الفصل الحادي عشر
أعدَّ ويل فارنبي طعام إفطاره بنفسه، وكان عندما عاد الدكتور روبرت من زيارته الصباحية المبكرة للمستشفى يشرب الفنجان الثاني من شاي بالا ويأكل الخبز المحمص مع المربى.
واستفسر عن صحة لاكشمي فأجابه الدكتور روبرت بقوله: لم تتألم كثيرًا أثناء الليل، واستغرقت في النوم العميق لمدة أربع أو خمس ساعات، واستطاعت هذا الصباح أن تتناول شيئًا من الحساء.
وواصل حديثه قائلًا إنه يأمل في مهلة يوم آخر. ولما كان وجوده إلى جانبها باستمرار يُقلق راحتها. ولما كانت الحياة لا بُدَّ — على أية حال — من أن تسير، وأن تُستغل على أحسن صورة ممكنة؛ فقد قرر أن يسوق سيارته إلى «المحطة المرتفعة» يقوم فيها لبضع ساعات بالعمل مع فريق البحث في معمل المستحضرات الطبية.
– عمل يتعلق بعقار الموكشا؟
هز الدكتور روبرت رأسه وقال: كلا. هذا العمل لم يعُد إلا تكرارًا لعملية مقننة. وقد بات من اختصاص التقنيين. وليس من عمل الباحثين. هؤلاء يشتغلون بشيء جديد.
وبدأ يتكلم عن الأندولات التي عزلت أخيرًا عن بذور الأولوليكوي التي استُورِدت من المكسيك في العام الماضي وزُرعت في حديقة النباتات بالمحطة. ثلاثة أندولات على الأقل لم تكن من بينها سوى واحدة فعالة. وقد أثبتت التجارب على الحيوان أن لها تأثيرًا على الجهاز الشبكي …
نحن لا نستطيع أن نتخلص بالعقل من اللاعقل الأساسي في نفوسنا. كل ما نستطيعه هو أن نتعلم كيف نكون لا عقليين بطريقة معقولة.
بعد ثلاثة أجيال من الإصلاح لم تعُد في بالا جموعٌ كقطعان الغنم ولا رعاة طيبون من الكهنوت يجزُّون صوف القطعان ويخْصُون ذكورها. ليس هناك قطعان من البقر والخنازير وليس هناك تجار مرخصون للماشية، ملكيون أو عسكريون، رأسماليون أو ثائرون، يَسِمُون ويقيدون ويجزرون، هناك فقط جماعات من الرجال والنساء في طريقهم إلى الإنسانية الكاملة.
النغم أو الحجارة، العمليات أو الأشياء المحسوسة؟ تجيب البوذية كما يجيب العلم الحديث على هذا التساؤل بإيثار «النغم». ويقول الفلاسفة الغربيون القدامى الحجارة. البوذية والعلم الحديث ينظران إلى العالم في نطاق الموسيقى. أما الصورة التي يتمثلها المرء وهو يقرأ فلاسفة الغرب فهي عبارة عن جسم من الفسيفساء البيزنطي، متماثل، مؤلَّف من ملايين المربعات الصغيرة المصنوعة من مادة حجرية المثبتة في جدران كاتدرائية كاثوليكية خالية من النوافذ.
إن رشاقة الراقصة، وما يصيبها من التهاب المفاصل بعد أربعين عامًا؛ هذا وذاك من وظائف هيكلها العظمي. وبفضل تكوين العظام تستطيع الفتاة أن ترقص الباليه على أصابع القدم، وبسبب هذه العظام عينها، بعدما تتآكل قليلًا، يُحكم على المرأة العجوز بالتحرك فوق المقعد ذي العجلات. وكذلك فإن الدعامة القوية لأية ثقافة من الثقافات هي الشرط الأول لكل ابتكار أو إبداع يقوم به الأفراد، وهي أيضًا عدوهم الأول.
إن الشيء الذي لا يمكن أن نتطور في غيبته حتى يُمسي كلٌّ منا إنسانًا كاملًا هو في أغلب الأحيان نفس الشيء الذي يَحول دون تطوُّرنا.
وقد أثبت بكل جلاءٍ قرنٌ من البحث في عقار الموكشا أن الشخص العادي قادر تمامًا على أن تكون له رؤًى بل وعلى أن يشعر بالتحرر الكامل. والرجال والنساء — من هذه الناحية — الذين يصنعون الثقافة الرفيعة ويستمتعون بها لا يَفضُلون أصحاب المعرفة المحدودة. إن الخبرة الرفيعة تتفق تمام الاتفاق مع التعبير الرمزي البسيط.
والرموز التعبيرية التي ابتدعها فنانو بالا لا تَفضُل الرموز التعبيرية التي ابتدعها الفنانون في غيرها من الأماكن، بل لعلها أضعف أثرًا وأقل إقناعًا من الناحية الجمالية من الرموز التراجيدية أو التعويضية في البلاد الأخرى؛ ذلك لأن الرموز في بالا هي من ثمرات السعادة والإحساس بالإنجاز، والرموز في غيرها من البلاد من ابتداع ضحايا الإحباط والجهل، والظلم، والحرب والخرافات التي تشجع ارتكاب الذنوب وتحرِّض على الجريمة. إن تفوُّق بالا لا يرجع إلى التعبير الرمزي، وإنما يرجع إلى فنٍّ يمكن أن يمارسه كل إنسان، وإن يكن أعلى مرتبةً وأكبر قيمةً من كل الفنون الأخرى؛ ذلك هو فن الممارسة الكافية لكل العوالم التي نقطنها كبشر، فن التعرف المباشر بهذه العوالم. ثقافة أهل بالا لا تقاس كما تقاس الثقافات الأخرى (لانعدام مقاييس أفضل)، لا تقاس بإنجازات قلة من الموهوبين البارعين في الرموز الفنية أو الفلسفية. لا، إنها تقاس بما يفعل ويمارس كل أعضاء المجتمع، العاديون منهم والمتفوقون، في كل حدث من الأحداث وكلما تقاطع الزمان مع الأبدية.
ودق التليفون، فهل يتركه يرن، أم هل الأفضل أن يجيب ويخطر المتحدث بأن الدكتور روبرت يقضي يومه في الخارج، وقرر ويل أن يأخذ بالرأي الآخر فرفع السماعة.
وقال محاكيًا قدرة السكرتير حينما يرد: هنا بيت الدكتور ماك فيل. ولكن الدكتور خارج البيت طوال اليوم.
وبصوتٍ ملكي غني ردَّ المتحدث على الطرف الآخر من التليفون قائلًا: هذا أفضل، كيف حالك يا عزيزي فارنبي؟
وذهل ويل وتلعثم وهو يشكر صاحبة السمو على تفضُّلها بالسؤال.
قالت الراني: أخذوك بعد ظهر أمس لتشهد حفلة من حفلاتهم الدينية المزعومة؟
وأفاق ويل بالقدر الكافي من ذهوله فأجاب بكلمة محايدة وبنغمة لا تلزمه أي التزام، وقال: كانت رائعة.
قالت الراني: نعم رائعة ولكن باعتبارها كاريكاتير للحقل الديني الصادق، كاريكاتير لا يحترم المقدَّسات. ولفظت كلمة «الصادق» بنبرة تنمُّ عن التمجيد كام تنمُّ عن الازدراء، ثم قالت: إنهم لم يتعلموا قط أن يميزوا تمييزًا مبدئيًّا بين النظام الطبيعي والنظام الخارق للطبيعة.
وتمتم ويل قائلًا: تمامًا، تمامًا …
وسألته صاحبة الصوت المتحدث على الطرف الآخر: ماذا تقول؟
فرفع صوته وقال: تمامًا.
واستمرت الراني في حديثها قائلة: يسرُّني أنك تُوافق. ولكني لم أطلبك على التليفون لأبحث معك الفرق بين الطبيعي والخارق للطبيعة؛ على الرغم من الأهمية القصوى للفارق بينهما. إنما طلبتك لكي أتحدث معك في أمرٍ أكثر عجلة من هذا.
– البترول؟
قالت: نعم البترول. ولقد بلغتني منذ برهة رسالة من ممثلي الشخصي في راندنج. ثم أضافت وبهذه المناسبة أقول له إنه في مركز رفيع وعلى معرفة جيدة.
وتحيَّر ويل من أولئك الضيوف الذين حضروا حفل الكوكتيل في وزارة الخارجية، ممن يحسنون الكلام ويرصعون صدورهم بالأوسمة، من منهم خدع غيره من المخادعين؛ وهو طبعًا واحد من هؤلاء.
وواصلت الراني حديثها قائلة: في الأيام القليلة الماضية وصل بالطائرة إلى راندنج لوبو ثلاثة ممثلين على الأقل لشركات البترول الكبرى الأوروبية والأمريكية. وقد نقل إليَّ مُبلغي أنهم يفاوضون بالفعل أربعًا أو خمسًا من الشخصيات الرئيسية في الإدارة ممن قد يكون لهم في وقت لاحق نفوذ في تقرير من يعطي الامتياز في بالا.
وطقطق ويل بلسانه طقطقة تنمُّ عن الاستنكار.
وقالت تلميحًا أن مبالغ طائلة قد عُرضت إن لم يكن بطريق مباشر فعلى الأقل باللفظ وبالتلويح المُغري.
قال معلِّقًا: هذا أمر شنيع.
قالت الراني إن وصف شنيع هو اللفظة المناسبة؛ ولذلك كان لا بُدَّ من القيام بعمل ما في هذا الخصوص، وأن يتم العمل فورًا. وكانت قد علمت من باهو أن ويل قد كتب بالفعل للورد ألديهايد، وأن الرد سوف يرد من غير شك في خلال أيام قليلة. ولكن هذه الأيام القليلة أطول مما يحتمل، والوقت أمر جوهري. ليست فقط بسبب ما كانت تفعله هذه الشركات المتنافسة، ولكن لأسباب أخرى كذلك (وهنا أخفضت الراني صوتها بدرجة غريبة)، وبهذا الصوت المنخفض أخذت تحثه الآن: الآن، وبغير توانٍ! يجب أن تُبرق إلى اللورد ألديهايد وتخبره بما يحدث (وأضافت عرضًا أن باهو بإخلاصه لها قد عرض عليها أن ينقل الرسالة بالشفرة عن طريق مفوضية راندنج في لندن)، ويجب أن يصحب الرسالة طلب عاجل بأن يفوض اللورد مراسله الخاص في أن يتخذ الخطوات اللازمة لضمان نجاح قضيتهما المشتركة (والخطوات المناسبة في هذه المرحلة تكون أساسًا ذات طبيعة مالية).
واختممت حديثها قائلة: ولذلك أرجو أن تسمح لي أن أطلب إلى باهو أن يرسل البرقية فورًا، باسمي واسمك يا مستر فارنبي. وأرجو يا عزيزي أن يكون هذا التصرف مقبولًا منك.
ولم يكن هذا التصرف مقبولًا بتاتًا. ولكن ويل لم يجد ما يعتذر به للرفض لأنه كتب من قبلُ ذلك الخطاب إلى جو ألديهايد؛ ولذلك صاح متظاهرًا بالتحمس للفكرة تحمسًا يكذبه سكوته الطويل المريب قبل أن يقول إنه يوافق بالطبع، وذلك السكوت الذي كان يبحث خلاله عن رد آخر. ثم أضاف قوله: يجب أن يصلنا الرد في وقتٍ ما غدًا.
وأكدت له الراني أنهم سوف يتلقونه هذا المساء.
– وهل يمكن ذلك؟
– إن الله على كل شيء قدير.
قال: هذا صحيح. ولكن …
– إنني أومن بما يوحي إليَّ به صوتي الضعيف. وهو يقول لي: هذا المساء ويقول: إنه سوف يفوض فارنبي تفويضًا كاملًا، وكررت عبارتها بحيوية بالغة. ويقول صوتي الضعيف كذلك: إن فارنبي سوف يحقق نجاحًا تامًّا.
قال شاكًّا: إنني أتعجب.
– يجب أن تنجح.
– يجب!
– نعم يجب.
– لماذا؟
– لأن الله هو الذي أوحى إليَّ أن أشن حرب الروح الصليبية.
– أنا لا أفهم العلاقة تمامًا.
قالت: ربما كان من الواجب ألا أخبرك. وصمتت برهة ثم قالت: ولكن لماذا لا أخبرك؟ لقد وعدني اللورد ألديهايد أن يؤازرني في الحرب التي أشنُّها بكل موارده إذا نجحت قضيتنا. وما دام الله يريد أن ننتصر في الحرب، فإن قضيتنا لا يمكن إلا أن تنتصر.
وأراد أن يصيح مجيبًا: وهذا هو المطلوب. كأنها معادلة رياضية، ولكنه كبح جماح نفسه، فليس هذا من الأدب. وعلى أية حال فإن الموضوع الراهن ليس من الفكاهة في شيء.
قالت الراني: يجب أن أتصل بباهو حالًا يا عزيزي فارنبي. وأنهت المكالمة التليفونية.
وهز ويل كتفيه وعاد إلى «مذكرات عن حقائق الأشياء»، ولم يكن لديه شيء آخر يشغل نفسه به.
– الثنائية … بغيرها يستحيل أن يكون هناك أدب رفيع، وبها لا يمكن — بكل تأكيد — أن تكون هناك حياة طيبة. «أنا» تؤكد أن هناك مادة أنانية منفصلة ثابتة، و«أكون» تُنكِر أن الوجود كله علاقات وتغيُّر. «أنا أكون»، هاتان كلمتان صغيرتان، ولكنهما تنطويان على باطل ضخم! إن المثنوي صاحب العقل المتدين ينادي الأرواح المصطنعة من الأعماق السحيقة. أما غير المثنوي فينادي الأعماق السحيقة في روحه، أو بعبارة أدق، يجد أن الأعماق السحيقة موجودة فعلًا لديه.
وسمع ضجةً أحدثتها عربة مقتربة، أعقبها سكون عندما أُوقِف المحرك، ثم صوت باب ينغلق ووقْع أقدام فوق الحصى، وفوق سُلَّم الفراندة.
قال فيجايا بصوته العميق: هل أنت مستعد؟
وألقى ويل «مذكراته» جانبًا، والتقط عصاه الخيزرانية، ونهض على قدميه، وسار نحو الباب الخارجي.
قال ويل وهو يتجه نحو الفراندة: نعم مستعد.
وأمسكه فيجايا من ذراعه وقال: إذن هيا بنا واحذر درجات السُّلَّم.
وكانت تقف إلى جوار عربة الجيب امرأة في منتصف الأربعينيات من عمرها مرتدية ثيابًا قرنفلية، وحول رقبتها عقد من المرجان، امرأة مستديرة الوجه.
قال فيجايا: هذه ليلاراو، أمينة المكتبة، وسكرتيرة، وأمنية الصندوق، والمشرفة على النظام العام، لا غنى لنا عنها.
وصافحها ويل، وبدت له شبيهة بالسيدات الإنجليزيات الرقيقات الممتلئات حركة ونشاطًا اللائي — بعد أن يكبر أطفالهن — يقمن بالأعمال الخيرية أو يتجهن إلى تثقيف أنفسهن. إنهن لسن على قدر كبير من الذكاء، ولكنهن يتصفن بالإيثار، مخلصات، طيبات حقًّا، ولكن — لسوء الحظ — باعثات على السأم. وكانت ليلاراو من هذا الطراز لا تختلف عنه إلا ببشرتها السمراء.
وقالت السيدة راو مبادِرةً بالكلام وهم يسيرون إلى جوار بركة اللوتس ويمرقون إلى الطريق العام: سمعت عنك من صديقيَّ الصغيرين رادا ورانجا.
قال ويل: أرجو أن أكون حائزًا لرضاهما كما حازا رضاي.
وأشرق وجه السيدة راو بهجةً وسرورًا وقالت: يسرُّني أنك معجب بهما.
وقال فيجايا: إن رانجا ذكي بدرجة غير عادية.
وظن ويل أنهما من تلاميذها في نوع من المدارس الدينية البوذية، وحسب أنه بهذا الظن يتفق معها في الرأي. ولشدَّ ما كان ذهوله عندما علم أنهما تتلمذا عليها في يوجا الحب، وأن راو؛ هذه العاملة المخلصة في المستوطنات، كانت تُلقي عليهما الدروس في السنوات الست الماضية وفي الفترات التي لا تشتغل فيها بالمكتبة. وذلك حسبما ظن ويل بالطرق التي أباها موروجان والتي ارتأتها الراني فظيعة؛ لما كانت تتصف به من حب لبنيها يبلغ حد التملُّك. وفغر ويل فاه ليُلقي إليها بسؤال. ولكن ردود الفعل عنده كانت على مستوى آخر أرفع من ذلك متأثرة بعاملين في المستوطنة من طراز آخر، فلم تخرج الأسئلة من بين شفتيه، وفات أوان السؤال، وبدأت السيدة راو تتحدث عن أعمال أخرى تقوم بها.
قالت: لو عرفت ما نعانيه مع الكتب في هذا الجو! الورق يتعفن، والصمغ يسيل، والغلف تتحلل، والحشرات تلتهم. إن الأدب المكتوب لا يناسب في الواقع المناطق الاستوائية.
قال ويل: وإذا صدق راجا العجوز فإن الأدب لا يتفق كذلك وكثير من الخصائص المحلية هنا بخلاف المناخ؛ إنه لا يتفق وكرامة الإنسان، ولا يتفق والحق الفلسفي، ولا يتفق وصحة عقل الفرد وسلامة النظام الاجتماعي، لا يتفق مع أي شيء سوى الثنائية، والجنون الإجرامي، والطموح المستحيل، والذنب الذي لا لزوم له. وكشَّر بشراسة وقال: ولكن ما علينا؛ فالكولونيل ديبا سوف يصحح الأوضاع. وبعد أن تُغزى بالا ويؤمن جانبها في الحرب والبترول والصناعة الثقيلة، سيكون لكم — من غير شك — عصركم الذهبي في الأدب وأصول الدين.
قال فيجايا: أود أن أضحك، وما يشغلني هو أنك على الأرجح قد أصبت الرأي، وأنا أحس إحساسًا مزعجًا أن أبنائي سوف يرون — عندما يكبرون — نبوءتك تتحقق.
وبينما هم يشقُّون طريقهم بين الأكشاك تحت الأشجار الضخمة علَّق ويل بقوله: كل امرئ هنا يبدو في صحة جيدة.
قالت السيدة راو: إنهم يبدون أصحَّاء لأنهم أصحاء، وسعداء على خلاف ما عرفت من قبلُ. وعادت إلى ذاكرته الوجوه التي شهدها في كلكتا ومانلا وراندنج لوبو، وهي الوجوه التي يراها المرء كل يوم في شارع فليت وشارع استراند؛ الوجوه المكتئبة. وتطلع من وجه إلى آخر ثم قال: حتى النساء يبدون سعيدات.
قالت السيدة راو: ليست لأي منهن عشرة أطفال.
قال ويل: والمرأة في بلادي ليس عندها عشرة أطفال، وعلى الرغم من ذلك تُرى على وجهها علامات الوهن وعلامات الهم. وتوقَّف لحظة لكي يراقب بائعة في منتصف العمر تزن شرائح من ثمر الخبز المجفف بحرارة الشمس لأمٍّ شابة تحمل طفلها في كيس فوق ظهرها. واختتم ملاحظته قائلًا: هذا نوع من الإشراق.
قالت السيدة راو بشعور الظافر: بفضل ماثيونا، بفضل يوجا الحب. وتألَّق وجهها بمزيج الحماسة الدينية وكبرياء المهنة.
قال ويل وهو يراقبها في خروجها: رائعة. وليس هناك ما هو أروع من ذلك. ولكن ماذا عسى طفلة في مثل سنها أن تظن أنها فاعلة بالضبط؟ أية ديانة تؤدي شعائرها؟
– وهل تشجعون أنتم المثقفين شيئًا كهذا؟
– نحن لا نشجع ولا نثبط. نحن نقبل العقيدة كما نقبل نسيج العنكبوت الذي تراه فوق الإفريز. إن العناكب بطبيعتها لا بُدَّ أن تنسج هذه الخيوط، وكذلك البشر بطبيعتهم لا بُدَّ أن يكون لهم دين. وليس بوسع العناكب إلا أن تصنع مصائد للذباب. وليس بوسع الإنسان إلا أن يضع الرموز. ذلك هو السر في وجود الذهن البشري؛ أن يُحول فوضى الخبرة المعطاة إلى مجموعة من الرموز التي يستطيع أن يتناولها. وأحيانًا تقابل الرموز بعض أوجه الحقيقة الخارجية التي تجاوز خبراتناد مقبول. عندئذٍ يكون العلم والإدراك العام، وأحيانًا أخرى — على نقيض ذلك — لا تكون للرموز صلة تقريبًا بالحقيقة الخارجية. عندئذٍ يكون الجنون والهذيان. وفي أغلب الأحيان يكون هناك خليط يجمع بين الواقع والخيال؛ هذا هو الدين. والدين جيد أو سيئ بنسبة تتوقف على درجة المزج بين الاثنين؛ فمثلًا من نوع الكالفينية التي نشأ عليها الدكتور أندرو يوجد قدر ضئيل جدًّا من الواقع مقابل كمية ضخمة من الخيال الخبيث. وفي أحوال أخرى يكون المزيج أصح من ذلك. خمسين في المائة مقابل خمسين في المائة، أو أحيانًا أربعة وستين في المائة أو حتى ثلاثة وسبعين من الصدق والحق. ومزيجنا المحلي يحتوي على قدر ضئيل جدًّا من السموم.
وأومأ ويل برأسه قائلًا: تقديم النبات السحلبي إلى تمثال الرأفة والتنوير شيء لا يضر بتاتًا. وبعد الذي رأيته بالأمس أجدني على استعداد لأن أُدلي بشهادة طيبة في صالح الرقص الكوني والتزاوج السماوي.
– ومتى تتعلم هذا الدرس؟ متى تكفُّ عن إقناع نفسها بغير ذلك؟
– قد لا تتعلمه بتاتًا. كثير من الناس لا يتعلمونه، وكثيرون آخرون — من ناحية أخرى — يتعلمونه.
وجذب ويل من ذراعه وقاده إلى مكانٍ أكثر ظُلمة خلف تمثال الاستنارة. وأخذ النشيد يزداد وضوحًا، وكان هناك منشد تكاد العين لا تراه في الظلام، رجل كُبَّار يجلس عاريًا إلى وسطه، يلتزم كتمثال أميتابها الذهبي الصمت المطلق، لا يحرك سوى شفتيه.
قال ويل: ماذا يرتل؟
– شيئًا بالسنسيكريتية.
كان يكرر سبعة مقاطع ليس لها معنًى.
– تكرار ليس وراءه طائل.
وعارضته السيدة راو قائلة: إنه ليس بالضرورة من غير طائل؛ فهو أحيانًا يذهب بك إلى مكان ما.
وزاد على ذلك فيجايا قوله: نعم إنه يذهب بك إلى مكان ما. ليس لما تعنيه الكلمات أو ما توحي به، وإنما فقط لأنها تتكرر. فأنت إذا كررت قولك «هاي ديدل ديدل» كان لذلك نفس الأثر، كما لو قلت «أوم» أو «كرياليسون»، أو غير ذلك، كل ذلك له في النفس أثره؛ لأنك حينما تشغل ذهنك بالتكرار لا يمكن أن تشغله كله بنفسك. والمشكلة هي أنك بمثل هذا التكرار إما تنخفض وإما ترتفع؛ إما تنخفض إلى حالة من بلاهة اللافكر، وإما ترتفع إلى وعي مطلق مصدره اللافكر.
قال ويل: أفهم من ذلك أنك لا توصي بمثل ذلك لصديقتنا الصغيرة هذه التي كانت تحمل النبات السحلبي؟
– لا أوصي ما لم تكن عصبية أو قلقة بدرجة غير عادية، وهي ليست كذلك. وأنا أعرفها حق المعرفة، فهي تلعب مع أطفالي.
– إذن ماذا تفعل في حالتها؟
– أفعل الكثير، ومن بين ما أفعل أقودها، بعد نحو عام، إلى المكان الذي نحن ذاهبون إليه الآن.
أي مكان؟
– غرفة التأمل.
وسار ويل وراءه تحت مدخل تعلوه قنطرة وعلى طول ممر قصير. وفتحت السجف وأذابهم في غرفة كبيرة جدرانها بيضاء ولها نافذة طويلة إلى يسارهم تنفتح على حديقة صغيرة ينمو فيها شجر الموز وثمر الخبز. وقد خلت الغرفة من الأثاث اللهم إلا بضع حشايا مربعة الشكل منتشرة فوق الأرض، وعلى الحائط المقابل للنافذة عُلقت صورة زيتية كبرى، رمقها ويل بنظرة ثم تقدَّم نحوها يتمعنها.
وأخيرًا قال: يا للعجب! مَن رسم هذه الصورة؟
– جوبندسنج.
– ومن هو جوبندسنج.
– أحسن مصوِّر للمناظر الطبيعية أنتجته بالا. مات في عام ٤٨.
– لماذا لم نرَ قط صورة من صوره؟
– لأننا نحب أعماله حبًّا جمًّا فلا نُصدر أيًّا منها.
قال ويل: هذا في مصلحتكم، وليس في مصلحتنا. وتطلَّع إلى الصورة مرة أخرى وسأل: هل ذهب هذا الرجل إلى الصين في حياته؟
قال ويل: أستاذ ينتمي إلى سونج آثر أن يصوِّر بالزيت وكان مهتمًّا بتوزيع الضوء في الصورة.
– فقط بعدما ذهب إلى باريس، وكان ذلك في عام ١٩١٠م، وهناك عقد صداقةً مع فيار.
هز ويل رأسه وقال: يستطيع المرء أن يقدِّر ذلك من هذا الغنى غير العادي البادي في اللوحة. واستمر في نظره إلى الصورة في صمت، وأخيرًا ألقى بهذا السؤال: ولماذا تعلِّقونها في غرفة التأمل.
وردَّ عليه فيجايا بسؤال آخر، وقال: ماذا تظن أن يكون السبب؟
– هل لأن هذا هو ما تسمُّونه رسمًا يرمز للعقل؟
– المعبد رسم رمزي. ولكن هذا أفضل منه؛ فهو مظهر فعلي، مظهر فعلي للعقل الكبير في عقل الفرد بالنسبة إلى المنظر الطبيعي، وإلى اللوحة، وإلى خبرة التصوير. وبهذه المناسبة أقول لك إنها صورة الوادي الغربي المجاور.
قال ويل: وما أجمل السُّحب، وهذا الضوء!
وزاد فيجايا من الشرح قائلًا: إنه ضوء الساعة الأخيرة قبل الغسق. وقد توقَّف المطر منذ قليل وظهرت الشمس مرة أخرى أشد ضياءً من أي وقت مضى. ضياؤها هو الضياء الخارق للطبيعة، الضياء المائل تحت سقفٍ من السحب. ضوء العصر في آخر النهار الذي ينقش كل سطح يمسه ويعمق كل الظلال.
وحدق ويل في الصورة وهو يكرر هذه العبارة: يعمق كل الظلال، ظل هذه السحابة المرتفعة الضخمة تسود سلاسل من الجبال بأسرها وتضفي عليها الظلام، وهناك في الوسط ظلال السحب الصغيرة المتناثرة، وفيما بين الظل والظل وهج الأرز في أول نموه، أو الحرارة الحمراء تشع من الأرض المحروثة، وتوهج الحجر الجيري المكشوف، والأماكن المعتمة والأوراق دائمة الخضرة التي تتلألأ كالماس. وقد أقيمت وسط الوادي مجموعة من البيوت المسقوفة بالقش، تبدو من بعيد، صغيرة، ولكنها واضحة للعين، ناطقة تمامًا، لها دلالة عميقة! نعم لها دلالتها. ولكنك إن سألت نفسك دلالة على أي شيء؟ لم تجد جوابًا. ووجَّه ويل هذا السؤال ملفوظًا.
قال فيجايا: تسألني ما معناها، وأقول لك أنها تعني ما هي عليه. وكذلك الجبال، والسحب، والضوء والظلام؛ ومن ثَمَّ كانت هذه الصورة صورة دينية حقًّا. أما الصور الشبيهة بالدينية فهي تشير دائمًا إلى شيء آخر، شيء يجاوز الأشياء التي تمثِّلها؛ تمثِّل شيئًا من الكلام الفارغ الميتافيزيقي أو عقيدة باطلة من العقائد المحلية. إن الصورة الدينية حقًّا تكون دائمًا مليئة بالمعنى في حد ذاتها؛ ولذلك علَّقنا هذه الصورة في غرفة التأمل.
– وهل الصور دائمًا للمناظر الطبيعية؟
– تقريبًا دائمًا؛ لأن المناظر الطبيعية تذكِّر الناس فعلًا بمن يكونون.
– وهل هي أفضل من صور تمثِّل حياة قديس أو مخلِّص؟
– معرفة النفس؟
وأكد له فيجايا مرة ثانية أنها معرفة للنفس وقال: إن هذا المنظر للوادي المجاور إنما هو منظر — إذا ارتفعت درجة واحدة — لعقلك أنت، لعقل كل امرئ كما هو موجود فوق وتحت مستوى التاريخ الشخصي. ألغاز الظلام، ولكن الظلام يموج بالحياة، رؤية الضوء، والضوء يشع من هذه البيوت الصغيرة المهلهلة كما يشع من الأشجار، والحشائش، والمسافات الزرقاء بين السحب. إننا نبذل جهدنا لندحض الحقيقة. ولكن الحقيقة باقية. الإنسان مقدَّس كالطبيعة، لا نهائي كالفضاء. أراني أقترب من اللاهوت بصورة خطرة، والفكرة العامة لم تنقذ قط أحدًا. ألزم الوقائع، وألزم الحقائق المحسوسة. وأشار بإصبعه إلى الصورة وقال: نصف القرية في ضوء الشمس ونصفها الآخر في الظل وفي الخفاء؛ هذه حقيقة. وهذه جبال لونها نيلي، وتلك جبال من بخار الماء تعلوها، وهي أكثر منها غرابة؛ هذه حقائق. البحيرات الزرقاء في السماء، بحيرات لونها أخضر باهت وأخرى من الترسينا النيئة فوق الأرض التي يسطع عليها ضوء الشمس؛ هذه حقائق. وهذه الحشائش في المقدمة، ومجموعة أشجار الخيزران على بُعد خطوات من المنحدر، وتلك القمم البعيدة والبيوت الصغيرة العجيبة التي تقع على بُعد ألفَي قدم في أسفل الوادي؛ كل هذه حقائق. وأضاف بعبارة معترضة قوله: البعد؛ قدرتها على التعبير عن حقيقة البعد، هذا أيضًا مما يجعل صور المناظر الطبيعية من الصور الدينية الصادقة.
– لأن البعد يُضفي على المنظر سِحرًا؟
وبعد فترة من الصمت سأله ويل: هل تأتي كثيرًا إلى هنا؟
– كلما شعرت أني أوثر التأمل الجماعي على التأمل الفردي.
– وكم مرة يكون ذلك؟
– مرة كل أسبوع تقريبًا. ولكن هناك بطبيعة الحال من يحب أن يأتي أكثر من ذلك؛ وبعضهم أقل، أو لا يزورون المكان مطلقًا. إنما يتوقف الأمر على مزاج الشخص؛ فصديقتنا سوزيلا — مثلًا — بحاجة إلى جرعات أكبر من العزلة؛ ولذلك فهي قلَّما تزور غرفة التأمل. في حين أن شانتا (زوجتي) تحب أن تطل على المكان كل يوم تقريبًا.
قالت السيدة راو: وكذلك أنا. ثم قالت وهي تضحك: غير أن ذلك أمر متوقع؛ لأن السِّمَان يحبون الصحبة حتى وهم يتأملون.
وسأل ويل: وهل تتأملين في هذه الصورة؟
– لا أتأمل فيها، بل أتأمل منها، إن كنت تدرك ما أعني. والأصح أن أقول بمحاذاتها. أنا أنظر إليها، وينظر إليها الآخرون، وهي تذكِّرنا جميعًا من نكون ومن لا نكون، وكيف يمكن أن ينقلب ما لسنا به إلى ما نحن به.
وسأل ويل: وهل هناك علاقة، بين ما تتحدثين عنه، وما شهدته هناك في معبد شيفا؟
أجابت: طبعًا هناك علاقة. إن عقار الموكشا يقودك إلى نفس المكان الذي تبلغه بالتأمل.
– لماذا يأبه المرء إذن بالتأمل؟
– هذا السؤال كقولك لماذا يأبه المرء بتناوله غدائه.
– ولكن عقار الموكشا — وفقًا لما تقولين — غداء.
قال مؤكِّدة: إنها وليمة؛ ولذلك كان لا بُدَّ من التأمل. وأنت لا تستطيع أن تقيم الولائم كل يوم؛ لأن الوليمة دسمة جدًّا ويبقى أثرها طويلًا. ثم إن الولائم يُعِدُّها من يتعهد بتقديمها، وليس لك أي دور في إعدادها. طعامك اليومي أنت تطهوه، أما عقار الموكشا فهو دعوة خاصة بين الحين والحين.
قال فيجايا: ويمكننا أن نقول — إذا عبَّرنا بمصطلحات اللاهوت — إن عقار الموكشا يُعِد المرء لاستقبال النعم بلا مقابل؛ الرؤى التي تسبق حالة التصوف أو التجارب الصوفية الكاملة. والتأمل طريقة من الطرق التي يشارك بها المرء في هذه النعم.
– وكيف يكون ذلك؟
– باستثارة حالة من حالات العقل التي تجعل من الممكن تحويل لمحات النشوة الباطنية الخاطفة إلى إنارة مستديمة مألوفة، وبمعرفة الإنسان نفسه إلى درجة لا يرغمه فيها إلا شعوره بأن يفعل القبيح، ويرتكب العبث والباطل مما يفعله المرء في أكثر الأحيان.
– تعني أنه يساعد المرء على أن يكون أحدَّ ذكاء؟
– ليس أحدَّ ذكاءً فيما يتعلق بالعلم والجدل المنطقي؛ وإنما أحدُّ ذكاء على مستوًى أعمق، مستوى الخبرة المحسوسة والعلاقات الشخصية.
قالت السيدة راو: أحدُّ ذكاءً على هذا المستوى، حتى إن كان المرء غبيًّا جدًّا في المستويات العليا، وربَّتت على قمة رأسها وقالت: أنا بكماء لا أصلح فيما يصلح له الدكتور روبرت وفيجايا؛ علم الأجنة، والكيمياء الحيوية والفلسفة وما إلى ذلك. وأنا لا أجيد التصوير ولا الشعر ولا التمثيل. ليست عندي مواهب ولا مهارات؛ ولذلك كان من الواجب أن أحس النقص الشديد والكآبة. ولكن في الواقع أنا لا أحس ذلك؛ بفضل عقار الموكشا والتأمل. لا مواهب ولا مهارة. ولكن في شئون الحياة، وفهم الناس ومساعدتهم، أشعر أني أزداد حساسية ومهارة. وفيما يسميه فيجايا النعم بغير مقابل … وهنا صمتت قليلًا ثم قالت: قد تكون أعظم العباقرة في العالم، ولكنك لن تأخذ أكثر مما أعطيت أنا. أليس كذلك يا فيجايا؟
– منتهى الصدق؟
ثم عادت إلى ويل تقول له: لذلك ترى يا مستر فارنبي أن بالا مكان الأغبياء. أكبر سعادة لأكبر عدد من الناس؛ ونحن الأغبياء أكبر الأعداد. الناس من أمثال الدكتور روبرت وفيجايا وعزيزي رانجا؛ هؤلاء نعترف بتفوقهم، ونعلم تمام العلم أن نوع ذكائهم غاية في الأهمية. ولكنا نعلم كذلك أن نوع ذكائنا على نفس الدرجة من الأهمية، ونحن لا نحسدهم لأننا أعطينا قدر ما أعطوا، بل أحيانًا أكثر مما أعطوا.
قال فيجايا: نعم أحيانًا أكثر، لسبب بسيط، وهو أن موهبة العمل بالرموز تغري أصحابها إلى اعتياد العمل بالرموز. واعتياد العمل بالرموز عقبة في سبيل الخبرة المحسوسة وتلقِّي النعم بلا مقابل.
قالت السيدة راو: لذلك ترى أنك لست بحاجة لأن تشعر بالأسف لحالنا. ثم نظرت إلى الساعة وقالت: يا إلهي. إذا أنا لم أسرع فسوف أتخلف عن وليمة ديليب.
وسارت مسرعة نحو الباب.
وسخر منها ويل قائلًا: الوقت، الوقت، الوقت، الوقت، حتى في هذا المكان للتأمل الذي لا يحدُّه وقت. إن وقت العشاء يقطع الأبدية بدرجة لا رجاء في إصلاحها. ثم ضحك. وهو من الرافضين دائمًا، ويرى أن الرفض هو طبيعة الأشياء.
قالت وهي تبتسم: ولكن أحيانًا تقطع الأبدية الوقت — حتى وقت العشاء — بصورة معجزة. مع السلامة. ولوحت بيدها وانصرفت.
وتساءل ويل بصوت مرتفع وهو يقتفي أثر فيجايا في ظلام المعبد حتى خرجوا إلى وضح النهار: أيهما أفضل؛ أن تولد غبيًّا في مجتمع ذكي، أو تولد ذكيًّا في مجتمع مجنون؟