محاسن التطيُّر
عن عكرمة قال: كُنَّا جلوسًا عند ابن العبَّاس وابن عمر، فطار غُراب يَصيح، فقال رجل
من
القوم: خيرٌ خير. فقال ابن العبَّاس: لا خير ولا شر. والذي حضرَنا من الشِّعر في مثله
لأبي
الشَّيص:
ما فَرَّقَ الأحبابَ بعْـ
ـد الله إلَّا الإبلُ
والناسُ يَلْحونَ غُرا
بَ البَين لمَّا جَهِلوا
وما على ظَهْرِ غُرا
بِ البَينِ تُطوى الرِّحَلُ
ولا إذا صاح غُرا
بٌ في الدِّيار ارتَحلوا
وما غُرابُ البَين إلَّا
ناقةٌ أو جملُ
وقال آخر:
أترحلُ عَمَّن أنت صَبٌّ بمِثله
وتلحى غُرابَ البَين إنك تَظلِمُ
أقِمْ فغُرابُ البَين غيرُ مُفرِّق
ولا يأتلي إلَّا على الفصلِ يَحكُمُ
وقال آخر:
غَلِطَ الذين رأيتُهم بِجهالةٍ
يلحُون كلُّهم غرابًا يَنعِقُ
ما الذَّنبُ إلَّا للجِمال فإنها
ممَّا يُشتِّتُ شملهم ويُفرِّقُ
إنَّ الغراب بيُمنه يُدني النَّوى
وتُشتِّتُ الشَّملَ الجميع الأينُقُ
وقال آخر:
لا يعلَمُ المرءُ ليلًا ما يُصبِّحُهُ
إلَّا كواذِبُ ممَّا يُخبِرُ الفالُ
والفالُ والزَّجْرُ والكُهَّان كُلُّهُمُ
مُضلِّلُون ودون الغَيبِ أقفالُ
ضده
حُكِي عن النُّعمان بن المُنذِر أنه خرَج مُتصيِّدًا ومعه عدي بن زَيد العبادي، فمرَّ
بآرام — وهي القُبور — فقال عدي: أبَيْت اللعن، أتدري
ما تقول هذه الآرام؟ قال: لا. قال: إنها تقول:
أيُّها الرَّكْبُ المُخِفُّو
نَ على الأرض تمرُّون
لكما كنتم فكُنَّا
وكما كُنَّا تكونون
فقال: أعِدْ فأعادها، فترك صَيدَه ورجَع
كئيبًا، وخرَج معه مرَّةً أخرى فوقَف على آرام بظهر الحيرة، فقال عدي: أبيت اللعن،
أتدري ما تقول هذه الآرام؟ قال: لا. قال: إنها تقول:
رُبَّ رَكْبٍ قد أناخوا عندنا
يَشربون الخمْر بالماء الزُّلال
ثُمَّ أضحَوا عَصَفَ الدَّهرُ بِهم
وكذاك الدهرُ حالًا بعدَ حال
فانصرَفَ وترك صَيده. قال: ولمَّا خرَج خالد بن الوليد إلى أهل الرِّدَّة انتهى إلى
حيٍّ من بني تغلِب، فأغار عليهم وقتلَهم، وكان رجل منهم جالسًا على شرابٍ له وهو
يُغنِّي بهذا البيت:
ألا علِّلاني قبلَ جَيْش أبي بَكْرِ
لعلَّ مَنايانا قريبٌ وما نَدْري
فوقَفَ عليه رجلٌ من أصحاب خالد فضرَبَ عُنقَه، فإذا رأسُه في الجَفْنة التي كان
يشرَبُ منها، وهذا كقولهم:
إنَّ البلاء مُوكَّلٌ بالمَنطِقِ