محاسن النساء النادبات
قيل: كان رسول الله ﷺ يستحسن قول الخنساء في صخر أخيها:
وقيل للخنساء: صِفي لنا صخرًا؟ فقالت: كان مطر السنة الغبراء وذعاف الكتيبة الحمراء، قيل: فمعاوية؟ قالت: حياء الجدبة إذا نزل، وقرى الضيف إذا حلَّ، قيل: فأيهما كان عليك أحنى؟ قالت: أما صخر فسقام الجسد، وأمَّا معاوية فجمرة الكبد، وأنشدت:
ورُوِيَ أنها دخلت على عائشة أم المؤمنين وعليها صدار من شعر، فقالت لها عائشة: أتتخذين الصدار وقد نهى عنه رسول الله ﷺ؟ فقالت: يا أم المؤمنين، إن زوجي كان رجُلًا متلافًا منفِقًا، فقال لي: لو أتيت معاوية فاستعنتيه، فخرجت وقد لقيني صخر فأخبرته، فشاطرني ماله ثلاث مرات، فقالت له امرأته: لو أعطيتها من شرارها — تعني الإبل — فقال:
فلما هلك صخر اتخذت هذا الصدار ونذرت أن لا أنزعه حتى أموت، قال ثور بن معن السلمي: حدَّثني أبي قال: دخلت على الخنساء في الجاهلية وعليها صدار من شعر، وهي تجهز ابنتها فكلمتها في طرح الصدار، فقالت: يا حمقاء، والله لأنا أحسن منك عُرسًا وأطيب منك درسًا وأرق منك نعلًا، وأكرم منك بعلًا، قال عبد الرحمن بن مُرَّة عن بعض أشياخه أن عمر بن الخطاب قال للخنساء: ما أقرح مآقي عينيك؟ قالت: بكائي على السادات من مُضَر، قال: يا خنساء، إنهم في النار، قالت: ذلك أطول لعويلي، ومما اخترنا من أشعارها قولها:
ورُوِي خبر الخنساء من جهة أخرى: ذكروا أنها أقبلت حاجَّة، فمرَّت بالمدينة ومعها أناس من قومها، فأتوا عمر بن الخطاب فقالوا: هذه خنساء، فلو وعظتها فقد طال بكاؤها في الجاهلية والإسلام، فقام عمر وأتاها، وقال: يا خنساء قال: فرفعت رأسها، فقالت: ما تشاء؟ وما الذي تريد؟ فقال: ما الذي أقرح مآقي عينيك؟ قالت: البكاء على سادات مضر، قال: إنهم هلكوا في الجاهلية وهم أعضاد اللهب وحشو جهنم، قالت: فداك أبي وأمي، فذلك الذي زادني وجعًا، قال: فأنشديني ما قلت؟ قالت: أما إني لا أنشدك ما قلت قبل اليوم، ولكني أنشدك ما قلته الساعة، فقالت:
فقال عمر: دعوها، فإنها لا تزال حزينة أبدًا ليلى الأخيلية هجاها رجلٌ من قومها، فقال:
فأجابته:
وذكروا أنها دخلت على عبد الملك بن مروان، فقال لها: يا ليلى، هل بقي في قلبك من حب توبة فتى الفتيان شيء؟ قالت: وكيف أنساه وهو الذي يقول يا أمير المؤمنين:
قال: عمَّرك الله أن تذكريه. ولتوبة في ليلى الأخيلية:
فلما مات توبة مرَّ زوج ليلى بليلى على قبره، فقال لها: سلِّمي على توبة، فإنه زعم في شعره أنه يسلِّم عليك تسليم البشاشة، فقالت: ما تريد إلى مَنْ بليت عظامه؟ فقال: والله لتفعلن، فقالت وهي على البعير: سلامٌ عليك يا توبة فتى الفتيان، وكانت قطاة مستظلة في ثقب من ثقب القبر، فلما سمعت الصوت طارت وصاحت، فنفر البعير ورمى بليلى فماتت فدُفِنَت إلى جنب قبر توبة، قال: وسأل الحجاج ليلى: هل كان بينك وبين توبة ريبة قط؟ قالت: لا والذي أسأله صلاحك، إلا أنه مرَّة قال لي قولًا ظننت أنه خنع لبعض الأمر، فقلت له:
فما كلمني بعد ذلك بشيء حتى فرَّقَ بيني وبينه الموت، قال الحجاج: فما كان بعد ذلك؟ قالت: لم يلبث أن قال لصاحب له: إذا أتيت الحاضر من بني عباد، فقل بأعلى صوتك:
فلما سمعت الصوت خرجت فقلت:
قال: ودخلت ليلى على الحجاج فأنشدته: قولها فيه:
فوصلها الحجَّاج بألف دينار، وقال: لو قلت بدل غلام همام لكان أحسن. هند بنت عتبة أم معاوية بن أبي سفيان، قيل: لما قُتِلَ شيبة وعتبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة رَثتهم هند، فقالت:
فأجابتها عمرة بنت عبد الله بن رواحة الأنصاري: