل روسيا، ومن جملتها نحو ألف قنطار من العاج كانت موضوعة في منزل أحيط بخفراء من جنود الضابطة، فتوصل لص كبير إلى سقف المكان فنقبه ولم يترك فيه نابًا واحدًا من أنياب الفيلة التي تبلغ الألف قنطار، ولما فتحوا المحل ألفوه خاويًا على عروشه، إذ أعاد اللص السقف المنقوب كأنه هو، فقامت قيامة التحقيق، وكان مع والدي؛ لأنه المعين لتصفية التركة، وكان المحل مختومًا بخاتمه وأختام القنصلية ومأمور التركات ومأمور الضابطة ومدير الخرطوم، والمحققون متخبطون لا يدرون ما يفعلون.
وراجت إشاعات بأن اللصوص هم الجن، وأرعدت وأبرقت قنصلية روسيا، وأمطرت نظارة الداخلية الحكمدارية بوابل البرقيات ونسبة الإهمال وفقدان الأمن بعاصمة السودان، وبعد بضعة وعشرين ليلة جاء إلى أخي «الفقيه خوجلي الخراط» صاحب ورشة كبيرة لخرط العاج والأبنوس بالخرطوم، يخبره أن جارية من البغايا جاءته بقطعة من العاج تبلغ ٥٠ رطلًا ليشتريها بقيمة لا تربو على عُشر ثمنها، وأنه يظن أنها من العاج المسروق، وقد أبقاها بمنزله ليحضر لها المال، فأسرع أخي واستيقن أنها من السرقة، واعترفت له الجارية بأن في منزل فلانة دانقة «غرفة» مملوءة إلى السقف، وهي لفلان خليل ربة البيت، وهو موجود في المنزل.
فأشعرت السلطة في الحال، وضبط السارق والسرقة، ولم يفقد منها غير القطعة التي عرضت على الخراط، وهي أول عرض للبيع، وقد حكم على اللص بالسجن والأشغال الشاقة ١٥ سنة في ليمان فاشودة، وقد اعترف بتفاصيل جرأته ومهارته؛ حيث توصل إلى سقف الغرفة ونقبه، وظل ينقل القطع مدة أربعة شهور رويدًا رويدًا، وقد بيعت هذه الصفقة بعد ذلك بأربعين ألف جنيه إلى جماعة من التجار سافروا بها إلى بمباي، وعادوا بثمنها منسوجات حريرية وقطنية وعطور هندية بيعت في أسواق الخرطوم والمسلمية والأبيض بأرباح طيبة، وكونت رأسماليات في هذه البلد، كما نمت وبوركت في أيدي آل لطف الله بمصر.
ويجدر بي أن أذكر أن في الخرطوم مطبعة أميرية حجرية لا تزال باقية في متحف مخلَّفات العصر الماضي، وفي المطبعة معمل لصناعة الورق يقوم بحاجة الحكومة من ورق ودفاتر وأوراق التمغة التي كان لها رواج عظيم؛ إذ لا تُسمع الشكاوى ولا تعتبر المعاملات المدنية والتجارية إلا إذا كانت محررة على أوراق التمغة المتفاوتة في قيمتها. وأمثلة مكتوباتها: «سند تمغة من مبلغ كذا إلى مبلغ كذا». وكان في الخرطوم ورشة لتجهيز ملابس الجيش من الدمور، والأحذية من جلود البلاد، ولا يستورد من لوازم الجيش من مصر غير الطرابيش، وكان الضباط يلبسون ملابس الجوخ أو الدمور، وكان الحكمدار هو الحاكم العام، وله وكيل مستديم يليه غالبًا في الرتبة والأهمية، والحكمدار على الدوام من السلك العسكري من رتبة الفريق؛ لأنه القائد العام للجيش، وقد خرمت هذه القاعدة في الزمن الأخير بإسناد منصب الحكمدار إلى المرحوم علاء الدين باشا؛ لسد باب الاختلافات التي اتسعت بين الفريق عبد القادر حلمي باشا الحكمدار والجنرال هكس باشا، إذ أقيل عبد القادر حلمي باشا وجيء بالفريق سليمان نيازي باشا باسم قائم مقام الحكمدار، فاختلف أيضًا مع هكس باشا فأقيل كسلفه، وجيء بعلاء الدين باشا، فكان من نتائج ذلك تسيير الحملة ومهلكها المعلوم. وكانت الأوضاع كما هي في مصر، فكانت المكاتبات بالعناوين التركية، مثال ذلك: «سودان حكمداري سعاد تلو أفندم حضر تلري»، والاصطلاحات التركية كانت شائعة ومفهومة.
وقد عيَّن ساكن الجنان محمد علي المرحوم الشيخ أحمد السلاوي قاضيًا لعموم السودان، وألزم الحكمدار خورشيد باشا أن لا يقطع أمرًا دون مشاورته ومعه آخرون من أعيان البلاد، وكان نظر القضايا والحكم فيها مدنيًّا وجنائيًّا من اختصاص المحكمة الشرعية إذا كانت كبرى، وأما الصغرى فينظرها مأمور ضبطية الخرطوم ومعه مفتي الضبطية إلى يوم سقوط الخرطوم.
وبعد ذلك أنشئت المجالس تبعًا لمصر، فكان في الخرطوم — كما في كل مديرية — «مجلس محلي» للحكم في القضايا المدنية والجنائية الكبرى، وآخر رئيس لمجلس الخرطوم المحلي المرحوم محمد بك بدوي، والد توفيق محمد بدوي أفندي وأخيه نيازي أفندي، وقد توفي قتيلًا يوم سقوط الخرطوم سنة ١٨٨٥. وفي الخرطوم «مجلس استئناف» تستأنف له جميع الأحكام الصادرة من مجالس السودان المحلية، ويجوز الطعن في أحكام مجلس الاستئناف بتقديم الطعن إلى مجلس الأحكام بمصر، وإليه تُرسل جميع أوراق المجلسين، فيُصدِر حكمه نهائيًّا بعد فحص الأوراق والاطلاع على وجوه الطعن من الطاعن، وكان رئيس مجلس الاستئناف في العهد المتقدم «الأميرالاي إسماعيل أيوب بك» الذي صار فيما بعد الفريق إسماعيل باشا أيوب حكمدار السودان، ولكل واحد من هذه المجالس المحلية «مفتي»، وللاستئناف «مفتي» عيَّنته نظارة الحقانية المصرية منذ أنشأته، وقد استوطن الخرطوم وما زال في وظيفته حتى مات قتيلًا يوم سقوط الخرطوم سنة ١٨٨٥، وهو الشيخ شاكر حسن الريس من أسرة الريس المعروفة في غزة هاشم بفلسطين، كما أن آخر رئيس لمجلس الاستئناف هو المرحوم حسن عبد المنعم بك، والد الوجيه الشيخ أحمد حسن عبد المنعم وأخويه، وهناك كثيرون من موظفي هذه الهيئات ما زالوا على قيد الحياة.
إن مصالح الحكومة في الخرطوم متعددة، وأماكنها متدانية مواقعها، وأعظم تلك البنايات هي بنايات الحكمدارية، ما عدا «السراي» التي لم تكن ديوانًا، بل هي دار سكنى أسرة الحكمدار، وفي العهد الأخير تحوَّلت ثلاثة أجزائها إلى دواوين حكومية؛ فعل ذلك المرحوم غوردون باشا سنة ١٨٨٤، إذ اكتفى هو بالجناح الأعلى لمكتبه ومعاونيه، وشغل الدور الأرضي كله بمصلحة (مالية السودان).
ديوان الحكمدارية مبني بحجارة بيضاء جميلة منحوتة، ذات منظر يضارع أعظم مباني القاهرة، ومرتفع سطحه عن سطح الأرض بأكثر من ثلاثة أمتار، وله نوافذ شمالية تطل على النهر، والشاطئ مرصوف بالحجارة، وقد غُرست حول النوافذ أشجار باسقة، ومدخل إيوان جلوس الحكمدار من الجهة الجنوبية بثلاثة أبواب كبيرة جدًّا، يجلس القواصة الأتراك على دكتين؛ شرقية وغربية، بسراويلهم المقصبة وأرديتهم القصيرة «سلطة» وسيوفهم الكبيرة المحنوفة، هذه الأبواب الثلاثة هي التي يدخل العموم منها لمقابلة الحكمدار، وفي شرق هذا الإيوان رواق مستطيل، فيه غرف من الجانبين، وله باب شرقي يدخل منه الحكمدار من وإلى السراي، والغرف التي بجانب هذا المدخل إحداها «مكتبة لحفظ الكتب» «كتبخانة» ومكاتب لموظفي القلمين الإفرنكي والتركي، وأوراق هاتين القلمين.
وأذكر أن هذه المكتبة نُثِرت وبُعثرت كتبها النفيسة وأوراقها الكثيرة على شاطئ النهر، وهي عامرة بكل كتاب طبعته المطبعة الأميرية من حين وجودها، وقد علمت أن لكل عاصمة من عواصم المديريات مثل هذه المكتبة تُرسَل من القاهرة رسميًّا، وقد اغتنم كل من رأوا تلك الكتب المبعثرة ممَّن يعرفون قيمتها بحمل ما عثروا عليه، وقد حملت أنا بدوري ما استطعت حمله قبل أن تُلقى في النهر وتضرم فيها النيران. ومن أنفس ما ظفرت بين الأوراق كيسٌ فيه أوراق كل سنة قد كتب باللغتين العربية والتركية، مبتدئ من اليوم الذي غادرت فيه حملة الأمير إسماعيل باشا القاهرة، وكيف ودَّعها ساكن الجنان محمد علي الكبير في سنة ١٢٣٥، وترى في كراسة سنة ١٢٣٦ﻫ حديث اجتياز الحملة من الشاطئ الأيسر إلى الخرطوم إلى فتح سنار، وفي كراسة سنة ١٣٠١ﻫ حصار الخرطوم، وكراسة سنة ١٣٠٢ﻫ محتوية على بقية الحصار، وبديهي أن يوم سقوط الخرطوم لم يُذكر، وفي سني حكم غوردون باشا الأولى قد كُتب التاريخ باللغتين العربية والفرنسية، وفي المدة الأخيرة اقتصر على اللغة العربية، والظاهر أن لغوردون يومية بالإنكليزية علاوة على مذكراته، كما اطلعت على كثير من الوثائق الرسمية وأكثر البرقيات مكتوبة بالشفرة «الأرقام»، وبعد أن ظلت تلك الأوراق مبعثرة ذهبت طعمة للنار أو لقاع النهر.
ولقد كان من سياسة غوردون باشا الأخيرة في فبراير سنة ١٨٨٤ أنه أحرق دفاتر الأموال المتأخرة جميعها في يوم مشهود في رحبة الحكمدارية.
•••
أعود بعد هذا إلى تخطيط دار الحكومة بعد أن تكلمت عن غرفة الحكمدار والمكاتب الشرقية والباب الشرقي المسمى «باب السر»، فهناك جناح غربي فيه غرفة «وكيل الحكمدار» والأقلام العربية، وقد أدركنا، لأول إدراكنا، وكيل الحكمدارية ججلر باشا، وهو ألماني بروسي، ورئيس الأقلام هو المغفور له العم محمد أفندي الحاج، والد الأخ جيلاني محمد الحاج أحد قضاة محكمة الخرطوم الأهلية الآن، وابن عم المرحوم الوجيه الحاج المرضي الخضر عمدة الخرطوم الأسبق، وعين أعيان القبيلة التي هي أقدم ساكني الخرطوم منذ قرون، توفي المرحوم الحاج محمد أفندي الحاج يوم سقوط الخرطوم قتيلًا، رحمة الله عليه وعلى من ماتوا معه.
ويقابل بناء الحكمدارية بناء مديرية الخرطوم، وهو منزوٍ إلى جهة الغرب، وأقل ارتفاعًا من بناء الحكمدارية الذي يسامته من الجنوب دهليز مستطيل وبوابة جنوبية كبيرة مزخرفة يتوصل إليها من فرندة ذات أعمدة شاهقة يجلس فيها ذوو الأشغال من الأهلين، وكثير ما هم، والغرف التي بجانبي الدهليز معدَّة لسكنى البلك النظامي وضابطه، المنوط بهم حراسة السراي ودور الحكومة أسبوعيًّا، ثم هنا مصلحة التلغراف وخزانة الحكومة، ثم الدفترخانة في الجناح الشرقي والزاوية الشرقية الجنوبية، يجمع هاته المصالح حوش واحد متسع تُقام فيه الحفلات الرسمية على نحو ما يُقام في القاهرة الاحتفال بالمعراج الشريف، والاحتفال بنصف شعبان، وبعده لليلة القدر على النحو الذي تقام به في القاهرة بشهود الحضرة الخديوية، وهي احتفالات دينية يتحتم المحافظة عليها؛ إنفاذًا لوصايا ولي الأمر، إذ تُختم بالدعاء لذاته الكريمة، وينفق عليها من الحكومة، وكان غوردون باشا في زمن حكمه من أشد الناس محافظة عليها، حتى في أيام الحصار، وكذا كان يحتفل ليلًا بعيدي ميلاد وجلوس سمو الخديوي احتفالًا دينيًّا ليليًّا، علاوة على حفلات النهار من الاستعراضات والتشريفات.
وفي شرق الفرندة الغربية مصلَّاة مرتفعة عن الأرض بنحو ٨٠ س، مبلطة أرضها بحجارة كأنها البلاط البلدي في مصر، وفي غربها نحو ٥٠ حنفية تستقي من النيل، وبجانب هذه المصلاة منبر عالٍ «هو الموجود في متحف بيت الخليفة بأم درمان»، فإذا حانت دقيقة زوال الشمس سمع الناس «الله أكبر» من فوق المنبر بصوت جمع بين الجهر والرخامة من فم العم «المرحوم الشيخ حسين المؤذن، الذي مات قتيلًا يوم سقوط الخرطوم عن عمر يناهز التسعين خريفًا»، وقد وقف دولاب الأشغال، وهرع الناس إلى المصلاة، وأغلقت أبواب ديوان الحكمدار إلى السراي ومثله وكيله، فهما اللذان يتناولان الغذاء في داريهما، أما مدير الخرطوم وسائر رؤساء المصالح فإنهم يتناولون غذاءهم في ذات المصالح، وقد شهدتُ المدير ووكيله والباشكاتب يأكلون معًا، ولكل واحد منهم مائدته ذات الألوان المتعددة.
ومن المظاهر التي تستحق الذكر موائد الموظفين الأقباط في أيام الصيامين، الصغير السمكي والكبير اللاروحي، فإن زملاءهم الموظفين المسلمين يستطيبون الألوان الكثيرة المطبوخة بالزيت طبخًا في منتهى الإتقان والجودة، لا سيما «الطعمية» المتقنة بالتوابل، وكانوا يسمونها «القريصة»، والخبز الشمسي الذي لم أرَ له مثيلًا في أيام الكهرباء وأخواتها. ومع انخفاض الأسعار وقيمة إردب القمح من ٢٥ قرشًا إلى ٣٠ قرشًا، فإن نفقات الطعام على أعمامنا الأقباط — يومئذ — لا يستهان بمقاديرها، فأقل ما يجتمع حول مائدة أحدهم العشرةُ من الزملاء، سوى ما يُتحف به الجيران في بيوتهم، كل على حسب سعته، ويلحق بهذا ما كنَّا نراه في بيوتنا كل ليلة من مشاركة الأعمام والإخوان الأقباط لآبائنا وإخواننا في فطور رمضان، والتفنن في أنواع أطعمته لإخوانهم المسلمين، ولا غرابة، فإن أهالي الخرطوم مع كثرة عددهم واختلاف أجناسهم بين مصريين وأتراك وجعليين ومحس ودناقلة و… بل أجناس أخرى من سوريين ومغاربة، حتى الأجناس الأوربية، كانوا على أحسن ما يُتصور من إخلاص الود لبعضهم ومتانة الروابط بينهم، ولقد كان شعار قوميتنا الخرطومية: «إذا أطعمتَ فأَشبِع»، أي إن المائدة التي يجلس حولها عشرة تشبع العشرين إذا لم أقل الثلاثين.
عودٌ إلى الموظفين، فإنهم تناولوا طعامهم وهم جلوس على الأرض المفروشة بالبروش حتى يؤذنهم العم الشيخ حسين بصلاة العصر لأول وقته، وبعد أدائها يستأنفون أعمالهم، ولا يبارحون دواوينهم إلا قبل غروب الشمس بساعة وربع ساعة، وهذا شأن جميع مصالح الحكومة، إلا أنه لا يوجد مؤذن ومنبر إلا في الحكمدارية، وليس هذا الأذان وإقامة الصلاة خاصًّا بوقتي الظهر والعصر، اللذين يحضرهما موظفو المصالح سالفة الذكر، بل هو مستديم للأوقات الخمسة ما عدا ظهر يوم الجمعة، وذلك احتذاء لمثل ما هو متبع في سراي عابدين أو رأس التين المقر الرسمي للجناب العالي الخديوي، وقد جرى الرسم بهذا كله من عهد ساكن الجنان محمد علي الكبير.
وقد ذكرت فيما تقدم من الذكريات أن الحكمدار نائب الحضرة الخديوية في السودان يجري الرسم في معاملته وفق ما يجب للذات الخديوية بدون إخلال.
ولقد كان الطيب الذكر غوردون باشا من أدق الحكام في المحافظة على رسوم هذه النيابة، وللذكرى والتاريخ أدوِّن أن الاحتفال بالمولد النبوي كان يجري في الخرطوم بالصفة الرسمية التي تجري في القاهرة: لكل مصلحة سرادق، وتقام الزينات وتطلق نيران المدافع، وكان آخر حفل به في ليلة ١٢ ربيع أول سنة ١٣٠٢، أي قبل مقتل غوردون وسقوط الخرطوم ببضع وعشرين ليلة، فأقيم الاحتفال في فناء الحكمدارية وزُيِّن بالرايات والفوانيس، ودعي العلماء والكبراء، وجلس غوردون باشا في صدر الحفل ببذلة التشريفة الكبرى في وسط الحاضرين، واعتلى المنبر المغفور له العلامة السيد حسين المجدي «باشخوجة المدرسة الأميرية» وتلا القصة الشريفة، وبخور العودة يتصاعد من المجمرة الفضية المذهَّبة المرصودة لمثل هذه الحفلات. وقد رأيت غوردون باشا يرفع رأسه والعقال القصبي اللامع فوق كوفيته الناصعة البياض، وإذا تضاءل دخان البخور أسرع إلى المبخرة المرحوم اللواء موسى شوقي باشا مدير الخرطوم لإصلاحه، فلما انتهت التلاوة أُطلقت المدافع من بطارية السراي، ومن طوابي باب المسلمية والمقرن وتوتي وراسخ بك في البر الشرقي، وقد جلس إلى المائدة ومعه المرحومان الشيخ الأمين الضرير شيخ علماء السودان، والسيد حسين المجدي سالف الذكر، وجماعة من العلماء، ولم يُطِل الجلوس، بل قام متفقِّدًا القصاع التي وضعت على الأرض للفقراء، وقد قسَّم بيده حلوى المِلَبس على الأولاد الممتازين، ومرَّ بنا وبجانبي صديقي الأخ المرحوم بقطر عبد المسيح غطاس أفندي ونفح كل واحد منَّا شيئًا من الملبس بعد أن خاطبنا «قباني غطاس»، وكانت هذه الليلة المباركة خاتمة ليالي الاحتفالات التاريخية في الخرطوم؛ فقد سقطت في صبيحة اليوم التاسع من شهر ربيع الثاني سنة ١٣٠٢ﻫ ٢٦ يناير سنة ١٨٨٥.
ومما يستحق الذكر مناظر المتنزِّهين حول المدينة من الشرق والغرب والجنوب والشمال، وفي الزوارق، وإن كانت قليلة فإنها تمثل منظر التنزه في زوارق البوسفور في إستانبول كما يقول الأتراك والأوربيون الذين شاهدوها هناك، واحتذوا مثالها هنا، فإنك ترى المتنزِّهين في أرض الإرباض ركبانًا على الخيول المختلفة في آلتها، فهذا آلته وسرجه تركي، وبجانبه آخر بآلة وسرج سوداني أو إفرنكي، والكل في غاية الفخامة من «رشمات» فضية مطلية بالذهب. واختلاف أزياء المتنزِّهين له منظره البديع، فهذا يلبس زيًّا إفرنجيًّا أنيقًا مع الطربوش، وبجانبه آخر يلبس الزي القديم «السراويل والشبكن»، أما الطربوش المضلع فهو الزي الرسمي لجند الباشبوزق على اختلاف أجناسهم، وكنا نرى قساوسة الإرسالية الكاثوليكية بأثوابهم الكهنوتية وغطاء رءوسهم «الطربوش»، وكانوا قبل زماننا يتعمَّمون كقساوسة الأقباط، والميزة بينهما أن القبطي بقفطان وجبة أو زعبوط، وهم بثوبهم الطويل المزرر. وقد رأيت في كنيسة الكاثوليك تمثالًا نصفيًّا من الرخام، صنع إحياءً لذكرى المونسنيور الأرشمندريث «إنياسيو كنوبلخير» الألماني الذي أسس الكنيسة، لابسًا قفطانًا وفرجية وعمامة.
وبالجملة أن الأزياء في الخرطوم كانت معرضًا محتويًا لأزياء أهل الأرض كلهم تقريبًا، ومن بين المعممين ترى العمائم المتباينة، من مصرية وصعيدية إلى سودانية إلى سورية إلى هندية إلى بخارية أو تركية، وكذا القبع واللحى الإفرنجية، وكثير منهم كانوا يحلقون لحاهم من أسفل الحنك، فيسميهم الناس أبو «دقنين».
ومن مشاهد النزهة التي تجري في الخرطوم في أغلب أيام الأسبوع «لعبة الجريد»، التي يقوم بها أجناد الباشبوزق الأتراك والمغاربة والشايقية والأهالي، وهي تمثل مبارزات الحروب والترامي بالسهام، وفي الأغلب يحضرها الحكمدار والكبراء وقناصل الدولة، ولستُ بناسٍ حلقات «الحاوي» المشعوذ والألعاب المدهشة من فنون السينما. وفي مرة وفد إلى الخرطوم «حاوٍ» شهدنا أنه قطع شابًّا إربًا إلى عشرين قطعة، والدم قد ملأ الأرض، فصرخت أنا وأترابي وأغمي على بعضنا، ثم تمثَّل لأعيننا أن الدماء والأجزاء المقطعة تتحرك وتقترب من بعضها حتى استوت شخصًا سالمًا بجلابيته الزرقاء وطربوشه قبل أن يذبح ويقطع إربًا! ومن مناظر الشعوذة التي كنا نراها كل يوم: «رجلٌ من ساكني الخرطوم قصير القامة، ضخم الجثة، كبير الوجه، ضخم الرأس، يبلغ شعره منكبيه، يحمل مسمارًا غليظًا مستطيلًا، على رأسه حلقات حديدية لا يقل وزنها مع المسمار عن عشرين رطلًا، يغرس هذا المسمار في عينه حتى تراه لامعًا شبرًا في قفاه وقد سالت الدماء، ثم يستله ولا أثر للدم ولا ضرر بالعين»، هكذا يعيده دواليك، وقد يضعه في صدره وقلبه وبطنه حتى صارت شعوذته هذه مألوفة لدينا، وأصبحنا لا نلتفت لنظرها ولا يدهشنا منظرها، وكذلك شأن المشعوذين الذين يدخلون من أفواه الدواب ويخرجون من أدبارها.
ولاستيفاء تخطيط الحكمدارية أذكر بناء حجريًّا متينًا، عريض الجدران في طول شاهق، حصن منيع كأنه في داخله أروقة، يسمَّى «طوبخانة»، أي: محل المدافع، كان نظام الجيش قبل سنة ١٢٨١هجرية — التي وقعت في إبَّانها ثورة الآلاي الرابع السوداني في كسله — أن لكل آلاي طوبجية وفرسانًا تتبعه من ذات فصيلته، وقد رأى سمو الخديوي إسماعيل من وقائع تلك الثورة فصل قوة الطوبجية من جميع الألوية، وبقرب نظر الحكمدار، وأن يكون جندها من المصريين، وضباطها إن لم يكونوا أتراكًا فمن المصريين، وأحسب أن هذا الإجراء متبع حتى الآن في الجيش المصري. وبهذا صارت وظيفة قومندان الطوبجية منفصلة عن قيادة الجيش العامة، تخضع لأمر القائد الأعلى الحكمدار بالنيابة عن الحضرة الفخمية الخديوية، وآخِر من ولي هذه الوظيفة العم المرحوم الأميرالاي محمد بك العتباني، الذي قُتل يوم سقوط الخرطوم في مركز وظيفته بخط الدفاع الغربي من باب المسلمية، وسبحان مقدِّر الأمور وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين!
ليست أنظمة الماضي التي أذكرها اليوم قريبة المشابهة بما هو تحت نظر قصار النظر اليوم، فقد ذكرت هيئة ديوان الحكمدارية وأبوابه الثلاثة، والحكمدار يجلس في حده الشمالي ووجهه إلى ناحية هذه الأبواب، ومن الميسور على كل شاكٍ أن يواجهه ويسلِّمه عريضته يدًا بيد، فيأخد في تلاوتها ثم يوقِّع عليها بالقلم الأحمر هكذا: «يتحرَّر إلى كذا بإجراء كيت وكيت»، ويسلمها لصاحبها قائلًا هكذا: «ودِّيها إلى فلان أفندي أو فلان بك»؛ يعني الكاتب المختص بهذا. ويكون قوَّاصان وقوفًا بجانب الشاكي بسيوفهما، فيخرجان معه، فإذا كان عارفًا بمحل الكاتب تركاه يذهب وحده ويعودان إلى الجلوس مع رفاقهم، وإن كان جاهلًا بمكانه رافقه أحدهم حتى يسلمه إلى فلان أفندي أو فلان بك، الذي يكتب على ظاهر العريضة ما أمر به الحكمدار، ثم يعود الشاكي نفسه إلى الحكمدار فيوقِّع ما كتب بخاتمه ويسلِّمه إلى المشتكى، الذي يحمله بيده إلى الجهة أو الشخص الذي كتب إليه. فهل في ما ذُكر مشابهة بمجريات العهد الحالي؟ أوليس هذا مطابقًا لما كان متبعًا في الحكومات الإسلامية من أقدم عصورها؟ فليتدبر العقلاء وليقيسوا عليه إذا كانوا على علم بالقياس قبل أن ينتقدوا، فإن سكان الخرطوم لرسوخ أقدامهم في المدنية واتصالهم بالقاهرة، يمثلون هيئة رقابة على أعمال الموظفين حتى الحكمدار، وهم الذين شكوا المرحوم ممتاز باشا إلى الأعتاب الخديوية فأُوقف عن العمل، وحُبس في مسكنه، وأرسل الخديوي قومسيونًا برئاسة خالد باشا لتحقيق ما نسب إليه، فتوفي إلى رحمة ربه قبل الانتهاء من التحقيق.
وفي عهد قريب من بداية القلاقل وظهور المهدية عُزل أحد الباشوات الكبار، وكان برتبة فريق وقائد عام الجنود وقائمقام الحكمدار غوردون باشا في غضون تجوله في السودان؛ لِمَا نُسب إليه من ظواهر معاقرة الخمور، وتهيئة مجالس المنادمة والطرب، ومخادنة خليلة، اشتهرت به يومئذ، وقد أبرق إلى سمو الخديوي بالشكوى من ذلك العمَّان المرحومان محمود بك محيي الدين، وحسن بك عبد المنعم، وأيد شكواهما قنصلا إيطاليا واليونان.
وبالجملة أن سكان الخرطوم هيئة قوية معروفة أفرادها لدى الأعتاب الخديوية، يرفعون إليها شكاويهم عن كل اعوجاج، حين يفزع إليهم أعيان البلاد من كل الأقاليم ليتوسطوا في إنصاف المظلومين، وإجراء العدل، ووضع الأمور في نصابها، وقد سمعتُ بوقوع محاكمات لمديري المديريات، فقد كان علي بك الكردي مدير فاشودة قد اعتدى بالضرب بالفلقة والكرباج على منقريوس أفندي أبو دوس باشكاتب مديرية فاشودة، ولما اتصل الخبر بأعيان الخرطوم شكوا للخديوي رأسًا، فجيء به محبوسًا رهن التحقيق والمحاكمة، وولي بدله المرحوم يوسف بك كردة، وما زال علي بك الكردي في الخرطوم حتى أرضى الشاكين بدفع تعويض لصاحبهم المجني عليه وانتهت القضية صلحًا، ولكن الخديوي توقَّف عن المصادقة على الصلح حتى وقعت كارثة مقتل يوسف بك كردة في واقعة ثورة الشلك فرؤي العفو عن علي بك الكردي وإعادته إلى فاشودة لتأديب الثوار والأخذ بالثأر، وقد نجح في هذا الصدد أكبر نجاح، ولم تقم قلاقل وثورات بعدها؛ إذ انتزع الملك «كاتكير» الثائر، وقامت بعده أسرة «كيكون» الذي صار الملك «كيكون بك»، وقد قتل في إحدى الوقائع التي وقعت بين الحكومة والمهدية في قدير.
ونظير هذه القصة ما هو من أسرار التاريخ المجهولة، أن المرحوم راشد بك أيمن مدير فاشودة اعتدى أيضًا بالضرب على الأخ المرحوم عثمان أفندي فريد باشكاتب مديرية فاشودة، وحالما اتصل الخبر بأعيان الخرطوم رفعوا شكوى إلى الخديوي توفيق (رحمة الله عليه)، وأرسلوا الملابس الملوثة بالدماء، فأيقن راشد بك أيمن بأنه لا محالة سائر إلى ما صار إليه علي بك الكردي من الحبس والتحقيق في الخرطوم، وقد اتصل به نبأ وصول المهدي إلى قدير، فألقى القبض على عثمان أفندي فريد المجني عليه، وأودعه السجن بعد أن خاطبه بأنه سيتقدم بالحملة على المهدي، فإما أن ينتصر وينال عفو الخديوي عن جريمته، وإما أن يموت فلا يُعاقب على جريمته بأيدي أهل الخرطوم من رؤساء وأعضاء المجالس التي تحقق معه وتحاكمه، وهكذا تقدم وكان من هلاكه ما لسنا بصدد الكلام عنه. ونظائر هذه الوقائع أكثر من أن أتصدى لتدوينها، وإنما أُثبِت هذه الوقائع ليتدبَّر الذين يهرفون بما لا يعرفون، وليعلموا أن اليوم غير الأمس، فلا يحكمون على تلك الأيام بالموازين المنطقية الحالية بعد أن تغيَّرت البلاد ومن عليها. وهل علموا أن سكان السودان كانوا في سنة ١٨٨١، ١٣ مليونًا ونصف مليون، وسكان مصر لا يبلغ عددهم سبعة الملايين، وقال السير رجنلد ونجت باشا السردار والحاكم العام في سنة ١٩٠٠ «إن سكان السودان أقل من أربعة ملايين، أي إنهم نقصوا خمسة وسبعين في المائة في مدى ١٩ سنة، ولكنهم اليوم على وشك أن يستعيضوا كل ما فقدوه من النفوس التي انتقصت منهم.»
(٤) الإرساليات العلمية من الخرطوم إلى مصر
كان أكثر الوظائف الفنية في الخرطوم يتربَّع على سنامها متخرِّجون في مدرسة الخرطوم أولًا، ثم أُرسلوا إلى مصر لإتمام دروسهم، وهم كثيرون جدًّا من مهندسين ومسَّاحين وغيرهم، هنا أعرض لذكر واحد منهم، هو الأخ المرحوم إسماعيل صديق أفندي خاطر، وكيل إدارة بوستة السودان، أُنفذ إلى مصر مع أخيه المرحوم مصطفى أفندي خاطر نظير كثيرين على نفقة الحكومة، وكان إسماعيل على جانب كبير من الاضطلاع بهذه المهمة التي لا يخفى ما كانت عليه من خطورة وتعقيد؛ إذ كان النقل بالجمال والسفن، وكان مدير البوستة إسرائيلي إيطالي يدعى «جاكمو أمبروزو»، جاء الخرطوم منذ عهد بعيد رئيسًا لشركة إيطالية كبرى، كانت تتجر في حاصلات السودان من العاج وريش النعام، الذي كان إذ ذاك في الذروة، من علو سعره يكاد يكون ذهبًا، ويقرب منه شأن العاج والصمغ، فعيَّنته الحكومة مديرًا للبوستة، ولكن المدير فعلًا هو أخونا المرحوم إسماعيل صديق خاطر، يشغل وظيفته، باللغة العربية والإفرنسية معًا، ورؤساء سائر المصالح من مواليد الخرطوم؛ سواء أكانوا مصريين أم أتراك أم سودانيين، على السواء.
(٥) في الإرساليات المصرية
مدرسة الإرسالية البروسيانية قد تخرَّج فيها عدد قليل من أبناء الخرطوم غير المسلمين، إذ لم يتخرَّج فيها من أبناء المسلمين غير أخوي المرحومين محمد درويش القباني وأحمد القباني، ومن نوابغ الذين تخرجوا في هذه المدرسة المثري الشهير الذي استوطن مدينة أسوان، حيث هاجر إليها في سنة ١٨٤٤ المرحوم بطرس بك سركيس وكيل قنصلاتو إنكلترا في أسوان، وكان على جانب من الذكاء والحصافة، ولد بالخرطوم من والد أرمني الجنس وأم سودانية.
أخبرني في أسوان الميرالاي محمد ماهر بك وكيل محافظة أسوان «صار فيما بعد محمد ماهر باشا محافظ القاهرة»، والد صاحب المعالي علي ماهر باشا، وأصحاب السعادة إخوته العظماء، أنه جاء الخرطوم برتبة ملازم أول أركان حرب حملة الفريق السير صمويل بيكر باشا؛ لاكتشاف منابع النيل، وأن الخديوي إسماعيل أمر بتشكيل مصلحة خاصة في الخرطوم باسم «وكالة مأمورية خط الاستواء»، ولهذه المصلحة ترسانة خاصة آثارها باقية في «المقرن»، وأنه — أي: ماهر باشا — استصدر أمرًا من السير صمويل بيكر بتعيين وظائف جميع موظفي هذه المصلحة، ومن جملتهم أسند وظيفة «أمين مهمات هذه المصلحة وجميع أدواتها» إلى أخي محمد درويش أفندي القباني، وأسند منصب الوكيل إلى موسيو فردريك روسيه البروسي قنصل دولة روسيا في الخرطوم. وبالإيجاز: أن هذه المصلحة ظلت قائمة تخضع لمصر مباشرة حتى خلف غوردون باشا بيكر باشا، ثم سمي غوردون باشا حكمدار عموم السودان وسواحل البحر الأحمر، فألغى اسم إدارة النيل الأبيض وسميت «ترسانة الخرطوم»، وحولت إلى الموضع الذي بقيت فيه إلى سقوط الخرطوم في محل قسم الأشغال شرق السراي. وقد أدركتُ كثيرًا من موظفي هذه المصلحة، منهم: العم المرحوم على أفندي حسين باشكاتب تلك المصلحة، وابنه المرحوم مصطفى أفندي علي حسين الموظف بمصلحة الوابورات في الحكومة الحالية، والمرحوم البلولة أفندي محمد الحسن من كبار رؤساء الأقلام في تلك المصلحة ومحاسب المصلحة القضائية في هذه الحكومة— رحمة الله عليهم.
فكاهة
فكاهة تاريخية: أخبرني بها العم الأستاذ المرحوم الشيخ السلاوي من أعلام كتَّاب عصره، وابن قاضي قضاة السودان العلامة المرحوم الشيخ أحمد السلاوي، أنه كان أحد كتَّاب الحكمدارية في سنة ١٢٧٨ﻫ إلى ١٢٧٩ﻫ لعهد المرحوم راسخ بك، وكان كبير الكتَّاب إذ ذاك المرحوم قسم السيد أفندي، ويليه المرحوم محمد أفندي الحاج، فدخلتْ عليه عجوز جعلية، وقدَّمت له عريضة تظلُّم في مسائل أطيان زراعية، وكان منتشيًا تشمُّ منه رائحة الشراب، فاهتم بشكوى العجوز، واستدعى قسم السيد أفندي مستفهمًا عما تمَّ في شكاويها السالفة، فأجابه بما أوهن حجة العجوز، فالتفتت إليه مخاطبة: «خَفِ الله يا قسم السيد، هو «أي: الحاكم» سكران وأنت تقترش عليه»، فقال راسخ بك: «صدقت خالتي؛ أنا سكران وأنت تقترش عليَّ يا قسم السيد»، اسمعي يا خالتي، إن محمد أفندي الحاج «مورود» محموم، وقسم السيد إذا قلت له اشرح عريضتك يقترش فيها، فخذي عريضتك واذهبي إلى منزل محمد أفندي الحاج، وقولي له سلامتك، واعرفي يومه الذي يجي فيه للديوان، وتعالي أخليه يشرح لك عريضتك «يكتب عليها»؛ يقول: «إدوا خالتي أطيانها أو جيبوا قضيتها أنا ذاتي أشوفها»، وضرب بيمينه على صدره، فودَّعته العجوز، فاتخذها لهجة بينه وبين قسم السيد أفندي مرارًا وتكرارًا كل يوم: «خف الله يا قسم السيد، أنا سكران وأنت تقترش علي.» هكذا كان الاتصال وثيقًا بين الحكام والمحكومين، يضاف إلى ذلك التزاوج، فإن المواليد أكثر من أن أحصيهم: آباؤهم مصريون وأتراك وأكراد ومغاربة وسوريون وأوربيون، وأمهاتهم عربيات وسودانيات، وفي هذا العهد يوجد كثيرون من بني قبائل السودان لا يشك من رآهم أنهم مصريون؛ لِمَا غلب عليهم من لون أمهاتهم، وإذا شاء الباحث اللبيب أن يعترض بالإشارة السطحية، والحكم بالنتائج الأخيرة، فإنه يستطيع دراسة كل ما يتطلبه بحثه الإنصافي المنشود، وإنما بدل من أن يقول لنا إن ليس من الميسور في طريق السلامة خوض تلك المواضيع بعد أن اكتنفتها ظلمات مدهشة ودوافع حائلة يقترش علينا كما يقترش العم المرحوم.
(٦) تفاصيل عن الحكم المصري وإدارته
ذكرنا فيما تقدَّم أن زيلع وبربرة وهرر والصومال قد فُتحت في عهد إسماعيل، وضُمت إلى مصر في سنة ١٨٧٥.
سلطنة هرر
فتح الخديوي إسماعيل سلطنة هرر لأهمية موقعها، ولأنها مرتبطة بالسودان، فأرسل فرقة من الجيش المصري بقيادة محمد رءوف باشا في سبتمبر سنة ١٨٧٥ فتحت «هرر» عاصمة السلطنة، وضُمت إلى مصر في أكتوبر سنة ١٨٧٥.
هرر تقع شرقي الحبشة وغربي زيلع، ويبلغ عدد سكانها نحو مليوني نسمة، وهي من البلاد الزراعية، وأهم حاصلاتها البن والقمح والذرة والفول والعدس والموز والفاكهة والقصب والقطن، وأهم صادراتها البن والصمغ وريش النعام والزعفران والمر والزبد والجلود، وتستورد من الخارج المنسوجات والنحاس والزجاج … إلخ، ومدينة «هرر» واقعة على بعد ٢٣٢ ميلًا من زيلع، ويقطنها ٣٥ ألف نسمة، وسكانها على جانب من الحضارة.
وقد أنشأت الجنود المصرية فيها دارًا للحكومة، ومسجدًا جديدًا، وشيَّدت أربع ثكنات لإقامة الجند، ومنازل كثيرة للموظفين، ولم يسخر أحد من الأهلين في إقامة هذه المباني، وجعل رءوف باشا حاكمًا عامًّا لهرر، وعين أميرها السابق محمد عبد الشكور محافظًا لعاصمتها، الذي لم يلبث أن قُتل.
وخلف رضوان باشا محافظ بربرة رءوف باشا الذي أقاله غوردون باشا حين عين حاكمًا عامًّا للسودان، وأعاده إلى مصر، وخلفه سنة ١٨٨٠ محمد نادي باشا، الذي وجَّه عنايته إلى استتباب الأمن وتحصين المدينة، وفي سنة ١٨٨٢ عين علي رضا باشا خلفًا لنادي باشا، وظل الحكم مستقرًّا في تلك البلاد إلى أن أُكرهت حكومة مصر على إخلاء السودان وملحقاته، وانسحبت القوات المصرية سنة ١٨٨٥، وكان مجموع المصريين الذين انسحبوا من هرر ٨٥٧١ من الجنود والموظفين ورجال البوليس والعمال، والنساء والأطفال من عائلات الجند والموظفين.
وقد أغار عليها ملك الحبشة وضمها إلى أملاكه، وما زالت تابعة لها إلى اليوم.
فتح الصومال
فتح الخديوي إسماعيل بقية بلاد الصومال، فأرسل حملة سنة ١٨٧٥ بقيادة الأميرال ماكيلوب باشا فتحت رأس «حافون» جنوبي رأس جردفون «جردفوي»، وبلدة «براوة» الواقعة شرقي نهر الجوبا «الجب»، وبلدة «قسمايو» «بور إسماعيل» الواقعة على مصب «الجب»، وانسحبت الحملة من الجوبا في يناير سنة ١٨٧٦، وعادت إلى مصر.
وقد عقدت الحكومة الإنجليزية مع مصر معاهدة في ٧ سبتمبر سنة ١٨٧٧، وقَّع عليها شريف باشا وزير خارجية مصر بالنيابة عن الحكومة المصرية، والمستر «فيفيان» قنصل إنجلترا العام بالنيابة عن الحكومة الإنجليزية، أقرت الحكومة الإنجليزية في هذه المعاهدة سلطة الحكومة المصرية في سواحل الصومال الشمالية.
واعترفت مصر بأن تبقى «بربرة» و«وبولهار» ثغرين حرين، وأن لا تعطى فيهما أي امتياز أو احتكار لأحد ما، ولا تأذن بإجراء أي عمل يعطل حركة التجارة فيهما، وأن لا تأخذ رسومًا على الواردات أكثر من ٥٪، ولا تزيد الرسوم الجمركية على واحد في المائة من ثغور «تاجورة» و«زيلع» وسائر سواحل بلاد الصومال التابعة لها، وأن تعامل مصر رعايا إنجلترا وسفنها في تلك الجهات معاملة دولة ممتازة، وتعهَّد الخديوي بأن لا ينزل عن أي جزء من هذه البلاد إلى أي دولة أجنبية.
التقسيم الإداري
أدخل على التقسيم الإداري في عهد إسماعيل تعديلات قضى بها التوسع في الفتح، وضم بلاد جديدة إلى السودان، فصار مؤلَّفًا من المديريات والمحافظات الآتية:
مديرية الخرطوم وعاصمتها الخرطوم، ومديرية سنار وفازوغلي وعاصمتها سنار، ومديرية بربر وعاصمتها بربر، ومديرية دنقلة وعاصمتها دنقلة، ومديرية كسلا أو التاكة وعاصمتها كسلا، ومديرية فاشودة وعاصمتها فاشودة، ومديرية كردفان وعاصمتها الأبيض. وانقسمت «دارفور» إلى ثلاث مديريات: «الفاشر وعاصمتها الفاشر، ودارة وعاصمتها دارة، وكبكبية وعاصمتها كبكبية»، ثم مديرية بحر الغزال وعاصمتها ديم الزبير، ومديرية خط الاستواء وعاصمتها الإسماعيلية «غندكرو»، ثم نقلت العاصمة إلى اللادو فالى ودلاي، وكانت مقسمة إلى المأموريات التالية: لاتوكا، وبو، ومكركة، ومنبوتو، وودلاي، وفويرة.
المحافظات
محافظة سواكن وعاصمتها سواكن، ومحافظة مصوع وعاصمتها مصوع، وحكمدارية هرر وعاصمتها هرر، ومحافظة زيلع وعاصمتها زيلع، ومحافظة بربرة وعاصمتها بربرة.
(٧) نظرة إجمالية
الجيش المصري في السودان
بلغ عدد جنود الجيش المصري في السودان، في عهد إسماعيل، نحو ٣٠ ألف مقاتل.
استتباب الأمن
كان الأمن، بوجه عام، مستتبًا في أثناء حكم إسماعيل كما سبق بيان ذلك.
الزراعة
طرق المواصلات
- (١)
من الخرطوم إلى الأبيض عاصمة كردفان ١٢ مرحلة بسير القوافل.
- (٢)
من الخرطوم إلى الفاشر عاصمة دارفور ٣٢ مرحلة بسير القوافل.
- (٣)
من الخرطوم إلى غندكرو «الإسماعيلية» بطريق النيل، والمسافة بينهما بالبواخر في ثمانية عشر يومًا.
- (٤)
من الخرطوم إلى قوز رجب على نهر عطبرة — ست مراحل.
- (٥)
من الخرطوم إلى دنقلة ٨ مراحل.
- (٦)
من الخرطوم إلى أبو حراز فالقضارف، والمسافة بينهما في ثلاثة أيام بالبواخر، ثم خمسة أيام أخرى على ظهور الإبل.
- (٧)
من الخرطوم إلى قوز رجب فكسلا في ثمانية أيام بالإبل.
- (٨)
من القضارف إلى القلابات في أربعة أيام على ظهور الإبل.
- (٩)
من القضارف إلى «الجيرة» في يوم ونصف يوم على الإبل.
- (١٠)
من القضارف إلى كسلا في خمسة أيام بالإبل.
- (١١)
من قوز رجب إلى سواكن في أحد عشر يومًا على ظهور الإبل.
- (١٢)
من مصوع إلى سنهيت «عاصمة البوغوس» في خمسة أيام على الإبل.
- (١٣)
من سنهيت إلى كسلا في سبعة أيام على الجمال.
- (١٤)
من غندكرو إلى الدفلاي سيرًا على الأقدام في تسعة أيام.
- (١٥)
من غندكرو إلى منبوتو في ٣٤ يومًا سيرًا على الأقدام.
- (١٦)
من غندكرو إلى فويرة في ١٨ يومًا سيرا على الأقدام.
- (١٧)
من غندكرو إلى لاتوكا في سبعة أيام سيرًا على الأقدام.
- (١٨)
من غندكرو إلى مكركا في سبعة أيام سيرًا على الأقدام.
- (١٩)
من الفاشر إلى أسيوط في أربعين يومًا على ظهور الإبل.
المواصلات النيلية
نُسفت الصخور، وأُصلح مجرى النيل في شلال «عبكة» جنوبي وادي حلفا، فأصبح صالحًا للملاحة النيلية ومرور السفن الشراعية والبواخر، وأُصلحت ترسانة الخرطوم التي أنشأها محمد علي الكبير.
الملاحة البحرية والفنارات
مشروع السكة الحديدية
وأنفق الخديوي إسماعيل نحو ٤٠٠ ألف جنيه، وقيل ٤٥٠ ألف، لمد خط حديدي على طول النيل من وادي حلفا إلى «حنك»، ومُدَّ من الخط نحو ٥٧ كيلومترًا، وقيل ٥٠ كيلو فقط من وادي حلفا.
المدارس
أنشئت في السودان في عهد الخديوي إسماعيل بعض المدارس لتثقيف الأهالي، وعهد بالتدريس فيها إلى المتخرجين في مدرسة الخرطوم التي أنشأها عباس الأول.
التجارة
البريد
أنشأ موتشي بك مدير مصلحة البريد المصرية مكاتب كثيرة وإدارة للبريد في الخرطوم سنة ١٨٧٣؛ بناء على أمر الخديوي إسماعيل، وهذه المكاتب في بلاد: الخرطوم، ودنقلة، وبربر، وكسلا، وسنار، والمسلمية، والقضارف، وفازوغلي، وكرجوع، وفاشودة، والأبيض، والفاشر، وقد أدت هذه المكاتب مهمتها، إلى أن سقطت الخرطوم سنة ١٨٨٥.
التلغرافات
- (١)
مصر – دنقلة – بربر – الخرطوم.
- (٢)
الخرطوم – أبو قراد – الأبيض – فوجه.
- (٣)
الخرطوم – أبو حراز – المسلمية – سنار – فازوغلي.
- (٤)
المسلمية – الكو.
- (٥)
أبو حراز – القضارف – كسلة – سنهيت – مصوع.
- (٦)
كسلة – قوز رجب «على نهر عطبرة» – بربر.
- (٧)
سواكن – كسلة.
- (٨)
القضارف – دوكة «جنوبي القضارف» – القلابات.
- (٩)
القضارف – الجيرة «بالقرب من حدود الحبشة.»
ميزانية السودان
-
٣٢٧٠٠٠ جنيه دين السودان.
-
٥٧٩٠٠٠ جنيه إيرادات الحكومة.
-
٥٦١٠٠٠ جنيه مصروفاتها.
-
٧٢٠٠٠ جنيه العجز.