(٢) نشاط الجمعية التشريعية
وكان أول ما شغلت به الجمعية التشريعية هو مسألة المهاجرين. فقد أنشأ هؤلاء
جيشًا منظمًا على شواطئ الراين في «كوبلنز» تحت إشراف الكونت دارتوا (أخي
الملك، وشارل العاشر فيما بعد ١٨٢٤–١٨٣٠)، وفي «ورمز»
Worms تحت إشراف البرنس دي
كونديه
Condé، وصاروا يتآمرون من أجل إشعال «الثورة المضادة»،
٢ فاستصدرت الجمعية التشريعية بعد نقاش عنيف وطويل قرارين: القرار
الأول في ٣٠ أكتوبر ١٧٩١ بأن يطلب من شقيق الملك الكونت دي بروفنس والذي صار
«لويس الثامن عشر فيما بعد ١٨١٤–١٨٢٤» العودة إلى فرنسا في خلال شهرين، وإلا
فَقَدَ حقوقه في الوصاية على المملكة. والقرار الثاني في ٩ نوفمبر ١٧٩١ بإعلان
المهاجرين عمومًا بأنهم موضع اشتباه بتهمة التآمر ضد فرنسا، وأنهم إذا استمروا
حتى يوم أول يناير ١٧٩٢ محتشدين ومسلحين، عوقبوا بمصادرة أموالهم، وتوقيع عقوبة
الإعدام عليهم.
وقد وافق الملك على القرار الأول، ولكنه استخدم «حق الاعتراض» لتعطيل القرار
الثاني مما أغضب المجلس. ومع أن الملك بادر فورًا عقب ذلك بتوجيه منشور أو نداء
إلى المهاجرين، يدعوهم فيه إلى العودة إلى البلاد، ويهدِّدهم بأقسى العقوبة إذا
امتنعوا، فقد تشكَّك المجلس في صدق نوايا الملك، وأعلن استنكاره لمسلكه — أي
عدم التصديق على القرار الثاني — واعتبره شريكًا للمهاجرين في مؤامراتهم وخططهم
العدوانية ضد فرنسا.
ولقد تناول المجلس كذلك مسألة رجال الدين المستنكرين أو المخالفين الذين
رفضوا حلف يمين الولاء للدستور، وللمرة الثانية وَقَعَ الصدام بين الملك
والجمعية التشريعية بسبب هذه المسألة. فقد قررت هذه في ٢٩ نوفمبر ١٧٩١ حرمان
رجال الدين المستنكرين من المعاشات أو المرتبات التي كانت تدفع لهم (أي
للقساوسة) في مقابل الاستيلاء على ربع أملاك الكنيسة التي صادرتها الأمة، كما
تقرر وضع هؤلاء تحت المراقبة. ولكن الملك رفض التصديق على قرارات اعتبر أنها
تضطهد هؤلاء المستنكرين اضطهادًا كبيرًا، واستخدم في هذه المرة أيضًا «حق
الاعتراض» لتعطيلها.
وكان في هذه الظروف أن جرى تعديل في وزارة الملك، وهي التي تألَّفت أصلًا من
«الفويان»؛ أي من الملكيين الدستوريين. ولما كان للملك أن يختار وزراءه كما
يشاء، ولما كان لويس السادس عشر يريد وزارة تساعده على التخلُّص من القيود التي
فرضها الدستور على سلطته، فقد نَجَمَ من هذا التعديل أن صارت الوزارة الجديدة
تتألَّف من الفويان الأكثر تأييدًا للملكية مثل «ناربون» Narbonne، ودي
ليسار de
Lessart، وبرتران دي
مولفيل Bertrand de Moleville، وكان أبرزهم «ناربون» وهو ملكي ديمقراطي ينظر إلى
قيام حرب بين فرنسا والنمسا كخير فرصة يمكن أن تسنح لإنقاذ الملكية
(نوفمبر-ديسمبر ١٧٩١).
وقد حدث في انتخابات البلدية التي جرت وقتئذٍ كذلك أن أيَّد البلاط انتخاب
«بتيون» ليكون عمدة باريس، وكان هذا جيرونديًّا متحمِّسًا، وذلك ضد لفاييت الذي
لم يكن موضع ثقة الأسرة المالكة وتنفر منه الملكة ماري أنطوانيت على وجه
الخصوص. وتوكد أنه «ما كان يريد أن يكون عمدة لبلدية باريس إلا ليكون عمدة
للقصر في الوقت نفسه.» وبفضل المؤامرات التي دبرها القصر لفاييت، فاز بتيون
بمنصب العمدية، وبذلك صار للعرش ولأعداء الدستور القدرة على توجيه بلدية باريس
أو حكومة العاصمة الوجهة التي يريدونها. ولكن «الثوريين» لم يلبثوا أن تداركوا
الموقف عندما تألف مجلس البلدية الآن من أنصار الثورة المعروفين، مثل دانتوم،
وروبسبيير، وتاليان Tallien، وبللوفارن Billaud-Varennes.
(٣) الحرب
وواجهت الجمعية التشريعية مسألة على جانب عظيم من الخطورة، هي مسألة العلاقات
بين فرنسا والدول الأجنبية، خصوصًا الإمارات الألمانية. ولقد ترتب على الفصل في
هذه المسألة انتصار الثورة في النهاية وتقرير مصير الملك لويس السادس عشر
نفسه.
وتفصيل ذلك أن حوادث الثورة كانت قد استرعت في أول الأمر انتباه الملوك
والأمراء في أوروبا، ثم أثار إعلان حقوق الإنسان والمواطن اهتمامهم، وهو
الإعلان الذي تضمَّن مبادئ غير تلك التي قامت عليها حكوماتهم، ثم أزعجهم إصرار
رجال الجمعية الوطنية التأسيسية على أن ينشروا هذه المبادئ التي جاءت بها
الثورة، ويعملوا على إذاعتها خارج حدود فرنسا، فكانت دعاية خطيرة تهدِّد بهدم
عروش النظام القديم بأسره. زد على ذلك أن صلات القربى كانت تربط كثيرين من ملوك
أوروبا بالأسرة الحاكمة في فرنسا. فملك إسبانيا وملك نابولي من البربون وهما
يَعتبِران لويس السادس عشر رئيس الأسرة، وملك سردينيا «أميدوس الثالث» Amedeus صهر للكونت دارتوا،
والإمبراطور جوزيف (يوسف) الثاني الذي توفي في ٢٠ فبراير ١٧٩٠، ثم الإمبراطور
ليوبولد الثاني الذي خلفه، وكذلك ناخب Electeur كولونيا جميعهم أشقاء للملكة ماري أنطوانيت.
أضف إلى هذا أن الثورة من أيامها الأولى قد طغت على حقوق الأمراء المجاورين
على الحدود الفرنسية. من ذلك أن كونيتة فنيسان
Venaissan ومدينة أفينون
Avignon كانتا من أملاك البابوية منذ القرن الرابع عشر، ولكن
الجمعية الوطنية التأسيسية انتهزت فرصة حدوث الاضطرابات الناجمة من استصدار
قانون الكنيسة المدني؛ فقررت إدماجهما في فرنسا، وإنشاء مديرية أو مقاطعة واحدة
جديدة منهما، هي المديرية الرابعة والثمانون.
٣ وقد حدث مثل هذا في الألزاس
Alsace (أكتوبر ١٧٩٠) وغيرها من الأقاليم الواقعة على حدود
فرنسا الشرقية، والتي كانت تدين بالتبعية للإمبراطورية «الرومانية المقدسة»
والتي حفظت معاهدات وستفاليا (١٦٤٨) حقوق الملكية وغيرها من الحقوق أو
الامتيازات الإقطاعية في هذه الأقاليم للأمراء الألمان الذين خضعوا لسيادة
الإمبراطور عليهم في الوقت الذي حلفوا فيه يمين الولاء لملك فرنسا (أي بالرغم
من حلفهم هذه اليمين).
فقد ألغت قرارات ٤ أغسطس ١٧٨٩ وما تلاها من إجراءات كلَّ تلك الحقوق، وضمت
هذه الأقاليم إلى فرنسا. ومع أن الجمعية التشريعية عرضت أن تدفع تعويضًا
للأمراء الألمان في نظير هذا الضم وإلغاء الحقوق القديمة التي كانت لهم، إلا أن
هذه التعويضات بلغت حدًّا من الضآلة جعل الأمراء الألمان يرفضونها، وكان هؤلاء
كبار «ناخبي الراين»: أسقف ستراسبورج وأسقف سبير Speier، وأسقف بال Basel،
وحكام ورتمبرج Wartemberg وتزفايبروكن Zweibrucken، وهس-درمستاد Hesse-Darmastadt، وبادن Baden، وغيرهم. وقد تقدَّم هؤلاء بشكاواهم إلى
«الدياط» Diet أو المجلس الإمبراطوري
الألماني الذي أيَّد دعواهم، وطلب من الإمبراطور أن يتَّخِذ الإجراءات التي يرى
أنها كفيلة بردِّ حقوق هؤلاء الأمراء الألمان إليهم.
وكان لهذه الحوادث أثر كبير في تشجيع المهاجرين على المضيِّ في نشاطهم، حيث
كانوا يريدون تأليف محالفة أوروبية قوية ضد الثورة، تتمكَّن بفضل القوات التي
لديها من إعادة نظام الحكم القديم إلى فرنسا. ولقد أنشأ هؤلاء المهاجرون — كما
عرفنا — بلاطًا في «كوبلنز»، صار يقصده أتباعهم وأنصارهم في أعداد كثيرة، من
المدن المجاورة ومن مقاطعات الراين، وراح أخوا الملك يُذِيعان أنهما يمثِّلان
حكومة فرنسا الحقيقية، وأن من حقهما لذلك الدخول في مفاوضات مستقلة باسم هذه
الحكومة، ولم يُلْقِيَا بالًا إلى ما قد يترتب على مسلكهما هذا من أخطار
يتعرَّض لها شقيقهما الملك. ومع أن لويس السادس عشر احتجَّ على عملهما هذا، فقد
كان جوابهما عليه أنهما يعرفان أنه مقيَّد الحرية؛ ولذلك فهما لن يقيما وزنًا
لما يكتبه إليهما تحت ضغط غيره. وفي بلاط كوبلنز هذا صار ﻟ «كالون» شأنٌ كبير
مع ما هو معروف عن عجزه وقلة كفاءته؛ إذ سرعان ما صار بمثابة رئيس للوزارة في
هذا البلاط.
وكان مما قوَّى حركة المهاجرين هذه أن ناخبي كولونيا وتريف Treves-Trier وهما اللذان لجأ المهاجرون إلى أراضيهما، لم
يلبثا أن وجدا من صالحهما تشجيع هذه الحركة، كما أن الكونت دارتوا استطاع عند
زيارته لنورين أن يظفر بمعاونة صهره ملك سردينيا. ثم أظهر كلٌّ من ملك نابولي
وملك إسبانيا أنهما يريدان أن يقوما بواجبهما كأعضاء في أسرة بربون. وكذلك كان
ملك السويد «جوستاف الثالث» Gustave الذي أرجع
الحكم الأوتقراطي في بلاده شديدَ الرغبة في تولِّي قيادة حرب تُثار من أجل
تعزيز قضية الملكية، ولقد لقي جوستاف هذا تشجيعًا في ذلك من جانب قيصرة روسيا
كاترين الثانية التي وجدت من صالحها لتنفيذ مشروعاتها الشرقية، أن تشتبك دول
غرب أوروبا في حروب مع فرنسا. ولم يكن من المنتظر أن يرفض فردريك وليم الثاني —
ملك بروسيا — مساعدة الملوك والأمراء الراغبين في الحرب ضد فرنسا، وهو الذي كان
يسيئه من جهة الكوارث التي نزلت بالملك الفرنسي، وكان من جهة أخرى قد سبق أن
تمكَّن من إعادة حاكم هولندة إلى منصبه في لاهاي.
ومع كل ذلك، فقد كان من الواضح أن الإمبراطور ليوبولد الثاني هو الرجل الذي
بيده وحده تقرير ما إذا كانت أوروبا سوف تتدخل أو سوف تمتنع عن التدخل في شئون
فرنسا. فقد كان الإمبراطور معروفًا بالحذر؛ استطاع التغلب على الصعوبات التي
تركها له سلفه في الحكم، شقيقه الإمبراطور يوسف الثاني (المتوفى في فبراير سنة
١٧٩٠)، فهو قد تجنب الدخول في عراك مع بروسيا بأن عقد معها معاهدة في
رايشنباخ Reichenbach في ٢٧ يوليو ١٧٩٠،
ومنذ يونيو كان قد نجح في تهدئة المجر، وفي نوفمبر دخل جيشه بلجيكا دون مقاومة؛
فأخمد ثورة كانت بها ضد حكم النمسا. وفي ديسمبر كانت «لييج» Liège والأراضي الواطئة (بلجيكا) في قبضته، ودخل في مفاوضات
مع الأتراك، ولو أنه لم يصل منها وقتئذٍ إلى نتيجة، وكان الاعتقاد السائد لأول
وهلة أن الإمبراطور سوف يؤيِّد لا محالة قضية الملكية في فرنسا لأسباب؛ منها
حبه لشقيقته الملكة ماري أنطوانيت، ثم التجارب التي صادفها بسبب أخطار الحركة
الثورية في بلجيكا (ولييج)، وهي أقاليم قريبة من فرنسا، ثم واجبه كإمبراطور
يتحتَّم عليه النظر في الشكاوى التي قدمها «أتباعه» Vassals الناخبون والأمراء إلى المجلس الإمبراطوري (الدياط)
على نحو ما سبق ذكره.
ولكن ليوبولد الثاني كان بطبعه يميل إلى معارضة كل الإجراءات السريعة التي
تأتي دون تمعُّن وتفكير، وهو إلى جانب هذا معارض لكل سياسة من شأنها إشعال نار
الحرب. وفضلًا عن ذلك فقد كان يَضَع مصلحة النمسا ذاتها — كما فعل سلفه يوسف
الثاني — فوق كل اعتبار. وكان في هذه الآونة كما ذكرنا لم يعقد الصلح بعد مع
تركيا، ولم تكن علاقاته مع بروسيا بالرغم من معاهدة رايشنباخ السالفة الذكر قد
استقرت، وأزعجته — علاوة على ذلك — أطماع روسيا؛ فلم يشأ أن يترك للقيصرة
كاترين الثانية الميدان فسيحًا حتى تنال مآربها من تركيا وبولندة.
وعلى ذلك، فإنه لما أصر «الدياط» وألحَّ في مطالبة الإمبراطور بأن يتخذ
الإجراءات التي تكفل إعادة حقوق الأمراء الألمان إليهم، وعلم الإمبراطور في
الوقت نفسه أن لويس السادس عشر قد حاول الهرب من باريس، ولكن قبض عليه في
«فارن» وأعيد إلى عاصمة ملكه في الظروف التي عرفناها. لم يجد الإمبراطور مناصًا
حينئذٍ من اتخاذ إجراء لم يكن الغرض منه إشعال الحرب ضد فرنسا، وإنما مجرد
المظاهرة في صف الملكية «الفرنسية». فأصدر في «بادوا» منشورًا
٤ في ٦ يوليو ١٧٩١ بَعَثَ به إلى الدول يطلب منها أن تؤيد قضية الملك
الفرنسي على اعتبار أن هذه ليست قضيته وحده، بل هي قضية الدول ذاتها كذلك، وأن
ترفض الاعتراف بأية قوانين أو قرارات تصدر في فرنسا ما دام الملك مجردًا من
حريته ولم يقبلها هو بمحض إرادته، ثم طلب ليوبولد في هذا المنشور من الدول أن
تعمد إلى استخدام السلاح (أو القوة المسلحة) لإرغام الحكومة الفرنسية والجمعية
الوطنية التأسيسية — وكانت لا تزال هذه منعقدة حتى ٣٠ سبتمبر ١٧٩١ — إذا
امتنعتا عن إرجاع سلطات الملك السابقة إليه وإطلاق الحرية له.
وكما كان متوقعًا لم يكن لهذا المنشور أيُّ أثر، سوى أنه أشعل الغضب في فرنسا
من جديد ضد الملكية، وأدى إلى تضييق الحراسة على الملك في قصره، حتى صار سجينًا
هو وأسرته «الأسرة» المالكة في التويلري.
ولقد اضطر ليوبولد أن يخطو خطواته التالية بالرغم منه كذلك. فقد عقد معاهدة
«سستوفا» Sistova مع تركيا في أغسطس ١٧٩١،
واستطاع أن يعقد مقدمات معينة في ٢٥ يوليو ١٧٩١ لإبرام معاهدة مع بروسيا، ولكن
عقد هذه المقدمات كان على خلاف التعليمات التي أرسلتها بروسيا لمندوبها في
فينا. وعلى ذلك فقد اجتمع ليوبولد الثاني وفردريك وليم الثاني — ملك بروسيا —
في «بلنتز» Pillnitz في ٢٧ أغسطس للنظر في هذا
الموضوع.
وكان عندئذٍ أن انتهز الكونت دارتوا الفرصة فقابلهما في هذا الاجتماع كيْ
يعرض عليهما خطة للعمل ضد فرنسا وضعها المهاجرون، ولكن الإمبراطور وملك بروسيا
رفضا هذه الخطة، وحذَّرا المهاجرين أنهم وإن كان مسموحًا لهم بالإقامة في أرض
ألمانية، فليس مسموحًا لهم بالقيام بعمليات عسكرية. ومع ذلك فقد أصدر
الإمبراطور والملك تصريحًا مشتركًا، هو تصريح بلنتز
٥ في أغسطس سنة ١٧٩١، أعلنا فيه أن عودة النظام في فرنسا، واسترجاع
الملكية سلطاتها السابقة، أمران على جانب عظيم من الأهمية، ويستأثران بعناية
أوروبا بأسرها. ثم دعيا دول أوروبا إلى التعاون معهما من أجل تحقيق ذلك، ووعدا
«في هذه الحالة ولتأييد هذه القضية» بالتدخُّل الفعلي؛ أي في حالة تعاون سائر
دول أوروبا معهما لإعادة النظام في فرنسا ودعم الملكية بها.
وواضح أن هذا الشرط الأخير — تعاوُن سائر دول أوروبا معهما — إنما يدل على أن
«ليوبولد» كان يريد في واقع الأمر تجنب الحرب مع فرنسا إذا كان هذا
ممكنًا.
فقد كان ليوبولد يعلم أن وزارة بت
الأصغر Pitt The Younger في إنجلترة قررت اتخاذ موقف الحياد تجاه فرنسا؛ ولذلك
صار تحقيق «معاونة سائر دول أوروبا» الذي نَصَّ عليه تصريح بلنتز في هذه الحالة
متعذرًا. ولا شك في أن صدور هذا التصريح، ثم رفض خطة المهاجرين التي عرضها
الكونت دارتوا على ليوبولد وفردريك وليم الثاني، ثم تحذير هذين للمهاجرين من
اللجوء إلى أية عمليات عسكرية، لا شك في أن هذا كله من شأنه ضمان السلام. ولقد
كانت المحافظة على السلام وتجنب الحرب هما رغبة ليوبولد، وذلك على خلاف ما
يعزوه إليه بعض المؤرخين (من الفرنسيين خصوصًا) من أنه كان يريد الحرب مع
فرنسا. وزيادةً على ذلك فإن ليوبولد نفسه صار يلحُّ على لويس السادس عشر في
قبول «الدستور»، وكان بناءً على هذه النصيحة أن قبل الملك في ١٤ سبتمبر ١٧٩١
الدستور كما عرفنا.
وأخيرًا فإنه بمجرد أن بطل «توقيف» الملك واستأنف هذا ممارسة سلطاته التي
نصَّ عليها الدستور، بادر الإمبراطور بإصدار منشور آخر أعلن فيه أنه لم تعد
هناك الآن حاجة إلى محالفة أوروبية.
وهكذا كان قيام الحرب أو المحافظة على السلم متوقفًا الآن على القرار الذي
تتخذه فرنسا نفسها.
وفي الجمعية التشريعية استأثرت المسألة السياسية أو الشئون الخارجية باهتمام
الأعضاء (النواب) من وقت انعقادها. ولقد تضافرت عدة عوامل جعلت الجمعية تقرر
إعلان الحرب على النمسا. فقد لوحظ أن تصريحات الإمبراطور «ليوبولد» مفرغة في
عبارات تنطوي على الوعيد والتهديد (مع أن رغبة الإمبراطور الواضحة كانت تجنب
الحرب)، ثم إن «المهاجرين» استمروا في استعداداتهم العسكرية. وكان أول من
تأثَّر بهذه الوقائع الجيروند الذين عبروا عن شعور الأمة في هذه المسألة —
مسألة الحرب — عندما صاروا يطلبون الانتقام من الملوك والمهاجرين، الذين هددوا
بالقضاء على الثورة، والتدخل في شئون البلاد الداخلية. واعتقد الجيروند أن
الدخول في حرب خارجية سوف يَزِيد من دعم سيطرتهم؛ صرَّح بهذا الرأي «بريسو»
الذي تزعَّم حزبه (أي حزب الجيروند) في تأييد مطلب الحرب.
ومما يجدر ذكره هنا — على خلاف الشائع خطأً — أن روبسبيير وهو من اليعاقبة
كان يريد السلم ويعارض في الحرب؛ لخوفه من أن يُفِيد من الحرب منافسوه
(الجيروند) من جهة؛ ولأنه من جهة أخرى كان يَمِيل بطبعه إلى السلم. وأما
«الفويان» وهم الملكيون الدستوريون، فقد اتفقت رغبتهم في الحرب مع رغبة
الجيروند كوسيلة لتقوية الملك. ثم قال خصومهم: إنهم يريدون أن يكون لدى الملكية
كذلك جيش قوي على رأسه ضباط من المناوئين للثورة تستطيع الملكية استخدامه ضد
الأمة. ولقد صار للجيروند بفضل انضمام هذه العناصر المؤيدة للحرب، الأكثرية في
الجمعية التشريعية التي تمكِّنهم من إرغام الملك ووزرائه على السير في طريق
الحرب وإعلانها. وكانت الخطوة الأولى لتمهيد إعلان الحرب عزل ديبورتايل Duportail وزير الحربية وتعيين وزير من
«الفويان» مكانه، هو «ناربون»، وذلك في التعديل الوزاري الذي سبقت الإشارة إليه
(في نوفمبر-ديسمبر ١٧٩١).
وعلى ذلك، فقد وجد الملك نفسه مرغمًا على إرسال مذكرة بتاريخ ١٤ ديسمبر ١٧٩١
إلى الإمبراطور وإلى حاكم (أو ناخب) تريف، فحواها أنه إذا لم يسرح المهاجرون
القوات العسكرية التي يجمعونها، وذلك في موعد أقصاه ١٥ يناير ١٧٩٢، فالعمليات
الحربية سوف تبدأ فورًا ضد ناخب تريف. وترتَّب على ذلك أن بادر ناخب تريف
بإصدار أمره توًّا بوقف الاستعدادات العسكرية. ولكن المهاجرين لم يُذْعِنُوا
لهذا الأمر، ثم أهانوا المبعوث الفرنسي. وأما الإمبراطور ليوبولد فقد أبدى
رغبته في السلم، ولكنه أنذر الفرنسيين في الوقت نفسه بأنه سوف يعتبر كل هجوم
يقع على تريف عملًا عدوانيًّا موجهًا ضد الإمبراطورية.
وتلك «إجابات» لم تُرْضِ بطبيعة الحال «ناربون» الذي عمد من فوره إلى حشد
ثلاثة جيوش على الحدود بقيادة «روشامبو» Rochambeau و«لفاييت» و«لوكنر» Luckner، بلغ مجموعها ١٥٠٠٠٠ مقاتل، ثم طلب من الإمبراطور في
٢٥ يناير ١٧٩٢ أن يصدر تصريحًا قاطعًا بشأن فض وتسريح قوات المهاجرين، وأنذره
بإعلان الحرب ضده إذا لم يصل منه (إلى ناربون) جواب مُرْضٍ حتى يوم ٤
مارس.
وهكذا وجد الإمبراطور أن آماله في المحافظة على السلم في أوروبا الغربية قد
تبددت، وأنه قد صار لزامًا عليه أن يستعدَّ لمواجهة الحرب المتوقعة؛ ولذلك فقد
صدَّق أولًا على القرارات التي كان «الدياط» أو المجلس الإمبراطوري قد اتخذها
ضد اعتداءات الجمعية الوطنية التأسيسية، وكانت هذه — كما عرفنا — قد قررت ضم
الألزاس إلى فرنسا في أكتوبر ١٧٩٠، وإلغاء حقوق الأمراء الألمان وامتيازاتهم في
الأراضي التي يملكونها، وهم الذين ظلوا فيما يتعلق بهذه الحقوق تابعين
للإمبراطورية تبعًا لأحكام معاهدة وستفاليا سنة ١٦٤٨ بالرغم من يمين الولاء
التي يحلفونها لملك فرنسا. وقد تقدم كيف أن «الدياط» طالب الإمبراطور بالعمل من
أجل رد حقوق هؤلاء الأمراء الألمان إليهم. ثم إنه لم يلبث ثانيًا أن أنهى
مفاوضاته مع بروسيا فعقد معاهدة معها في ٧ فبراير ١٧٩٢ ضمن بمقتضاها كلٌّ من
الطرفين أملاك الآخر، واتفق الإمبراطور وملك بروسيا على التعاون فيما بينهما
لرد أي هجوم يقع على أحدهما.
وعلى ذلك — وبالرغم من هذه الاستعدادات — فإن ليوبولد الثاني كان لا يزال
يرجو أن تسنح فرصة لتجنب الحرب في آخر لحظة، وظل يمنِّي النفس بهذا الأمل حتى
عاجلته الوفاء على إثر مرض مفاجئ في أول مارس ١٧٩٢. فتولى عرش النمسا ابنه
فرنسيس الثاني (الذي توج إمبراطورًا على الإمبراطورية الرومانية المقدسة في ١٤
يوليو من السنة نفسها). وكان هذا شابًّا يبلغ الرابعة والعشرين، ليست له الخبرة
والتجربة والكفاءة والمقدرة التي كانت لوالده؛ الأمر الذي جعل سهلًا على
«مناوئي الثورة» أن يجذبوه إلى جانبهم؛ فصار بسبب ذلك قيام الحرب عاجلًا أو
آجلًا أمرًا مفروغًا منه.
ولكن مما يجب ذكره أن مسئولية قيام الحرب في النهاية بين فرنسا والنمسا إنما
وقعت على كاهل فرنسا، وعلى كاهل الجيروند أنفسهم على وجه التحديد. فقد اتفق رأي
المؤرخين على أنه من المشكوك فيه كثيرًا حتى لو عاش الإمبراطور ليوبولد الثاني
مدة أطول، لكان في استطاعته تجنب الحرب في النهاية. والسبب في ذلك أن
«الجيروند» حشدوا كل قواهم آنئذٍ لمهاجمة وزير الخارجية «دي ليسار» فاتهموه
بالانصياع بكل مذلة ومهانة لمطالب العدو. فألقي القبض على «دي ليسار» وسجن
واستقالت وزارة «الفويان» في مارس ١٧٩٢. وألَّف الجيروند الوزارة الجديدة، وذلك
من «رولاند» Roland — زوج مدام رولاند —
للداخلية، و«سرفان» Servan للحربية،
و«كلافيير» Claviére للمالية، وتولى
«ديمورييه» Dumouriez الشئون الخارجية،
وديرانتون Duranthon العدل، و«لاكوست» Lacoste البحرية، وقد أطلق عليها أعداؤها اسم
وزارة أصحاب السراويل الطويلة Sans-Culottes؛
أي الوطنيين الثوريين الذين نبذوا السراويل
القصيرة Culottes زي النبلاء والبورجوازي في النظام القديم.
واتخذ «ديمورييه» لهجة الآمر الناهي في علاقات البلاد الخارجية بصورة ألزمت
حكومة فينا — حكومة الإمبراطور فرنسيس الثاني — أن تطلب في ردها عليه (مذكرة
وزيرها دي كونيتز Kaunitz في ١٨ مارس ١٧٩٢)
ضرورة أن يستتبَّ النظام في فرنسا من أجل أمن أوروبا وسلامها، كما طالبت بأن
ترد إليهم حقوقهم التي انتزعت من البابا ورجال الدين، والأمراء الألمان، فيعوض
الأول عن فقد أفينيون، ورجال الدين عن أملاك الكنيسة المصادرة، والأمراء
الألمان عن حقوقهم التي فقدوها في الألزاس واللورين. فقُوبِلت هذه المطالب
بإعلان الحرب من جانب فرنسا على ملك المجر وبوهيميا (أي النمسا)، حيث قررت
الأمة الفرنسية — كما قال المجلس عند الاقتراع على قرار الحرب — المحافظة على
حريتها واستقلالها ضد عدوان غاشم من ملك Un Roi عليها.
وقد حضر لويس السادس عشر إلى الجمعية التشريعية ليقرأ إعلان الحرب في صوت
مرتجف في ٢٠ أبريل ١٧٩٢. وفي بلدة ستراسبورج الفرنسية على الحدود بين فرنسا
وألمانيا ألهم حماس الدفاع عن حرية الأمة الفرنسية واستقلالها أحد ضباط سلاح
المهندسين «روجيه دي ليل» Rouget de L’Isle
فوضع «نشيد الحرب لجيش الراين» الذي لم يلبث المواطنون أن سموه «بِالمارسيلييز» Marseillaise.
وباغت إعلان الحرب من جانب فرنسا كلَّ أوروبا، وكان له رد فعل كبير في كل
أنحائها. ولم تلبثْ أن وجدت النمسا نفسها وقد صارت في عزلة؛ لأن بروسيا
وسردينيا اللتين أرادتا الدخول إلى جانبها في هذه الحرب، لم يكن في وسعهما فعل
ذلك قبل تهيئة جيوشهما؛ الأمر الذي يقتضي زمنًا ليس بالقصير لإنجازه. أضفْ إلى
هذا أن بروسيا كانت مشغولة بمسألة بولندة. (ومن المعروف أن تقسيم بولندة الأول
وقع سنة ١٧٧٢ بين روسيا وبروسيا والنمسا، والتقسيم الثاني وقع سنة ١٧٩٣ بين
روسيا وبروسيا، والتقسيم الثالث بين الدول الثلاث كان في سنة ١٧٩٥، وقد أزيلت
بولندة كليةً من خريطة أوروبا). وهذا بينما كانت إسبانيا مترددة، وفضَّلت
إنجلترة الوقوف موقف الحياد. كما أن أكبر نصير للملكية في أوروبا وقتئذٍ وهو
جوستاف الثالث — ملك السويد — كان قد توفي في ٢٩ مارس ١٧٩٢؛ أي قبل إعلان الحرب
بشهرٍ تقريبًا.
أما «ديمورييه» فقد عوَّل على الاستفادة من هذه الظروف لتوسيع حدود فرنسا
الشرقية. وعلى ذلك فقد أمر قواد الجيوش الثلاثة: «لوكنر» و«لفاييت» و«روشامبو»،
بالتعاون فيما بينهم للقيام بهجوم مشترك على بلجيكا (وكانت هذه تابعة للنمسا)،
على أمل أن يترتَّب على هذا الهجوم إشعال الثورة من جديد في بلجيكا، وهي الثورة
التي سبق أن ذكرنا أن الإمبراطور ليوبولد الثاني كان قد أخمدها حديثًا. ولكن
التغييرات الأخيرة التي أدخلتها «الثورة» على الجيش الفرنسي كانت قد قَضَتْ على
كل نظام فيه، وصار الجنود لا يَثِقُون في ضباطهم، فلم تلبث أن تعالت الصيحات
بوجود الخيانة عند محاولة الجيش الفرنسي الهجوم على بلجيكا (عند مونز Mons)، وصار الجنود يَفِرُّون من الصفوف وهم في
رعب وهلع، وذبحوا قائدهم الجنرال «ديلون» Dillon وضابطًا آخر بدعوى أنهما يخونان الجيش لصالح النمسا،
واضطر قائدا الجيشين الآخرين: لفاييت وروشامبو إلى التزام خطة الدفاع.
وذاعت أنباء هذه الحوادث في باريس، فتزايد في العاصمة السخط والهياج، وعظمت
الشكوك من ناحية البلاط الذي وجهت إليه تهمة الخيانة، وشاع بين الناس أن الملكة
ماري أنطوانيت تجمع حولها «لجنة نمساوية» هي أصل هذه الخيانة، وأسرعت الجماهير
تتسلح «بالحراب». ومن الآن فصاعدًا صارت هذه الطبقة الدنيا من الغوغاء
والمسلحين منافسًا خطيرًا للحرس الأهلي؛ أي لتلك الأداة التي أوجدها أهل الطبقة
المتوسطة (البورجوازي)، واعتمدوا عليها في سيطرتهم على الموقف، ثم أعلنت
الجمعية التشريعية أنها منعقدة في جلسة مستديمة، وبادرت بحل حرس الملك الخاص،
وأصدرت قرارين على غاية من الخطورة: اقترح أحدهما «سرفان» — وزير الحربية — دون
استشارة الملك أو زملائه في الوزارة، ويقضي بإنشاء معسكر بجوار باريس لعشرين
ألفًا من «المتطوعين أو
الفدرائيين» Volontaires-Fédérés من جميع المديريات والأقاليم، وكان الغرض الظاهر
من هذا الإجراء الدفاع عن العاصمة ضد الغزو الأجنبي، بينما كان الغرض الحقيقي
دعم سيطرة الجيروند. وأما القرار الآخر، فقد أعطى الهيئات الإدارية في الأقاليم
السلطة لنفي القساوسة المستنكرين من فرنسا إذا شهد ضدهم عشرون من
المواطنين.
وقد وافق الملك على تسريح حرسه الخاص. ولكنه أصرَّ على استخدام «حق الاعتراض»
لتعطيل القرارين الآخرين. وعندما نقد «رولاند» مسلكه لم يلبث الملك أن طرده هو
وزميليه «سرفان» و«كلافيير» من الوزارة، في ١٢ يونيو ١٧٩٢. وثلاثتهم كانوا
العنصر الأوثق ارتباطًا بالجيروند في الوزارة. وأراد الملك أن يستبقي
«ديمورييه» والوزيرين الآخرين «ديرانتون» وزير العدل و«لاكوست» وزير البحرية،
ولكن هؤلاء أصروا على ضرورة أن يصدِّق الملك على قراري الجمعية التشريعية
الخاصين بإنشاء معسكر المتطوعين بجوار باريس ونفي القساوسة المستنكرين من
فرنسا. ولما رفض الملك على وجه الخصوص التصديق على القرار المتعلِّق بنفي
القساوسة المستنكرين، فقد استقال ثلاثتهم، وسقطت وزارة الجيروند في ١٥ يونيو
١٧٩٢.
(٤) حادث ٢٠ يونيو ١٧٩٢
حاول الملك الآن التحالف مع «الفويان». فشكَّل وزارته منهم، وانبرى هؤلاء
للدفاع عن الملك. ولكن سقوط وزارة الجيروند واستيزار الفويان كان معناهما في
نظر الوطنيين أنَّ كل شيء قد صار الآن مهيَّأً لتنفيذ «المؤامرة الأرستقراطية».
فراجت الإشاعات بأن الأوامر سوف تصدر لوقف القتال، وأن الملك سوف ينتهز فرصة
الاحتفال بيوم ١٤ يوليو؛ ليصدر عفوًا شاملًا عن المهاجرين. واستبدَّ القلق
بالجمعية التشريعية، حتى إنها أنشأت «لجنة استثنائية من اثنيْ عشر عضوًا»
«لاقتراح الوسائل التي يتسنَّى بها إنقاذ الدستور والإمبراطورية
الفرنسية».
وعلى ذلك، فقد جاء سقوط وزارة الجيروند مُشَابِهًا لحادث إخراج «نكر» من
الوزارة في ١١ يوليو ١٧٨٩؛ أي إن الملك قد طرد الوزراء الجيروند الذين لم
يستطعْ احتمالهم سوى شهرين من الزمان فحسب، ولم يكن قد استوزرهم إلا كسبًا
للوقت وحتى ينتهي هو من إتمام استعداداته، أما وقد أخرجهم من الوزارة، فالمتوقع
أن الموعد قد حان لتنفيذ المؤامرة، ذلك ما كانت تردِّده الإشاعات.
وقد زاد الاعتقاد بقرب تنفيذ المؤامرة رسوخًا عندما وجه «لفاييت» من معسكره
في «موبوج» Maubeuge خطابًا إلى الجمعية
التشريعية قُرِئَ بها في ١٨ يونيو، قال فيه: إن وجود «ديمورييه» في الوزارة
السابقة كان عارًا وفضيحةً، ثم هاجم اليعاقبة هجومًا عنيفًا، وطالب بإغلاق
ناديهم وإخماد حركتهم، ثم رسم برنامجًا لتطبيق الدستور بصورة تُعْطِي الملك
خصوصًا سلطات أوسع، وتخوِّله الحقَّ في اختيار وزرائه «متحررين من الحزبية».
فاعتُبرت رسالة «لفاييت» هذه مقدمة «لانقلاب حكومي». واتحد الجيروند مع
اليعاقبة لتحريض الجماهير على القيام بحركة ثورية لإلقاء الرعب والفزع في قلب
الملك وقلوب مستشاريه حتى يُذعِنوا، وحتى يصدِّق الملك على قراري الجمعية
التشريعية.
وفي يوم ٢٠ يونيو ١٧٩٢، وهو يوم ذكرى توقيع ميثاق ملعب التنس
٦ (٢٠ يونيو ١٧٨٩) تجمَّعت الجماهير (حوالي عشرين ألفًا) في حي سان
أنطوان، وحي سان مارسو
٧ يقودهم على وجه الخصوص «سان
تير»
San Terre — أحد تجار وصانعي الجعة — وقصد الغوغاء إلى الجمعية
التشريعية حيث قدموا عريضة طالبوا فيها باستدعاء الوزراء «الجيروند»، ثم قصدوا
إلى قصر التويلري كي يرفعوا شكاواهم إلى الملك، ولم يقاومهم الحرس، فتدفقوا إلى
داخل القصر، واقتحموا غرفة الملك، وقابلهم لويس السادس عشر برباطة جأش، وأجبره
المتظاهرون على ارتداء القلنسوة
الحمراء
Bonnet Rouge «لباس اليعاقبة»، وأن يشرب نخب الشعب، وأهان الغوغاء
الملكة وأطفالها في غرفة مجاورة لساعات طويلة، واستمرَّ الحال على ذلك إلى أن
حضر «بتيون» — عمدة باريس — وليس هناك أدنى شك في أن «بتيون» مدبِّر هذه
الثورة؛ فأنهى هذه الاضطرابات، وأخلى المتظاهرون القصر دون إراقة دماء.
ولقد ترتَّب على حادث يوم ٢٠ يونيو ١٧٩٢ هذا عدة نتائج: منها أن ردَّ فعل
كبيرًا حدث في صالح الدستور والملك، وتشجَّع «الفويان» — أنصار الدستور والملك،
والذين تألَّفت الوزارة منهم، على توجيه الاتهام ضد «بتيون» وغيره كمحرِّضين
على الشغب الذي حصل. ولكن الملك — لقصر نظره، ولعجزه عن إدراك الحقائق — لم
يلبث أن ترك فرصة رد الفعل الذي حصل في صالح الملكية تُفْلِت من يده، عندما
أراد الاعتماد في خلاصه وإنقاذه على الجيوش الأجنبية فحسب، فرفض في عناد أن
يتقيد كما قال بمحالفة مع أي حزب من الأحزاب ذات الصلة «بالثورة».
وقد خيل إلى «لفاييت» من ناحية أخرى أن بوسعه إعادة الهدوء والسكينة إلى
باريس وإنقاذ الملكية، إذا حضر بنفسه من مقر قيادته في الميدان، ولكنه قوبل في
باريس ببرود من جانب الجمعية التشريعية التي أنَّبته على ترك قيادته في هذه
الظروف العصيبة. ثم أراد «لفاييت» أن يستخدم جنوده القدامى من رجال الحرس
الأهلي ضد النوادي في باريس، ولكنه أخفق في محاولته بسبب تدخل «البلاط» ضده؛
لأن «لفاييت» لم يكن موضع ثقة البلاط؛ فاضطر إلى الانسحاب حانقًا. وبانسحاب
«لفاييت» فقد الحزب الدستوري كل أهمية كانت له، وبذلك ضاع الأمل الأخير في
إنقاذ الملكية.
(٥) يوم ١٠ أغسطس ١٧٩٢
والواقع أن الغزو الأجنبي الذي كان الملك يبني عليه اعتماده في إنقاذه وإنقاذ
الملكية لم يأتِ بالنتيجة المرجوة منه، بل لم يلبثْ هذا الغزو الأجنبي أن أتاح
الفرصة لأعداء الملك حتى ينتصروا عليه.
فقد انتخب فرنسيس الثاني إمبراطورًا في ٣ يوليو ١٧٩٢، واتخذ الأمراء الألمان
والنبلاء الفرنسيون (المهاجرون) من الحفل الذي أُقيم لتتويجه (١٤ يوليو) فرصة
لحشد قواتهم، وأحضر ملك بروسيا «فردريك وليم الثاني» ثمانين ألف مقاتل، وارتهن
الأمر لشن الهجوم الكبير على فرنسا بالفراغ في تنسيق الإجراءات اللازمة لبدء
العمليات العسكرية. وأمام هذا التهديد إذن، وجد الشعب الفرنسي أنه لم يعد في
وسعه أن يضع ثقته في ملك كان من الواضح أن ميوله قطعًا في جانب أعداء الأمة.
وانتهز الجيروند واليعاقبة فرصة وجود هذا الشعور المعبأ ضد الملك؛ كي يستأنفوا
خططهم التي عطَّلها فشل حادث ٢٠ يونيو. فخطب «فيرنيو» Vergniaud — من أبلغ خطباء الجيروند — ضد الملك بعنف في
الجمعية التشريعية، واتَّهَمَه بأنه مبعث كلِّ الأخطار التي تهددت الوطن، وراح
يؤكد بأن خيانة الملك قد قضت بالفشل على كل أهداف الجيروند، وجعلت الدفاع عن
البلاد عديم النفع ولا جدوى منه.
وكان في هذه الظروف أن استُدعي المتطوعون (أو الفدرائيون) — وعددهم عشرون
ألفًا — للحضور إلى المعسكر الذي وافق الملك أخيرًا على قرار إنشائه، (وهو
القرار الذي كان قد اقترحه «سرفان» كما عرفنا قبل سقوط وزارة الجيروند)، على أن
ينشأ هذا المعسكر في «سواسون» Soissons، كما
تقرر أن يكون مرور المتطوعين من باريس ذاتها وهم في طريقهم إلى سواسون. وقد حضر
متطوعو مرسيليا، وهم ينشدون «المارسيليز» الذي وضعه كما ذكرنا «روجيه دليل».
وفي ١١ يوليو ١٧٩٢ أعلنت الجمعية التشريعية: «أن الوطن في خطر»، وعمدت إلى
اتخاذ الإجراءات الكفيلة بدفعه، وأعيد «بتيون» إلى منصبه (عمدة لبلدية باريس)
نزولًا على إرادة الجماهير. وفي الاحتفال بعيد ١٤ يوليو، أُرغم الملك على تجديد
قسم الولاء للدستور، ولو أن عقيدة الشعب — وعن حق — كانت أن الملك حانث في
يمينه.
وفي ٢٥ يوليو ١٧٩٢ أصدر «دوق دي
برنسويك» Brunswick — قائد الجيش البروسي — بلاغًا حرره أحد المهاجرين،
توعَّد فيه كل من يعمد للدفاع عن نفسه ضد جيوش الحلفاء بمعاملته كثائر؛ أي
بإعدامه رميًا بالرصاص، وهدد باريس بالتدمير التام إذا اعتدى إنسان على قصر
التويلري ولحق أي أذًى بالأسرة المالكة. وقد عرفت باريس بهذا البلاغ في ٢٨
يوليو، فزاد بها الهياج، واتَّحَد اليعاقبة والجيروند لتدبير هجوم جديد على
الملكية. وعبثًا حاول «برتران دي مولفيل» — وزير الفويان السابق — نصح الملك
بالهرب إلى نورماندي.
وفي ٣ أغسطس تألَّفت مظاهرة من «أقسام» باريس على رأسها «بتيون» قصدت إلى
الجمعية التشريعية، تطلب خلع الملك، ودعوة «مؤتمر وطني»، كما طالبت بتوجيه
الاتهام ضد «لفاييت». وفي ٦ أغسطس كرر هذا الطلب — خلع الملك — وفدٌ من
المتطوِّعين أو الفدرائيين.
ولما كانت الجمعية التشريعية قد رفضت الإذعان لهذه الديكتاتورية الديماجوجية،
ورفضت على وجه الخصوص توجيه الاتهام ضد «لفاييت» — جلسة ٨ أغسطس — فقد استقرَّ
الرأي على إحداث عصيان وشغب جديدين. ودبر اليعاقبة — باشتراك دانتون وسان تير
وديمولان وغيرهم — هجومًا على قصر التويلري، حددوا له موعدًا مساء ٩ أغسطس. وفي
الوقت المعين (منتصف ليل ٩ أغسطس ١٧٩٢) دَقَّ ناقوس الثورة، فاحتشد الثوريون في
حي سان أنطوان، واستولوا على إدارة البلدية، وحلوا مجلسها وأنشئوا «قومونًا»
مؤقتًا وضعوا على رأسه «دانتون»، ثم عملوا على إلغاء التدابير المتخذة لحراسة
القصر والدفاع عنه، فاستُدعي «ماندا» Mandat
رئيس الحرس الأهلي إلى دار البلدية، وتقرر سجنه، ثم ذُبح في الطريق إلى السجن،
وعين القومون بدلًا منه «سان تير» — من زعماء حادث ٢٦ يونيو — وزحف الثوار على
قصر التويلري وهم مسلحون بمختلف أنواع السلاح وبالمدافع.
وفي الخامسة من صبيحة يوم ١٠ أغسطس، استعرض الملك جنود الحرس في حديقة القصر،
فكان هلعه عظيمًا عندما اكتشف أنهم من طراز لا يمكن التعويل عليه. ثم لم تمضِ
ساعتان حتى كان قد حضر الغوغاء (٢٠ ألفًا) لمهاجمة قصر التويلري. فهرب الملك
والملكة وأطفالهما إلى قاعة الجمعية التشريعية، وترك الملك وراءه الحرس
السويسري — حرسه الخاص — يلتحم مع الجماهير الثائرة؛ إذ لم يصدر الملك إلى هذا
الحرس أية أوامر بالانسحاب قبل الاشتباك مع الجماهير، وأخفق وفد من الجمعية
التشريعية في تهدئة هؤلاء، واستطاع الحرس السويسري الصمود في وجه الثوار، ولكن
الملك لم يلبث أن أمر بوقف إطلاق النار وبانسحاب الحرس إلى الجمعية التشريعية.
وتعذَّر بسبب الفوضى أن يبلغ هذا الأمر لكل جنود الحرس، فانسحب فريق منهم بينما
بقي حواليْ ثلاثمائة يقاتلون الثوار. فلم تمضِ عشرون دقيقة حتى كانت عند الساعة
الحادية عشرة قد انتهت المعركة وقتل الثوارُ هؤلاء عن آخرهم.
ذلك إذن كان يوم ١٠ أغسطس، وهو يوم ذو نتائج حاسمة في تاريخ فرنسا، فلم تَعُد
الملكية وحدها تحت رحمة الغوغاء، بل صارت كذلك الجمعية التشريعية من الآن
فصاعدًا تحت رحمتهم. وحق للجيروند أن يندموا على ما حدث عندما انتقلت السلطة
العليا الآن إلى يد قومون باريس الثوري. ولم يكن الجيروند هم أصحاب السيطرة في
هذا القومون، بل كانت هذه من نصيب اليعاقبة. فلم يَعُدْ في وسع الجمعية
التشريعية إلا أن تصدر القرارات التي صارت تُملى عليها. من هذه القرارات وقف
الملك الذي أُودع قصر لكسمبورج، ودعوة مؤتمر وطني لمراجعة الدستور، ثم تشكيل
وزارة جديدة، دخلها من الجيروند: رولاند، وسرفان، وكلافيير. ولكن دخلها أيضًا
«دانتون» وزيرًا للعدل. وكان «دانتون» صاحب اليد العليا في الوزارة، بينما
تعيَّن «مارا» رئيسًا للجنة المراقبة أو الأمن العام.
٨
ولقد أرغمت الجمعية التشريعية على إقرار التغيير الذي حدث في مجلس البلدية،
وإقرار انتخاب القومون الثوري الذي عمد إلى الاستئثار بكل وظائف الحكم. وقد رفع
عدد أعضاء هذا القومون من ستين أو سبعين عضوًا إلى ٢٨٨ عضوًا. وكان «روبسبيير»
من الأعضاء الذي انتخبوا حديثًا. وكان «روبسبيير» قد أخفى نفسه أثناء حوادث يوم
١٠ أغسطس ولم يشترك فيها بشيء. ولكنه لم يلبث أن ظهر حتى يجني ثمار تدبير غيره،
ويقتسم مع «دانتون» سلطان الحكم في فرنسا.
ثم إن القومون لم يلبثْ أن نقل الملك يوم ١٣ أغسطس من قصر لكسمبورج إلى سجن
الهيكل Temple، وعين بتيون وسان تير
لحراسته، كما قرَّرَ هدم تماثيل الملوك، وطلب القومون من الجمعية التشريعية
تأسيس محكمة استثنائية (جنائية) لمحاكمة أعداء الشعب الذين ساهموا في المؤامرة
ضد الأمة. فنزلت الجمعية ثانيةً عند إرادة الغوغاء، وقررت إنشاء هذه المحكمة في
١٧ أغسطس سنة ١٧٩٢، تختار أقسام باريس أعضاءها ولا استئناف للأحكام التي
تصدرها. ثم تنفذت القرارات الخاصة بمصادرة أملاك المهاجرين، ونفي القساوسة
المستنكرين. وأعطيت البلديات السلطة في إلقاء القبض على المشتبه في
أمرهم.
(٦) مذابح سبتمبر ١٧٩٢
وبينما كانت هذه الحوادث تقع في باريس، كان خطر الغزو الخارجي لا يزال ماثلًا
وعلى أشده؛ ذلك بأن البروسيين بقيادة دوق دي برنسويك، ويصحبهم ملكهم كذلك،
كانوا قد بدءوا زحفهم يوم ٣٠ يوليو ١٧٩٢ من كوبلنز صوب حدود شامبانيا Champagne بطريق لكسمبورج، وتصدى لمقاومتهم
جيشًا «لفاييت» و«لوكنر»، بينما دافع جيش آخر بقيادة بيرون Biron وكاستين Custine عن
الألزاس. ثم جاءت أخبار يوم ١٠ أغسطس، فصار موضع التساؤل الآن: هل يحذو الجيش
الفرنسي حذو أكثرية إدارات الأقاليم، فيوافق على ما فعله الباريسيون، أو ينشق
عليهم؟ ولم يتردد «لفاييت»، وكان مقر قيادته عندئذٍ في «سيدان» Sédan إعلان استنكاره ضد اليعاقبة والتنديد
بهم، وطلب إلى القائد الآخر «لوكنر» أن يزحف معه بجيشه على باريس لإعادة النظام
بها. ولكن الجنود والضباط الآخرين وعلى رأسهم «ديمورييه» رفضوا هذا الزحف،
بدعوى أن الواجب يحتِّم على كل فرنسي أن يعمل لدفع العدو الأجنبي وليس قتال
مواطنيه، وتخلى «لوكنر» عن «لفاييت».
وعندئذٍ أعلنت الجمعية التشريعية أن «لفاييت» قد ارتكب جريمة الخيانة ضد
الوطن. فلم يجد «لفاييت» وسيلة لإنقاذ حياته سوى الهرب، فهرب من الجيش هو وحفنة
من أصدقائه (٢٠ أغسطس) قاصدًا إلى هولندة. ولكن العدو لم يلبث أن قبض عليه وهو
في طريقه إليها وسجنه كأسير حرب، فقضى خمس سنوات في قلعة «أولمتز» Olmutz النمساوية، حتى أُفرج عنه عند عقد
معاهدة «كمبوفرميو» مع النمسا في أكتوبر ١٧٩٧. وأما قيادته فقد انتقلت إلى
«ديمورييه» بينما حلَّ «كلرمان» Kellermann
محل «لوكنر». وأفاد البروسيون من هذه الاضطرابات فسلمت إليهم «لونجوي» Longwy في ٢٣ أغسطس، وكان البروسيون قد بدءوا
هجومهم عليها في ٢٠ أغسطس، ثم لم تلبث أن سقطت «فردان» Verdun في ٢ سبتمبر. وبذلك صار الطريق أمامهم مفتوحًا إلى
باريس.
وفي باريس استبدَّ الفزع بأهلها لاقتراب الخطر منهم. واتخذت الجمعية
التشريعية عدة قرارات للدفاع، وحاولت القضاء على القومون كي تتحرر من سيطرته،
ولكن القومون لم يكتفِ بأن رفض الإذعان لمشيئة الجمعية التشريعية، بل انتزع من
الجمعية كلَّ شئون الدفاع عن باريس، وصار «دانتون» ديكتاتورًا حقيقيًّا على
باريس بأسرها، وأخذ على عاتقه وحده الدفاع عنها بكل الوسائل والطرق، ضد أعداء
الوطن الخارجيين والداخليين على حدٍّ سواء. وكان شعار دانتون: «إرهاب الملكيين،
وإلقاء الرعب في قلوبهم!»
وكان من أَثَرِ الفزع الذي استبدَّ بالعاصمة أن دخل «مارا» وغيره من
المتطرِّفين هيئة القومون المشرفة على أعمال الشرطة (البوليس). وفي مساء ٢٩
أغسطس أغلقت بوابات باريس وأجري تفتيش دقيق في المنازل بدعوى التفتيش عن
الأسلحة، وفي الحقيقة للقبض على المشبوهين؛ أي أصحاب الميول الملكية. وتلقت السجون
٩ في باريس حواليْ ثلاثة أو أربعة آلاف من القساوسة المستنكرين
والنبلاء والضباط وغيرهم.
وفي ٢ سبتمبر راجت إشاعة بأن الملكيين على وشك مهاجمة السجون لإنقاذ
المسجونين، ولتسليم باريس خيانةً وغدرًا للبروسيين؛ أي إن المؤامرة
الأرستقراطية قد دخلت في دور التنفيذ. فهاجمت الغوغاء السجون، وبدأت من ثم
مذابح سبتمبر المشهورة. وتزعَّم الحركة في بدايتها الحاجب «ميلار» Millard — في بعض السجون — وزاد من وحشية هذه
المجازر وصول النبأ في مساء ٣ سبتمبر بسقوط «فردان»؛ فراحت عصابات مسلحة تزور
السجون وتفتك بمن فيها تحت إرشاد القومون وبتعليمات منه، وقد دفع القومون بعد
ذلك الأجور للباريسيين الذين اشتركوا في هذه المذابح، ثمنًا «لجهودهم». واستمرت
هذه المذابح أربعة أيام متوالية ولم يتدخَّل أحد لوقفها، ذهب ضحيتها حواليْ
الألفين على أقل تقدير. وتدخَّل «دانتون» بنفسه لإنقاذ قلائل كان من بينهم
«بارناف» Barnave «من الفويان». وكان من
بين القتلى في سجن «لافورس» البرنسيس دي
لامبيل Lambelle صديقة الملكة.
وطلب القومون من الأقاليم اتخاذ إجراءات شبيهة بهذه، بدعوى أنه لا ينبغي على
الذاهبين إلى جبهة القتال أن يتركوا وراءهم أعداءهم (قطاع الطريق) الذين سوف
يقتلون لا محالة — أثناء غيابهم — نساءهم وأطفالهم. فوقعت مذابح في فرساي،
وليون، ورايمز Reims، ومو Meaux وأورليان. فكانت هذه المذابح في رأي بعض
المؤرخين: «باكورة نتائج انتصار الجيروند، وثمرة الجهود التي بذلتها الدول
الأجنبية لإنقاذ فرنسا!»